صحيح أن سعاده زار روما ثم برلين في العام 1938 بطريقه إلى البرازيل بعد أن كان غادر بيروت متوجهاً إلى دمشق ، عمان ، حيفا فقبرص ليغادرها في 28 تموز إلى روما ، يمضي فيها نيّف وشهرين ، قبل أن يتابع الى برلين .
وصحيح أن سعاده اجتمع مع قادة ألمان بواسطة مديرية الحزب في برلين التي كانت دعت سعاده إلى زيارتها ، من هؤلاء فيلسوف المذهب النازي " روزنبرغ " ومسؤولين في دائرة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الألمانية ،
إنما الصحيح أيضاً هو التالي :
1. إن سعاده ، وبلاده يحكمها الانتداب الفرنسي – الإنكليزي ، والمعرّضة للغزوة الاستيطانية اليهودية ، كما للمزيد من التوسع التركي في الشمال السوري ، بعد أن كانت الدولتان المنتصرتان في الحرب العالمية الأولى قد قسمت سورية في الاتفاقية – المؤامرة المعروفة بـ " سايكس - بيكو " ، إن سعاده كان يهمه أن يرى أي قوة عالمية يمكن لسورية أن تستفيد من العلاقة معها للتخلص من الاحتلال الفرنسي – البريطاني ، ومن خطر قيام إسرائيل ، كما التوسع التركي .
فسعاده كان قرأ باكراً جداً ، وهو في الـ 21 من عمره ، الخطر الصهيوني ، فمقالاته عن " القضية الوطنية / الصهيونية وامتدادها " (سان باولو – شباط 1925) و " سوريا تجاه بلفور " (سان باولو – أيار 1925) و " كتاب مفتوح إلى لويد جورج " (دمشق – أيار 1931) مثبتة في أدبيات الحزب ، ويمكن العودة إليها للاطلاع عليها كاملة .
منها ، هذا المقطع من مقالته " القضية الوطنية " :
" حتى الآن لم تقم حركة سورية منظمة تنظر في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية ، لذلك نرى أننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا ، فنحن أمام الطامعين والمعتدين ، في موقف تترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما : الحياة والموت وأي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها .
" لا يسعنا في هذا الموقف ، الذي نعالج فيه إحدى معضلاتنا الحيوية ، إلا التصريح بالحقيقة التي تدمي أفئدة الأحرار ، وهي أنه رغماً من مشاهدتنا اليهود يجتمعون في كل صقع من أصقاع العالم ، للتآمر علينا مع المستعمرين وغيرهم ، لم تقم فينا حركة تميل إلى الإجراءات الفعالة . ورغماً من الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي ، ووجوب اتحادنا على التخلص من قيودهما ، لم يبلغ آذاننا خبر قيام حركة اتحادية كبرى ، تقوم بالدفاع عن حقوقنا في وطننا الذي يلقي عليه الغرباء قرعة بينهم " .
وفي عام 1933 ، يقول سعاده في خطاب له في افتتاح النادي الفلسطيني في بيروت : " إني أخشى أن تكون سوريانا آخذة في الانزلاق من أيدينا المتفرقة ، ففي الجنوب تتراجع الخطوط السورية أمام الحدود اليهودية ، وفي الشمال تتقلص الحدود السورية أمام الحدود التركية " .
إن سعاده وهو يستشرف الخطرين على بلاده ، كان معنياً جداً بالبحث عن الوسائل التي تمكّن أمته المجزأة من تحقيق وحدتها ، ودرء الأخطار عنها ، لذا نفهم لماذا التقى بقادة ألمان راغباً أن يتعرف وأن يرى أي بادرة أمل تنقذ بلاده من الواقع الذي هي فيه .
2. إن الحوار الفكري الذي جرى بين سعاده وروزنبرغ أدى إلى خلاف عميق بينهما ، مما جعل أعضاء الحزب في برلين ، الحديثي الانتماء ، والذين لم يتفهموا بعد حقيقة ما يعمل له سعاده ، يأخذون على زعيمهم " قلة خبرته " في السياسة . فبين النظرة القومية الاجتماعية التي ترى في الأمة متحداً اجتماعياً يصهر فيه كل الاتنيات والعناصر والأقوام وبين النظرة النازية العنصرية فارق جوهري كبير .
