عرف الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ الثلاثينات حضوراً حزبياً في صيدا ومنطقتها وانتمى العديد من ابناء عائلاتها الى الحزب، امثال رائف زنتوت، محمد الزيباوي، عفيف، شفيق، رفيق واحمد سنيورة، احمد جبلي، سامي حريري ، عدنان وسعد الدين حجازي، سعد الدين شاكر، سلمان قطيش، توفيق عسيران، كامل وهلال عميص، وفيق البساط، محمد علي الشماع، وشفيق لطفي. في كتابه "على دروب النهضة" يورد الامين نواف حردان في رسالة له بتاريخ 25 حزيران 1939 وجهها من المدرسة الاسقفية في صيدا حيث كان يدرس، ما يلي:
" علمت من بعض زملائي الخارجيين بانه يوجد في صيدا فرع كبير للحزب يرأسه معروف سعد المناضل الوطني الكبير ومن اعضائه المصوّر انيس السوسي ورفعت زنتوت وعادل عسيران وشريف الانصاري والجنرال جمال باشا الغزي الذي كان ولداه في مدرستنا زملاء لنا يلفت لطفهم وتهذيبهم انتباهي".
" علمت ايضاً بانه يوجد في مدرسة الفنون الاميركية فرع لذلك الحزب من اعضائه خالد جنبلاط وانيس ديب وحسن الزين (1) لاعب كرة القدم المشهور الذي كنت من اكبر المعجبين به " .
*
اذا كان النائب والوزير عادل عسيران لم يستمر طويلاً في الحزب، وكان سعاده قد اصدر عند انكشاف امر الحزب في تشرين الثاني 1935 مرسوماً بتعيينه نائباً إدارياً للزعيم، انما لم يتبلغه وبقي في عهدة احدى شقيقات الرفيق جميل عازار(2)، فان النائب والقائد الصيداوي معروف سعد نشط اكثر وتولى مسؤولية منفذ عام.
انتماؤه
بعد ان انتمى الطالب الرفيق كامل حسان (3) في الجامعة الوطنية في عالية، اندفع للعمل الحزبي بنشاط وحيوية تمكن بهما من ادخال زميليه الطالبين نورالدين كنج (4) ومعروف سعد. وقد تم ذلك في العام الدراسي 1935 – 1936.
يقول الامين جبران جريج في كتابه "من الجعبة" ان الرفيق معروف سعد" ما ان عاد الى مسقط راسه صيدا حتى اندفع الى تأسيس فرع للحزب صار له شأن يذكر".
قبل انتمائه، كما بعده، عُرف عن معروف سعد نضاله العنيف على جبهتين: الاولى جبهة استقلال لبنان في مواجهة الانتداب الفرنسي، والثانية جبهة فلسطين والغزوة اليهودية إليها. كان يخرج مع مجموعة منظمة من الشباب ويحطم الشاحنات التي تنقل الخضار والفاكهة الى الجيش البريطاني في فلسطين، ومن جهة ثانية يؤمن تمرير المساعدات الى المجاهدين في فلسطين، اخذا على عاتقه حراسة الطريق الممتدة من صيدا الى الناقورة.
عام 1936 جرت في مدينة صيدا تظاهرة صاخبة ضد الانتداب الفرنسي، اخذ الرفيق معروف سعد زمام قيادتها واتجه بها نحو السراي، فاذا برصاص الجنود الفرنسيين ينهال عليها فيسقط عبد الحليم حلاق الى جانبه، وبدل ان يتراجع اندفع نحو الثكنة التي تحصّن وراءها الجنود واقتحمها شاهراً مسدسه، فاطلقوا عليه رصاصة استقرت في معصمه والقوا القبض عليه.
يقول الامين جبران جريج في الجزء الرابع من كتابه "من الجعبة" ان معروف سعد عندما لوحق من السلطات الفرنسية انتقل الى مجدل شمس – وكان تعرّف في سوق الغرب الى الرفيق نورالدين كنج – "حيث نشط فيها حزبياً وادخل رفقاء، بعضهم لا يزال في مجدل شمس في دمشق الآن" .
