1- عمدة المالية (مجلس العمد)
2- اعداد الموازنة (قانون عدد 5)
3- الضرائب المركزية والمحلية (قانون عدد 6)
4- مجلس المنفذية – اللجنة المالية (مرسوم عدد4)
5- ناظر المالية في المنفذية.
6- محصل المديرية.
7- الجباة في المناطق.
"إن السيادة القومية والاستقلال القومي لا يتحققان بالاستجداء. وليس أتعس من هذا الجيل من شعبنا الذي يظن أن الاستقلال أكلة عدس، وأن تكاليفه هي فقط تكاليف أكلة عدس". (من رسالة الزعيم إلى عبود سعاده 5/9/1941)
"... إنكم عند مراجعتكم المرسومين 4 و5 سترون أن الجباية المركزية هي مال مقدس للإدارة المركزية، أي خاص بالخزانة العامة للحزب، ولا يجوز لأي فرع أن يُبقي منها في حوزته فلساً واحداً. أما نفقات المنفذية العامة لمشاريعها المحلية فيجب أن توضع لها موازنة يضعها ناظر المالية بعد تقرير المشاريع في جلسة رسمية لهيئة المنفذية، ثم تؤمن الأموال اللازمة لها بضريبة محلية يقررها مجلس المنفذية الذي هو غير هيئة المنفذية، وصلاحياته موجودة في المرسوم عدد 4. فتصير جباية خصوصية للمنفذية غير الجباية المركزية التي تعود إلى الخزينة، والضريبة التي يفرضها مجلس المنفذية يجب ألا تكون كبيرة، ودائماً أقل من الجباية المركزية، ويُراعى في فرضها مقدرة المشتركين والظروف". (من رسالة الزعيم إلى المنفذ العام لفرع المكسيك 14/8/1941)
"إن تحويل منفذية الشاطئ الذهبي أموالها المجبية إلى مكتب الزعيم بناء على طلب ناموس في هذا المكتب هو عمل مُخلّ بالقانون المالي والقوانين الإدارية، فليس لناموس في مكتب الزعيم أو في مكتب عمدة أو في أية إدارة حزبية سلطة إدارية تخوله إصدار تعليمات إدارية في الشؤون الحزبية، وفي حالة مالية لا يحق لغير عميد المالية نفسه إصدار تعليمات بنقل أموال أو تحويلها بناء على اضطراريات الموازنة المقررة وكيفية الصرف، أو بناءً على قرار مجلس العمد المصدق من الزعيم...
فبناءً عليه أطلب منكم تبليغ منفذية الشاطئ الذهبي أن عملها بتحويل مال عائد إلى خزانة الحزب العامة إلى دائرة أخرى من دوائر الحزب بدون أمر من عميد المالية أو من الزعيم هو غير قانوني، وإني أعدُّه مخالفة". (من رسالة الزعيم إلى الوكيل العام لمكتب عبر الحدود 30/7/1939)
كان سعاده قد أنشأ "الشركة التجارية السورية" عام 1935 لتأمين موارد مالية كافية لضمان استقلالية الحزب. ولكن الشركة لم ترَ النور بسبب انكشاف أمر الحزب. حيث أُدخل إثر ذلك إلى السجن ثلاث مرات متتالية. وقد سُئل بعد خروجه من سجنه في إحدى المرات من قبل الصحافة: لو كنت تملك مليون ليرة، ماذا كنت تفعل بها؟ فأجاب: أبني أوبرا!
كان هاجسه بناء مؤسسات جديدة لرفع مستوى شعبه بسبب غياب كل المؤسسات الضرورية لبناء وطن مستقل.
وكان المال هاجسه الأكبر ومعضلته الدائمة. فكان همُّه باستمرار بناء مؤسسات اقتصادية لتأمين الموارد المالية لبناء المؤسسات الإذاعية والثقافية والعسكرية. ولم يسمح له الانتداب الفرنسي وزبانيته بالاستقرار في السنوات 1936-1938، فاضطر للمغادرة إلى قبرص بعدما تأمَّن مبلغ من المال من رفقاء حيفا. ومكث شهرين في قبرص، فأرسلت له منفذية الشاطئ الذهبي شكاً مصرفياً إلى قبرص، وآخر إلى روما في بداية رحلته الأوروبية.
