إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إنها السلطة أيها السادة

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2011-07-09

إقرأ ايضاً


أمراضهم تؤكدها العيادة, ويثبتها التحليل والشهادة, ودراسة جينات البَلادة, التي تفتك بلا هوادة, قبل وبعد الولادة, بالملوك والرؤساء والقادة, وتصيب أعضاء القيادة, بوباء نقص الإرادة, والضعف والخوف والهدادة, وتجعل أصحاب السعادة,عند الأزمات والمَشادة, مُهوسين فوق العادة, ومُتيمين الى حد العبادة, لا بحُب وجمال الغادة, بل بالسلطة وبسط السيادة.

إنها السلطة أيها السادة !

كرسيها ساحر وملعون, جربه أكثر من مجنون, ظهر من بينهم فرعون, وعدو الشعب نيرون, وهولاكو وجنكيز ونابليون, ووصل اليه النازيون, وتربع علية الفاشيون, وطغاة حكم آخرون, تاريخهم بالعار مطعون, وحكمهم بالخزي مقرون, وعقابهم بالنار مضمون, فلا شفاعة لحاكم خؤون, خيب الآمال والظنون, وغيب العدل والقانون, ولا لعميل بالأعاجم مفتون, فنشر الفساد والمَجون, ولا لطاغية تصرف بجنون, وأحرق بلهيب الآتون, ما أراده لغدِهم الآتون. وقد كتب ابن خلدون, قبل ستة قرون "حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة, فإن تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب, ويحجبون الشعب عنه, فيصلون له من الأخبار أكذبها, ويصدون عنه الأخبار الصادقة.."

إنه تحليل يعكس واقع الحكام, الذين سبقوا وعاصروا ابن خلدون في مرحلة الإقطاع, وينقل صورة دقيقة عن أكثرالحالات شيوعا في الأنظمة البرجوازية والرأسمالية, وحتى الإشتراكية, التي لولا نجاح وفلاح الوصولين والإنتهازيين في التغلل وكسب ود وثقة القيادات فيها, لما حصلت الخيانات والإخفاقات في الداخل,الذي كان يهابه ويخافه الخارج .

مسؤولية الحاكم :

ليس من السهل تحميل الحاكم مسؤولية تفشي الوصولية والإرتزاق, دون الأخذ اللازم بعين الإعتبار, دور الأفراد, الذين يحيطون به ويجعلونه معتمدا في اتخاذ القرارات على ما يَرد اليه منهم. ولأن تاريخ المجتمعات كان ولا يزال حافلا بالوصوليين والمرتزقة, الذين لا يعرف, ولا يعتمد وجودهم على الإنتماء القومي أو الديني, فإن من الأصح إلقاء اللائمة والمسؤولية على النظام بأسره, لا على الحاكم وحده. وعلى الرغم من الاختلافات الملموسة بين النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والفرانكوية الإسبانية, وغيرها من الأنظمة القمعية والدكتاتورية, إلا أنها بقيت قريبة ومتشابهة من ناحية استقطابها لثلة المرتزقة والوصوليين والإنتهازيين,الذين حجبوا حكامهم عن الشعب, وخانوا أمانة توصيل الأخبار الصادقة اليهم, إما لتورطهم وربط مصيرهم بالقادة, وإما للحفاظ على مواقع لا يتمنون فقدانها بفقدهم .

لقد شاهد الملايين في العالم, خلال العقود الستة الماضية, ما كان يُبث مباشرة ويُوثق من إحتفلات واستعراضات عسكرية للأنظمة الدكتاتورية في العديد من المناسبات, بحضور مئات الألوف من أنصار ومؤيدي هذا القائد وذاك, و كان من المنطقي ان يتسائل المرء بعد كل مرة : هل كان الجميع على حق؟, وهل كان المصفقون والهاتفون ( بمن فيهم من ردح في عالمنا العربي: بالروح, بالدم.. نفديك يا..) صادقين ؟.

