يبدو أنّ الجدل المثار في لبنان بشأن الحقوق المدنية للفلسطينيين ليسَ مرتبطاً بالشعارات والتصريحات، وليسَ منسجماً مع المصالح القومية اللبنانية ، بل إنّ تلك الإثارة الصاخبة ، وهذه المواقف المعادية للحقوق المدنية والإنسانية الفلسطينية ، في لبنان ، تندرجُ في تصنيفات العنصرية المقيتة ، حيثُ ترتقي في مداها الضيق الى العداء للإنسانية .
تداولت الألسنة ، وتناولت الأقلام ، في الفترة القريبة الماضية ، موضوع الفلسطينيين في لبنان ، من زاوية حقوقهم المدنية ، وامتدّ هذا التداول ليشمل الحديث عن الوجود الفلسطيني في لبنان ! لكن جميع الأطراف اللبنانية أبدت تأيدها المطلق لموضوع حقّ العودة للفلسطينيين . البعض لم ينطلق في موقفه هذا من مبدأ تحقيق الإنتصار على الكيان الإسرائيلي ممّا يسمح بتغيير دراماتيكي يحقق العودة للاجئين الفلسطينيين ، بقدر ما ينطلق من أنّ لبنان لا تتسع جغرافيته وتوازناته الطائفيه لاستيعاب الفلسطينيين المقيمين على أرضه منذُ أكثر من ستين سنة ! فحقّ العودة ليس في متناول اليد ، ولم يقف الفلسطينيون منه على حدّ الإختيار . البعضُ اللبناني لا يريد أن يعطي الفلسطيني حقوقه المدنية بدعوى أنّ الفلسطيني ينبغي أن يبقى عاريا هكذا ، مجرد من أيةِ حقوق حتى لا ينسى قضيته ! أو أن يهاجر من لبنان نحو الدول الغربية أو الدول النفطية . إذن تمسك البعض اللبناني باعطاء الفلسطينيين حقّ العودة ليسَ من منطلق الكسب التاريخي في الصراع العربي الاسرائيلي ، بل لا يضير ذلك البعض لو أن عودة الفلسطينيين من لبنان تكون الى كندا أو أوروبا ، أو أيّ بقعة أخرى في العالم ! المهم ألاّ يبقى عندهم فلسطيني ، وأن يصبح لبنان نظيفاً من الأغراب ، فقط أن يبقى لبنان يتمتع بطوائفه المكونة وأحزابه المتناحرة .
الحقيقة أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يشكلوا لذلك البعض اللبناني هاجساً موتراً ومنغصاً لحياتهم ، كما يشكل للإسرائيليين ، لأن الفلسطيني في لبنان متمسكاً بمخيمته ، لأنها تعني له النكبة التي أحاقت بحياته منذُ أكثر من ستين عاماً ، ولأنهم يخافوا ، مثلهم مثل الإسرائيليين ، من تلك البندقية الفلسطينية المتمردة التي قد تعاود انطلاقتها عبر حدود لبنان من جديد .
يغضُ بعض اللبنانيين الرافضين لاعطاء الحقوق المدنية للفلسطينيين الطرف عن حقائق قانونية وشرعية للاجئن الفلسطينيين في لبنان ، لأن القضية الفلسطينية قضية دولية بامتياز فإنّ اللاجئين الفلسطينيين يستظلوا بنظام حماية القانون الدولي والعربي ، حيثُ نصت الإتفاقيات والقرارات الخاصة بوضع الاجئين الفلسطينيين ، من قبل الأمم المتحدة ، منذُ عام 1948- 1951 الى ضرورة أن تقدم دول اللجوء والدول المضيفة الحماية المطلوبة للاجئين الفلسطينيين ، وأن تساعد في توفير الحياة الكريمة لهم ، من جانبٍ آخر ، أكدت الجامعة العربية على حقّ الفلسطينيين في العمل والعيش الكريم في بلدان اللجوء ؛ حيثُ أشارَ بروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية على ذلك بوضوح ، فقد جاء في بروتوكول الدار البيضاء ، الذي صدر بتاريخ 11 – سبتمر أيلول 1965 على أن يكون للفلسطينيين المقيمين في الدول العربية حقّ الإحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية ، مع حقَهم في العمل والإستخدام إسوة بالمواطنين العرب .
لكنّ البعض اللبناني ، بل كل اللبنانيين والعرب يعرفوا أن الفلسطينيين لن يقيموا في لبنان بملئ إرادتهم ، بل أنهم أجبروا على اللجوء الى بلد الأرز ، ولبلدان العربية الأخرى بحكم الصلات العضوية والأخوية والعلاقات العربية والتاريخية التي كانت تجمع أهل بلاد الشام في دولة واحدة أيام الحكم العثماني ، قبل الحقبة الاستعمارية المعاصرة التي رسمت على الأرض العربية اتفاقية ( سايكس بيكو ) والتي كانت النكبة الفلسطينية إحد أهم نتائجها المؤلمة . إذن العالم بأسره ، بما فيه لبنان والدول العربية ، يتحملوا مسؤولية ذلك الحدث التاريخي الذي عصف في المنطقة العربية ( النكبة )، والذي ما زالت تداعياته ماثلة الى هذه اللحظة .
في فلسطين ، كان الفلسطيني يحتضن اللبناني والسوري ، وتذكر الوثائق التاريخية الموثقة كما نقل د. خالد الخالدي - رئيس قسم التاريخ والآثار - الجامعة الإسلامية – غزة في إحدى دراساته " أنّ كثير من الإقطاعيين اللبنانيين قد باعوا من الأراضي والقرى الفلسطينية ما مقداره (ستمائة وستة آلاف دنم ) للتجار اليهود " فهل يحاسب الفلسطينيون كل الشعب اللبناني على عملٍ قامَ فيه نفرٌ من اللبنانيين ؟
في ظل غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن ساحة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المدنية ، وانغماس القائمين على المنظمة بالمحادثات المباشرة وغير المباشرة مع الإسرائيليين ، فإنّ ثمة ضرورة لتذكير رئيس الجامعة العربية السيد عمرُ موسى بمسؤولية الجامعة العربية في تأمين الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين في لبنان ، من خلال تفعيل بروتوكول الدار البيضاء لعام 1965 السابق الذكر .
|