سعادة والانتخابات النيابية عامي 1937-1947: النيابة تعني التعبير عن القضية القومية الاجتماعية
نحن نفكر في المسائل الكبرى. إننا نفكر في أن اقتصادياتنا يجب أن تنظَّم تنظيماً يكفل لنا الحياة... نحن نفكر بأمور لا تخطر على بال المرشح النيابي.
إن النيابة وسيلة لإظهار إرادة المجتمع، إن إرادة مجتمعنا هي الحياة، يجب ابتكار الأساليب لفتح طرق الحياة أمام الأمة.
"نحن نقول أننا ننمو في سبيل المصلحة العامة وهم يقولون غداً ستصلون إلى كراسي الحكم...". (خطاب الزعيم في الكورة صيف 1937)
ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي عدداً من الناس مجتمعين للمناداة بوحدة سورية فحسب، أو للعمل للنيابة كما يعمل المشتغلون في السياسة متآزريومتكتلين لمصلحة شخصية، خصوصية. (إن أرقى درجة يبلغ إليها التمثيل السياسي في الحكومات عندنا هي عندما يقوم النائب بالعمل للمنطقة التي هو منها، أو لينفع أشخاص من منطقته أو لمن له بهم صلات شخصية بحتة. هذا معظم ما يبلغ إليه الفكر السياسي "المناقبي" في الدول الحاضرة. وهذه الدرجة العالية هي حقيرة بالنسبة إلى ما نرمي إلى تحقيقه نحن. عندما يفوز نائب من الحزب في أية حكومة من حكوماتنا سوف لا يكون همه أن يحقق بعض الأمور الشخصية أو المنطقية (نسبة إلى المنطقة) بل تكون مهمته القيام بمجهود كبير قومي من أجل المصالح القومية عامة، كل المصالح الأساسية التي تتوقف عليها سلامة
الأمة ومصيرها وارتقاء حياتها. فالأمور التي نُعنى بها نحن ليست جزئيات بل كليات تتعلق بحياة الأمة في أساسها، بجوهر الحياة واتجاه الحياة الأسمى والأكمل والأفضل.
إن نظام الحزب هو النظام الذي لا بدّ منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة، التي ستغير وجه التاريخ في الشرق الأدنى، من تدخّل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد، في ظل النظام البرلماني التقليدي، الذي لا سلطة له في التكييف. وهنا نصل إلى أمور تتعلق بكيفية تطبق منهاج هذه النهضة. فما قلته يعني أننا نعتقد أن النظام الانتخابي الحاضر لا يمكن أن يكون الواسطة الصالحة لتحقيق المبادئ الجديدة ولتحقيق التغيّر، أي لنقل الأمة من حياة وحالة حياة إلى حياة وحالة حياة أخرى، لأنه في هذا النظام الاستمرار والتراكم هو الذي له اليد العليا على الخلق وعلى الفاعلية.
لذلك، عندما يسألني بعض الأشخاص كيف يكون نهج الحزب السوري القومي الاجتماعي عند استلامه الحكم، كنت أقول: أنكم لا تفهمون الحزب السوري القومي الاجتماعي. وكان ذلك صحيحاً لأنهم لم يكونوا دارسين اتجاهات الحزب... إن نظامنا هو الوحيد الذي يؤمل أن يكفل لهذه الأمة مستقبلاً غير الحالة الزرية التي تتعثر فيها. (محاضرة سعاده في الندوة الثقافية 18/1/1948)
هذه الكلمات – المواقف للزعيم خير معبِّرٍ عن موقف الحزب العام من مسألة الانتخابات والترشح للنيابة، و"النظام الجديد" الذي يعمل الحزب لإرسائه في قلب المجتمع وفي الدولة السورية القومية الاجتماعية.
وكان سعاده قد كتب سلسلة مقالات قبيل انتخابات عام 1937 في الكيان اللبناني، يتحدث فيها عن المرشحين أصحاب النظرة الخصوصية "وبقايا المدرسة السياسية العتيقة" (قائمة جبل لبنان شعبية معارضة 15/10/1937)، وعن الحزب الناشئ الذي يحمل مبادئ وبرامج في الاجتماع والاقتصاد والسياسية...