في نيسان 1938 عمّ الاضراب العام مدينة صيدا احتجاجاً على قدوم اللجنة الملكية البريطانية الى فلسطين. مفوض الشرطة محمد علي فياض، الذي كان يكنّ عداء للقوميين الاجتماعيين، تصدى للرفيق سعد وهو يمرّ في احد شوارع صيدا ووجه له اتهاماً بأنه هو الذي حرّض على الاضراب بصفته منفذاً عاماً للحزب. لكن الرفيق سعد لم يأبه لكلامه وتابع طريقه، وفيما كان يفعل، تصدى له جماعة من آل البزري واطلقوا النار عليه انما أخطأوه. رغم ذلك لحقوا به الى منزله وراحوا يهددونه ويهتفون هتافات عدائية.
بدل ان يعتقل المفوض فياض، المعتدين، القى القبض على المنفذ العام مما حرّك الرفقاء واهالي صيدا المتعاطفين مع موقف معروف سعد، فتألف وفد من اربعين شخصاً، بعد ان كان مضى اربعة ايام على توقيفه، وتوجه الى بيروت حيث قابلوا كلا من رئيسي الجمهورية والحكومة، وزير الداخلية، والمندوب السامي الفرنسي طالبين اليهم نقل مفوض الشرطة محمد علي فياض، ومجازاة المعتدين الحقيقيين، وبالتالي تبرئة منفذ عام صيدا واخلاء سبيله.
في الرابع من ايار 1938 جرت المحاكمة، وفيما غصت دار السراي وغرفة المحاكمة بالعدد الوفير من الرفقاء والمواطنين الذين وفدوا من صيدا والمناطق المجاورة، سيق الرفيق معروف سعد والرفيق سامي كالو الى قاعة المحكمة.
كان سعاده كلف المحامين، الامين عبدالله قبرصي والرفقاء صلاح لبابيدي (5)، اديب الحسنية (6) وابرهيم عازار (7) بتولي الدفاع عن منفذ عام صيدا.
المحاكمة (8)
بدأت الجلسة الساعة العاشرة صباحاً، فاستمعت المحكمة الى الرفيق معروف الذي كرر افادته الاولى. ثم تقدم مفوض الشرطة محمد علي فياض والتحريان محمد اديب وفيليب فاخوري، الملقب بالدرزي، والسيد عزالدين البزري فشهدوا كلهم ضد المنفذ. بدورهما طلب المحاميان الرفيقان صلاح لبابيدي واديب الحسنية ان يذكر المفوض والتحريان اسم تاجر واحد في صيدا تعرّض للضغوط من اجل المشاركة بالاضراب فعجزوا عن ذلك.
طلب النائب العام انزال العقوبة بالرفيق سعد بتهمة التحريض على الاضراب واطلاق النار. وبعد مرافعة المحاميين الرفيقين اللبابيدي والحسنية القى الرفيق معروف سعد دفاعاً جاء فيه: " لشد ما كانت دهشتي عندما القي القبض علي بتهمة الاخلال بالامن العام، وهي تهمة ملفقة. كان احرى ان يلقى القبض على اولئك الذين اعتدوا على كرامات الناس وحرياتهم.
"ايها السادة، ايسمح لاقلية متصهينة في لبنان، وخصوصاً في صيدا بالاضراب ساعتين اشتراكاً مع صهيونيي العالم، وان نمنع نحن الذين تربطنا مع الشعب الفلسطيني رابطة القرابة واللغة ورابطة المصلحة الواحدة والقومية الواحدة المتينة، حتى من الترحم عليهم وان يحسب عملنا هذا جريمة لا تغتفر نُزج من اجلها في اعماق السجون.
"اليس في الامر غرابة ان يضرب العراق في 28 ابريل شعوراً مع فلسطين وعطفاً عليها مع العلم انه يبعد لا اقل من الف وخمسماية كيلومتراً عن فلسطين، ونحن الذين على مرمى حجر من هذا الجزء الحبيب نسمع صراخ شعبه وانينه، ونرى بأم العين اضطهاده والحيف اللاحق به، حتى ونسمع بآذاننا الرصاص ودوي المدافع التي تحصد صفوفه حصداً ونقعد بلا حراك ؟
"لن نصل الى هذا الحد من الخمول، ولن نصل بعون الله وفينا دم القومية يجري.
"لا تتأثروا أيها السادة باقوال الوشاة باننا اعداء لبنان، اننا لسنا اعداء لبنان ولا من المشاغبين لهدم الكيان اللبناني كما تتوهمون، اننا بالعكس نسعى لبناء البلاد ولبنان هو جزء منها، اننا نحب لبنان اكثر من الذين يدّعون حباً له، ونفديه بالاموال والارواح لنحميه من غوائل الزمن " .