حياة صعبة:
واستقر في الأرجنتين، وهناك، وحرصاً منه على مقام الزعامة، اضطر للعمل، (شركة تجارية صناعية مع رفيق، ومتجراً للورق مع رفيق آخر) بعدما استدان من أخ زوجته مبلغاً من المال، ثم عمل لوحده ففتح دكاناً وقام هو بعمليات البيع والاستيراد والتنقل بين الباعة لتسليم بضاعته والعودة إليهم لقبض ثمنها. وهو لهذا السبب، استعان بدراجة هوائية، كان قد اشتراها من سوق الأحد في بيونس أيرس. وقد وجد في زوجته خير معين أثناء هذه المحنة، فكانت إلى جانبه تعمل في المحل وتساهم في تيسير أموره. وعندما وقع في الخسارة نتيجة نذالة أحد الرفقاء، كانت تسهر معه لإنقاذ المحل من الإفلاس. وعندما باع المحل عام 1946 بكل ما فيه من بضاعة، لم يضمن له سداد ديون أخ زوجته.
كان قد رفض عروضاً مالية من بعض الدول الأجنبية، لذلك عمل في التجارة صوناً لمقام الزعامة وحفاظاً على استقلالية الحزب... (رسالته إلى أنطون ضاحي 2/3/1946)
وخلال فترة اغترابه، لم يساهم الرفقاء في تأمين ناموس لمكتبه لتسهيل الأعمال السياسية والإذاعية، الأمر الذي كاد يتلف أعصابه، كما طالب القوميين وبعض المناصرين بالتبرع لشراء مطبعة للحزب لطباعة الجريدة وكتابيه "الصراع الفكري في الأدب السوري" و"جنون الخلود". وكل صيحاته في هذا المجال راحت هباءً منثوراً، وما زالت الأمور على هذه الحال حتى يومنا هذا! حيث لا مطبعة خاصة للحزب! فهو يقول: "مشروع المطبعة هو أحد مشاريع النهضة الهامة" (إيضاح: 15/2/1941)، ولكن عبثاً لم تتحقق أمنيته.
وهو كان قد خطط لرحلته إلى أوروبة وأميركة اللاتينية والولايات المتحدة منذ العام 1937. وقد وضع خطة مبرمجة لهذا السبيل، لبناء فروع حزبية هناك تكون هي صوت الحزب في المغترب – لكثرة عدد السوريين المغتربين – ومصدر الإمداد بالمال اللازم للتمكن من القيام بالمهمات الحزبية للعمل على تحرير بلادنا من الوصاية الأجنبية. مما يدل على عنايته بالشأنين المالي والاقتصادي بسبب سوء أحوال البلاد.
وقد شعر سعاده بفرح كبير لانفكاك أسره من العمل التجاري بعد طول معاناة في الغربة، مقرراً العودة إلى الوطن. وقد فتح لهذا السبيل باب التبرعات المالية، وأرسل تهنئة إلى منفذية أميركانية "لسعيها الحثيث لجمع مبلغ مالي معين ليوقف على نفقات عودة الزعيم". وكذلك الأمر بالنسبة لعودة زوجته في شهر تموز 1947. كما جرى تأمين منزل وبعض الحاجيات الضرورية من مساعدات بعض الأعضاء. فهو لم يتيسّر له جمع ثروة مالية في حياته. وقد أوصى بأملاكه وبمبلغ 400 ل.ل. التي وجدت في جيبه لزوجته وبناته الثلاث بالتساوي بعيد اعتقاله في تموز 1949 .
الحاجة إلى المال:
إن حزباً مثل أوضاع حزبنا، في الظروف التي نشأ فيها، والحاجات الماسة الضرورية للسير قدماً بخطته الإنقاذية لبلادنا التي رزحت زمناً طويلاً تحت نير الإحتلالات الأجنبية، مما أدى إلى تضعضع النفسيات في الداخل، وسرقة موارد الأمة من الأجانب. كل ذلك يحتاج إلى أجهزة التي تحتاج بدورها إلى مال لإنجاح أعمالها.
