1- تمهيد.
2- مقدمة: ولادة الديموقراطية الجديدة.
3-خطوات سعاده الأولى بإتجاه تأسيس الحزب.
4- الحزب – الدولة.
- تمهيد:
يأتي سعاده في خطابه في أول آذار 1938، على عرض تاريخي موجز لمجريات الأحداث التي تأثرت بها سورية، فانقطعت من جراء ذلك عن "المجرى الثقافي" لتاريخها القومي، بعد أن كانت قد "وضعت أسس التمدن الحديث". فكان – كما يقول – "التضعضع القومي عاماً وكاد يقضي على شخصية الأمة قضاءً مبرماً فلم يبق لها سوى بعض المؤسسات كالمراجع الدينية والمعابد والسلطة الإقطاعية ونظام العشيرة أو رابطة العائلة الدموية".
كما يأتي في خطابه أيضاً على تاريخ سورية الثقافي والاجتماعي والسياسي. وإن هذا التاريخ العريق، يكاد يُمحى من ذاكرة الأجيال، بالنظر لواقع سورية المريض مرضاً مزمناً، وإن ذلك يحتاج لعلاجٍ طويل الأجل.
وكان سبق سعاده، على ذكر أوضاع سورية المهترئة، عددٌ من المفكرين والمثقفين، منهم المعلم بطرس البستاني وناصيف اليازجي وجبران خليل جبران والكواكبي والمرّاش والشمّيل والدكتور خليل سعاده الذي أقدم على تأسيس حزب للعمل على إنقاذ بلاده من براثن التبعية والأنانية والحالة السياسية الفاسدة. وله العديد من المؤلفات. كما اصدر عدداً من الصحف وكتب في أخرى، وجلُّها يحمل على خمول السوريين وتخاذلهم... ودعوتهم للتحرر والاستقلال.
ويمكن من خلال سردية موجزة لواقع سورية، منتقاة من أعمال هؤلاء المثقفين أن ترسم لنا الصورة الحقيقية منذ الغزو العثماني البغيض، ودور الارتباطات الخارجية (نظام الامتيازات) الفعّال مع بعض "مكونات" الشعب السوري، التي أدت إلى تقطيع أوصال بلادنا بمعاهدات معادية لوحدتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وأُصطنعت كيانات سياسية هزيلة، وأُسقطت عليها قيادات إقطاعية إمتهنت الخضوع لمشيئته.
بعدها ظلَّل بلادنا "الفكر الديمقراطي" الأوروبي فتأثر به بعض المثقفين السوريين والمصريين وعملوا على نشر الأفكار العلمانية والوطنية. لكن فرنسا وبريطانيا عملتا بخلاف هذا الفكر في بلادنا، فعملتا سراً على تقسيم سورية بموجب اتفاقية "سايكس – بيكو" وتبعها "وعد بلفور" المشؤوم الدال على تقاطع مع الخطة الصهيونية، ففترة الانتداب الثنائي الفرنسي – الإنكليزي الذي عزّز شأن الفروقات العنصرية والدينية بين أبناء الشعب الواحد. هذا كان من حصيلة أحفاد "كومونة باريس" و"الماكنا كارتا" في سورية، "مستلهمين" أو "مستغلين" نظام الملل العثماني. فتسلم كل "رأس" ملة سلطة زمنية وروحية وفقاً لثقافته الدينية المحدودة. وهكذا كان فجر "انبثاق" الدول على أساس مذهبي وأثني وفقاً لما كان متداولاً في الزمن العثماني: دولة للعلويين وأخرى للدروز وثالثة للموارنة و... هذه الديمقراطية الغربية الزائفة التي ولدت "وحشاً" في بلادنا: سياسة قائمة على نهب وتخريب المجتمعات، حتى غدونا دولاً وقبائل وعشائر تُذبح بسكين صنعه الغرب الاستعماري الذي يتبجح اليوم بالحديث حول "حقوق الإنسان".
وكان أن قامت في "الزمن العثماني" تيارات وجمعيات "وطنية" تواجه المحتل وتطالب "بالاستقلال". كذا الأمر، حصل زمن الانتداب، ولكنها كلها كانت مجرد "تململات" وطنية لا تملك منهجاً قومياً واضحاً. وعمل "الانتداب" على تفريخ أحزاب دُعيت "بالوطنية" ظاهراً، أما باطناً فكانت عرقية ومذهبية الطابع والمحتوى والسلوك.
الإستقلال الموهوم:
لم تحمل الدول الوليدة في الهلال السوري الخصيب – بعد سايكس بيكو – ثقافة سياسية ديمقراطية. واتسمت أنظمة الحكم المستولدة في كيانات الوطن بغياب مقومات وتقاليد الدول الحديثة عبر المؤسسات التي تضمن حقوق الوطن والمواطن وأمنه... والحفاظ على سيادة الدولة من كافة النواحي.
ونصبت لنا الدولتان المنتدبتان "أفخاخاً" في أنظمة حكم الكيانات، بعد أن كانت قد نجحت في ترسيخ التفرقة الاجتماعية والثقافية والتربوية بين أبناء الشعب الواحد، بما تضمنته مواد الدساتير التي وضعها خبراء الانتداب، بما يضمن تحقيق هذه الغاية (المادة 95 من دستور لبنان مثالاً). مما يسمح بالقول أن هذه الدول قد بقيت تحت "الوصاية" الأجنبية بعد "الاستقلال" الموهوم.
