مرةً أخرى ، يعاود المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون لقاءهم ، يوم الاثنين المقبل 9 يناير/كانون الثاني ، حسب ما أعلنته ( فكتوريا نولاند ) المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية للصحفيين في 6 – 1 – 2012 ، وكان قد التأم في عمان ، يوم الثلاثاء الماضي لقاءٌ بين كبيرِالمفاوضينَ في السلطةِ الفلسطينية "صائب عُريقات" مع "يتسحاق مولخو" ممثل رئيس الوزراء الإسرائيلي ، برعاية ممثلي اللجنة الرباعية ، ووساطة اردنية أمريكية مشتركة ، استطاعت أن تكسرَ لاآت أبو مازن التي كان دُونها خرط القتاد ،وهو الذي أعلن لمرّاتٍ متعددة ، وعلى رؤوس الأشهاد ، بأنهُ لن يعودَ للمفاوضات مع الإسرائيليين إلا إذا وافقت (الحكومة الإسرائيلية) على تجميد بناء المستوطنات في القدس والضفة الفلسطينية . انعقد اللقاءُ بينَ الجانبين عشيةَ إقرار الحكومة الإسرائلية بناءَ 1000 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة الغربية ، كجزء من خطة استيطانية ضخمة في 44 مستوطنة سيتم ضمها ، وبناء 6000 وحدة استيطانية . بحسب ما أوردته صحيفة يديعوت احرنوت . هذا ليسَ غريباً على السلطة الفلسطينية التي عودتنا على كلّ ألوان التنازلات خلال مسيرتها ، لكن الجديد في الأمر أنّ أبا مازن يستهل مسيرته التفاوضية ، هذه المرة ، متسلحاً بضَمانةِ حركة حماس الى جانبِه ، وفقاً للاتفاق الذي تمّ بين الحركتين ( فتح وحماس ) في القاهرة . وبناءً على ما كشفه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية لـ «الحياة» " أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أبلغ الرئيس محمود عباس في لقائهما الأخير بالقاهرة ، قبوله اربعة مبادئ تشكل اقتراباً كبيراً من موقف الرئيس عباس والمنظمة " .
بات واضحاً الآن ، أن اللقاء الذي جمع وفدي الحركتين الفلسطينيتين ، في القاهرة تحت شعار" إنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية " لم يستند الى محددات وطنية تفرضها مقتضيات الصراع مع العدو الصهيوني ، بقدر ما كانت تفرضها ضرورات سياسية للحركتين ، على ضوء التحولات والمتغيرات في المنطقة العربية .
أبو مازن بات حاسماً لخياراته السياسية ، مُحدداً موقعه في حَلبة صراع الخيارات ، فهو سوف يبقى ، كما يبدو ، ضمن المنظومة الأمريكية الغربية الإسرائيلية ، وهي منظومة تحتوي في إطارها قوىً ذات مصالح قومية متناقضة ، لكنها تلتقي وتتقاطع على أهداف مشتركة ، مثلاً هدف إضعاف سورية ، أوالنيل من المشروع القومي العربي ، وقد تختلف على حدود الدولة الفلسطينية ، وآلية تحقيقها ، وإن اختلفت وتناقضت فيما بينها ، فليس بمقدورها مغادرة المساحة المشتركة التي تجمعها ، بيدَ أنّ هذه المساحة بدأت تتزلزل تحت أرجلها ، بعد أن أظهرت عجزاً وفشلاً على الصُعد الإقليمية والدولية ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تبقَ على قمة الإمبراطورية العالمية ، وأوروبا تنحدر رويداً رويدا . حماس التي تعيش مرحلة ازدهار بيئتها الإسلامية ، أصبحت تنتقل بقوة قرار " الجماعة " الى مواقع جديدة وتحالفات مغايرة ، غيرَ تلك التحالفات التي كانت تقودها ، في الماضي القريب ، مع فصائل المعارضة التي مركز قيادتها في دمشق ، بل انّ دمشق كعاصمة للمقاومة والممانعة ما عادت تهمُها ، لأن الضَرورات التي تبيح المحظورات قد انتهت ، حسب فتاوي القرضاوي . والآن قد أُزيلت العقبات التي كانت تمنع حماس من الحركة و التنقل ، والتعايش في البيئة العربية ، فَعددٌ من الدول العربية دَانت للإخوان المسلمينَ ، وباتَ الإسلاميونَ يَبسِطونَ سيطرتَهم علىيها ، فالبيئة العربية الجديدة ، تتيح الآن لحركة حماس حرية الحركة ، بل الإقامة فيها ، والسياحة والإستجمام . حركة حماس التي هي جزء لا يتجزأ من من تنظيم الإخوان المسلمين ، حسب ما قالَ اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة ، قبل أيام ، باتت مقيدة بمواقف ورغبات قيادة الحركة في العالم ، فالتغيرات التي نشأت في البيئة العربية تُحققُ لها عمقاً إقليمياً حيوياً ، قد يساعدها في قيادة الساحة الفلسطينية ، وريادة العمل الوطني الفلسطيني ، إذا ما أحسنت الإستخدام .