كانت الحاجة إلى المال علة العلل. فلا نفقات كافية حتى لمكتب الزعامة، لذلك اضطر للعمل - كما سبق القول – "لحفظ كرامته" والحصول على "دخل يؤمن نفقات الزعيم الخصوصية بصورة دائمة" وتأمين "استقراره المعيشي". (رسالته إلى وليم بحليس 20/7/1942)
وكان سبق أن كتب إلى وليم بحليس(25/8/1941) يكرِّر فيها حاجات المكتب، فيضيف: "ليس أهم ما يتطلبه مكتب الزعيم تأمين حياة الزعيم في هذه الظروف وسهولة عمله، بل أيضاً الاهتمام بإدارة وتغذية المؤسسات التي تنشأ، كالمؤسسات الإذاعية مثلاً، وغيرها التي قد ينتدب لها بعض الأشخاص، فيسافر أحدهم إلى أوروبة، مثلاً، ويسافر آخر إلى الوطن أو إلى جهة أخرى. فإن الجمود يكاد يقتلني... فالإذاعة أمر أساسي ولكنه يحتاج إلى نفقات. والأعمال السياسية تحتاج إلى نفقات أكبر".
ليعود ويسرد أخباراً عن قلة الموارد في رسالته إلى صديقه عبود سعادة (5/9/1941)، فيقول له: "إن احتياجات الحركة المالية هي دائمة، ولكنها في الظروف الاستثنائية كالتي نحن فيها تزيد أحياناً... نظراً لاضطراب الحالة السياسية وتحرّجها. وكل من له أقل إلمام بعمل الأحزاب السياسية واطلع على شيء من تواريخها يعلم أن مشاريع كثيرة إذاعية وسياسية ما كانت تكون ممكنة لو لم يوجد المال الاحتياطي اللازم في الصندوق... ومن يطلع على كتاب هتلر "جهادي" يعلم أنه بعد السنة الأولى من تأسيس حزبه وجد مالاً في الصندوق كافياً للقيام بأعمال إذاعية واسعة" – وقد كشف كتاب صدر مؤخراً بالإنكليزية "وول ستريت" يتحدث عن أموال أغدقت على هتلر من اليهود في نيويورك - ويتابع قائلاً له: "... كنت أتمنى أن توجد إلى جانبي لجنة مخلصة مؤلفة من رجال لهم حمية ورغبة في السعي فأطلعها على قائمة الاحتياجات وتأخذ على عاتقها السعي لسد العجز وتدبير الاحتياطي الذي أوعز إليها أن تدفع منه بموجب أوامر صرف على القواعد الأصولية التي تنص عليها قوانيننا... ولما كنت قد عرضت حاجات سياسية ملحة قد تقتضي بأن أقوم برحلة، أو أن أكلف شخصاً السفر على نفقة الحزب، أو أكلف أكثر من شخص القيام ببعض مهمات لا يجوز إفشاؤها في هذه الظروف..." ليعود ويقول: "ليس المطلوب النظر في أي عمل من أعمال الإحسان، لأن الحزب ليس جمعية خيرية ومتطلباته ليست من نوع أعمال الجمعيات الخيرية، والنظرة إلى هذه الأعمال تختلف عن النظرة إلى غيرها".
وسعى سعاده لعقد مؤتمر قومي في أوروبة عام 1941 لأنه وجد الظروف الانترناسيونية مؤاتية وطلب من بعض الفروع في البرازيل والمكسيك والولايات المتحدة تأمين الأموال اللازمة لنفقات السفر لكن الرياح جرت بما لم تشتهِ السفن! (رسالته إلى ساسين ساسين 18/10/1941)
لا ضرورة للاستفاضة في شرح كلمات الزعيم السالفة، وتأكيده على الحاجة الماسة إلى المال لإنجاز أعمال سياسية هامة لصالح الأمة وسط تجاذبات المواقف الدولية والأخطار المحدقة بها. يقابله عدم وجود مساعدين لمكتب الزعامة ليتمكن من إجراء الاتصالات اللازمة وتدريب البعض للمهام السياسية و...