ويورد في مقالته (الجامعة الأميركانية سياسية لا سياسية 16/10/1937) مفهوم النيابة، فإذا هو "النيابة عن الشعب لخدمة مصالحه والتشريع لحياته العامة"، مميزاً فيه النيابة عن "الأعمال السياسية البحتة". ويفنِّد في مقالة ثالثة (شخصيات وأحزاب ومؤسسات
18/10/1937) بيان انتخابي لأحد المرشحين ويُوجه له نقداً لاذعاً، مشيراً إلى علاقته بالرأسمال اليهودي.
ويعلن بصراحة في مقالته "موقف الحزب السوري القومي" (26/10/1937): "أن الحزب سوف لا يدخل في معركة الأشخاص والمنافع الشخصية التي يقوم عليها الاتجاه الانتخابي" سنداً لتصريح رئيس المكتب السياسي، الذي يعتبره "فتحاً سياسياً جديداً، لأنها المرة الأولى في تاريخ هذه البلاد السياسي الحديث التي تجد فيها النظرة السياسية المجموعية تسيطر على الاتجاهات السياسية". وأن الحزب "منظمة تنظر في أحوال الوضع السياسي العام وشؤون مجموع الحزب وتضع هذه الشؤون فوق جميع الاعتبارات".
كما يوضح في ختام هذه المقالة نوع الهدنة، أو الاتفاقية التي تمت وأدت إلى خروجه من السجن في أيار 1937 مع حكومة خير الدين الأحدب، وتأييد القوميين للائحة الأخير: "ولأول مرة في تاريخ الانتخابات نجد أفراداً يتقدمون إلى صندوق الانتخابات ليضعوا فيها أوراقاً لا تمثل رغباتهم الفردية بل تمثل إرادة الحزب". وحول هذا الموضوع، يكتب سعاده إلى ادويك جريديني (رسالته تاريخ 24 أكتوبر 1937) "... آمل أن يكون لنا في المجلس والحكومة المقبلين أصدقاء ومناصرون. وهذا ما فعلت المستطاع للحصول عليه..." ونتيجة ذلك جرى السماح للحزب بالعمل العلني، والحصول على رخصة لإصدار جريدة "النهضة"...
الاختبار الأول: ويصف سعاده عملية اجتياز العملية الانتخابية نتيجة سهرهِ ومتابعتهِ الدقيقة لتفاصيلها بقوله: "إننا قد اجتزنا أعظم أزمة مرت بالحزب حتى اليوم. فإن ما تعرّض له الحزب بمناسبة الانتخابات كان شيئاً لم يسبق لأمتنا أن اختبرت مثله في العصور المتأخرة". (رسالته إلى ادويك جريديني 12 نوفمبر 1937)، ما دفع سعاده لهذا القول، أن هذا الحزب الفتيّ، الطريّ العود، لم يمضِ 5 سنوات على نشوئه، جرى خلالها اعتقال زعيمه مرتين ودخوله السجن، مما أدى إلى تسلق أصحاب النزعة الفردية سلم المسؤولية في إدارة الحزب العليا. كما تمكن عدد من الشيوعيين وغيرهم من التسرب إلى داخل الحزب لتخريبه. كل ذلك، لم يُثنِ سعاده عن متابعة خطته المرسومة للانتخابات بتأييد فريق سياسي في الحكم "تأييداً سياسياً" مقابل بعض التسهيلات للحزب، وثانياً قبول القوميين التصويت لهذا الفريق رغم عدم قناعتهم به.
سعاده الواثق بخطته ونجاحها، أطلق بعد هذه الانتخابات عملية تطهير واسعة للمندسِّين الشيوعيين وأصحاب النزعة الفردية داخل الحزب.