لا شك ان الجواب مرتبط بعوامل المكان والزمان والظروف السياسية والإقتصادية. فالعبودية, التي سادت في زمن فرعون ونيرون, وفرضت التنفيذ المطلق لإرادة الحاكم المطلق, لم تعد ممكنة في زمن الثورة الفرنسية, التي غيرت جذريا, الواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي في فرنسا, وتعدى تأثيرها الأيديولوجي, حدودها الجغرافية بكثير.

ورغم عودة مصطلح " الديمقراطية " الى لغة الثورة, بعد غياب فرضه فشل النظام السياسي من تحقيقها في أثينا, إلا ان نوازع التمرد, ودوافع التفرد, لدى بعض القادة, حرفها عن مبادئها وأهدافها, بتعرض العديد من منفذيها ومفكريها الى حملات إعدام رهيبة, بناءا على أوامر ثوري الأمس روبسبير, مما عجل في تحشيد قوى الطبقة البرجوازية, من أجل ضرب وتصفية الثورة, وكان نابليون بمثابة الرجل المناسب في الوقت المناسب لتحقيق تلك المهمة.

أما بالنسبة للنظام النازي وحليفة الفاشي, فإنهما لم يظهرا ما يدل على تغيير في سيكولوجية القيادات وسلوكها في خضم الصراع والتنافس الشديد بين الدول الأوروبية على بسط النفوذ ونهب خيرات الدول المُستعمَرة. وكانت القسوة والوحشية في التعامل مع المعارضة وقمعها في الداخل, بداية التهيأة لما يُعد للخارج من حروب دموية, هي الأعنف في تاريخ البشرية, دون أن يبخل المقربون من هتلر وموسوليني ما بوسعهم في بذل الجهود لتعظيم وتمجيد دور"القائد" واعتباره فوق الجميع, مشجعين بذلك,على جعله متنفذا ومستبدا ومتفردا في السلطة الى حدود اللامعقول .

لقد قدمت المجتمعات الإقطاعية والبرجوازية والرأسمالية, الكثير من نماذج الدكتاتوريات المقيته,لكن مساحيق "الديمقراطية",التي استخدمتها, لم تنفع في تجميل الوجوه القبييحة لقادة هذه الأنظمة,التي كانت ولا تزال قائمة على الإستغلال الجشع للطبقات المعدومة, والدول المظلومة,التي أخضعت لها بالقوة.

ولم تكن الأحوال في عالمنا العربي بأفضل مما عرفته أوروبا, من حيث تشبث الحكام بالسلطة وكثرة ثلل المرتزقة والوصوليين. ولعل في مقال " لنا قادة يثيرون القرف" ما يكفي لوصف شراذم الشؤم واللؤم والظلم: http://www.thawabitna.com/Article/article13-01-11/article5080.htm

ويتبين من التاريخ, أن الصراع على السلطة في عالمنا العربي لا يقل قسوة ودموية عما عرفته أكثر الأنظمة دكتاتورية في العالم. فالملوك والرؤساء ثابتون, وعن السلطة لا يرحلون, وهم لا لسنوات يحكمون, بل لعقود طويلة يبقون, واذا دنت يد المنون, تراهم لحظهم يندبون, والى التوريث يُسرعون, وقد تتغير الدنيا ولا يتغيرون !

ويصف الشاعر نزار قباني حال الحاكم العربي كما يلي :

كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهاني ضميري.

من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين ؟

من سيشفي بعدي الأعرج

والأبرص والأعمى ومن يحيي عظام الميتين ؟

من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر من ترى يرسل للناس المطر.

من ترى يجلدهم تسعين جلدة ؟

من ترى يصلبهم فوق الشجر؟

من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر ؟

ويموتوا كالبقر..

إنها سلطة الغرائب والعجب, تحدث التاريخ عنها وكتب.. فويل لمِلوك ورؤساء عرب, وقادة حمَلوا أعلى الرُتب, إذا اغفلوا حقوق الشعب, وفرضَوا القيود بلا سبب. وويح مَن للحريات سَلب, وأساء الفهم حين حسَب, بأن السلطة لمن غلب, وان البقاء فيها وجَب, ولو أصيب الجسم بالعطب, وغاب العقل عنه وذهب.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024