ولا حاجة لذكر كم مرة عُرضت أموال على الزعيم من بعض الدول الأجنبية إذ يقول: "... إن أموالاً كثيرة ووسائل بذخ وترف ومناصب عالية في الباطل وضعت عند قدمي وأنا في السجن وأنا خارجه وأنا في أوروبة وأنا في بوينس أيرس الأرجنتين، ولو كانت نفسي عالقة بهذه الأمور لكان لي منها كل ما يمكن أن تشتهيه نفس محب الباطل. عشرات ألوف ومئات ألوف الفاسات الأرجنتينية عُرضت عليَّ من الجانبين المتحاربين وأنا في بيونس أيرس، وكان يمكن أن أتناول مبالغ جسيمة من المال، وأنتم لا تعلمون، وكنت أكون في غنى عن تناول شيء من الأموال الحزبية لنفقتي، وعن النزول إلى ميدان التجارة لأصون مقامي وأحفظ كياني". (رسالته إلى أنطون ضاحي 2/3/1946)
ونحن نلحظ في رسائله إلى كل المسؤولين الإداريين توجيهاته حول أهمية الشأن المالي، وطلبه الدائم بأن تتم جباية الضرائب المركزية وإرسالها إلى المركز "تحت كل الظروف"
وفي رسالته إلى منفذ عام المكسيك (14/8/1941) يقول: "إن الجباية المركزية هي مال مقدس للإدارة المركزية، أي خاص بالخزانة العامة للحزب، ولا يجوز لأي فرع أن يبقي منها في حوزته فلساً واحداً".
ويكتب إلى مدير مديرية خوخوي (13/2/1946) مشدداً على أهمية المال المجبى للخزانة العامة: "... إن هذا المال يُجبى باسم الخزانة الحزبية العامة ويجب أن يُرفع إليها شهرياً، كما ينص القانون، وأي تصرف بمال الجباية يُعرِّض المسؤول عنه للمحاكمة بتهمة خرق القانون والعبث به...".
ولكم كان أسف سعاده شديداً خلال وجوده في المغترب، لعدم وجود نخوة قومية لدى المغتربين الأثرياء للمساهمة في إنجاح مشاريع الحركة القومية.
وها نحن نشهد اليوم، في المناسبات الحزبية، إقامة السهرات لإحياء هذه المناسبات، على أهميتها، لا تدر المال الكافي لإنشاء مشاريع حيوية وهذا تقصير فاضح. ولم يجر لتاريخه إنشاء مؤسسات إنتاجية واقتصادية عملاً بالمرسوم 4، لوقف عمليات "الاستعطاء" التي عطَّلت استقلالية الحزب وقيامه بالدور القومي الفاعل المطلوب.
اطلاع واسع:
لقد كتب سعاده العديد من المقالات عن الشأن المالي وأهميته ودوره في حياة الأمم والشعوب. كما كتب مقالات فيها تعليقات على الشأن المالي والدولي والقومي: النقد، البنوك والموازنات...
فتحدث في مقالته "الأزمة السياسية البريطانية" (16/10/1931) عن "الأزمات الموضعية في العالم التي تحولت إلى أزمة اقتصادية ومالية عامة فتحرجت حال بريطانية الاقتصادية وتزعزع مركزها المالي وحدث الهبوط المشهور في قيمة الليرة الإنكليزية".
ويتحدث عن "الأزمة الاقتصادية في أوروبة" في مقالته التحسن المالي في أوروبة وأميركة" (1/3/1933).
كما يتناول الشأن المالي القومي: ففي مقالته "نقد جديد" (5/3/1938) يتحدث عن وقوع "خطر قومي" من جراء "استقلال النقد الشامي عن النقد اللبناني... فهو يضر ضرراً كبيراً باقتصاديات البلاد الواحدة... وإيجاد مصرف قومي...".
ويعلق على موازنة الدولة اللبنانية في مقالته "موازنة الجمهورية اللبنانية (1/11/1942) مشيراً إلى التجزئة السياسية التي سببت أضراراً اقتصادية... وكان الحزب قد أرسل مذكرة طويلة إلى عصبة الأمم عام 1936، أشار فيها إلى نظام الضرائب، والنظام النقدي، ونظام البنوك و... المعمول بها في بلادنا في ظل الانتداب.
هذا بالإضافة إلى شرحه المبدأ الإصلاحي الرابع في محاضرته في الندوة الثقافية (14 آذار 1948) الذي أتى فيه على الشأن المالي أيضاً. وهو غيضٌ من فيض سعاده في هذا المجال.