وكان سعاده قد أجرى سلسلة جولات حزبية في المناطق بعد خروجه الثاني من السجن. ولمس الحاجة الماسة لإعادة إطلاق العمل الثقافي الداخلي، وضرورة إصدار جريدة ناطقة باسم الحزب توضح للرأي العام موقف الحزب من الشؤون القومية ومن خطط الدول الأجنبية لبلادنا.
لم يكترث سعاده حينذاك لمسألة الانتخابات ونتائجها، لأنه كان على دراية تامة أن كل المرشحين سواء، وأن الائتلافات التي تحصل قبل الانتخابات تنتهي بانتهاء الغرض منها. فتراه يسطر في مقالته كتلتا المعارضة" (30/10/1937) خداع مسألة الائتلافات المؤقتة لعدم وجود خطط اقتصادية واجتماعية تنقذ الشعب من أوضاعه المزرية، فيعلن في خاتمة مقالته تلك: "كل مجلس نيابي يتألف من رجال لا يعرفون من المبادئ الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية غير مسألة تزفيت بعض الطرقات وأمور توظيف الأصدقاء والأقارب، ليس مجلساً يتمكن من السهر على حاجة الشعب والوطن والنظر في السياسة الاقتصادية القومية وفي تأمين المشاريع العمرانية".
ويعود سعاده ليؤكد على هذه الحقيقة في مقالات أخرى له حول عمليات الترشيح للانتخابات والبيانات أو المشاريع الانتخابية المرفقة بكلمات رنّانة: "الإخلاص للوطن" و... وإن كل هذه الشعارات المطلقة قبل الانتخابات متوالدة من المناسبات الانتخابية، لتعود وتخبو أو تنطفئ بانتهاء شعلة الانتخابات.
لذلك نراه في مقالته تشبيه (24/10/1937) يدعو لأن يكون المجتمع حاصلاً على "تربية قومية صحيحة" لممارسة التصويت الشعبي العام، ليعطي النتائج المرتجاة من العملية الانتخابية فينتخب الشعب أصحاب المبادئ لا أصحاب المنافع الفردية والعائلية والطائفية... مما يعني ضرورة وجود مؤهلات لدى الشعب. وهذه المؤهلات يكتسبها من الأحزاب العقدية، فإذا غابت هذه المؤهلات فلا يكون للتصويت "قيمة ديمقراطية" على الإطلاق، فيقع الشعب في حبائل الفساد والفاسدين.
ما دفع سعاده لإيراد ما سبق، تلقي نوراً كاشفاً على واقع مجتمعنا السوري المشرذم إلى قبائل وعشائر ومذاهب وأثنيات... فكان الشعب ينتخب ابن القبيلة أو العشيرة أو المذهب... لعدم توجيهه من أحد على الإطلاق. إلى أن كان تأسيس الحزب، الذي كان حدثاً جديداً في سورية الغافلة عن حقوقها ومصالحها القومية الاجتماعية.
ثقة تامة بالزعامة: ويعرض سعاده في مقالتين له "الأخلاق الحزبية" (31/10) و"تسخير المنظمة" (8/11/1937) وضع الحزب الداخلي خلال فترة الانتخابات.
يقول في الأولى: "كانت مرحلة الانتخابات الأخيرة محكاً للأخلاق الحزبية وامتحاناً للأحزاب الناشئة في وطننا.
ومن بين جميع الأحزاب التي توالدت على أثر ظهور الحزب السوري القومي، نجد أن هذا الحزب كان الوحيد الذي اتخذ موقفاً سياسياً عاماً تقيدت به جميع فروعه على طول الخط.
وقد ظهر من هذا التقيد أن الحزب قد انتصر إنتصاراً نهائياً على العنعنات الشخصية والحزازات المحلية، وولَّدت شعوراً بالمسؤولية العامة قوياً، وطبَّق أعمال التربية السياسية التي شرع بها منذ بدء نشوئه تطبيقاً عاماً. وتمكن بهذا التطبيق العملي من إجراء الاختبار الأول لنظام صفوفه ومتانة عقيدة أعضائه...".
