لا بد من العودة إلى البداية، منذ انكشاف أمر الحزب السوري القومي أواخر العام 1935 ومباشرة الانتداب الفرنسي التحقيقات حول وجود هذا الحزب "الخطير".
فقد أعلن رئيس المحكمة التي حاكمت سعاده ورئيس مجلس العمد نعمة ثابت وعميد الدفاع زكي النقاش: "تبيّن أن (الحزب) يعمل سراً لأمور ثوروية ولتغيير شكل الحكم في البلاد، وتعريض سلامة الوطن ولمنع أعضاء الدولة في لبنان من ممارسة حقوقهم المدنية... وزاد رئيس المحكمة أن الثورة كانت تتهيأ بدليل الخرائط وتدابير التشكيلات "الحزبية البديعة التنظيم..." (من مقالة سعاده: المعركة السياسية التاريخية الأولى – الزوبعة العدد 74، تاريخ 15/3/1944)
ويتابع سعاده في مقالته هذه، رده على رئيس المحكمة وافتراءات الدولة المنتدبة إنه أراد وضع حد للفوضى التي يتخبط فيها المجتمع السوري و"من أجل تحقيق هذه الغاية جزمت في جعل الحزب كله "ميليشيا" منظمة يتعلم فيها الشباب فضائل الجندية ويتهيأون للعمل والتضحية، بدلاً من الانصراف إلى أوهام الكسل والخمول، هذا هو الدافع الأولي لإنشاء هذه الدائرة الخاصة التي سميت "عمدة الحربية"... ومن جملة النقاط الواردة في دفتري مسألة السلاح ومسألة فِرَق الصيانة والفرق الفدائية في الحزب... ولكني أقول بصورة قاطعة إنه لم يكن لدينا في الحزب مستودع نجمع فيه السلاح ولا رجال مخصصون لجمع السلاح، ولم يتجمع لدينا سلاح ولم نستعمل السلاح ".
عمل النهضة العظيم
فقد كشَّر الانتداب عن أنيابه بعدما انكشفت أمامه أسرار الحزب العسكرية وميليشياته. فأصدر المفوض الفرنسي في 20/11/1935 (بعد 4 أيام من انكشاف الحزب) قراراً رقمه 269 ارتكزت عليه الحكومة اللبنانية في إصدار قرار رقمه 630 قضى بإنشاء مكتب التحريات في نيابة بيروت البدائية للتحري عن وضع الحزب ومتابعة كل أعماله لا سيما العسكرية منها. والحقيقة أن سعاده تابع بإصرار عملية البناء العسكري في الحزب، يبرز ذلك من خلال رسائله إلى رئيس المجلس الأعلى فخري معلوف عام 1938 متابعته الدقيقة واهتمامه الكبير بالشأنين الأمني والعسكري. فهو على سبيل المثال يكتب إليه بتاريخ 25/6/1938: "... أحب أن أعرف ماذا جرى للمدربين وهل يتابعان أعمالهما؟ ويجب عليهما أن يجتهدا كثيراً في هذا السبيل، لأن قسماً كبيراً من عمل النهضة العظيم سيكون في هذه الناحية".
ليعود ويكتب إليه (28/6/1938): "إني مرسل كتاباً إلى وليم (سابا) وفيه تعيينات وتعليمات ومن ضمنها تعيينك مستشاراً في "المام" في عضوية "الكمية المجهولة"... وإني أحب أن تنتظم أعمال هذا المكتب وتنمو بكل عناية وضبط". وكان وليم يهتم بالشأن الأمني.
ليعود ويؤكد لمعلوف على "التدريب القومي" في رسالته (2/7/1938) ويطلب منه ترتيب تشكيلات فدائية... و"اختراع مفتاح جفر جديد" أي شيفرة خاصة.
ويطلب من رئيس الدائرة التنفيذية في المكتب الأعلى المختص وليم سابا (2/7/1938) "الاهتمام بإنشاء فرقة فدائية، أو عدة فرق، يكون لها إدارة مركزية..." إضافة إلى تعليمات أمنية عديدة.
