إنّ ما يُحكى اليوم عن تسوية سياسية جديدة بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت لا يعدو كونه «ماكياج» للتسوية الحالية القائمة، ولن يعدو كونه في أحسن الحالات صياغة لفظية جديدة لمضمون التسوية القائمة نفسه، وإعادة اعتبار معنوية لموقع رئاسة الحكومة اللبنانية بعد السلوك السعودي الذي فاق التوقعات الممكنة كلّها، والذي شكل سابقة في العلاقات السياسية والديبلوماسية بين الدول بعد الذي حدث في الرياض، وبعد فشل السيناريو الخطير الذي كان معداً لإرباك الداخل اللبناني وإشاعة حالة من اللااستقرار ضاغطة على لبنان وعلى المقاومة فيه.
وما حصل في الأسابيع الأخيرة يتجاوز في أسبابه وتداعياته الواقع اللبناني ليشمل مجمل المشهد في المنطقة بأحداثها كلها وتفاصيلها والسيناريوات والحلول المطروحة من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى غيرها من ساحات الصراع المشتعلة في المنطقة وحولها…
فربط النزاع القائم في أكثر من ساحة إنْ دلّ على شيء فإنما يدلّ على مستوى التعقيدات والتشابكات والتقاطعات والتداخلات التي تؤشر على وحدة المعركة، ووحدة الحياة والصراع المفتوح على الاحتمالات كلّها في ظلّ استشراء الهجمة المعادية من قبل دول عربية وإقليمية منخرطة في مشاريع دولية مشبوهة. بيد أنّ موازين القوى الداخلية في لبنان والمنطقة لا تسمح لبنانياً بمساس جوهري بشروط التسوية التي أوصلت الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وسعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وهي تتلخص بثلاث نقاط:
1 ـ حفظ الاستقرار والأمن في لبنان. وهذا مصلحة بالطبع داخلية، وأيضاً ضرورة إقليمية ودولية لأكثر من اعتبار وخاصة ما له علاقة بالنزوح السوري بين هلالين في لبنان وخطر فقدان إمكانية التحكم به في حال الفوضى أو اللااستقرار، وهذا ما يقلق العديد من الدول الإقليمية والأجنبية، لأنّ ارتدادات سيناريو كهذا ستتخطى لبنان إلى الإقليم وإلى أوروبا وأبعد من أوروبا، وأيضاً كلّ هذا له علاقة أيضاً بالحلول المتناسلة للأزمة السورية، وما يتمّ تناقله من رؤى حولها.
2 ـ لا مساس بسلاح المقاومة، إذ إنّ السعودية وغيرها من بعض الدول العربية والإقليمية الموكلة لها عملية الضغط على حزب الله والمقاومة تدرك أنّ الإنجازات الميدانية التي حققها محور المقاومة في مواجهة الإرهاب وقوى التكفير ومن خلالها القوى الإقليمية وبعض الرجعية العربية و»إسرائيل» والرعاة الدوليين. كلّ هذه الإنجازات من الشام إلى لبنان والعراق لا تسمح لأحد بإملاء الشروط على مَن حقّقها.
فسلاح المقاومة أصبح أكثر ارتباطاً باستراتيجية المواجهة القومية الشاملة في المنطقة، طالما أنّ الصراع مفتوح، وطالما أنّ التحديات والأخطار التي يواجهها ما زالت قائمة.
3 ـ أيّ محاولة مساس من قبل السعودية وغيرها بالتوازنات الداخلية في لبنان، بعد انكشاف محاولات التوتير وهزّ الاستقرار، ستنعكس سلباً عليها وعلى امتيازات الدور السعودي بين هلالين في لبنان، وعلى العلاقة الكاملة بين الدولتين وخسارة ورقة أخرى من جهتها طبعاً تضاف إلى مجموع الأوراق الخاسرة والتي أصبحت تداهمها وتقلق صنّاع القرار في الرياض من اليمن إلى سورية إلى العراق وليس أخيراً لبنان.
اذن… نحن أمام مرحلة خلط أوراق جديدة للوقائع كلها وعلى خريطة المنطقة كاملة، ومن ضمنها لبنان، وهذا ما يؤشر إلى مآلات الأحداث في الآتي من الأيام…
|