في هذه الأثناء، قامت "تململات" سياسية وفكرية لدى بعض رجالات السياسة في بلادنا وجُلَّها كانت أسيرة الفكر الديني. نتج عنها بروز تيارات فكرية منها "القومي العربي" بمختلف مدارسه، إضافة إلى "الفينيقي" في الكيان اللبناني. وزادت هذه التيارات من الانقسامات الداخلية. كما لم تُسهم الأيديولوجيات المستوردة على نشر الديمقراطية بمفهومها القومي والاجتماعي. فبقي الشعب المشتت على انغلاقه الطائفي أو الأثني، مما حال دون إحداث انقلاب في الوجدان يتحول إلى فعل حضاري قابل لتحرير العقل وإطلاق عنان الفكر والعمل للمصلحة القومية العامة.
في ظل هذه الأجواء، كانت الخطة الصهيونية المنظمة ترسخ وجودها الفعلي على أرضنا القومية، وتنفذ خطتها بشكل مدروس وتقيم علاقات مع الدول الكبرى على أساس المصالح المتبادلة. أما في بلادنا فقد قام حملة الفكر السياسي "العاقر" بانقلابات عسكرية في بعض الكيانات، أبرزت قصوراً في الرؤى المعرفية والاستراتيجية، ولم تكن تملك ثقافة إدارة شؤون الحكم، فعملت على الإفادة من مغانمه. وعمدوا لبناء مواقع سلطة جديدة استعارت من عناصر الدولة الحديثة بعض الصور والرموز الهامشية لترسيخ سلطتها وتأمين استمراريتها في الحكم بأشكال شبيهة للوراثة القبلية والعشائرية، فعجزت بالتالي عن نقل الكيانات إلى موقع متقدم، مما أثبت ارتهانها العضوي "لصاحب شأنها" وبالتالي عقمها وتخلفها وفشلها في أن تمد لنفسها جذوراً إلى قلب مجتمعها. فبنى كل منهم "دولة" على قياسه واستجلب مساعدين من مذهبه ورضخ الرعايا وامتثلوا للحكام الجدد كونهم من مذهبهم أو منطقتهم وعائلتهم. وظهر للعيان تخلف هذه "القيادات" عن بناء مشروع نهضوي.
وقامت بعض الانقلابات العسكرية بمساعدة أجنبية فاغتال "العسكر" معظم دول الهلال السوري الخصيب، وحجروا على الفكر وفرضوا بقرار "القائد الأوحد" والرأي الأوحد. وانحدرت في زمنهم السياسة ومآلاتها، وانتعشت المسائل الطائفية والأثنية. وفاخر بعضها بـ"بعث" ما أُطلق عليه "حكم ذاتي" لجماعة عرقية، مما استحث جماعات أخرى للحاق بها والعمل للحصول على "حقوقها" أيضاً في "حكم ذاتي"... كل ذلك نتيجة وجود خلل بنيوي وقصور فكري وسياسي في آن، وبالتالي بقاء الفاسد على فساده.
وفاخر رجالات كيان مسخ بديمقراطية "التوافقية" القائمة على توزيع الحصص بين ممالك الطوائف والمذاهب. وارتفع صوتها حول تعزيز "فضائل" الميثاقية الذي غيَّب القانون والدستور المستنسخ عن "الأم الحنون". مما استولد أخيراً مجلساً نيابياً ممدداً له. وتبعه القضاء التام على "السلطة الرابعة" التي كانت إحدى أبرز علاماته البراقة بين أشقائه من الكيانات نتيجة نظام المحاصصة السياسي المعمم على كل انتخابات "المجتمع المدني". وهكذا جاءت انتخابات نقابة الصحافة الجديدة في كانون الثاني 2015 نتيجة هذه المحاصصة والمال السياسي والارتهان "لكعكة" الخارج، على أساس مذهبي. وكذا الأمر بالنسبة لنقابة الناشرين. وساهمت قيادتا البعث في الشام والعراق لأربعة عقود من السنين مساهمة فعّالة في ترسيخ الكيانية، ولم تعمل لحل المسألة الاجتماعية داخل الكيانين المذكورين. وازداد الأمر رسوخاً عبر المشاكل المفتعلة فيما بين الكيانين، مما زاد البعاد والانقسام السياسي بين أبناء الشام والعراق (الخلاف على اقتسام مياه نهر الفرات وأسبقية الشام في بناء سدود على النهر المذكور مثالاً و...).
الفدرلة ومثيلاتها:
وبعد الاحتلال الأميركاني للعراق في 3 نيسان 2003، كانت مسيرة تحويل بلاد الرافدين إلى كيان يتحدد فيه "العراقي" بـ "مكونه" الطائفي والأثني. ونظرة سريعة على دستور العراق بعد ذلك، تُبرز ما يتضمنه من أفخاخ منصوبة للانقسام المذهبي والأثني، وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت (تشرين الأول 2017) على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 (عام 1959) المعدّل، وقد إصطبغت التعديلات بنكهة "داعشية".
