العزيز غسان.
السلام عليك..
اكتب لك رغم اننا لم نلتقِ يوماً. لكنني أعرفك.
اعرفك منذ زمن بعيد بهي كوشم الطفولة.
مرَّت ذكرى استشهادك وانت كما انت موغل في الاستشهاد، فلم تأتِ..
لعلك نسيتها؟ كما هي عادتك في كل عام مذ تناثرتَ ورحلتَ في صبيحة ذلك اليوم المباغت الثامن من تموز- يوليو-1972.
كيف أمكنك ان تغافل الجميع وتستشهد؟
ربما لم ترد ان تزعج عائلتك واصدقاءك..
وربما لم تكن مكترثا بالموت الذي قلت عنه أنه ليس قضية من يموت بل قضية من يبقى.
* * *
- "قضية من يبقى"؟
ارجو ان لا تسألني عن حال القضية التي وهبت لها عمرك، فربما اغبطك على استشهادك قبل ان تشهد حالها اليوم!
لن اجيبك بكلام موجع.. فقط، سأُعيدك إلى ما رأيته انت، وكتبته في روايتك البكر الساخطة الشاجبة " رجال في الشمس".
لسنا في الشمس يا أبا فايز.. ولا حتى في الظل! والرجال الذين ذهبوا بعيداً عن بلادهم، واسلموا قيادتهم "لأبي الخيزان"، فماتوا اختناقاً في خزان ماءٍ على حدود الصحراء، تناسلوا من جديد..
لا أتحدث عن تيهٍ هنا، بل عن اختيارٍ واعٍ وإرادة مصممة.
فحينما يصير استجداء الحقوق والسلام مع العدو وجهة نظر رسمية مرعية، وحينما لا تعود فلسطين كلها هي وجهة السير، والمقاومة أداتها الحاملة الناقلة، فليس بوسعنا أن نتساءل- كما تساءلت- "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟"
* * *
نحن الآن ندق جدران قلوبنا، خوفاً على مصير وطن وشعب، لا طلباً لاستغاثة انسانية مستحقة قد تأتي وقد لا تأتي..
- هل تتخيل؟
آلمتك كلماتي..أعرف هذا من إمالة وجهك ومن شتاءٍ حزين عميق يلوح في عينيك البراقتين، ايها "العاشق" الكبير الذي رأى فلسطين من شرفة العروبة، ورأى العروبة من باب فلسطين. وفي الحالين رأى الانسانية اُفقاً يجمع المستضعفين.
* * *
ها انت ترى..
لسنا في الشمس ولا في الظل. نحن ألقاء في الشوارع، نتخبط عرضة لحوادث السير، ونجهد، فقط، للوصول إلى الارصفة!
معذرة غسان على هذه المكاشفة.
ما لهذا كتبتُ إليك.
أردت فقط ان اُقرئك السلام..
السلام عليك.
|