ليس تفصيلاً الاستحقاق الانتخابي اللبناني، بل هو حدث مهمّ وله أبعاد أساسية في السياسة اللبنانية وامتداداتها القومية والإقليمية، وله بالطبع انعكاساته وتداخلاته وتقاطعاته مع تطوّرات الأحداث في المنطقة بأسرها.
بيدَ أنّ المعضلة اللبنانية تتمثل في طائفية النظام الذي يُعيد إنتاج الأزمات البنيوية نفسها، مما يعطّل إمكانية التقدّم والتطوّر باتجاه الدولة المدنية الموعودة التي تقوم على دعائم الهوية الوطنية والمواطنة الحقّة والعدالة الحقوقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أيّ دولة المساواة التي تتساوى فيها الفرص لدى المواطن في الحقوق والواجبات وتوزيع الثروات بما يتناسب وأولويات التنمية بأبعادها كافة في الزمان والمكان.
الانتخابات محطة لإعادة تكوين السلطة وإنتاجها، وإعادة ترتيب الملفات السياسية بحسب الأولويات، وهي تحاكي المداورة في تولي المسؤوليات والسلطة بين مختلف القوى السياسية مما يخلق بالمبدأ – حيوية وفاعلية يتمّ تثميرها في تفعيل وتجديد الخطاب السياسي، وخلق البرامج الاقتصادية والاجتماعية التنموية الضرورية لتطوير الدولة والمجتمع.
بيد أنّ الإشكالية البنيوية في لبنان تحول دون الوصول إلى هذه الأهداف. وهذا ما يؤدّي إلى مراوحة السياسة اللبنانية في زواريب البناء القديم القائم على شبكة علاقات زبائنية ونفعية تضرب كلّ الإنجازات والمكتسبات المفترضة في الأمن والاقتصاد والتنمية وتؤدّي إلى استفحال الأزمات المختلفة، ولعلّ أعقدها وأصعبها هو المديونية التي تعاني منها الدولة في لبنان والتي تستهلك كلّ مدّخرات ومداخيل الدولة التي تذهب نسبة كبيرة منها لخدمة الدين العام الذي يشهد تزايداً مضطرداً بات يهدّد كلّ المكتسبات الجزئية الاقتصادية الاجتماعية التي حصل عليها المواطن في مراحل سابقة.
نستقبل الاستحقاق الانتخابي بعد أسابيع قليلة، في ظلّ قانون انتخاب مشوّه، قام على أسس طائفية ومذهبية، إنْ كان لجهة الشكل أو المضمون أو التقسيمات الانتخابية، مما أحدث فجوة بين الواقع والمأمول، مما سيُعيق حركة القوى النهضوية القومية المدنية في صياغة برامج تنموية اقتصادية اجتماعية تكون على مستوى طموحات الناس في الحياة الكريمة والعيش الهنيء، وأيضاً وهذا الأهمّ سيفاقم أزمة النظام السياسي لجهة مراعاة التوازنات الداخلية الدقيقة، والإخفاق في مقاربة المسائل المتعلقة بالهوية والمواطنة والمقاومة وغيرها من المسائل التي تشكّل الآن أولوية في ظلّ الهجمة الأجنبية على بلادنا وتقاطعاتها مع المشروع الصهيوني وامتداداته.
فبدلاً من أن يعزّز القانون الجديد حركية التفاعل الدينامي بين أبناء الشعب الواحد، تعزيزاً للوحدة الوطنية والقومية المجتمعية، شكّل خطوة إلى الوراء أعاد فيها خلط الأوراق، وأعاد تموضع القوى السياسية على قواعد عشوائية خارج أيّ منطق سياسي اقتصادي واجتماعي واضح، وخارج التوافقات السياسية حول موضوعات أساسية مثل المقاومة والاستراتيجية الدفاعية والعلاقة مع سورية الشام ، والصراع مع الكيان الصهيوني.
لذا، لا بدّ بعد قراءة الانتخابات ونتائجها مهما كانت، أن نُعيد التفكير في منهجية النضال الجدّي من أجل إعادة تفعيل الحوار حول قانون انتخابي جديد يكون على مستوى أحلام وطموحات الناس ويحمل الوعد لها ببناء مستقبل أفضل…
|