وكذا الأمر بالنسبة للكيان الشامي الذي سرعان ما تخلى عن شعاراته فطرح "النظام" دستوراً كيانياً خلال سنوات الحرب عليه من تنظيم "داعش". وأواخر كانون الثاني 2017، بدأت تبرز صياغات جديدة لدستور جديد يتناسب والانقسامات المذهبية والأثنية أو الفيدراليات... وكان قد طرح "الأكراد" كونفيدرالية "ما فوق القومية" دون مس الكيان الشامي.
كما أن وثيقة ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة للشام (نيسان 2016) المعروفة بمسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف، تقمصت مشروع بريمر للعراق. ونشير هنا إلى ما يصدر عن "معهد كارتر" من كتابات حول ديمقراطية المكونات في المنطقة.
وجدير بالذكر، أنه بعد احتلال العراق من قبل القوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة (عام 2003) عملت على التدمير الممنهج للحياة العلمية والفكرية فضلاً عن المآثر التراثية في العراق، فقتلوا كل العلماء والخبراء الذين رفضوا السفر إلى الولايات المتحدة، وعملوا على تهجير أساتذة الجامعات. وحدث الأمر نفسه في الشام بعد الهجمة التكفيرية عليه. إضافةً إلى عملية "شراء" الإعلاميين والصحافيين والمثقفين في لبنان... كل ذلك بقصد القضاء التام على كل مظاهر الحياة الاجتماعية والعلمية والثقافية في الهلال السوري الخصيب خدمةً للمصالح الأجنبية والدولة العبرية.
في ظل هذه الأجواء، وبعد "تحرير" العراق من الاحتلال الأميركاني، وهبوب نسائم "الربيع اليهودي" على "ما بين النهرين" و"شام" الأمة، تتجه الأوضاع في ظل الخرائط الجديدة للمنطقة على تطييف ومذهبة و"حكم ذاتي" لبعض مكونات الأمة لإسباغها على أنظمة الحكم ومؤسسات الدولة في كل أرجاء الوطن.
واضح مما تقدم، إن رجال السياسة الذين تولوا الحكم في بلادنا على مختلف مدارسهم ومذاهبهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وفي ظل ارتباطهم بالأجنبي لم يولوا عناية بدراسة أوضاع مجتمعنا السوري قديماً وحديثاً لذلك، كانت سلسلة الهزائم السياسية والاجتماعية التي مُنيت بها بلادنا، بدءاً من بناء الكيان العنصري اليهودي في جنوبنا السوري عام 1948، وانتصاره في حرب عام 1967، وصولاً إلى افتعال الحروب الداخلية بين أبناء الكيانات السورية: "حرب المجتمع على نفسه". فإلى تثبيت دستور فيديرالي في العراق، بعد خروج الأميركي وزرع الفتنة المذهبية والعرقية (إقليم كردستان) واجتياح تنظيم داعش لمعظم أراضيها. والاستفتاء على دستور تضمن الهوية الطائفية لرئيس الجمهورية في الشام في ظل الحرب التي تقوم بها القوى "التكفيرية" المدعومة من القوى الاستعمارية، ونشهد اليوم (تشرين الثاني 2017)، بعد لقاء الرؤساء الروسي والإيراني والتركي في سوتشي توافقاً على إقامة إدارة محلية في المناطق التي يقطن فيها الأكراد!
إن قصور النظر لدى قيادات هذه الكيانات وارتهانها للإرادات الأجنبية، هو من سهَّل نجاح خطة استنهاض "الوحش" الطائفي والعرقي بشكل أكثر شراسة ودموية وبدعم واضح من قبل الدولة اليهودية ومتابعة دقيقة من قبل إدارتها لسير المعارك على كافة جبهات القتال في بلادنا. وغاب عن هذه القيادات، أنوار الفكر الأوروبي والديمقراطي والاكتشافات العلمية التي أدت إلى تبدلات جوهرية وقطعت مع الماضي الفاسد (حكم الكنيسة). ولم تعمل هذه "القيادات" لإقامة علاقة جديدة بين المجتمع والدولة عبر إرساء قيم اجتماعية وسياسية جديدة تساهم في تحقيق المواطنة والعدالة الاجتماعية في ظل الحفاظ على السيادة القومية والمصير القومي.
2- مقدمة: ولادة الديمقراطية الجديدة
في ظل الظروف المأساوية لسورية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، عاد سعاده إلى وطنه عام 1930. مدركاً أوضاعه الفاسدة، واضعاً في ذهنه خطة الإنقاذ البعيدة المدى لإخراج السوريين من نفق الأنانيات الفردية إلى رحاب المأسسة لحياة جديدة. مستهدفاً العمل لتحرير "العقل" السوري من العبودية الفكرية: تحرير العقل ورفع مستوى الوعي والإدراك لديه تمهيداً لتحرير البلاد السورية، عبر إنشاء الحزب المنقذ. عاملاً "لاكتشاف العناصر السليمة الضالة". فكان "تأسيس الحزب السوري القومي ضربة قاضية على البلبلة الفكرية الروحية، وبدء اتجاه الأمة نحو قضية حياتها ومصيرها ومطالبها العليا". فكان الحزب هو الوسيلة الفعّالة لإعادة بناء الإنسان السوري، وبالتالي المجتمع السوري لاحقا. (من خطابه أول آذار 1938)
ولما كانت سورية قد شهدت قروناً عديدة من فقدان السيادة القومية، فغابت ملامح الوطن وحدوده وروحيته وثقافته التي تجلت في اختراع الأبجدية والمحراث والمركب...
