أفضل خدمة يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها للعرب والمسلمين, هي أن تكف عن التدخل في شؤونهم, وأن تسحب جيوشها وأساطيلها من أراضيهم ومياههم وترحل. أما خدمتها الأفضل لهم, فتكمن في توقفها عن تقديم دعمها متعدد الأشكال "لإسرائيل".
لا نريد منها أية مساعدات من أي نوع كان. ولا نريد نصائحها و توجيهاتها لما ينبغي وما لا ينبغي عمله. كل ما نريده منها أن تتركنا نقرر ما يناسبنا, وأن لا تحشر أنفها, وأيديها, ودولاراتها, وعساكرها, ومخابراتها في ما يخصنا, فنحن أدرى بما نريد. وإذا ما كانت معنية حقاً بعمل الخير للبشر، فعليها أن تقدم الدليل والمثال على صدقها, بأن تعنى أولاً بنفسها- الأمَّارة بالسُّوء- وبأوضاعها الداخلية المأزومة. لم لا تعالج- مثلاً- ديمقراطيتها المشوهة حيث تهيمن الإحتكارات الكبرى على إرادة أغلبية المواطنين الأميركيين؟ ولم لا تحل مشكلة ملايين المشردين "HOMELESS" في أحياء مدنها الكثيرة المترامية؟ ولم لا تجتث جذور ومظاهر التمييز ضد الملونين والشعوب من غير الأصول الأوروبية البيضاء، بأن تخصص لهم حصصاً عادلة في الهيئات والمؤسسات- ذات الطابع التمثيلي- على مستوى الإتحاد, وعلى مستوى الولايات كافة؟ ولم لا تعترف بالتعدد الثقافي واللغوي رسمياً, بدل أن تفرض هيمنة اللغة الإنجليزية, ولا تعترف باللغة اللاتينية- كمثال- لغة رسمية رغم إنتشارها وكثرة الناطقين بها في الولايات المتحدة؟ ولم لا تقوم بتقديم الإعتذار والتعويض العادل للسكان الأصليين الذين أُبيد أسلافهم وسُلبت ممتلكاتهم وديارهم ومصادر عيشهم؟ وكذلك بالنسبة للأُمم التي غزتها أميركا وحاربتها, كما فعلت بأميركا الجنوبية وكوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان؟
ولكي تقنع العالم بصدق دعواها فيما يتعلق بأسلحة الدمار, لم لا تتخلص من أسلحتها, بدل أن تتاجر بها في مصائب العالم, وتزيد سنوياً موازنتها التسليحية على حساب حاجات وأولويات مواطنيها: الصحية والتعليمية والثقافية والبيئية وخدمات البنية التحتية؟
هذه مجرد أمثلة فقط..
* * *
خلال حملة الإنتخابات الرئاسية الماضية, عبَّرت عامة الشعب والناس الأميركيون العاديون, عن نظرتهم الحقيقية إلى نظامهم القائم, فرفعوا شعار التغيير. لكن جماعات المصالح والإحتكارات الحاكمة, زوَّرت رغبتهم وتلاعبت بها مكتفية بتغيير لون بشرة الرئيس! وهو سلوك مماثل لما اقترحته إحدى شركات العلاقات العامة الأميركية على الحكومة "الإسرائيلية" التي استعانت بها لتجميل صورتها البشعة أيام إنتفاضة الأقصى, فاقترحت الشركة إياها, طلاء الدبابات "الإسرائيلية" بألوان زاهية ورسم صور حيوانات أليفة محببة عليها! لكن الحكومة"الاسرائيلية"- ورغم أنها مجبولة من التزوير- لم تأخذ بهذه النصيحة البهلوانية. ربما, بسبب إطمئنانها لثبات الدعم الأميركي لها كيفما كانت صورتها و"حقيقتها".
* * *
حاجة الأميركيين إلى التغيير- في الذهنية, والسياسات, والمؤسسات, والممارسات- ما زالت قائمة وبإلحاح. وبدل أن ينصب قادتهم من أنفسهم أوصياء على العالم يوزعون عليه العِظات, عليهم أن يستجيبوا لرغبات مواطنيهم الذين أودت المغامرات العسكرية بأرواحهم, وفاقمت الأزمة المالية من معاناتهم. ولا نعرف متى سيقرر الأميركيون وضع حدٍّ نهائي لخداع قادتهم ووسائط إعلامهم لهم. ولإستغلال الإحتكارات والمؤسسات المالية المهيمنة ولامبالاتها بهم وبشعوب العالم. فكما فعلوا أيام النضال الميداني الباسل ضد التمييز العنصري ومن أجل الحقوق المدنية, قد يقررون الخروج من لعبة تغيير الرئيس الدورية الفارغة, والعمل على إنجاز تغيير حقيقي. وعندها, ربما, يجدون في الإنتفاضات العربية ما يلهمهم.
* * *
- توزيع العِظات؟
استمعتُ, أمس, لخطاب الرئيس اوباما..
|