تنقلَ السيد اسماعيل هنية بين العواصم العربية لتقديم واجب التهنئة للدول التي تسلمَ فيها الإسلاميون السلطة ! لكن ما لا نعرفه ، على وجه الدقة ، هل جولة هنية الى قطر والبحرين وتونس وتركيا وثمّ السودان تمثل سلطة الحكم الفلسطيني في قطاع غزّة ؟ أم هي تكليف من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ؟ أم هي إعلانٌ واضحٌ وصريحٌ عن تغييرٍ حاسمٍ في بوصلة تحالفات حماس واصطفافها الجديد ! لأن إغفال اسماعيل هنية لدمشق ، واسقاطها من أجندة زياراته العربية ، يشير ، بما لا يدع مجالاً للشكِّ ، بأنّ حماس انتقلت من مرحلة التوازن بين ما يفرضه تنظيم الإخوان العالمي علىيها ، وبين بقائها داخل سورية التي تشهد هجمة دموية من اخوان سورية وبعض السلفيين . يستطيع أيُّ مراقبٍ أن يلحظَ الآن انّ حركة حماس تعيش حالة من التخبط وفقدان الإتزان السياسي ، فقد أنهت مرحلة ، وانتقلت الى مرحلة جديدة ، وهي مرحلة الدخول والتلاؤم مع مشروع أبو مازن ، كضرورة سياسية ، فإما أن تكون حماس في الخندق السوري بما يؤمنه من متطلبات وطنية ، وما يوفره للمقاومة من حاضنة قومية ، وإما أن ترتبط بمشروع أبو مازن الذي هو جزء من منظومة أمريكية غربية ، البيئة الإسلامية لا تستطيع أن تؤمن لحركة حماس الحماية ، والتواصل الوطني مع حركتها التحررية ، الأحزاب الإسلامية العربية أعلنت على الملأ : أنها لم تناصب اسرائيل العداء ، حتى ولو بكلمة واحدة بالدستور ( الغنوشي ) ، وبعضها لا يستطيع إنفكاكاً من الاتفاقيات مع اسرائيل ، التي كان النظام السابق ملتزماً بها ، فقد أبلغت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند الخميس 6 – 1 – 2012 الصحفيين " في واشنطن ، ان جماعة الاخوان المسلمين في مصر قدمت للولايات المتحدة الأمريكية ضمانات بالنسبة الى احترام معاهدة السلام مع اسرائيل " .
فما على حماس إذن إلآّ الإنسياق في مجريات العملية السلمية التي يقودها أبو مازن فلسطينياً ، والإواء تحت خيام مضارب مشيخة قطر عربياً ، ما جعل وزير خارجية قطر يؤكد أمام جَمْعٍ من معارضي سورية في القاهرة " أن حماس لم تعد راغبة في العمل المسلح ، وهي تغادر الآن مواقع المقاومة بفضل قطر وتحركاتها في المنطقة ، فهي "أي الحركة" جزء من الإخوان المسلمين، وبالتالي، عليها أن تلتزم بموقف الجماعة " .
أبو مازن التقطَ المعادلة الجديدة ، ففرض شروطه على حماس في محادثات المصالحة بالقاهرة ، وأهم هذه الشروط ؛ التخلي علنياً عن الكفاح المسلح ، والتزام أسلوب النضال الشعبي في مواجهة العدو الصهيوني .
في هذا الإنتقال المتأني لحركة حماس الى الموقع الآخر ، هل سوف يظل الإلتفاف الشعبي العارم الذي حظيت به باقياً ؟ من المعروف أن الشعب الفلسطيني يمتلك وعياً وطنياً عالياً ، وثقافة ثورية متأصلة ، فهو شعب ما زال يعيش في مرحلته الوطنية التحررية . لقد تحقق لحماس الدعم الشعبي الفلسطيني والعربي عندما اختارت الأسلوب الكفاحي الأنجح في مقارعة المحتل الصهيوني الغاصب . أما إنْ غادرت حماس موقعها النضالي الأصيل ، وانسحبت من ساح الكفاح المسلح فلسوف ينفكُ عنها الشعب الفلسطيني ، لأنها لم تعُد تتميز عن فصائل السلطة الفلسطينية بشئ ، بل أن السلطة لديها كبيرٌ للمفاوضين ، ورئيسٌ في السياسة ثعلبُ !
|