ويتابع في رسالته إلى فخري معلوف (9/7/1938)، طالباً منه بذل الجهود "... في ناحية التدريب وتوجد التشكيلات الرئيسية في مناطقها التي تعين لها. وهذا الأمر يجب أن يقرره قائد التدريب وأركانه ويضع له الخطة التنفيذية". إضافة إلى تعليمات أمنية منها مفتاح الشيفرة... ويكرر معلوماته إليه في رسالتيه (12/7/1938) و(15-16/7/1938) يوضح في الثانية أنه يود أن يطبق النظام الأمني والعسكري في المهجر. وأيضاً في رسالته إليه في 22/8/1938.
ويكتب سعاده في سورية الجديدة العدد 71 تاريخ 22/6/1940، ما خلّفه قبل سفره من أعمال في هذا المجال الحيوي الأمني – العسكري: "تدابير الحزب السوري القومي: في ربيع سنة 1938 ضاعف الحزب السوري القوي مجهوداته لإعطاء السوريين القوميين التدريب العسكري الأولي، وإنشاء صف ضباط إضافي، وهذا يعني إنشاء الجيش الاحتياطي. وقد أقدم الحزب على هذا الأمر الخطير، على الرغم من قلة موارده المادية، وصمّم على تنفيذ هذا البرنامج الذي وضعه الزعيم لسنة 1938 مهما كلّفه ذلك من جهود وتضحيات".
اضمحلال النظام العسكري
وبعد سفر معلوف لمتابعة دراسته في الولايات المتحدة، تبدّلت الأمور، وهذا ما يصرح به سعاده في محاضرته أمام المدرسين: "أن قوة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي أحرزت له كل الانتصارات الباهرة هي قوته الروحية – قوة نظامه العقدي. وأن الانتصار الأخير الذي أحرزناه آخر الصيف الماضي كان بفضل هذه القوة. فقد اضمحل النظام العسكري الذي كنت أنشأته قبل سفري واختل النظام الإداري، اختلالاً واسعاً..." (النظام الجديد، العدد 5، تموز – آب 1948)
فما هي أسباب اضمحلال النظام العسكري للحزب؟ هل هي المواجهات العديدة مع الانتداب وزبانيته، وما أدى إليه من اعتقالات وسجون لبعض الشخصيات القيادية؟
أم هو الانحراف الذي وقعت به قيادة الحزب برئاسة نعمة ثابت والذي أدى إلى خطابه "الواقع اللبناني" عام 1944؟ أم تقاعس عميد التدريب – آنذاك – جورج عبد المسيح عن القيام بمهامه؟
ونشير في هذا المجال الى بعض المؤشرات في السياسة التي اتبعتها قيادة الحزب بعد سفر معلوف:
1- عملية تهديم "الروح الحربية" للأعضاء التي أتى سعاده على ذكرها في مقالته "المثالية الأولى" المنشورة في النشرة الرسمية للحركة عدد 10 تاريخ 1/6/1948. فبث هذه "الروح" كان مسؤولية كل القيادة الحزبية خلال فترة اغتراب سعاده بشكل عام، ومسؤولية عميد التدريب – آنذاك - جورج عبد المسيح بشكل خاص.
2- بالإضافة إلى "اضمحلال" النظام العسكري في الحزب كما يقول سعاده. يشير كذلك الى عملية تهديم الروح القومية لدى الأعضاء. هذه الروح المبنية على الثقة التي أوجدتها النهضة " في سابق عهدها البطولي الأول " (مقالة قواعد الترشيح في الحزب القومي الاجتماعي 1949). فكان من وراء عودة سعاده أن عادت " روح البطولة والمثالية الأولى " (محاضرته في مؤتمر المدرسين).
3- إقدام عميد التدريب على تقديم استقالته عدة مرات خلال فترة ملاحقة سعاده التي استمرت من 4 آذار 1947 إلى 9 تشرين أول 1947.
4- قبول سعاده الاستقالة بتاريخ 20 آب 1947. أي قبل استرداد مذكرتَّي التوقيف في 9/10/1947 وإنتهاء المشادة مع الدولة اللبنانية.