ابتدأ سعاده عمله الإنشائي لبلاده. فوضع المبادئ الأساسية والإصلاحية التي بها يُوجد شعباً وأرضاً...
الديموقراطية الجديدة:
بعدها وضع دستوراً لبلاده، والدستور كما هو معلوم، يؤكد على الحقوق القومية وعلى الشخصية القومية للمجتمع السوري. وهو أول دستور قومي في سورية خاصة وقارة آسية عامةً. وهو أول إعلان قانوني رداً على عصور الانحطاط والتخلف التي مرت بها سورية، وعلى التقسيمات الجغرافية المفتعلة من جراء المعاهدات والاتفاقيات الدولية المجرمة وليس آخرها سايكس بيكو وما تلاها من معاهدات ووعد بلفور الأسود وفرض الدساتير "الملغومة". كما هو أول إعلان عن عودة الدولة إلى سورية. فالحزب هو أول حركة قومية في سورية تُعنى بإعادة إحياء المجتمع السوري وعودته إلى حيويته وبناء حياة جديدة على طريق بعث الهوية الحضارية السورية بما هي خزان تاريخي ثقافي يحصِّن مجتمعنا في صراعه المصيري.
وبعدما درس سعاده درساً دقيقاً بعض أنظمة العالم المتمدن فوجدها غير صالحة لبلاده وللبشرية، فنراه يأتي في خطابه هذا على وضعه الدستور وقيامه بأهم عمل أساسي بعد تأسيس القضية القومية، ألا وهو إيجاد المؤسسات الصالحة لحمل مبادئ الحياة الجديدة وحفظ مطاليبها العليا وخططها الأساسية... "إن إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية، لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل..." لأن مؤسسات البيت والكنيسة أو الخلوة الباقية من العهود البائدة غير صالحة لبناء حياة جديدة. فالأمم العظيمة هي كذلك بمؤسساتها العظيمة. وباشر تعليم مبادئ الحياة الجديدة للمقبلين على الدعوة وانتظامهم في مجرى العمل القومي ضمن مؤسسات الحزب ليتدرجوا في سلم المسؤوليات... كلما نجحوا في المهام التي تنكبوها. ويرى "أن هذا النظام الجديد" هو السبيل الوحيد لمجتمع جديد وبالتالي حياة جديدة تناقض الحياة الجامدة ضمن قوالب مغلقة محصورة بالمصالح الفردية والمذهبية والعشائرية، كما تناقض عملية القوقعة الكيانية التي أدت إلى التباعد بين كيانات الوطن ومعاداتها لبعضها البعض.
صاغ سعاده أسس القضية القومية على قواعد علمية راسخة وفق منهج جديد في التفكير تبدأ وتنتهي بالإنسان، وأكد فيها على الناحية الحقوقية القومية. فالعصر هو عصر القومية الاجتماعية. عصر الأمم الناهضة والمتماسكة لبناء الحياة القومية الجديدة.
لذلك، جعل سعاده "النظام الجديد" في صلب غاية الحزب، وهو في معتقد القوميين "نظام الدولة السورية المركزية" وفقاً للعقد الاجتماعي السياسي (التعاقد) لإقامة هذا النظام ضمن الحزب تمهيداً لترسيخه في حياة المجتمع السوري فإلى هيكلية الدولة السورية العتيدة.
ولما كان سعاده قد أرسى فكره على الأساس القومي، فهو يضيء في الفصل السادس من نشوء الأمم على تصاعد الفكرة الديمقراطية، فيكتب "أن السيادة مستمدة من الشعب وأن الشعب لم يوجد للدولة بل الدولة للشعب.
هذا هو المبدأ الديمقراطي الذي تقوم عليه القومية. فالدولة الديمقراطية هي دولة قومية حتماً. فهي لا تقوم على معتقدات خارجية أو إرادة وهمية، بل على إرادة عامة ناتجة عن الشعور بالاشتراك في حياة اجتماعية اقتصادية واحدة".
فالديمقراطية مرتبطة بالمفهوم القومي. ولا ديمقراطية خارج هذا المفهوم. من هنا كانت نظرته إلى الديمقراطية تخالف الديمقراطية المعمول بها في دول العالم المتمدن آنذاك. فقد تفرد بنظرة جديدة إلى الديمقراطية، عاملاً لإنقاذها من المفاسد التي علقت بها، هادفاً إلى تحقيق الخير العام من خلال أولاً إستيلاد نخبة مؤمنة بالمصلحة العامة تتولى الشؤون العامة وانتخاب نخبة محلية لإدارة الشؤون المحلية متماهية مع المصلحة العامة.
