نريد أن نختار. هو ذا عنوان ومضمون صيحات العرب المدوية في الميادين والساحات. لا نريد أنظمة وصاية تدعي أنها أعرف منا بما يناسبنا, ولا قادة يزعمون أنهم منتدبون لرعايتنا.
* * *
نريد أن نختار. أن نكون أحراراً كما خلقنا الله, وأصحاب القرار فيما يخصنا ويخص اُمتنا وبلادنا. وأن نقول آراءنا ونتداولها في العلن دونما خوف من أحد سوى ضمائرنا.
* * *
نريد أن نختار. لن نكون أقل ممن سبقونا, ولن نبدد ميراثهم. قاتل آباؤنا وأجدادنا الإستعمارَ الذي قال أنه يريد "تمدِيننا", فإحتلنا وفرض علينا إنتدابه ووصايته ولصوصيته. وناضلوا ضد مخلفاته التي أوكل اليها رعاية مصالحه, وسمح لها بإختيار علم, ونشيد, وشرطة- وتفاهات أخرى- وتظاهر بالرحيل..
* * *
نريد أن نختار. نحن الذين أدمنتم التعامل معهم كقطعانٍ سائبة, كجموعٍ غفل هلامية, أو أرقام حسابية مجردة. وتركتم لأجهزتكم الأمنية والإستخبارية والإعلامية مهمة ضبطها, وترويضها, وتدجينها, وتوجيهها لجعلها صالحة للإستعمال: استعمالكم واستعمال أبنائكم وعائلاتكم وأقاربكم ومحاسيبكم.
* * *
- كيف أمكنكم ذلك؟ وبأي قدر من الإستهتار وانعدام الإحساس فعلتم بنا ما فعلتم؟
آن أوان الأسئلة- أسئلتنا نحن هذه المرة- وها قد جئنا من كل فجٍ ينبض بالألم والأمل, لنقول لكل من يعنيهم الأمر: من نحن, وماذا نريد. وستصغون إلينا بإنتباه, برغم تشتت أذهانكم, وبرغم إرتجاف كراسيكم تحتكم. ستصغون! وإن لم تفعلوا, فستسمعون الكلمة الحاسمة: إرحلوا!
* * *
تغيَّروا أو إرحلوا, واتركوا الهواء النقي يسري في عروقنا.
نحن لا نكرهكم كأشخاص لهم ما لعموم بني آدم وحواء من حقوق وكرامة. لكننا لم نعد نحتمل أنظمتكم وسياساتكم التي أمَّمت حياتنا وأرواحنا وأشواقنا وخصَّصت كل شيء آخر -فاستباحته أو باعته- محوِّلة الجميع من ذواتٍ متعددة متفردة, إلى موضوع لنزواتها وتجاربها في الإستغلال والإستهبال.
* * *
تغيَّروا أو إرحلوا! ودعونا نختار, فهذا زماننا قد ابتدأ: زمن المنسِيين المُغيَّبِين الذين حضروا ليستوفوا حقوقهم.
خذوا تاريخكم المخزي ونفاياتكم وارحلوا, فقد انتهى زمانكم ولم يعد ثمة مكان لكم. وبدل إضاعة الوقت, فتشوا عن مأوى تلوذون به وتدارون فيه رعبكم خشية الملاحقة, قبل أن تضطروا لفعل ذلك على عجل.
إرحلوا أو إرحلوا – ولكم الخيار!- فهذا مكاننا الذي سنُعيد تطهيره وبناءه وتزيينه بعد أن نكنس ونغسل ما راكمتم فيه من جور وقبح وتلوث.
* * *
نريد أن نختار. هو ذا ما تقوله دماؤنا وراياتنا ونداءاتنا وأناشيدنا وزغاريدنا. سنمضي.. سنترك الوراء وراءنا كصفحة عابرة في درس التاريخ ونمضي. إلى الأمام: الأمام الذي يتراءى أمامنا. إلى مطلع الشمس وهلال القمر.
ربما نتوه.. وقد نتخبَّط أو نتعثر. لكننا سننهض, ننفض ثيابنا وتلعثمنا وننهض, لنواصل رحلتنا ومعراجنا نحو الغد والنور. ولن نلتفت إلى الخلف إلا لنترحَّم على الشهداء ونكرم ذكراهم.
وإذ تفغمنا الآمالُ الطليقة, فلن نأسى على شيء مما مضى سوى أننا تأخرنا..
وآنَ لنا أن نستعجل.
|