حضور سعاده
يوضح الامين جبران جريج انه اثناء جلسة المحاكمة حضر سعاده يرافقه الرفيقان جبران جريج ومأمون اياس، فكانت مفاجأة للجميع خاصة وان الحشود كانت تجمعت في الطرقات خارج السراي حيث تجري المحاكمة.
ويضيف: ارتبكت السلطات ولم تعرف أي تدبير تتخذ، فأسرعت الى تعزيز القوة المتواجدة بحجة المحافظة على الامن، مما سبب بتوتير الجو وبات الاصطدام وشيكاً بين لحظة واخرى، عندها آثر سعاده ان يغادر القاعة لئلا يتسبب وجوده بتغيير مجرى المحكمة، والعودة الى بيروت طالباً الى المحامي الرفيق لبابيدي ان يتابع الاجراءات القضائية ما دامت الغاية من حضوره (اي سعاده) قد تحققت.
وبالفعل حكمت المحكمة ببراءة منفذ عام صيدا الرفيق معروف سعد. " فما ان خرج من السجن حتى كانت الجموع التي احتشدت تحمله على الاكتاف مخترقة شوارع المدينة هاتفة بحياة سورية وسعاده، وعند وصوله الى منزله توقف المواطنون لتهنئته ببراءته العادلة .
*
الا ان معروف سعد لم يستمر طويلاً في مسؤوليته، وفي الحزب، اذ كانت زعامته لصيدا تغريه وتجعله يفضلها على عضويته في مؤسسة لها نظامها وقواعدها واصول تعاطيها الدستوري. مع بداية فصل الصيف العام 1939 كان الرفيق معروف سعد يتوقف عن ممارسة عمله الحزبي منصرفاً الى نضاله على الصعيدين الفلسطيني ملتحقاً بالثورة في سورية الجنوبية بين الحين والآخر، واللبناني مقارعاً الاستعمار الفرنسي، ولذا اعتقل في راشيا، وفي المية ومية، حيث التقى القوميين الاجتماعيين. انما، وهذا ما يوضحه الرفيق ابرهيم يموت في كتابه " الحصاد المر"، كان يتجنب الاحتكاك معهم، بالرغم من معرفته بعدد من المسؤولين، امثال نعمة تابت ومأمون اياس، ويكتفي بالحد الادنى من العلاقة .
هوامش
1. كان رفيقاً جيداً ولاعب كرة قدم مشهور. كانت عائلته قد انتقلت من حيفا حيث ولد وترعرع . درس في صيدا ثم في الجامعة الاميركية في بيروت، غادر الى البرازيل واستقر في مدينة انابوليس (الوسط البرازيلي). كان وكيلاً لشركة الطيران الفرنسية AIR FRANCE بعد ان كان اسس شركة للسفريات. بقي رفيقاً جيداً حتى آخر لحظة من حياته. كان له حضوره في الجالية لما تميز به من مناقب وتعاط اخلاقي.
2. من شهداء الحزب، كانت شقيقاته الثلاث (كوكب، جميلة وتقلا) مواطنات صديقات وكان سعاده يأتمنهن، وبقين وفيات للحزب، ومناضلات لمصلحته بعد استشهاد الرفيق جميل.
3. من بشامون تولى مسؤوليات محلية ومركزية عديدة. منح رتبة الامانة. انتخب لعضوية المجلس الاعلى. عين عميداً للداخلية اكثر من مرة، ورئيساً لمجلس العمد. اسر بعد حادثة المالكي وقضى تسع سنوات في سجن المزة.
4. من مدينة مجدل شمس (القنيطرة) دخل المدرسة الحربية في حمص ووصل الى رتبة لواء.
5. كان عضواً سرياً في الحزب، تولى وظائف في الدولة اللبنانية منها قائمقام بعلبك ومدير شرطة بيروت، شقيقه الرفيق المناضل زكريا لبابيدي، وصهره الامين ماجد الناطور.
6. ورد اسمه اديب الحسني في مكان آخر. لا معلومات لدينا عنه، لتاريخه. نشر له الامين جبران جريج كلمة وقصيدة في المجلد الرابع من "من الجعبة" الصفحة 111-112 .
7. من جزين . وكان محامياً لامعاً .
8. هذا ما نشره الامين جبران جريج في الجزء الرابع من كتابه " من الجعبة" نقلاً عن وكالة "النهضة" في صيدا.
|