هذا بعض حال ومآل سعاده في حياته العملية والفكرية، وهو ثمرة من ثمرة جهاده المضني، والذي يجب أن نتخذه نحن القوميون الاجتماعيون قدوةٌ لنا في سلوكنا الحزبي.
ولقد خلف لنا سعاده في دستور الدولة السورية القومية الاجتماعية جملة مؤسسات على هذا الصعيد. منها مؤسسات مالية على الصعيد السياسي (مؤسسة مجلس العمد) ومؤسسات مالية على الصعيد الاجتماعي (مؤسسة مجلس المنفذية، نظارة المالية، المحصل، الجُباة). كما أنشأ القانونين الخامس (للدولة) والسادس لتأمين ضرائب بعد تحديدها من قبل المؤسسات صاحبة الصلاحية ليتم العمل وفاقاً لهما.
مسؤولية عميد المالية
في المادة الثالثة من المرسوم الأول (مجلس العمد)، يوضح سعاده أن عمدة المالية، وهي مصلحة عامة رئيسية يتولاها "مجاز" في الشؤون المالية السورية القومية، أي لا يكفي أن يتولاها صاحب اختصاص في الشأن المالي من جامعة أجنبية. ومهمة العميد اقتراح مشاريع مالية، وتأمين الأموال اللازمة لكل العمدات وفقاً لمشروع رئاسة الحزب، والسهر على مالية الحزب.
فعميد المالية، هو أحد أعضاء مجلس العمد، أي أنه مساعد للرئيس في الشؤون المالية القومية. ويجب أن يحمل إجازة باختصاصه من مؤسسات الحزب. وصلاحية مجلس العمد تنفيذ سياسة رئيس الحزب.
وصلاحية عميد المالية تأمين تنفيذ سياسة الرئيس المالية العامة وعرضها على مجلس العمد للمناقشة، وعلى الرئاسة للحصول على المصادقة. فالعميد مسؤول عن تنفيذ "سياسة عمدته المقررة (من الرئاسة) والمصدقة منها أيضاً"، فهو من حيث المبدأ مجرد مسؤول إداري، بخلاف ما هو قائم اليوم.
والعميد هو الذي يُعدُّ الموازنة العامة للدولة القومية. وهو يعرض الوضع المالي في جلسات مجلس العمد للمناقشة مع بقية العمد، ليبقى المجلس مطلعاً بالكامل على الوضع المالي أو خزينة الحزب العامة. حيث يعدُّ العميد لهذا السبيل تقارير مالية عن سير أعمال الموازنة ويرفعها إلى الرئاسة. كما أن للمجلس الحق في أن يعدل بعض الاعتمادات في الموازنة ثم يقرُّها ويرفعها للرئاسة للمصادقة. والتي تحيلها بدورها إلى المجلس الأعلى لإقرارها، وفقاً لخطة الرئيس التي أُنتخب على أساسها من قبل الهيئة الناخبة (الأمناء).
وعلى سبيل العلم، أن أول عميد مالية في الحزب هو الدكتور جورج حكيم، الحائز على شهادة دكتوراه في الاقتصاد وكان يُدَّرس في الجامعة الأميركية في الثلاثينات...
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إعداد الموازنة يتم بناء للقانونين الخامس والسادس من دستور سعاده. ومسؤولية العميد وفقاً لمضمونهما لاسيما بعد تحديد المجلس الأعلى قيمة الضريبة المركزية بقانون (استقلالية قرار الدولة)، وتحديد مجلس المنفذية قيمة الضريبة المحلية. وهذا ما لم يحصل طوال تاريخ الحزب بعد استشهاد سعاده. وللعميد أن يطلب زيادة قيمة الضريبة المركزية وفقاً لمشروع الرئيس وللمصاريف المطلوبة.
كما أن للعمدة وكيل عميد وناموس عمدة، وهي تشتمل على عدة دوائر وقد ورد قسم منها في القانون الخامس: خازن عام، لجان فنية مالية، جاب عام، مفتش للجباية، نظارة المالية، المحصلين في المديريات، معاونين للخازن العام ودوائر فرعية في المناطق...