5- ما هي أسباب تقديم عميد التدريب استقالته بصورة "متكررة" في مثل هذه الظروف الصعبة؟ وما هي الأسباب الدافعة للعميد لترك مسؤوليته خلال فترة الملاحقة لسعاده؟
6- يجيب سعاده العميد في رسالته إليه (20/8/1947) مستغرباً فعلته هذه بالقول: "لأن أهمية العمدة المسندة إليكم خصوصاً في مثل هذه الظروف، كانت تقتضي متابعة قيامكم عليها للاستفادة من معرفتكم وخبرتكم و...".
7- تحت إصرار العميد يقبل الزعيم الاستقالة.
8- لم يأتِ جورج عبد المسيح في مذكراته أو "يومياته" على ذكر الأسباب التي دفعته للاستقالة في هذه الظروف المصيرية التي يخوضها الحزب وقيادته؟
9- لم يورد جورج عبد المسيح أيضاً، مضمون الرسالة التي أرسلها أسد الأشقر (صاحب المدرسة اللبنانية في الحزب) إليه، بعد عودة سعاده من المغترب القسري؟ (رسالة الزعيم إلى رفيق الحلبي بتاريخ 22/6/1947)
10- لم يتسلم جورج عبد المسيح أية مسؤولية حزبية بعد تقديم استقالته ولغاية استشهاد سعاده.
11- وجديرٌ بالذكر ان العميد كان قد رافق الزعيم منذ الأيام الأولى لتأسيس الحزب وخَبِرَ عملية بناء الأعضاء التي كان يقوم بها سعاده في مرحلة الانتداب الفرنسي.
12- الرخصة التي حصل عليها الحزب للعمل في لبنان بتاريخ 2 أيار 1944 حيث ورد في غاية الحزب: "استقلال لبنان والعمل على إصلاح المجتمع اللبناني... ودعم هذا الاستقلال على الأسس التالية". ويورد تعداد ثلاث مبادئ إصلاحية: الأول والثاني والرابع، إضافة إلى كلام عام في التربية والعناية بالمهاجرين وخلافه.
13- وبموجب الرخصة، أصبح اسم الحزب: "الحزب القومي" فقط. وألغيت سُورِيَّة الحزب.
14- ولم يرد في الرخصة أية إشارة إلى المبادئ الأساسية للحزب، مما يمكن أن يعني أنها ألغيت؟ أو أُتخذ قرار في المجلس الأعلى بتعليق العمل بها؟
إضافة إلى عدم ورود نص المبدأ الإصلاحي الخامس. فيكون المجلس الأعلى أيضاً قد علّق العمل به أو ألغاه؟
وربما – في هذه الحالة – قد يكون قد غاب عن بال أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد قول سعاده في الثلاثينات، أنه لا يبيع "الجيش السوري القومي بكل الصداقات في العالم".
15- عدم استطاعة سعاده إعادة بناء الحزب على الصعيدين الإداري والسياسي كما ورد في رسالته إلى الأمينة الأولى، الآنفة الذكر.
16- بيان عميد الإذاعة فايز صايغ (من الجنوب السوري) عام 1946حول مشروع "سورية الكبرى".
17- رسالة الزعيم إلى إبراهيم يموت لإعادة تأسيس "مكتب المام".
18- نداء سعاده يوم العودة إلى الوطن (2/3/1947) إلى القوميين "للعودة إلى ساحة الجهاد". لعلمه المسبق بما آلت إليه أوضاع الحزب الداخلية.
19- رسالة سعاده إلى رفيق الحلبي (22/6/1947) يضعه فيها بأجواء الحزب الانحرافية.
20- رسائل سعاده الى كلًّ من إبراهيم يموت ووليم سابا (13/9/1947)، وولسن مجدلاني (17/10/1947). وهؤلاء كانوا يعملون في الجهاز الأمني للحزب، يلومهم فيها على التقصير في عملهم وعدم التواصل معه بضعة أشهر.