3. عندما وصلت الباخرة التي تقلّ سعاده من ألمانيا باتجاه البرازيل ، في شهر تشرين الثاني 1938 ، إلى مرفأ دكار – السنغال ، وبقيت فيه نحواً من أربع ساعات ، صعد الأمين أسد الأشقر الذي كان وصل من غانا للقاء زعيم الحزب ، إلى ظهر الباخرة ليعرف من سعاده ماذا حصل له في أوروبا ، خاصة أن سعاده كان اختار الأمين الأشقر لينضم إليه في البرازيل ، وهذا ما حصل لاحقاً . أوضح سعاده للأمين أسد وهما يتمشيان على متن الباخرة ، التالي :
" مررت بإيطاليا وألمانيا وقدرت أن اطلع على بعض ما يجري هناك . الجماعة مصممون على إشعال حرب عالمية كبيرة . يريدون أن يسيطروا على العالم . ألمانيا تنازلت لإيطاليا عن كل تدخل في حوض المتوسط ، وخصوصاً في " سورية الطبيعية " والعالم العربي ، ولا شك أن انتصار هذين الحليفين سيجعل من سورية " مقاطعة رومانية جديدة " . فالخطر الكبير الذي يحدق بنا إذن ، ليس من الاستعمار الفرنسي- البريطاني ، بل من انتصار ألمانية وإيطالية في حرب آتية حتماً .
ويضيف :
" من الصعب علينا كحزب ثوري أن نتمكن بالتحالف مع بعض فئات من الشعب أن نصير قوة مسلحة قادرة أن تلعب دوراً كبيراً في هذه الحرب . الأفضل أن نترّيث ونقوم بنشاطنا الحزبي في المهاجر إلى أن نرى ما سيجدّ في العالم بالنسبة لبلادنا " .
4. عندما نجحت وشاية بعض المضللين من أبناء شعبنا المغترب في البرازيل في إلقاء السلطات البرازيلية القبض على سعاده باعتباره " عميلاً نازياً " وسبق أن مرّ على إيطاليا وألمانيا وهو في طريقه إلى البرازيل ، خرج سعاده من السجن بريئاً – بعد 37 يوماً من التوقيف – وقد أمر مدير الأمن العام سائقه بإيصال سعاده بسيارته الخاصة إلى المكان الذي يريد .
ليست أجوبة سعاده أمام التحقيق هي ، فقط ، التي جعلت السلطات البرازيلية تتيقن من براءته ، إنما ، أيضاً ، إفادة مدير الأمن العام المدني في ولاية سان باولو الدكتور الفريدو أبو عسلي الذي كان صديقاً لسعاده في فترة تواجده الأول في البرازيل (1921-1930) إذ قال لمدير الأمن العام الفدرالي :
" إني أعرف سعاده منذ العشرينات وكنت تلميذاً له في مدرسة سورية في سان باولو ثم أصبحت زميلاً له في التدريس ، أعرفه جيداً وأعرف أنه أديب كبير ومفكر فذ ووطني مخلص ، فكيف تلقون القبض عليه ؟
فأجابه مدير الأمن العام الفدرالي : " إن وشاية وصلت إلى سلطات الأمن العام تقول أنه عميل فاشستي نازي ، لذلك فإننا معنيون بإلقاء القبض عليه والتحقيق معه " .
كان جواب الدكتور أبو عسلي (الذي تحمل اسمه إحدى الساحات الكبرى في سان باولو) : " أستطيع التأكيد ، من معرفتي السابقة به أنه لا يمكن أن يكون نازياً أو فاشستياً ، كما أنه لا يقبل أن يخدم غير مصلحة بلده " .
أما مدير الأمن العام في سان باولو الذي حقق مع سعاده والتقى به مراراً ، فكان له الرأي التالي بزعيم الحزب ، أفضى به إلى الدكتور أبو عسلي : " سعاده رجل واسع الثقافة والاطلاع ، مفكر كبير ووطني صادق أسس في بلاده حزباً عقائدياً وطنياً يعمل لاستقلالها وبعث نهضة حديثة جديدة بها . هو لا يمكن أن يكون له علاقة بإيطاليا أو ألمانيا بسبب وطنيته ومثاليته " .
ولذلك لم تقبل السلطات البرازيلية أن تسلم سعاده إلى فرنسا التي طلبت ذلك بواسطة قنصلها في سان باولو .
5. عندما ادعى الخائن عزيز الهاشم أن للحزب علاقة مالية بإيطاليا عن طريق النحات المشهور الرفيق يوسف الحويك ، أجري التحقيق مرتين مع الفنان الحويك ، الأولى في 24 آب 1936 (كان سعاده اعتقل في أواخر حزيران 1936 ، وهو الاعتقال الثاني الذي يتعرض له) وانضم إلى التحقيق كل من الزعيم والخائن عزيز الهاشم .
