مع أننا لا نعول كثيرا على المصالحة التي اعلن عنها قادةحركتي "فتح" و"حماس" أخيراً في القاهرة، إلا اننا نرحب بها،حتى لو لم ينتج عنها سوى التواصل وتبادل التحيات وانهاء معاناة الموقوفين والمعتقلين من الطرفين. فالوضع الذي تمر به القضية الفلسطينية حالياً، قد يكون من بين أسوأ ما مرت به من أوضاع على مرِّ تاريخها المعاصر. ولهذا أسباب عديدة يتحمل القادة الفلسطينيون قدراً مهماً منها. ولن يكون بوسع أحد أن يتقدم لمساعدتهم ما لم يبادروا هم إلى مساعدة أنفسهم وتدبر شؤونهم ومصالحهم وتحديد أولوياتهم وسبلهم. فهم أعرف الناس بما يواجهه الفلسطينيون- شعباً ووطناً وقضية- من مشكلات وتحديات على المستويات كافة: السياسية والأمنية والإنسانية والمعيشية. ورغم معرفتنا بأن هؤلاء القادة لا يملكون الوصفة الشافية لهذه المشكلات والتحديات، إلا أنهم يستطيعون أن لا يزيدوا من تفاقمها، وإرهاق الشعب بأعباء إضافية فوق الأعباء الكثيرة التي تفرضها عليه سياسات سلطة الاحتلال بشكل يومي.
* * *
ترحيبنا بالمصالحة، لما تشيعه من جو طبيعي قد يوفر بيئة ملائمة تسمح بتفكيك ونزع الألغام الداخلية، لا يعني أبداً أننا نراهن عليها كطريق لمواجهة الاستحقاقات الوطنية الفلسطينية،
ما دامت المصالحة أسيرة ذهنية المحاصصة الفصائلية، وما دامت أسيرة السقف السياسي الذي حددته اتفاقية "اوسلو" وما نتج عنها. فالمطلوب بالدرجة الاولى، هو تقديم الحلول الناجعة للقضية الوطنية وليس حل مشكلة الفصيلين، الا بقدر ما تساعد على التقدم نحو حل القضية الوطنية المركزية، التي يفترض انها المعيار الأساس في النظر إلى أية وحدة أو أي انقسام وتأثيرهما.
وفي ظل الظروف العربية والاقليمية والدولية الحالية، التي تبدو فيها كل الدول والقوى السياسية منشغلة بما يكفي من المشكلات، قد يكون نافلاً القول بأن على الفلسطينيين أن يركزوا اهتمامهم على قضيتهم لابقائها حية فاعلة، كي لا تطويها قعقعة مجنزرات الاحتلال، ولا يغيِّبها صخب الصراع المحتدم على إعادة تشكيل ما يسمى بالشرق الأوسط عامة، والوطن العربي بخاصة، الذي تنخرط فيه شعوب وقوى ودول متعددة، وسيستمر لمدة غير معلومة، وليس معروفاً بعد ما سيؤول إليه.
* * *
سبق للفلسطينيين وأن واجهوا ظرفاً مشابهاً بعد النكبة. حينما انشغلت الدول العربية بشؤونها الداخلية- او بالصراع فيما بين محاورها- فيما وجد الفلسطينيون أنفسهم عزلاً مكشوفين أمام عدوهم القوي، يعلقون آمالهم في انتظار اليوم الذي سيأتي فيه الأشقاء لنصرتهم. لم يأتِ أحد بالطبع، رغم كل الوعود والنوايا الطيبة، فقد كان لكل قطر- وحزب- عربي مشاغله وأولوياته. ومضت سبعة عشر عاماً بعد النكبة وهم ينتظرون ويأملون، قبل أن يتوصلوا إلى الواجب البديهي: أن لا يدعوا قضيتهم لغيرهم مهما كانت نواياه ووعوده صادقة، وأن يتولوا مباشرتها بأنفسهم، فيما يستمرون في مطالبة أشقائهم العرب بتحمل مسؤولياتهم القومية تجاه قضية الأُمة المركزية، القضية الفلسطينية، التي يتعلق بتحريرها مسار العرب ومصيرهم في التحرر والوحدة والتقدم. ولما كان المثال التحرري الذي قدمه شعبا الجزائر واليمن الجنوبي حاضراً، فقد بيَّن الطريق الواجب اتباعها لنيل الحقوق: "حرب التحرير الشعبية"، التي كان التخلي عنها واتباع طريق "العملية السلمية"، هو ما اوصل القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن. وهي المسألة التي على الفلسطينيين والعرب ان ينشغلوا بها: امس، واليوم، وغداً.
|