21- رسالة الزعيم إلى رئيس وأعضاء مجلس العمد (26/3/1948)، حيث يأتي فيها على ذكر التقصير في أعمال كل من عُمُدْ: المالية، الإذاعة والتدريب (أديب قدورة)، ويختمها الزعيم بالقول: "إن الإدارة الحزبية المركزية بصرف النظر عن النقص العددي في الأشخاص القائمين عليها، هي في حالة تفكك ولا نظامية في أعمالها..."؟؟
22- حجب رسالة الزعيم الثانية التي أرسلها من الأرجنتين، ودعا فيها الحزب الى البطولة والى مهمة تحقيق النهضة. ولما عاد الى الوطن نشرها في نشرة عمدة الاذاعة في 30/06/1947.
ساحة الجهاد
نورد ذلك، لنؤكد على حقيقة "تضامن" كل قيادة الحزب المنحرفة خلال فترة غياب سعاده القسرية عن الوطن. وتخلّيها عن كل الإرث العسكري الذي خلّفه سعاده.
رغم كل ذلك، تابع سعاده نهجه في هذا المجال الحيوي: العسكري – الأمني، الذي رافقه منذ تأسيس الحزب وحتى استشهاده. كما أوردنا الأسئلة الأخيرة، لنتطارح أسباب التراجع عن هذا النهج السَّوي الذي به وحده تعود سورية لتحتل موقعها الممتاز بين أمم العالم ذات الشأن الحضاري.
لقد علم سعاده بما آلت إليه الأمور الحزبية في الوطن قبيل عودته عام 1947. فعاد مصمماً على إعادة الأمور إلى نصابها، والتي تعني العودة بالحزب إلى "ساحة الجهاد". فالتقى بعد وصوله إلى القاهرة في شباط 1947 بفوزي القاوقجي (قائد جيش الانقاذ في فلسطين) بحضور أسد الأشقر ومدير مديرية القاهرة معين بشناق والسيد عبد الهادي المعصراني وسكرتير القاوقجي حيث كان الاجتماع عاصفاً.
أعلن القاوقجي على أثره، استعداده للقاء الزعيم ثانية في الوطن وصرف عدة أيام "في بحث القضية القومية ومسألة فلسطين وكيفية إنقاذها". هذا ما ورد في رد اللجنة الإذاعية للحزب الصادر في 5 شباط 1949 على بعض الصحفيين الذي نشروا في صحيفة "كل شيء" ردوداً على مقالات للزعيم وأخرى غيرها. والصادر في كتيب آنذاك، وقد نُشر قسم منه في كتاب مراحل المسألة الفلسطينية 1921-1949 الصادر عام 1977.
والملفت عدم وقوعي على مرسوم أو قرار بتأليف اللجنة المذكورة في نشرات عمدة الاذاعة أعوام 1947 – 1948 -1949.واحتواء الكُتَيّب على معلومات وافرة ودقيقة اضافةً الى أحداث شارك فيها سعاده.
والمعلوم إن الزعيم قد صدرت بحقه مذكرة توقيف بعد خطابه في الغبيري إثر عودته الأخيرة من المغترب في 2 أذار 1947. والملفت أن يتعرض القاوقجي في 5 آذار خلال استقباله في طرابلس إلى حادثة ذهب ضحيتها 20 قتيلاً و 57 جريحاً!!؟؟ (النهار 6/3/1947)
ويبدو للمراقب أن مذكرة التوقيف وحادثة طرابلس هما من نتاج ذلك اللقاء العاصف في القاهرة. وهذا ما ستظهره الوثائق السياسية والتاريخية في حال تمّ الإفراج عنها.
ورأى سعاده أنه نتيجة فقدان الروح الحربية الجديدة لدى القوميين، وإضمحلال النظام العسكري في الحزب. أن أعاد التأكيد على العقيدة. فأعاد شرحها في الندوة الثقافية في كانون الثاني 1948. إضافة إلى شرحه المبادئ الإصلاحية كلها والنظام القومي الاجتماعي "الجديد" على حد تعبيره، والخطاب المنهاجي الذي يحدد سياسة الحزب العامة.
