فجأة ودون مقدمات ، حذرت وزارة الخارجية ( الإسرائيلية ) يوم الثلاثاء 2 – 12 – 2009 دولَ الاتحاد الأوروبي من مغبة اتخاذ قرار محتمل ، يعترف الأوروبيون بمقتضاه بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية ، ويدعو مشروع القرار الذي تقدمت بهِ السويد ، الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي ، الى رفض سياسة الأمر الواقع التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في القدس وباقي أجزاء الضفة الفلسطينية ، والإعتراف بالمؤسسات الفلسطينية القائمة بالقدس ، والتعامل معها كممثلة لحالة سياسية تحت الإحتلال ، ورفض عقدِ لقاءات رسمية أو شبه رسمية أوروبية – اسرائيلية ، في القدس الشرقية ، واعتبار جميع الإجراءات والأعمال الإسرائيليه ، في القدس الشرقيه اجراءات لا تستند للقانون الدولي ، وغير شرعية .
الخوف الذي دعا حكومة نتن ياهو الى استنفار وزارة خارجية الكيان الصهيوني ، استند الى معلومات سياسية واعلامية حصلت عليها ( اسرائيل ) عن مشروعُ اقتراح سويدي مقدم الى الإجتماع القادم للاتحاد الأوروبي ، لأنَ مثلَ هكذا مشروع قرار أوروبي ، من شأنِه أن يعيدُ الإعتبار الى الشرعية الدولية ، وقرارات مجلس الأمن ، وخاصه القرارات 252 ، لعام 1968 و 476 و478 لعام 1980 ، التي تعتبر جميع الإجراءات الإسرائيليه الإداريه والتشريعيه ، وجميع الأعمال التي تقوم بها دولة اسرائيل في القدس الشرقيه لتغيير وضعها القانوني والسياسي ، اجراءات باطله ولاغيه .
من القدس ، ومن خلال متابعته للموضوع ، أشار مراسل قناة الجزيرة " الى إن التحرك الإسرائيلي يعكس مخاوف إسرائيلية ، من احتمال اعتراف الاتحاد الأوروبي بالدولة المستقلة ، التي يعتزم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إعلانها " هذا أمر قد يجيء إلتباسه على كثيرٍ من المتابعين ، ويسقط انطباعاً غير حقيقي لدى المشاهد العربي ! لأنّ تحرك الإتحاد الأوروبي ، ببساطةٍ ، لم يأخذَ في اعتباره مشروع فياض أو غيرهِ ، الموقف الأوروبي ينطلق في هذه القضية لجهة الحفاظ على القانون الدولي ، وحماية القرارات الدولية ، كما جاء على لسان السيد ( مارك أوت ) المسؤول الجديد لملف الشرق الأوسط في الإتحاد الأوروبي .
يبدو أن ثمّةَ خلطٍ يعتري فكرة إطلاق دولة فلسطينية ! ومردُ هذا الخلط التداخل في الإعلان والتوقيت .
من جهتها ، أبدت السلطة الفلسطينية ، قبل أسابيع قليلة ، من خلال طواقم المفاوضين والمستشارين ، نيتها في إعلان قيام دولة فلسطينية من جانبٍ واحدٍ ، بالإستناد الى قراراي مجلس الأمن الدوليين – 242 – و 338 - ودعوة مجلس الأمن الدولي الى ترسيم حدود الدولة الفلسطينية بناءً على القرارين المذكورين . وقد رافق الدعوة الفلسطينية تحركٌ نشطٌ من قبل المفاوضين الفلسطينيين ، لكن سرعان ما هدأت حركتهم ، وانطفأت إنفعالاتهم ، وخابت آمالهم ، عندما تلقوا رفضاً صريحاً وواضحاً للفكرة من قبل الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي .
ومن جهة ثانية وبنفس الوقت ، لم يترك سلام فياض ، مناسبةً إلاّ وروّجَ لخطته التي يأمل منها أن تتحقق ، خلال عامين ، وهي بناء دولة فلسطينية ، بهياكلها ومؤسساتها ، تتمتع باقتصادٍ قوي ومتنامي مدعوم سياسياً ومالياً من الأغلبية العربية .