وكانت عمدة الإذاعة قد أقرت بوجود 200 حادثة خرق للنظام، بعضها عائد للشيوعيين المندسين في صفوف الحزب، وبعضها الآخر عائد للضعف العقدي والشخصي لدى بعض المنتمين للحزب.
ويُسرع سعاده ليؤكد أنَّ ما صرَّح به أحد أركان عمدة الإذاعة "يفوق كثيراً المعلومات التي تسربت إلى الرأي العام عن حوادث عدم التقيد بتعليمات الحزب، وهذا التصريح يجعلنا نقدِّر كل التقدير الثقة الكبيرة التي لهذا الحزب بمبادئه ونظامه ووحدته السياسية. وهو دليل على أن هذه الحوادث لا تؤثر في مجموعهِ أي تأثير سيّء". ليتابع قائلاً: "أما انصياع أعضاء الحزب لأوامر المركز في المواقف السياسية، مع أن هذه الأوامر كانت في كثير من الأحيان معاكسة لبعض الرغبات الخاصة المتولدة من روح البيئة ومنافع الظروف فنجاح للأمة. يجب أن يُسجَّل للحزب السوري القومي بمداد الفخر".
وفي مقالته الثانية يجري سعاده قلمه في موقف الكتل والائتلافات القائمة قبل الانتخابات وبعدها، وكيف أن بعض المرشحين اخذ يقذف الحزب باتهامات عديدة باطلة. منها أنه قد نال رشوة من فلان أو علان من المرشحين... ويعلن سعاده أن الموقف السياسي لا المبدئي الذي اتخذه الحزب كان موقفاً سليماً لأن كل المرشحين لا يملكون مبادئ ومشاريع تتفق ومبادئ الحزب. وإن منازعات المرشحين هو مجرد تنازع على كراسي الحكم.
ويعود سعاده إلى استعراض مجرى هذه الانتخابات موضحاً أسباب وقوف الحزب هذا الموقف المميز منها، في خطابه في أول آذار 1938 فيقول: "وقد جاءت الانتخابات اللبنانية بعد مدة قليلة من وقت خروجنا من السجن. وكان جو هذه الانتخابات متجهماً والدعاوات سائرة على قدم وساق. وبرزت الأنانيات الجامحة على المرسح. وظنَّ بعض هذه الأنانيات أنه يستطيع تسخير الحزب السوري القومي لأغراضه وتضحيته على مذبح شهواته. أما الحزب فتجاه ما كان متراكماً عليه من القضايا الجزائية، وتجاه الحاجة إلى وقت لإعادة تنظيمه بعد نحو سنتين من اعتقالات وملاحقات، لم يكن في حالة تسمح له بخوض المعركة الانتخابية بأساليبها الطائفية الفاسدة وإمكان شراء أصوات كثيرة بالمال، فضلاً عن الاتجاهات السياسية، التي كنت أرى خطوطها بجلاء، لذلك فضَّلت العمل لمصلحة الحزب، لاسيما ونحن لا فرق عندنا بين حكوميين ومعارضين في السياسة الحاضرة. فكان موقف الحزب السوري القومي في الانتخابات أعظم الانتصارات السياسية.
إن هنالك أفراداً تعودوا تسخير الأحزاب التقليدية لمنافعهم الخاصة فظنوا أنهم ينالون من الحزب السوري القومي ما كانوا ينالونه من الأحزاب الأخرى. وقد ساء فألهم، لأن الحزب السوري القومي يقول أن الأفراد يُسخَّرون للقضية القومية لا القضية القومية للأفراد...
وبعد الانتخابات اللبنانية جرت الانتخابات الجزئية في منطقة اللاذقية فخضنا المعركة وفازت جبهتنا في تلكلخ – الحصن".
واضح أن سعاده، عندما لمس حالة الوهن والضعف والأنانيات داخل الحزب، والمفاسد السياسية التي يتخبط فيها المرشحون للنيابة في لبنان، اتخذ الموقف المبدئي الذي يصب في خانة الحزب فحقق نجاحاً باهراً.