وإدراكاً منه للواقع المرير لشعبه على كافة الصعد الثقافية والاجتماعية، وبما أن السياسة هي فكر وفن لا يُحسن التعاطي معه بخلفيات فئوية، وأنه لا يحوزه إلاّ قلة منهجها العلم ومختلف أنواع الفنون والمعارف و... وأن هذا الشأن الخطير يقتضي مواصفات ممتازة. أعلن أن المجتمع والدولة لا يُمكن أن يسيرا قدماً نحو التقدم والفلاح والرفاهية والازدهار إلاّ بديمقراطية جديدة هي التعبيرية، بعدما كان قد نبّه العالم الحديث إلى مفاسد الديمقراطية التمثيلية في سلسة مقالات عامي 1937 و1938، نُورد بعضها فيما يلي:
قائمة جبل لبنان شعبية معارضة، مرشحو الديمقراطية، الجامعة الأميركانية، سياسية لا سياسية، سياسة الحكومة الكتلوية، كتلتا المعارضة، الكتلة الوطنية اللبنانية، البيان الوزاري اللبناني، النيابة والاستبداد، استغلال الأحزاب والمبادئ، الحكومة اللبنانية والمسلم والمسيحي، الأحزاب البرلمانية في لبنان، وكلها تأتي على مفاسد الديمقراطية البرلمانية أو التمثيلية التي "لا قدرة لها على التكييف" كما يقول في رسالته لحميد فرنجية عام 1935. كما يجيب جريدة المصري (13/6/1949): "إن النظام برلماني في بلادنا ونعلم أنه أقرب إلى التعيين، ومحاولة الاعتماد على هذا النظام كوسيلة لتحقيق أهدافنا حلم لا أظنه سيتحقق". كما جاء في مقالته (النيابة والاستبداد): "إن النظام البرلماني لا يصلح لإنقاذ الأمة... إن الشعب قد أصبح في حاجة إلى تغيير نظامه وتغيير رجاله الذين لا يمثلون سوى منافعهم...".
ولطالما أعلن سعاده عن تشاؤمه من مداولات "المجلس النيابي والانتخابات النيابية وأساليب تمثيل الشعب المتبعة" (تسخير المنظمة 8/11/1937) على أثر الانتخابات التي جرت في لبنان عام 1937 فهو يرى النيابة خدمة للمصلحة العامة كما قال في خطابه في الكورة (1938.3.1): "نحن نفكر بأمور لا تخطر على بال المرشح النيابي. أن النيابة وسيلة لإظهار إرادة المجتمع، إن إرادة مجتمعنا هي الحياة، يجب إبتكار الأساليب لفتح طرق الحياة أمام الأمة". ولما كان كل ما يجري خلاف هذا الإتجاه، لذلك تسود العالم "شريعة الغاب" نتيجة التكالب على المصالح والمنافع للأمم والدول الكاسرة، فوقعت في شر حربين عالميتين أدتا إلى تدمير بعض دول أوروبة وخرابها.
مفاسد الديمقراطية التمثيلية:
نعى العديد من المفكرين السياسيين في دول العالم المتمدن، في أوروبة وأميركانية، الديمقراطية. وأعلنوا أن نجمها آخذ في الأفول. وأن "خدعة" إجراء عمليات الانتخابات النيابية أو الرئاسية، ما عادت تنطلي على شعوب هذه الدول. وأن شعوبها بدأت تستفيق على الرياء والخداع من جراء هذه العملية التزويرية. وأوضحوا أن أسباب ذلك، يعود إلى أن أصحاب الرساميل والتروستات و... فقد كانوا يضعون أمام الشعب "المسكين" و"الجاهل" حق الاختيار بين مرشحين إثنين: في الولايات المتحدة مرشح عن الحزب الديمقراطي، وآخر عن الحزب الجمهوري، وفي بريطانية مرشح عن حزب المحافظين، وآخر عن حزب العمال. وفي فرنسة مرشح عن الحزب الاشتراكي، وآخر عن الحزب الديغولي. وهكذا... ويُساق الشعب في طوابير كالقطعان لإسقاط ورقة في صندوق الاقتراع. ويتابع هؤلاء المفكرين قائلين: إن هذه الأحزاب ما كانت تعبِّر التعبير الصحيح عن مصالح شعوبها. وفي هذه المسألة يقول الأميركاني مارك توين (1835-1910): "لو أن التصويت يأتي بالتغيير لما سمحوا لنا به". ولطالما نسمع اليوم في بلادنا ترويجاً للديمقراطية الأميركانية، على أنها حلم البشرية لمستقبل قائم على الحياة السعيدة والهانئة، وأحيلهم في هذا الشأن إلى كتب عالم اللغويات الأميركاني نعوم تشومسكي والذي هو الناقد الأكبر لزيف الديمقراطية في بلاده.
إن فكرة الديمقراطية في العالم الغربي باعتراف علماء السياسية قد وصلت إلى منتهاها. وقد اتجهت بعض الدول اليوم إلى اعتماد نهج جديد لإرساء قواعد جديدة تحقيقاً لرفاهية مجتمعاتها.
ما عادت عملية الانتخابات، ومشاركة الشعب في "حرية" الاختيار بين مرشحين إثنين أو أكثر في ظل سلطان المال والإعلام إلاّ عملية تزوير موصوفة. ولم يعد الصندوق الانتخابي معياراً للديمقراطية. وقد ظهر أن العملية الانتخابية ليست هي المعيار الحقيقي للديمقراطية: واتضح أن ذلك يشكل اختزالاً للديمقراطية.