التحقيق الثاني أجري في 26 آب ، وبحضور الثلاثة المذكورين ، وانتهى التحقيق ببراءة الرفيق الحويك مما نسبه إليه الهاشم ، وبالتالي براءة سعاده وحزبه من تهمة قبض المال من إيطاليا . ( للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة الجزء الثاني من كتاب الأمين جبران جريج " من الجعبة " ) .
6. بتاريخ 10/11/1939 ، أي بعد نيف وشهرين من بدء الحرب العالمية الثانية ، وجّه سعاده من مكان إقامته في الأرجنتين رسالة توجيهية إلى رئيس وأعضاء مجلس إدارة جريدة " سورية الجديدة " التي كانت تصدر في سان باولو ، فيها يقول :
" 1- إن سياسة " سورية الجديدة " باعتبار أنها تـنم عن فكرة الحزب واتجاهه السياسي وموقفه من الشؤون السياسية الداخلية والخارجية خاضعة خضوعاًَ كلياً ودقيقاً لإدارة المراجع الحزبية المختصة التي هي عمدة الإذاعة ومكتب الزعيم . وتعتبر هذه المادة مبدأً أساسياً .
2- لا يكون لـ " سورية الجديدة " سياسة غير السياسة المقررة لها في المراجع العليا . وهذه المادة تشكل مبدأً أساسياً ثانياً .
ويدخل في باب التوجيهات ما يلي :
1- إن سياسة الحزب السوري القومي هي سياسة سورية قومية مستقلة غير مختلطة مع أية سياسة أجنبية ، كما هو مبين ومشروح في مبادئ الحزب وخطاب الزعيم ومقالاته . ولذلك فإن سياسة " سورية الجديدة " لا تخرج عن التوجيهات الرسمية .
2- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست فاشية .
3- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست نازية .
4- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست " ديمقراطية " .
5- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست شيوعية أو بلشفية .
6- إن سياسة الحزب السوري القومي هي سياسية سورية قومية لا تخضع لغير المبدأ الثامن من مبادئه الأساسية القائل : " مصلحة سورية فوق كل مصلحة " .
7- بناءً عليه تكون سياسة " سورية الجديدة " لا فاشية ولا نازية ولا " ديمقراطية " ولا شيوعية أو بلشفية بل سورية قومية . "
ثم يضيف : " بناءً على المواد 12 و13 و14 يكون على الدائرة الإنشائية والتحريرية في " سورية الجديدة " أن تتجنب أي تأييد مطلق لرومة وبرلين وأن تحمل حملتها على فرنسا وبريطانيا مستمدة من وجهة نظر السياسة السورية القومية لا من وجهة نظر التضارب العقائدي أو النظري بين الجبهتين الكلية والديمقراطية ، والذين يتولون الكتابة السياسية في الجريدة عليهم أن يدرسوا المقالات السياسية التي أنشأها الزعيم ويحافظوا على طريقتها في معالجة الحالة السياسة الانترنسيونية " .
7. حملة الاعتقالات التي استهدفت القوميين الاجتماعيين فور اندلاع الحرب العالمية الثانية رافقتها حملة مسعورة من جانب صحف راحت تروّج لشائعة عمالة القوميين للنازية ، وإلى أن سعاده نفسه مقيم في برلين ، حتى أن قلم المطبوعات في المفوضية الفرنسية العليا وزع في 24/10/1939 بلاغاً كي تنشره الصحف كأنه صادر عنها ، هذا نصه :
" عرفنا أن المحكمة العسكرية تلاحق قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي ، وقد اتضح من المعلومات الأولى التي استقاها قاضي التحقيق ، أن هذه المؤسسة التي يرئسها أنطون سعاده ، المقيم حالياً في برلين ، كانت تعمل لحساب ألمانيا ، وتتلقى من السلطات النازية مبالغ مالية هامة " .
في ظل هذه الشائعات والاتهامات المنتشرة، احتاج القوميون الاجتماعيون المعتقلون إلى وثيقة تدحض اتهامهم بالعمالة لألمانيا وإيطاليا، وإلى أن زعيمهم مقيم في برلين كي يستعملوا هذه الوثيقة في رد تهمة العمالة ، وإلا كان يمكن أن تصدر أحكام قاسية جداً بحقهم .
لذلك كلفوا السيد بهيج فاخوري ، شقيق الأمين أنيس ، المعتقل معهم – لأن يقيم اتصالاً بسعاده في الأرجنتين ، وقد تمّ ذلك بواسطة جريدة " سورية الجديدة " في البرازيل .