والحقيقة المؤسفة أن هذه الأجواء ما زالت هي المسيطرة على الأوضاع الاجتماعية العامة لشعبنا السوري نتيجة فساد كل الطبقة السياسية التي حكمت كياناته ولتاريخه منذ نشوئها.
ترشيحات القيادة المنحرفة: أما انتخابات العام 1947، وهي أول انتخابات نيابية في "عهد الاستقلال"، فقد خاضها الحزب بعدة مرشحين. وكانت قيادة الحزب قد إستبقت عودة الزعيم من المهجر لتعلن أسماء المرشحين في مهرجان ضهور الشوير، وبالتالي تحشره بالأسماء والاتفاقات السياسية المعقودة أو المنوي عقدها مع مرشحين آخرين. وكان نعمة ثابت، قد كتب إلى سعاده قبيل قدومه إلى الوطن، أن يعرِّج إلى الشاطئ الذهبي لزيارة الرفقاء هناك، بناءً لطلب منهم. ربما يكون قصد ثابت من وراء ذلك تأخير عودة الزعيم إلى الوطن، كما كانت رغبة عدد من المسؤولين في الحزب وفي الحكومة اللبنانية.
وحول المرشحين الذين انتقتهم إدارة ثابت للترشح للنيابة يقول سعاده: "إن عدداً من الذين ترشحوا من صفوف الحزب القومي الاجتماعي للنيابة في لبنان والشام وشرق الأردن لم يكونوا من الذين يَعدّون الغاية القومية الاجتماعية هي الغاية الحقيقية، بل كانت لهم، تحت ستار الغاية القومية الاجتماعية غاية خفية، تذرعوا ببلوغها بمختلف محاولات التسوية". (المثالية الأولى – النشرة الرسمية – المجلد 1 – العدد 10 – 1/6/1948)
وكان نعمة ثابت أحد هؤلاء المرشحين على لائحة كميل شمعون، وكان سعاده على دراية تامة بكل هذه الأمور. لذلك باشر توجيهاته بسلسلة مقالات لإعادة ترسيخ المسؤولية العامة في الأذهان تلك التي يرتِّبها الترشح للنيابة ودور النائب في مجلس النواب.
وقد سار الزعيم بموجب هذه الترشيحات، وكتب لبعض المرشحين القوميين البيان الانتخابي. يشير سعاده في أول مقالاته التي كتبها حول الانتخابات والتحالفات "ائتلاف لا ائتلاف..." (6/7/1947)، إلى أن الحزب "يشكل أعظم قوة انتخابية منظمة في لبنان، والمشهور عن جميع أعضائه أنهم أكثر ما يكون تشبثاً بنظامه وأهدافه".
ويتناول في الثاني "معركة الانتخابات المقبلة" (9/4/1947) مواقف بعض السياسيين: كميل شعون وكمال جنبلاط و... ويأتي على ذكر التدخلات الأجنبية في العملية الانتخابية... ليعلن بعدها عن وجود "جبهة جديدة" هي جبهة الحزب الذي "جزم بخوض معركة الانتخابات المقبلة وتأليف قائمة انتخابية لجميع مناطق الجمهورية اللبنانية".
ويتابع: "إن إقدام الحزب القومي الاجتماعي على هذه الخطوة هو في الحقيقة ثورة سياسية في الجمهورية اللبنانية وفي كل سورية، إذ هي المرة الأولى يتقدم فيها حزب عقائدي، منظم، ذو منهاج اجتماعي يشمل السياسة والاقتصاد طالباً أن يُولَّى عن الشعب بصفته حزباً لا بصفة شخصية فردية.