وما حصل مؤخراً في كل من مصر وتونس يؤكد هذا المنحى، ويفضح هذه الخديعة. ففي الأولى ظاهر الأمر أن مرسي "الإخوان" قد رحل بفضل "الجماهير" التي لا برنامج لها. وكانت نزلت إلى الميدان – هذا في الظاهر – لطرد مرسي من قصر الرئاسة. إلاّ أنه في هذا المجال لا يمكن إغفال دور الجيش – المرهق تحت حملٍ ثقيل من التبعية – الذي خطف الأضواء، واعتلى "الضابط" السيسي سدة الرئاسة نتيجة عملية انتخابية مركبة ومدروسة في العمق، لتبقى مصر في عنق الزجاجة بمعنى آخر، إبقاءها رهينة المخططات الأجنبية. يحدث كل ذلك بعدما عاف الشعب أعمال الإخوان الفاسدة.
كما ناضل شعب تونس وضحّى ليتمكَّن من إسقاط ورقة في صندوقه الاقتراع (26/10/2014). مع العلم أنه في كلا الحالتين، المصرية والتونسية... أن الأصوات لا تذهب إلى من يرفع شعاراً جميلاً، بل إلى من يملك قوة فعلية على الأرض: مصالح تجارية ومؤسسات... وإعلام وإمكانيات هائلة لحشد "الجماهير" والدعاية والسلطة الاجتماعية.
وأظهرت الإنتخابات الألمانية الأخيرة وصعود "اليمين"، وبروز "ألمانية الشرقية" كحالة منفردة تصوّت على نحو مخالف "لألمانية الغربية" ما يعكس حالة الإنقسام الإجتماعي بشكل لافت. مما يشير إلى أن أكثر من نصف الألمان لا يرون أن الشعب يحكم البلاد (إفتتاح البرلمان والأحكام الصادرة في ألمانية تتم دوماً بإسم الشعب).مما يشير إلى أن الشعب الألماني لم يعد يثق بالنظام القائم... مما سيضيف إلى أزمة الإتحاد الأوربي المتفكك أزمات جديدة في أوربا.
زيف الديموقراطية:
ويتضح دور وسائل الإعلام ووسائط استطلاع الرأي في الانتخابات الأميركانية الأخيرة بين كلينتون وترامب في أيلول من العام 2016. فقد أكدت هذه الوسائل على نجاح أكيد لكلينتون. وصُعِق الجمهور المراقب بعد الانتخابات بفوز ترامب. وتبين لاحقاً مدى التزوير الذي افتعلته هذه الوسائل لذر الرماد بالعيون وبمعنى آخر غش الشعب من جراء هذه الحملات الكاذبة. وهنا يتبين دور الشركات المالية القابضة على الإعلام وتوجيهه وفقاً لمشيئتها. وقد بلغ حجم الاقتراع الحقيقي لترامب نسبة 25% فقط من مجموع الشعب. ما ينفي العملية الديمقراطية بالكامل. إضافةً إلى ما كشفته وثائق ويكليكس عن تدخل روسي في الانتخابات ما أدى إلى سقوط كلينتون!
كما كشفت الانتخابات الفرنسية الأخيرة عن الخلل الكبير في العملية الديمقراطية، فقد جرت بتاريخ 27/4/2017 تظاهرات شعبية شارك فيها الطلاب رفضاً للمرشحين الإثنين للرئاسة: لوبان لعنصريتها وماكرون لمشروعه العولمي وحرية السوق.
كما تبين أن الشركات الكبرى والسياسيين ورجال الأعمال تملك الإعلام الفرنسي، مثل لوفيغارو ولوموند وليبراسيون. وهذا دليل صارخ على خرق المهنة وهبوط في عملها وبالتالي لا عدالة العملية الانتخابية...
وجدير الإشارة في هذا المجال إلى حالة الصمت المريب التي خيّمت على وسائل الإعلام الإميركانية والفرنسية عقب الإعتقالات التي طالت أمراء ووزراء في السعودية في تشرين الثاني 2017، مما يدل على إرتهانها الكلي للشركات المالية...
وكان سعاده قد كشف زيف هذه العملية منذ زمن بعيد. جاء في مقالته "تشبيه" (24/10/1937): "إن الأمم العريقة في الديمقراطية كثيراً ما تكون فريسة في كثير من المصالح للشعوذات التي يقوم بها مهرة متخصصون في استخدام المبادئ العامة".
وفي هذه المقالة، يُجري سعاده قلمه في عملية الانتخابات النيابية في بلادنا... فيتحدث عن "مؤهلات الانتخاب" التي لا يملكها الشعب... وإن العملية التي تجري مجرد "تشبيه" لعملية ديمقراطية انتخابية...
