مع دخول عصر الهجرة الفلسطينية للدول الأوروبية آفاق جديدة ، ومع تطور حركة الجاليات الفلسطينية داخل المجتمعات الأوروبية ، وظهور ما يعتبره بعض المراقبين قوة ضغط جديدة ، آخذة في النشوء ، لكنها مشتتة في أحيانٍ ، وفي أحيانٍ أخرى موحدة ، تجمعها الأحداث الأليمة ، وتفرقها الإنقسامات المريرة . وبات من الأهمية التي تفرضها الضرورات التاريخية أن تظهر ملامح الأطر الحقيقية للهياكل والتشكيلات الجماهيرية الفلسطينية ، لا أن تبقى الأمور مقتصرة على مظاهر إعلامية موسمية ، من مؤتمرات سنوية ، ومهرجانات خطابية ، حتى بات تكرارها يجهض مسعى البحث عن الأطر الحقيقية التي من شأنها أن تنظم وتوجه حركة الجاليات الفلسطينية باتجاهات التكوين الحقيقي لقوة الضغط الفلسطينية المطلوبة في أوروبا .
ماهية الجالية وتكوينها
ثمّة خلط في التوصيفات التي يطلقهاالبعض ممّن يهتمون بشأن الجاليات الفلسطينية في الدول الأوروبية ، في معرض الإشارة أو الدلالة الى الجالية الفلسطينية ، في هذه المدينة الأوروبية أو تلك ! بل انّ البعض يصف الإتحادات والمؤسسات التي تضمّ بين دفتيها عدّة جمعيات ، أو روابط فلسطينية ، في بلد أو مدينة أوروبية ، بالجالية الفلسطينية ! ووصل الأمر لدى البعض أن يصف الجمعية الواحدة ، في مدينة أوروبية بالجالية الفلسطينية ! ان تلك التحديدات والتوصيفات غير الدقيقة ، في حقيقتها ، تدلل على أمرين ، الأول قصور في المعرفة ناتج عن تداخل وتشابك في المفاهيم التنظيمية والتوصيفات الدقيقة لمعنى الكلمة المتداولة . والأمر الثاني محاولة الإلتفاف على المعنى بقصد تزويره ، وحرفه عن مدلوله الحقيقي ، بهدف السطوّ على إرادة الجالية ، وبالتالي الغاء للعملية الديمقراطية المتاحة للجاليات في المجتمعات الأوروبية ! وان تعميم الوصف العام ( الجالية ) للدلالة على مكون تنظيمي جماهيري واحد ، هو في الحقيقة ، جزء من الجالية وليس كلّ الجالية ، ما هو إلاّ ضرب من الخلط الواضح والصريح !
الجالية الفلسطينية هو وصف ينطبق على كلّ فرد ، أو مجموعة فلسطينية ، تحاول أن تكوّن في بلاد المهجر مجتمعها المعنوي الخاص بها ، ويمكن أن نصف الجاليات الفلسطينية الكبيرة والصغيرة ، بأنها مجتمعات في طور التكوين والنشوء وحتى لا نبقى نقف في خندق النقد لما هو مخالف لصحة التعاريف والمدلولات المتداولة في الهياكل والأطر الجماهيرية ، دون تقديم البديل المنطقي لما نعتبره صحيحاً في التوصيف . وإن أردنا أن نتصدى لتعريف الجالية الفلسطينية ، سواء في مدينة ، أو بلد أوروبي ما ، لا بدّ من التعريف أن يشمل توصيف الفئات الفلسطينية المعنية بالأمر .
تأسيساً على ما تقدم ، فالتعريف الوصفي الذي يدلل على الجاليه في المدينة الأوروبية هو ( الجالية عبارة عن هيكلية تنظيمة جماهيرية تجمع في إطارها الشعب الفلسطيني أفراداً ، وأطراً تنظيمية " جمعيات وروابط ومؤسسات وفعاليات سياسية وثقافية وفنية ورياضية " في المدينة والضواحي التابعة لها ) .
البنية الأساسية للجالية في المدينة ، بناءً على التعريف السابق ، هو الإنسان الفلسطيني في المدينة لأنه مكوّن أساسي في بنية الجالية ، فهو صاحب الحق في اختيار ممثليه في رئاسة الجالية، منه تتكون الإرادة السياسية ، ومنه أيضاً تنطلق المواقف والفعاليات الوطنية . والدلالة على كلمة ( إختيار ) التي تعني ببساطة الإنتخابات العامة للجالية ، التي هي أساس العملية الديمقراطية ، وليس المؤتمرات ، لأن المدينة التي يقطن فيها عدّة آلاف من الفلسطينيين ، مثل برلين في ألمانيا ، أو ستوكهولم أو غوتنبورغ أومالمو في السويد ، من الصعب ، بل من المستحيل ، أن تعقد مؤتمراً عاماً ، أو جمعية عمومية للشعب الفلسطيني في المدينة . اماّ اذا كان عدد أفراد الجالية في المدينة بالمئات مثل هلسنكي أو أوسلو ، فمن الواجب عقد مؤتمراً عاماً ، أو جمعية عمومية للجالية .
السمة العامة لرئاسة الجالية المنتخبة هي السمة الإعتبارية المعنوية ، لأنها الجهة التنظيمية القادرة على التعبير السياسي عن رأي وتطلعات أبناء الجالية الفلسطينية في المدينة ، اتجاه مجمل القضايا السياسية الفلسطينية والعربية والأوروبية والعالمية ، لأن رئاستها منتخبة على أساس برنامج سياسي وتوجهات وطنية ، وليس على أساس برامج تنظيمية ومشاريع وأنشطة وفعاليات للجالية ، ذلك لأن البرامج التنظيمية والتنموية والبنائية والتنفيذية منوطة بحكم الواقع في رئاسة الجمعيات والروابط والمؤسسات أو لجان التنسيق القائمة في المدينة الأطر الرئاسية للجالية الفلسطينية ، في المدينة ، بحكم ما ينبغي أن تمثله في الواقع ، من قوة أخلاقية ووطنية فلسطينية ، تأخذ على عاتقها اتخاذ القرارات والمواقف السياسية ، والتوجيه والإرشاد ، والتقييم والمحاسبة للحركة الجماهيرية الفلسطينية بمكوناتها التنظيمية ، من لجان تنسيق ، وجمعيات ، وروابط ، واتحادات ، ومؤسسات فلسطينية في المدينة فرئاسة الجالية تعتبر المرجعية السياسية للجالية ، أما رئاسة الاتحادات والجمعيات والروابط الفلسطينية ، بما تكونه في الواقع الميداني والعملياتي تعتبر هي المرجعية التنظيمية للجالية الفلسطينية
وليس هنالك ثمة فصل بين ما هو تنفذي ، وبين ما هو سياسي ، لأن كلاهما ، في الواقع ، يشكلا الحركة المنطقية للجاليات ، ولأن رئاسة الجالية في المدينة تشارك بالمؤسسات المنبثقة عن الإتحاد بصفتها الإعتبارية ، وتتفاعل مع ما تنتجه الأطر واللقاءات الوحدوية لللجمعيات والروابط والمؤسسات الفلسطينية في المدينة
|