إنها ثورة لأنها فاتحة عهد المسؤوليات في الحكم... فمرشحوه يُعدُّون مسؤولين تجاهه عن العمل على تحقيق الإصلاح الاقتصادي – الاجتماعي وفي حالة فوزهم المرجح ستشهد الجمهورية اللبنانية لأول مرة، قيام المسؤولية الصحيحة في الحكم. وهذه ثورة عظيمة يتأهب الحزب القومي الاجتماعي لإضرامها وبث حرارتها في جميع مناطق الجمهورية اللبنانية...". وينتهي إلى عدم أخذ العامل الشخصي بالحسبان لأن الأساس هو "قوة الحزب والعقيدة والمنهاج الإصلاحي".
وفي مقابلة صحفية له مع مجلة الجمهور (نيسان 1947) يتحدث عن عرقلة مساعي الحزب الانتخابية من قبل الحكومة. وفي مقابلة أخرى مع جريدة بيروت المساء (28/4/1947) يعلن "أن الحزب سيدخل الانتخابات ليمارس الحقوق الشعبية الصحيحة" وأنه يسعى بكل جهده لجعل الانتخابات "تسير وفاقاً للحقوق المدنية والسياسية بكل حرية".
علّة المجلس النيابي: وفي بيان له صادر في 30/6/1947، يعلن ترشيح بعض المفكرين القوميين للنيابة. وفي بيان آخر في 30/6/1947 يعلن صعوبة إقامة تحالف انتخابي، وأن الحزب "مستعد لتنظيم لائحة معارضة على أساس مبادئه ومناهجه الإصلاحية، ولكن أكثر العاملين السياسيين والمرشحين للنيابة يقومون على منافع شخصية وليس على مبادئ قومية أو عمومية من أي نوع، فطغت المنافع الشخصية على جميع الاعتبارات القومية والاجتماعية – السياسية ولم يمكن تشكيل لائحة انتخابية على أساس مبادئ ومنهاج. فكان أخيراً أن الحزب بقي عاملاً بانفراد في جميع محافظات الجمهورية اللبنانية إلى أن تقرّب إليه، في محافظة جبل لبنان، الأشخاص الذين رغبوا في تشكيل لائحة مشتركة بين الحزب القومي وعدد من الدستوريين الذين لم يدخلوا في اللائحة الحكومية الأولى المسماة "ائتلافية" وغيرهم، فقبل
الحزب القومي الاشتراك في تشكيل هذه اللائحة. أما في بقية المحافظات فقد بقي الحزب منفرداً".
واضح من قوله هذا، الأساس الذي تقوم عليه التحالفات الانتخابية، وإلاّ فإن الحزب يرشح أعضاءه منفردين، لأنه لا يقيم تحالفات مع ممثلي الإقطاع السياسي أو الديني، وببرنامج واضح قائم على أساس قومي.
وهكذا صاغ سعاده: "بيان الحزب القومي ومنهاجه النيابي عن إرادة الشعب اللبناني" (30/6/1947) الذي يأتي فيه على القواعد الأساسية لمنهاج الحزب، القواعد الاقتصادية، القواعد السياسية، وبرنامجه الإصلاحي المتضمن: الإصلاح الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، الإداري، القضائي.
وفي بيان آخر لمرشحي الحزب في جبل لبنان (23/5/1947)، يعلن فيه أن "الشعب اللبناني يحتاج إلى ممثلين يدركون الأسباب والعلل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية... إن أعظم علّة من علله هي علّة المجلس النيابي الذي لم يحفظ مصالح الشعب ولم يؤمن طريقه نحو الخير والحياة القومية... والعلاج الأول لهذه العلّة تغيير حالة المجلس النيابي بإدخال الممثلين القوميين إليه وزيادة عددهم فيه لأن هؤلاء الممثلين لا يمثلون عائلاتهم ولا منافعهم الخصوصية ولا منافع قراهم، بل يمثلون الأمة والمصالح القومية ومنافع الشعب اللبناني وخيره".