كما أعاد إنشاء المؤسسات الأمنية والعسكرية لمواجهة المخاطر الجديدة لاسيما اليهودية. ومنها "المام" التي عمل فيها إبراهيم يموت وغيره من الأعضاء. كما أنشأ فرق للشيفرة، وكانت كل فرقة تتألف من أربعة أعضاء كما يشير إلى ذلك الرفيق في الجيش الشامي متى أسعد، الذي كان يعمل في قسم الشيفرة في الجيش. وكان يطلع الزعيم على كل الرسائل المشفّرة حول الأوضاع العسكرية لاسيما في فلسطين. وكانت هذه الفرق تتبع "مكتب الاستعلامات السري".
وسيصدر قريباً كتاب يميط اللثام عن هذا المكتب وغيره من الأعمال العسكرية والأمنية لمتى أسعد.
لقد كان خطاب سعاده في برج البراجنة (أيار 1949) بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فقد أعلن أن الحزب بصدد الاستعداد لمحاربة الدولة اليهودية الناشئة على جزء من أرض الجنوب السوري، في ظل الكيانات "المستقلة" والمرتهنة للأجنبي.
كذلك كان حادث الجميزة المشهور والمدبر في حزيران 1949، وقيام الدولة اللبنانية باعتقال عشرات القوميين. وبسبب عدم وجود سلاح لدى القوميين للدفاع عن أنفسهم، كان ما كان... واستشهد سعاده. ولتاريخه لم يجر درس هذه المرحلة بعناية من قبل الحزب والنتائج التي أدت إليها. مع العلم أنه لم يجرِ اعتقال أحد من قياديي الحزب آنذاك!
بعد ذلك، شهدت دولة الشام سلسلة انقلابات عسكرية أولها ضد حسني الزعيم الذي اقتاده بعض المسؤولين العسكريين ورئيس الوزراء محسن البرازي حيث أطلق عليهما النار الرفيق فضل الله أبو منصور، رداً على تسليم سعاده إلى السلطات اللبنانية...
وتتالت بعد ذلك الأحداث في الشام التي شارك فيها ا لحزب بدور بارز.
النهج المقاوم
ثم كان عام 1961 حيث قام الحزب بانقلاب في لبنان انتهى إلى الفشل، وقد سُجنت نتيجة ذلك قيادة الحزب وعدد كبير من القوميين. إضافة إلى استشهاد الكثيرين نتيجة التعذيب. ولم يمضِ بضع سنوات على المحاولة الانقلابية الفاشلة حتى عُقِد مؤتمر الانحراف العقدي والدستوري في فندق ملكارت عام 1969، أدى إلى ابتعاد عدد من القيادات العسكرية والإدارية عن الحزب الذي تحوّل من مؤسسة فاعلة في الأحداث المصيرية الكبرى، إلى تجمُّع هش مفكك ومنفعل إزاء أبسط الأحداث التي تطاله. غير أن المقاومة التي تُعتبر جوهر عقيدة الحزب وعنوان نضاله، إن هي غابت عن هاجس قيادته ردحاً من الزمن، فإنها بقيت تنبض في وجدان الرفقاء الأبطال الذين التقط الحزب أنفاسه الثورية بفضلهم، فأعادوا له سطوعه الوضاء وسجلوا صفحات بارزة في سجل الشرف والتضحية والوفاء. وهنا لا بد من الإشارة إلى نشوء منظمة "أيلول الأسود" على يد الرفق فؤاد الشمالي الذي أُغتيل في أوروبة، ليترأسها من بعده الرفيق محمود عبد الغفور (اغتيل في بيروت)، فالرفيق الشاعر كمال خير بك الذي قُتل في بيروت نتيجة تراخي مسؤولي الحزب آنذاك. حيث قامت هذه المنظمة بسلسلة عمليات منها عملية ميونخ الشهيرة وغيرها...