في أواخر العام 1939 كان أول عمل قام به سعاده عند عودته من مدينة توكومان إلى العاصمة بيونس أيرس أن قصد مع حسني عبد الملك السفارة الفرنسية وحصل من السفير الفرنسي على شهادة رسمية تثبت " أن سعاده وصل إلى الأرجنتين في 15 أيار 1939 ولم يبرحها حتى تاريخه " .
لذلك أسقط في يد السلطات الفرنسية كما في يد الصحف التي أدمنت على اتهام الحزب بالارتباط بالألمان ، وسعاده بالعمالة للنازية .
8. في خطب ومقالات ورسائل سعاده الكثير مما يمكن العودة إليه وهو يوضح موقف سعاده من النازية ، ومن الصراع الدائر في الحرب العالمية الثانية بين قوة الحلفاء (فرنسا ، بريطانيا..) وقوة المحور (إيطاليا ، ألمانيا..) إنما نكتفي من هذا الكثير بإيراد هذا البعض اليسير :
أ. من مقاطع وردت في نداء وجهه سعاده من الأرجنتين إلى الشعب السوري في أول حزيران 1940 :
" أيها الشعب السوري !
إن هذه الحرب التي أنبأتك تكراراً بقرب وقوعها وعملت كل ما في مقدوري لاغتنام فرصتها قد دخلت في طورها الفاصل . وبهذه المناسبة أريد أن أحذرك من الاستسلام لأوهام المشعوذين وخزعبلات الدجالين ! أريد أن أحذرك من خطر الاستسلام للوهم أن انسحاق الدولتين (يقصد فرنسا وبريطانيا) اللتين خانتا عهودهما لنا وعملتا على تجزئة وطننا وتقطيع أوصال شعبنا ، وحده ، سينيلنا غايتنا القومية ويردّ إلينا سيادتنا المسلوبة.
" إني أقول لك صراحة كما قلت لك صراحة في الماضي : " إن انتصار قضيتك القومية ليس معلقاً على انكسار أعدائك الحاضرين وحده . بل على الالتفاف حول الحركة القومية التي تمثل مصالحك وإرادتك وأهدافك ، على الالتفاف حول الحزب السوري القومي .
" إن الحركة السورية القومية الاجتماعية ليست حركة انتصار لفريق محارب ضد فريق آخر محارب ، بل حركة تحرير الفكر السوري من إيحاءات الإرادات الأجنبية وإنشاء الدولة السورية القومية المستقلة . أما سياستنا الأنترنسيونية فلم تتغير عما أعلنته في خطابي في أول يونيو 1935 ، وهو أننا نعمل لتحرير أمتنا من كل سيادة أجنبية وتحرير الفكر السوري من تأثيرات الإرادات والمناورات الخارجية . وإننا نرفض أن ننعزل عن العالم ومجرى الشؤون الأنترنسيونية ولكننا نشترط أن تكون كل علاقة مع أية دولة أجنبية قائمة على أساس الاعتراف بسيادتها القومية .
ويضيف : " أحذركم من الاتكال على فكرة انتصار هذا الفريق وانكسار ذاك الفريق، فالقضية القومية لا يحققها غير جهاد السوريين . إلى هذا الجهاد أدعوكم ! "
ب. من مقالة لسعاده نشرها في جريدة " الزوبعة " التي كان يصدرها في الأرجنتين ، في العدد 34 تاريخ 15 شباط 1942 يقول في ختام المقالة ما يلي :
" أما ما يختص بموقف سورية القومية فنقول أنها لن تتعلق ببريق الوعود من أي جانب أتت . إن موقفنا من هذه الحرب لا يتقرر بالوعود الأجنبية بل بالإرادة القومية " .
ويضيف : " إن الأحزاب التي تغذيها الإرادات الأجنبية وتعضدها الدعاوات الأجنبية ستنبذها الأمة وتقضي عليها قوة المبادئ القومية والنظام القومي " .