وكان سعاده قد كتب إلى زوجته (5 مايو 1947) حول الحدث الانتخابي. يقول: "وقد عيَّنت الحكومة الخامس والعشرين من مايو الحاضر موعداً للانتخابات النيابية في لبنان. وعيّنت حكومة الشام الثامن من يونيو المقبل موعداً للانتخابات النيابية فيها. ولهذا السبب تكثر المقابلات والمخابرات مع أصحاب المصالح الانتخابية وتستمر المقابلات في كثير من الأيام إلى الساعة الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل.
اليوم أنتظر بعض المقابلات الهامة التي ضربتُ لها موعداً والمقابلات التي تحدث اليوم وغداً هي مقابلات حاسمة ولا يستبعد في حالة نجاحها التام أن أرشح نفسي للنيابة وإلا فإني أكتفي بترشيح عدد من القوميين الاجتماعيين بالاشتراك مع أشخاص آخرين. فإذا تمَّ الترشيح بالاتفاق مع بعض أصحاب النفوذ الحكومي فينتظر أن تسحب الحكومة مذكرة التوقيف التي أوعزت إلى القضاء بإصدارها لإقصائي عن المعركة السياسية".
ويكتب لها في 17 مايو 1947: "لم يطرأ على الموقف أي تعديل جديد سوى الاتفاق مع السيد سليم الخوري، شقيق رئيس الجمهورية، على خوض المعركة الانتخابية في محافظة جبل لبنان معاً على أن يكون للحزب ثلاثة مرشحين في القائمة هم الرفقاء الدكتور أمين تلحوق وحافظ منذر وأسد الأشقر. ومع أن هذا الاتفاق أصبح علنياً وثابتاً ومع أننا نعمل على أساسه فلا تبرحني الخشية من خيانة في آخر ساعة، ولذلك، فإني حذر وقد أشرت ببعض الاحتياطات من هذا القبيل. ولنا مرشحون آخرون في محافظات الجمهورية الأخرى ولكن العمل في المحافظات الأخرى كان معرضاً لإهمال كثير ولذلك أقدِّر أن النتائج ستكون قليلة بالنسبة إلى القوة الحقيقية التي للحزب".
ليعود ويكتب لها في 18 يونيو حول أجواء هذه الانتخابات: "تسألينني عن الانتخابات هنا في لبنان. فهذه قد جرت في جو إرهابي مدبر، وقد تدخلت الحكومة بكل طريقة مشروعة وغير مشروعة لمصلحة رجالها وحدث تزوير عام في جميع المناطق، وقد اعترف وزيران صراحةً بوجود التزوير ولكنهما إدَّعيا أنه كان لمصلحة خصومهما. ومن أدلة التزوير الفاضحة في محافظة جبل لبنان أن عدد الناخبين رُفع بالاحتيال من 46 ألفاً إلى 53 ألفاً. وقد سقط جميع مرشحينا بعامل التزوير والاحتيال ولم نكن نملك قوة سلاح للوقوف في وجه الأعمال الإرهابية التي جرت في بيروت ومناطق أخرى بتدبير رجال الحكومة. ولكن الاستياء الشعبي من الانتخابات عام وأكثرية الشعب تلتفت الآن إلى الحزب القومي الاجتماعي لإنقاذه...
في أوائل الشهر القادم تجري الانتخابات في منطقة الشام وسيكون لنا هناك ستة أو سبعة مرشحين ويترجح أن يربح بعضهم على الأقل".
وقد وصفت الصحافة أول انتخابات بعد استقلال الكيان اللبناني بـ"جريمة 25 أيار" و"مجزرة الحريات" وكان سعاده قد تنبئ بعمليات التزوير قبل العملية الانتخابية، فجرى تزوير المحاضر لإسقاط كل "معارضة" للحكومة القائمة. ويعلن سعاده في بيانه في (30/5/1947):
أيها الشعب اللبناني، إن الحزب القومي يعلن أن الانتخابات العامة التي جرت يوم 25 مايو/ أيار الحاضر، هي انتخابات باطلة لا قيمة صحيحة لنتائجها لثبوت التزييف لك، وإن كل هيئة تنبثق عنها لا صلاحية لها لتمثيل إرادتك".
|