كان واضحاً لدى سعاده الأوهام التي يتخبط فيها شعبنا الذي يعيش حياة مأساوية، وإن المسؤولية تقع على عاتقه فهو ينتخب الفئات الحاكمة في الدول الكرتونية التي خلّفها الانتداب الفرنسي – الإنكليزي عبر "دساتير" أكدت على تمزيق وحدة الوطن الواحد مزينة كل دستور بكلمات برَّاقة بالسيادة والاستقلال والحياة الديمقراطية عبر انتخاب النواب بواسطة الشعب: "في سورية فساد الحكم هو من فساد الشعب. فالنواب في لبنان والشام الذين يبيعون مصالح الشعب بالمزاد السري هم نواب منتخبون انتخاباً عاماً من الشعب، ولكن الشعب في حالة فساد كثير فهو يجهل حقوقه ومصالحه ولا يشعر بوحدتها ووحدة شخصيته. في سورية رجال الدين الفاسدون قد حولوا الطوائف إلى أحزاب سياسية، ورجال الشعب خضعوا لسياسة التفرقة الدينية وانقادوا إلى مثالب الانحطاط فباعوا "باكوريتهم" أو أصواتهم الانتخابية بيعاً وهم لا يدرون أنهم يبيعون حقوق سيادتهم. في سورية تعلّم الفرد ألاّ يهتم لضرر الشعب بل لمنفعته الفردية فقط". (سلطة الزعيم 1/3/1941)
ولما كان النظام البرلماني فاسداً من أساسه لأنه "لا يمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً" إضافةً "إلى عدم صلاح أساليب التمثيل... وإن حزبنا (يقول سعاده) لا يقول بصلاح النظام البرلماني للقيام بمهمة رفع الشعب من مستوى سياسي اقتصادي إلى مستوى أعلى..." وكان سبق له القول في خطابه المنهاجي (1935) عن فساد النظام البرلماني وآفاته السيئة المرتدة على الشعب. لذلك وبالنظر لأوضاع شعبنا الفاسدة دعا إلى "أن من ضروريات ممارسة السيادة بواسطة التصويت الشعبي العام، أن يكون المجتمع حاصلاً على تربية قومية توجَّه الفرد نحو النظر في مصلحة المجموع دائماً..". (تشبيه 24/10/1937)
وهذا يتوافق مع ما ورد في كتيب "حكومة بواسطة الشعب" الملخص لكتاب "دستورنا وحكومتنا" لكاترين سكلر هدسون: "بالديمقراطية يحصل الشعب على نوع من الحكم الذاتي الذي يستحقه. فالشعب النشيط ذو الضمير الحي والحكيم في استعمال سلطته السياسية تخدمه حكومته خدماً جليلة. والأهلون غير المكترثين الذين يلقي كل منهم بسهولة واجبات الحكم على غيره يجدون أنفسهم عادةً مثقلين بإدارة تُرشى وتخدم نفسها وربما تخضع لزمرة من المتحكمين".
فالديمقراطية لا تقتصر على عملية شكلية ممثلة برمي أوراق في صناديق الاقتراع بل بالمقاييس المعتمدة لانتقاء المرشحين وفي الأسس المستعملة للتمييز بينهم.
إنقاذ الديموقراطية:
ولما كانت الأوضاع في سورية على هذا المستوى من الانحطاط العام... لذلك احتاج الأمر إلى "فرد مصلح انشق على فساد المجموع وتغلب على أهوائه. هذا الفرد هو الذي يحتاج إلى ضمانات السلطة ضد فساد الشعب وليس الشعب هو الذي يحتاج إلى هذه الضمانات". (سلطة الزعيم 1/3/1941)
فكان سعاده هو المشرع والمؤسس والزعيم، الذي كان بمثابة الهيئة التأسيسية لإعادة حياكة النسيج الاجتماعي للشعب السوري، كما السياسي لتعود سورية قوية بإمكاناتها وقدراتها.
كان سعاده قد قام بدراسة معمّقة لواقع مجتمعه السوري، ونتيجة دراساته ومتابعاته المتأنية لعملية إشادة الأمم لبناء الدول المحصنة قومياً وعسكرياً... وهذا بارز بشكل واضح في مقالاته في السياسة الدولية ابتداء من العام 1921. ومتابعته الدقيقة لنشوء الحركة الصهيونية وأعمالها وأنشطتها في مختلف أرجاء العالم. كل ذلك كوَّن لدى سعاده معرفة تامة بعلم بناء المجتمعات الحديثة والوسائل والآليات المطلوبة لإجراء عملية التغيير في المجتمعات، وعلم إدارة التغيير هو علم قائم بذاته ينهض على رؤى فلسفية واجتماعية واقتصادية... عبر إدراك تام وموضوعي لمسؤولية تنمية الوعي الفكري لدى أبناء المجتمع وإدراك طبيعة التغيير وطرائقه لانطلاق الإنسان في تفاعله المسؤول والمنتج مع المعاصرة والتقدم و...
فسعاده وهو المهندس البارع في تقنية بناء المجتمع السوري بعد درسه التام لواقعه كما سبق الإشارة، عمل كالمهندس الذي يمهِّد الأرض وفقاً لطبيعتها لإشادة البناء المرتجى طابقاً طابقاً.. وبالتالي إشادة المجتمع والدولة ومؤسساتها خطوة خطوة.
"إن الحزب السوري القومي هو صاحب الرسالة القومية، وهو المنظمة القومية العاملة على تنظيم العقائد والفكر والعمل في مجموع الأمة. ومؤسساته هي التي تضبط أعمال الأفراد فتربطهم بمبادئ وبرامج وقوانين وصلاحيات ومسؤوليات... هذه المنظمة القومية التي لها أهداف واضحة ومؤسسات فنية تعين الخطط التي يجب أن يتماشى عليها مجموع الحزب". (تسخير المنظمة 8/11/1937)
أما بعد سعاده، فيتسلم إدارة الحزب مؤهلون في الإدارة والسياسة والاقتصاد والاجتماع و... وهذا أتى على ذكره في المادة /5/ من الدستور: نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف..." أي يتحمل المسؤولية أصحاب رتب معرفية وعلمية ونضالية و... وبالتالي رفض سعاده كل الأنظمة الملكية والبرلمانية القائمة في كيانات سورية، معتبراً إياها تزيد الطين بلة، في ظل ظروف سورية المأساوية على كل الصعد.