ج. ومن مقالة له بعنوان " ترهات جريدة الهدى " المنشورة في جريدة الزوبعة في 5/11/1944 ، يقول سعاده : " إن الذين يتبجحون بعطف برلين أو روما عليهم لا يفرقون عن الذين يتبجحون بعطف لندن أو واشنطن أو باريس عليهم ، وأنصار " الديمقراطية " من السوريين لا يختلفون بطبيعتهم عن أنصار " الفاشية والاشتراكية القومية " ، ومع كل اختلاف صاحب " الهدى " وصاحب " السمير " في ما يدعيه كل منهما ، صنوان في التزلف وربيبا النفسية المائعة الفاقدة الشخصية عينها وأمرهما لا يختلف عن أمر أصحاب الجرائد السورية اللاقومية في الأرجنتين التي استأجرت بعضها دعاوة المحور الألماني – الإيطالي وبعضها استأجرته دعاوة المحور الإنكليزي – الأميركاني ، وجميع الصحافيين والسياسيين السوريين الذين " ناصروا " إحدى الجبهتين المتحاربتين بالتميز هم معروفون بأقوالهم وكتاباتهم وما أبعدهم ، جميعهم ، عن الحزب السوري القومي " .
9. من سخرية القدر أن السلطات الفرنسية في لبنان سارعت إلى اعتقال القوميين الاجتماعيين ما إن اندلعت الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول 1939 (كان أول المعتقلين الأمين بشير فاخوري من بيروت ، والأمين الياس سمعان من المنصف – جبيل) ، حتى إذا سقطت فرنسا في يد ألمانيا ، وتسلمت الحكم في فرنسا حكومة " فيشي وهي مدينة في الجنوب الفرنسي تحوّلت إلى عاصمة لفرنسا تحت الاحتلال الألماني " وبالتالي باتت السلطات الفرنسية في لبنان – كما الجيش الفرنسي المحتل – تابعة لحكومة فيشي ، استمرت فرنسا " الألمانية " في اعتقال القوميين الاجتماعيين ، وقد أبقتهم في السجون إلى ما قبل دخول جيوش الحلفاء بفترة قصيرة .
وهذه المرة أيضاً لم يكن حظ القوميين الاجتماعيين مع الحلفاء أفضل مما كانوا عليه في ظل الفرنسيين التابعين لحكومة فيشي ، فإن السجون والاعتقالات عرفتهم مجدداً ، وكان معتقل " المية ومية " – قرب صيدا – هو العنوان البارز لهذه المرحلة .
فكل فريق كان يعتبر القوميين الاجتماعيين عملاء للفريق الآخر ، فيعتقلهم ، لكن الفرقاء جميعهم لم يعترفوا بالحقيقة التي يعرفونها وهي أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يكن عميلاً لأي فريق ، بل كان " عميلاً " – فقط – لمصلحة أمته ، ولمصلحة وحدتها والنهوض بها .
لذلك كان تاريخه غنياً بالأحداث والمواقف والمعارك والمجابهات ، وبالكثير من العذاب والتشريد والملاحقات والاعتقالات والسجون ، ومعها كلها آلاف الشهداء .
10. في أول اجتماع يعقده سعاده لأعضاء حزبه الذين كانوا انتموا في مرحلة العمل السري ، وتمّ ذلك في الأول من حزيران عام 1935 ، يقول سعاده في معرض خطابه الذي هو الخطاب المنهاجي الأول في تاريخ الحزب ، ما يلي :
" أريد بهذه المناسبة أن أصرّح أن نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظاماً هتلرياً ولا نظاماً فاشياً ، بل هو نظام قومي اجتماعي بحت لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً ، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا " .
وفي مكان آخر ، يقول :
" إننا نشعر الآن بوجود دعاوة إيطالية قوية في هذه البلاد خصوصاً وفي الشرق الأدنى عموماً . وكذلك نشعر نحن بمثل هذه الدعاوة من جهة ألمانيا وبمثل ذلك من دول أخرى . فزعامة الحزب تحذر جميع الأعضاء من الوقوع فريسة الدعاوات الأجنبية . إننا نعترف بأن هنالك مصالح تدعو إلى إنشاء علاقات ودية بين سورية والدول الأجنبية وخصوصاً الأوروبية . ولكننا لا نعترف بمبدأ الدعاوة الأجنبية . يجب أن يبقى الفكر السوري حراً مستقلاً أما المصالح المشتركة فنحن مستعدون لمصافحة الأيدي التي تمتد إلينا بنية حسنة صريحة في موقف التفاهم والاتفاق .
" يجب على الدول الأجنبية التي ترغب في إيجاد علاقات ودية ثابتة معنا أن تعترف ، في الدرجة الأولى ، بحقنا في الحياة وأن تكون مستعدة لاحترام هذا الحق " .
إن من يتوجه إلى أعضاء حزبه بهذا الوضوح ، عام 1935 ، لا يمكن أن يكون ألمانياً أو فرنسياً أو أي شيء آخر ، انما ، فقط ، سورياً قومياً اجتماعياً يبحث عن مصلحة أمته
|