كما قاتل قوميون في منظمات فدائية أخرى: يحيى سكاف، جورج عبدالله وغيرهما... وقامت "منظمة الزوبعة" بأولى عملياتها في فلسطين المحتلة أواخر عام 1974 كما شاركت في عدد كبير من عمليات المقاومة في الخارج بقيادة الشهيدين حبيب كيروز وغسان الديك وغيرهما من الرفقاء...
وما أن غزا اليهود لبنان في حزيران 1982 حتى قام القوميون بأول عملية عسكرية ضد العدو الغاصب في 21 تموز 1982، فكانت انطلاقة المقاومة القومية فاتحة سلسلة عمليات استشهادية لعدد من الرفقاء والرفيقات (وجدي، سناء، ابتسام...). كانت مصدر استغلال سياسي رخيص من القيادات الحزبية آنذاك! كما تجدر الإشارة إلى العملية النوعية (في أيلول عام 1982) التي قام بها الرفيق خالد علوان في مقهى الويمبي في الحمرا التي قُتل أثناءها ثلاثة عسكريين يهود وكان لها وقع شديد على العدو. وتتالت العمليات في زقاق البلاط وجسر سليم سلام و.... في مختلف أنحاء العاصمة بيروت والمناطق. وقد تناول الأمين محمود غزالي تفاصيل بعض هذه العمليات في كتابه "عملية الويمبي" الذي يعتبر مرجعاً في هذا المجال.
وقد درجت العادة في السنوات الأخيرة أن يُقام احتفال بهذه المناسبة النضالية في 24 أيلول من كل عام، حيث يجدد الخطباء "الكلام المباح" لا بل يكررونه، متحدثين عن الشهداء في بيانات صحفية وعلى شاشات التلفزة.
هكذا "ارتقى" حزب هكذا قيادات في استراتيجيته الدفاعية من عمليات نوعية إبداعية، متجددة ومدوية يفتخر بها كل وطني أبَّي غيور، إلى لقطات إعلامية يتسلى بها "أصحاب الشأن" الذين لا يكلفون أنفسهم بعناء الفعل المقاوم، ولا بشرف الاستشهاد إقتداءً بسعاده.
لقد كان للقوميين الاجتماعيين الدور الرائد في عمليات المقاومة – وبخاصة الاستشهادية منها – ضد العدو اليهودي منذ لحظة قدومه بالاجتياح (للأراضي اللبنانية) وعلى مدى سنوات احتلاله. غير أن القرار – الصدمة كان قرار "الخزي والعار" ذاك الذي اتخذته قيادة الحزب عام 1994 القاضي بالتخلي عن العمل المقاوم لصالح تنظيم مذهبي في لبنان. لكن القوميين رفضوا هذا القرار، وتابعوا عملهم المقاوم من خلال "منظمة الزوبعة" حتى العام 2000، وقد صدرت سلسلة بيانات بالعمليات التي قامت بها، مع أن هذه العمليات كانت من المستوى المتوسط بسبب إحجام بعض الفصائل عن إمدادها بالسلاح المطلوب، بعدما جال وفد من الحزب على هذه الفصائل يطلب منها عدم إعطاء هذه المنظمة أية قطعة سلاح!
ولم يتأخر القوميون الاجتماعيون في تموز 2006 عن رفع راية الزوبعة في مواجهة العدو، فقاموا بسلسلة عمليات في المناطق الحدودية اللبنانية دون تقديم مساندة من مركز الحزب!. كما شاركوا في عدة عمليات على شواطئ لبنان الجنوبي بدحر العدوان اليهودي الغاشم القادم من البحر.
وواجه القوميون الغزو الإرهابي التكفيري للشام بأعمال بطولية رائدة وقدموا التضحيات الغالية لتحرير الشام وكامل الوطن من هذا الغزو الشيطاني.
تلك بقعة ضوء على بعض أعمال القوميين الاجتماعيين الذين اقتدوا بسعاده قولاً وعملاً في ظل ابتعاد قيادات الحزب عن العمل المقاوم المقدام، ولجوئها إلى الاستغلال الرخيص لبعض المناسبات الحزبية على الصعيد الإعلامي... وكفى المؤمنين "شر" القتال..!!
يتبـع
|