في الخامس والعشرين من آب (أغسطس) 2009 ، وتحت عنوان "فلسطين : إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" أعلن فياض خطة لإقامة مؤسسات دولة فلسطين خلال سنتين ، وصولاً الى عام 2011 . وكمثال على تلك المؤسسات ، إشادة مطار دولي ، وبناء شبكة لسكة حديد ، والتحضير لإقامة مصفاة للبترول . أكد فياض : أننا لن ننتظر نتائج المفاوضات مع إسرائيل ، وأن الخطة ستعجّل في إنهاء الاحتلال ، وأعلن أن البرنامج الذي سلمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس يتضمن تفاصيل إقامة الوزارات " الصحة - التربية - والتعليم الاقتصاد - المواصلات " وقال فياض " إن إقامة دولة فلسطين ، سوف تعزز أمن المنطقة واستقرارها " باشارة صريحة وواضحة لحكومة نتن ياهو " يؤكد فيها أنّ مشروعهُ سوف يقوض أي توجه كفاحي فلسطيني ضدّ الكيان الصهيوني الغاصب مستقبلاً . وقد تضمنت الخطة البرامج لبناء مطار فلسطين الدولي في منطقة الأغوار ، واستلام مطار قلنديا .
الدولة الفلسطينية على هذه الحال ، تعبرُ في اتجاهين ، السلطة الفلسطينية من عباس الى عريقات في اتجاه ، ووزارة السلطة الفلسطينية فياض ومن معه في اتجاه آخر ، والجهتين تستندان الى مبدأ حلّ الدولتين ، وليس الى مبدأ دولة واحدة تشمل قوميتين . أو الي صيغة حلّ السلطة الفلسطينية والإعلان للعالم أنّ الضفة الغربية منطقة فلسطينية محتلّة ، تقع مسؤوليتها على عاتق الدولة المحتلة ( اسرائيل ) وينطبق على الشعب الفلسطيني في هذه الحالة ، نصوص الإتفاقيات الدولية التي تخص الشعب الذي يخضع لظروف الإحتلال .
انّ رفض نتنياهو الإمتثال لشروط العملية السلمية ، وعدم الوفاء للإستحقاقات المتوجبة على كيانهِ الصهيوني ، والتي أولها وقف الإستيطان ، قد أسقطَ على جميع الأطراف المعنية باستمرار عملية السلام ، بما فيهم دول الإتحاد الأوروبي ، شعوراً باليأس والإحباط من إمكانية الوصول تسوية سلمية تضمن حلاً عادلاً للدولتين .
حاول سلام فياض اقناعنا أولا ، ثمّ اقناع ما يسمى براعي عملية السلام ، أن مشروعه الإقتصادي في بناء الدولة الفلسطينية هو الحل الأنجع للخروج من أزمة الجمود في العلاقات بين الأطراف ، ومحالة إملاء الفراغ الناتج عن التعنت الصهيوني . لكنّه أسقط من حساباته الأساس السياسي في المعادلة ، وفي نفس الوقت أكدَ على التفاعل الدولي في الجهد التنموي وتقوية المؤسسات الفلسطينية من خلال جذب قطاع الأعمال الخاص !
هذا يعني في علم الإقتصاد السياسي ، أنّ المشروع المقدم من قبل فياض مشروع اقتصادي يخضع لميزان الربح والخسارة ، وأن الدولة الصهيونية هي الجهة المرشحة لشراء المطارات والمؤسسات الربحية التي سوف يطرحا فياض للخصخصة ، لأن الدولة المزمع إنشاءها حسب فياض ليست محمية أو محصنة أمنياً وسياسياً ، فهي شبه منطقة حرّة ، وعليه فأنّ المرافق العامة للدولة الفلسطينية ومؤسساتها ، سوف تكون في سوق العرض والطلب ! كسلعة ربحية تتداولها الشركات المالية ، فهل يستطيع فياض أن يخضع حواجز الإحتلال الصهيوني المنتشرة على طول الضفة الغربية وعرضها للخصخصة ! أم أنه سوف يستبدلها بالشركات الأمنية ( بلاك ووتر ) ! . يرى مارتن إنديك - مدير مركز سابان بمعهد بروكينغز أن خطة فياض لن يكتب لها الدوام إذا لم ترافقها عملية سياسية .
يبدو أن فياض لم يدرك أنّ المرجعية السياسية هي التي تحدد مشروعية الدولة ، وقوة سيادتها على الأرض و الشعب معاً ، وعلى مقدراتها الإقتصادية والحيوية .
من المعروف في تاريخ حركات التحررالوطنية ، أن الشعوب التي تخضع للاستعمار أو الإحتلال تمارس سياسية اقتصادية تخريبية ، حيثُ أنها تعمل ما من شأنه زيادة التكلفة الإقتصادية على قوى الإحتلال وليس العكس !!
|