اختار سعاده النظام الأمثل لشعبه لينقله من "الظلمات إلى النور" ومن كل آفات الأنظمة التمثيلية من برلمانية وما شابهها، معتبراً أن "النظام الجديد" يرفع الشعب إلى مصاف الأمم الحيّة الفاعلة: "فنحن نقول أن النظام البرلماني لا يصلح لإنقاذ الأمة، وإن زمن السياسيين النفعيين المستغلين قد مضى، ولكننا لا نريد في محل النظام البرلماني طغياناً يعيدنا إلى عصور الهمجية ويقتل إمكانيات تطور الشعب". (النيابة والاستبداد 6 و7/3/1938)
ورأى سعاده، أن الفكرة الديمقراطية تتهاوى في العالم المتمدن، بفعل ما علق بها من مفاسد "وأن على السوري القومي الاجتماعي أن يعالج (الفكرة) الديمقراطية من جديد ويدفعها إلى العالم كاملة". ويتابع قائلاً "فالسوري المفكر يجب أن يهتم في إنقاذ الديمقراطية من الهلاك. وذلك بأن يزيل ما دخل إليها من الفساد ويُدخل إليها تفكيراً ينطبق على ما وصل إليه الناس من العلم والمعرفة، فتصير صالحة لنفع الإنسان وتكفل حقوق الإنسان من كل مهاجمة وتعدٍ". (الزعيم في سانتياغو أيضاً 1/6/1940)
ويتابع في مقالته "العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمكراتيين عن عقيدة" (15/6/1942) هجومه على مفهوم الديمقراطية في الغرب بقوله: "إن الديمقراطية اسم تنطوي تحته أشكال عديدة، وكل شكل منها له خصائص سياسية وإدارية تعطي نتائج تختلف عن التي يعطيها شكل آخر. والديمقراطية التي خَبِرتها الشعوب المتمدنة حتى اليوم، لم تتمكن من حلّ الأضاليل الاجتماعية – الاقتصادية التي نشأت مع تقدم عهد الآلة وارتقاء التخصص في الأعمال وتحديدها".
بعدما رأى سعاده مُصاب الديمقراطية في "العالم المتمدن" – وفي بلادنا الرازحة تحت الانقسامات السياسية والاجتماعية – وما أصابها من تراجع وألاعيب، بعد "الماكنا كارتا" (عام 1165) في بريطانية، و"إعلان الحقوق" لماساشوتس في أميركانية (عام 1780). قال سعاده هذا القول، بعدما شاهد ولمس ما فعله ساسة أوروبة من إساءات بحق مجتمعاتهم. وما افتعلوا من حروب عبثية بحق الدول والأمم المستيقظة على حقوقها. فأعلن ضرورة تنقية الديمقراطية من المفاسد التي دخلت عليها، وإعادة تصويب اتجاهها لخدمة الإنسان وتطوره وتأمين مصالحه العامة.
إنقاذ البشرية:
فأعلن في خطابه في سانتياغو عام 1940: "... إن التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخة في العالم كله، والبشرية بأسرها تنتظر تفكيراً جديداً... إن الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس فتحولت إلى نوع من الفوضى...".
ويتابع، إن العملية الانتخابية التمثيلية هي عملية فاسدة من أساسها. وإن سورية تعود إلى رسوليتها بتقديم "فكرة جديدة" لإنقاذ الإنسانية من شرور ما وقعت به من جراء الديمراطية التمثيلية. وإن البشرية ستمشي على هدي هذا "الإكتشاف السوري الجديد". وبفضله ستنال الأمم "الخير والفلاح". وهذه الفكرة الجديدة هي "التعبير عن إرادة الشعب"، وهي "هبة" سورية إلى العالم، وهو دستور سورية القومية الاجتماعية.
استقى سعاده فكره السياسي من تاريخ أمته الثقافي السياسي، وقد عرض تفاصيله وخلاصته في محاضراته وكتاباته. وهي تعتبر كافية لشق الطريق لحياة جديدة لسورية. كما عرض لبعض الوقائع في كتابه العلمي "نشوء الأمم". حيث يقول في الفصل السادس منه: "... بقاء الدولة شيئاً متميزاً عن الشعب، مؤسسة لا يمكن أن تعرض لعبث الجمهور".
هذه الديمقراطية الجديدة (التعبيرية) تقوم على استيلاد نخبة واعية، مخلصة، صادقة، تحمل علوماً عالية تعمل للصالح القومي العام لإدارة شؤون المجتمع والدولة.
كانت خلاصة فكره الدستوري، نتيجة دراسة مستفيضة لأوضاع الدول المتقدمة ودساتيرها، ولواقع بلاده والمفاسد التي تتخبط فيها. فكان طرحه فكرة جديدة تحل مشاكل بلاده والبشرية.
كان واضحاً في تفكيره، مصمماً على ترجمة حياة الحزب الذي أسس، لتقديم النموذج الحي والجديد على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وبالتالي القومي العام.
|