بدى المشهد العربي في أسوأ أحواله ، صباح يوم الخميس الموافق 29/7/2010 ، حيثُ اجتمعَ في مقرِ الجامعة العربية ‘ أعضاءُ لجنة المتابعة العربية مع طاقم المفاوضين الفلسطينيين برئاسة أبو مازن ، رئيس السلطة الفلسطينية ، وبدى أن رؤية المجتمعين العرب تعثرت عندما أصغىوا صامتينَ لسماع تقرير أبو مازن عن المفاوضات غير المباشرة ، التي لم تفضي حسب رأيه الى أيّة نتائج تذكر ، بل أفصحت عن نتائج مجحفة ، إن على صعيد الأمن والحدود ، أو على صعيد مرجعية المفاوضات ! فأسدل المشهد على أعضاء لجنة المتابعة العربية حالة متداخلة من التوتر والخوف والمذلة لمّا استمعوا لحزمة التهديدات الشفوية التي أرسلها الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى رئيس السلطة الفلسطينية ، والتي نقلها له المبعوث الأمريكي جورج ميتشل ، بعدما أمعنوا في التفكير ، ارتأوا حسن التدبير ، وبدى الأمر لهم أنّ أبا مازنٍ وضعهم في ورطة كانوا بغنىً عنها ؛ فإن هم رفضوا الإبتزاز الأمريكي ؛ فعليهم أن يلتزموا للسلطة الفلسطينية بدفع ما يترتب عليهم من إلتزامات واحتياجات مادية ضرورية لبقاء السلطة الفلسطينية ، وإن هم قبلوا تهديدات أوباما ؛ فعليهم أن يبرروا لجاهيرهم العربية المترصدة لهم ، سبب قبولهم استئناف المفاوضات المباشرة ، إلاّ أنهم ، في النهاية ، ارتأوا أن ينحنوا للعاصفة ( الأوبامية ) نسبة الى أوباما ، مثلما هو ، أي أوباما ، أوشكَ أن ينكسر ظهره إنحناءً أمام عاصفة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية ، مع اقتراب موعد الإنتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي . نعم رضخت لجنة المبادرة العربية ، المعنية بتقويم مسيرة التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية ، ودعم الجانب الفلسطيني بمقومات الصمود ، أمام الإملاءات الأمريكية والتعنت الصهيوني ، وما كان منها إلا أن ّقدمت لاوباما الشكر، ورسالة خجولة تنطوي على بعض المتطلبات العربية ، على اعتبار " أن أملاً مازال يلوح في الأفق أمام إدارة أوباما لمصلحة القضية الفلسطينية " حسب ماقال هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية ، في ردّه على سؤال لمحطة الجزيرة الفضائية في نفس اليوم !
أبو مازن كان يتوقع مسبقاً النتيجة التي توصلت اليها لجنة المبادرة العربية ، لكنهُ أرادَ أن يستمدَّ قراره في العودة للمفاوضات المباشرة ، من اللجنة العربية ، التي " تجاوزت اختصاصاتها ومهماتها " حسب ما جاء على لسان المندوب السوري في الجامعة العربية ، ما يبرر لهُ الشروع في المباحثات المباشرة مع حكومة نتنياهو أمام الشارع الفلسطيني ، وفي مواجهة قوى المعارضة من فصائل ومؤسسات فلسطينية ، وبذلك يكون أبو مازن قد كسرَ جدلية العلاقة الفلسطينية العربية ، وأخضع القرار المصيري الفلسطيني لارادة بعض أعضاء لجنة المتابعة العربية ، وترك الشأن الفلسطيني بأيدي بعض العرب ! الأمر الذي وضع الفلسطينيين ، من جديد ، أمام جدلية العلاقة مع العرب لجهةِ القرارات المصيرية التي من شأنها أن تقرر مستقبل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، وبات الفلسطيني يتساءل ؛ هل القرار الفلسطيني مستقل ؟ أم مرتهنٌ بأيدي بعض الأنظمة العربية ؟ فمنذُ أن أفضى االنزاع الفصائلي بين فتح وحماس في قطاع غزّة الى سيطرة حماس على زمام الأمور في القطاع ، وضع الرئيس الفلسطيني أبو مازن قضية حل الأزمة الداخلية الفلسطينية ، وإنهاء الإنقسام الداخلي ، في أيديّ النظام المصري ، فلم تفلح النداءات التي أطلقتها المؤسسات والمنظمات الجماهيرية والقوى الفصائلية الفلسطينية ، في حلّ الأزمة ، وإعادة صياغة الإتلاف الوطني الفلسطيني الذي من شأنه أن يحقق وحدةً وطنيةً فلسطينية ، وينهي الإنقسام ، ويعيد الوحدة العضوية والمكانة القانونية بين الضفة والقطاع . لم يوافق أبو مازن على أيٍ من المبادرات العربية والفلسطينية لحلِ الخلاف مع حماس ، وأبقى خيارهُ وخيار حركة فتح معلقاً بالورقة المصرية ، التي أخضعت قضية المصالحة الفلسطينية لاعتبارات تتعلق بتوازنات مصرية داخلية . قد يقول قائل : انّ ذلك ليس رغبة حقيقية منهُ ، بل بسبب الضغط المصري والأمريكي عليه !
