الخامس من حزيران- يونيو هو الخامس من حزيران-يونيو. لم يتغير عما هو عليه رغم السنوات والأحداث الكثيرة التي مرَّت, وظل يأتي في موعده المعتاد كل عام. وما سمي ب"النكسة"- من باب التهوين- صار داءً عضالاً مقيماً في جسد الأُمة وذاكرتها التاريخية الجريحة.أما الشعار القديم الذي رُفع غداة الهزيمة:"إزالة آثار العدوان", فلم يعد موجوداً في خطط وبرامج الأنظمة العربية التي وجدت ضالتها في أُلهية "العملية السلمية" التي يعرف الجميع أن غايتها الأساس هي اخضاع البلاد والشعوب العربية لإرادة ومصالح الولايات المتحدة و"اسرائيل", فيما هي- الأنظمة العربية- مشغولة بما هو أهم بالنسبة لها: اخضاع شعوبها الناهضة للمطالبة بحقوقها في الحرية والعدالة والكرامة وتقرير المصير.
* * *
مضى الخامس من حزيران من حيث هو يوم معلوم في شهر معلوم من السنة، ولكن المسألة تكمن في استطالته وتمدده على كل أيام السنة وطوال السنين التي مضت. ولا يبدو لنا بعد متى سننساه بحيث يعود كما هي حاله يوماً عادياً كباقي الأيام. وكان الخلل في تقدير الموقف, وفي ضعف جهوزية القوات, هو المسؤول عن الهزيمة الحزيرانية. أما استمرارها حتى الآن, فيعود إلى عطب شامل في الأبنية والسياسات التي انقلبت فلم تعد ترى في العدو الغاصب المحتل عدواً. وبدلاً من ذلك راح العرب الرسميون يستجدون السلام. والذي نعرفه، وتعرفه كل الأُمم، أن السلام لا يستجدى، ومن يستجدِه لا يحصد غير المذلة والاذعان. وقد شاهدنا بأُمهات أعيننا كيف وقف نتنياهو خطيباً في الكونغرس الأميركي فقوبل بترحيب وتصفيق وتأييد لا يحلم بنصفه- ولا حتى بربعه- في "الكنيست الاسرائيلي". وهذه رسالة- بل صفعة- للعرب الذين يصرون على أن أميركا دولة صديقة وينتظرون منها الحل العادل كراعية للسلام. لكن أميركا, ورغم خبرة مواطنيها في رعاية البقر, لا ترعى سوى مصالحها! وهي لا تتردد لحظة واحدة في التخلي عن زبائنها عندما تدرك أنهم لم يعودوا صالحين للبقاء في الخدمة, كما فعلت بمبارك ومن قبله بالشاه. والعِظة الواجب أخذها بعين الاعتبار هنا, هي أن على القادة العرب أن لا يثقوا سوى بشعوبهم, فهي الكفيلة بمنحهم الدعم والتأييد إذا ما لبُّوا تطلعاتها وعبَّروا عن إرادتها واستمدوا منها شرعية قيادتهم.
* * *
وما دمنا في شهر حزيران وتداعياته, فلنتذكر يومي التاسع والعاشر منه في العام 1967عندما خرجت الجماهير المصرية والعربية منادية الرئيس جمال عبدالناصر بالعودة عن قراره بالتنحي عن موقعه، رغم تحمله المسؤولية عن الهزيمة. ولنقارن هذه الذكرى بمطالبة الجماهير للرئيس مبارك بالتنحي والرحيل, ثم مطالبتها بمحاكمته. ولا أظننا بحاجة لبحث عميق كي نعرف السبب. فالفرق بين الحالين واضحٌ وضوح الفرق بين من ينامون مطمئنين على ترنيمة "المبادرة العربية للسلام", ومن يعرفون أن "ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة".
وعندما نعي هذا الفرق، ونعمل بموجبه، يمكن لنا الحديث عن حزيران بوصفه أوَّل شهور الصيف، واليوم الخامس منه، هو اليوم الذي يلي اليوم الرابع من الشهر ويسبق اليوم السادس!
|