في الواقع ، القضية الفلسطينية نشأت تاريخياً على أرضية عربية ، فلسطين كانت جزء من بلاد الشام أثناء الحكم العثماني ، وبعد رحيل تركيا حلَ الإنتداب البريطاني على فلسطين ، ذلك الإنتداب الإستعماري الذي أنضج الظروف ، وهيأ المناخات الدولية والإقليمية التي ساهمت في نشوء دولة ( اسرائيل ) . مع تفاقم الأوضاع الفلسطينية علم 1948 ، واشتداد الإرهاب الصهيوني على الفلسطينيين ، كانَ قرار التصدي للهجمة الصهيونية تلك ، من الفلسطينيين والعرب معاً ، على نحوٍ رسمي وشعبي ، كما كان قرار اللجوء عن فلسطين قراراً عربياً وفلسطينياً .
تكونت منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن الماضي ، بقرار عربي ، وانطلقت فصائل العمل الوطني الفلسطيني عام 1965 وفقاً لأهداف وطنية ، وبرامج ومنطلقات فلسطينية ، إلاّ أنها أكدت جميعها ، على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب ، وما الفلسطينيين إلا طليعة النضال في عملية التحرير . فتصاعد الكفاح الفلسطيني مدعوماً من قوى التحررالعربية ، بل من جميع الدول والأنظمة العربية ، وتجلى الدعم العربي عسكرياً فوقّ أرض المعركة ، ومعنوياً وإقتصادياً . ومنذُ نشأتها كانت القضية الفلسطينية متداخلة مع كثير من قضايا العرب ، وتجذرت في الوجدان العربي كمحور لقضايا الأمة العربية ، وبات مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي متداولا في الإعلام العربي والعالمي ، بيدَ أنّ الترابط العربي والإنصهار القومي ، لم ينل من خصوصية القيادة الفلسطينية ، ولم يضعف من شأنها في تقرير المصير الفلسطيني ، وكان الدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني من مهام القيادة الوطنية الفلسطينية الجديرة بثقة الشعب الفلسطيني ، لكنّ القيادة الحالية التي اختارت نهج الحوار مع العدو الصهيوني ، وأسقطت من حساباتها الإختيارات النضالية الأخرى ، سرعان ما ترحل الى بيت العرب عندما تحتاج لتغطية مواقف انهزامية ، أو تستهدف تمرير قرارات لا تقدر على تحمل نتائجها أمام الفلسطينيين ، كما أنها في الوقت نفسه تبتعد عن الدول العربية ذات المصلحة في تعزيز التضامن الصمود العربيين ، بل تقف في المحاور المعادية لها .
واستناداً لمقتضيات جدلية العلاقة بين الفلسطينيين والعرب ، فإنّ القيادة الفلسطينية لا تستطيع أن تنفرد لوحدها في تقرير مصير القضايا التي للعرب علاقة مباشرة بها ، والتي باتت تُعرف بقضايا الحل النهائي ، وفقاً لهذا المصطلح الذي أفرزته اتفاقيات أوسلو ، فمدينة القدس الشرقية ،على سبيل المثال ، رغم أنها مدينة فلسطينية احتلت عام 1967 الاّ أنها مدينة مقدسة لدى المسلمين والعرب ، فشأن هذه المدينة مرتبط بالمسلمين والعرب . وقضية اللاجئين الفلسطينيين التي هي قضية حساسة ، ترتبط في بعديها السياسي والديمغرافي بالدول العربية ، التي استضافت اللاجئين الفلسطينيين لأكثر من ستين عاماً ، فالقيادة الفلسطينية الحالية ، ليسَ لديها القدرة على تقرير مستقبل ملاين اللاجئين الفلسطينيين ، الذين يقيمون في الأردن ولبنان وسورية ، إلاّ وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية لللاجئين الفلسطينيين ، والتفاهم مع الدول العربية المعنية ، ومَن يريد أن يتصدى لقيادة الشعب الفلسطيني عليه أن يقف الى جانب الدول العربية التي ترتبط مع الشعب الفلسطيني بقضايا وهموم مشتركة ، وسيبقى ، في النهاية ، قرار الحسم الوطني بيد القيادة الفلسطينية ، إن هي التزمت مصلحة الشعب الفلسطيني ، وتمسكت باثوابته الوطنية .
|