فالعمدة هي مؤسسة من مؤسسات الحزب – الدولة. وللعمدة قانون داخلي خاص بها لسير أعمالها وتعاون دوائرها (دائرة احتساب الضريبة، دائرة الدفع... ) ووظيفة الخازن (مادة 3 فقرة سادساً من القانون الخامس) تقديم تقرير عن حالة الخزينة العامة في نهاية كل شهر للعميد ليُطلع عليه كل من مجلس العمد والرئاسة.
ومن مراجعة رسائل سعاده في هذا الخصوص. يتبين لنا اهتمامه الكبير بالشأن المالي. فهو يشدد – وهو في المغترب – على ضرورة دفع الضرائب المركزية بالنظر لحاجة المركز الماسة للمال، وبالأخص في الظروف الحرجة التي يمر بها الحزب والأمة خلال الحرب الثانية. وهو عندما كان في المغترب الأرجنتيني حدَّد قيمة الضريبة المتوجبة على "الأعضاء والأعضاء المحبذين" والمتأهلين والعزاب وأصحاب الأعمال، وعلى "السيدات والأوانس القادرات على الدفع" (رسالته إلى معاون الوكيل العام لمكتب عبر الحدود تاريخ 11/12/1939)
ويشير سعاده إلى بعض الأعمال الأساسية لعميد المالية فهو يكتب له بعيد عودته إلى الوطن عام 1947 عدة رسائل يطالبه فيها بالتجوال على المناطق. كما يكتب إلى رئيس وأعضاء مجلس العمد (26/3/1948) عن إتباع المجلس، وعميد المالية تحديداً، النهج اللامركزي واللادستوري، ويكرر طلبه التقرير المالي الشهري إلى مجلس العمد للوقوف على الوضع المالي للخزينة لاقتراح ما هو ملائم في هذا الخصوص. ويتابع سعاده قائلاً: "عمدة المالية: في الجلسات الأخيرة التي انعقدت قبل أواسط ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كنت قد طلبت من حضرة عميد المالية بياناً عن مبلغ أربعة آلاف ليرة سورية بقيت في خزانة الحزب من آخر مبلغ مالي دخل الخزانة. لم ينعقد بعد ذلك مجلس العمد لمطالبة العميد ببيانه في هذا الصدد أو في حالة الحزب المالية عموماً.
من جهة أخرى ألاحظ أن الداخل والخارج من الخزينة، عدا عن أوامر الصرف التي أصدرها الزعيم لضرورات النشر، يجري على مسؤولية عميد المالية النهائية... النتيجة هي أن الإدارة الحزبية المركزية تجهل كل الجهل الحالة المالية وأن عمدة المالية صارت السلطة العليا المطلقة في الشؤون المالية... يجعل إدارة الحزب المركزية تحت رحمة لامركزية عمدة المالية....".
ويكتب له بتاريخ 9/10/1948 حول واجباته: "... بصفتكم عميداً للمالية... معالجة القضايا في المناطق وتفقد شؤونها والمساهمة في النشاط الحزبي". ويطلب منه التخلي عن الاتجاه المكتبي في عمله، ويلفت نظره إلى وظيفة العميد الإدارية والسياسية. ويطلب منه أخيراً تقديم "البيان المالي الشهري الذي توقف تقديمه من بضعة أشهر." وبياناً بالرحلات التي سيقوم بها إلى المناطق. ليعود ويسأله في رسالة أخرى (18/10/1948) عن أسباب "النتيجة السيئة التي انتهى إليها المخيم القومي الاجتماعي في ضهور الشوير وإقفال المخيم على ديون تبلغ نحو ألف ليرة سورية". ويطلب منه بياناً "مستعجلاً" عن سير المخيم وأسباب العجز المالي. وعمل اللجنة التي عُينت للقيام على شؤونه. كما هو واضح هنا أن سعاده ينتقد الخلل الواقع فيه مجلس العمد مجتمعاً وعميد المالية خصوصاً، في ظل الأوضاع الحزبية الانحرافية التي كانت قيادة الحزب تنتهجه خلال غيابه.
هذه بعض الأضواء الكاشفة على عمل عمدة المالية، ومهام العميد ودوره. كل ذلك مرفقاً بالأوضاع الحزبية التاريخية ومجرياتها بعد عودة الزعيم من مغتربه القسري. وما لَقيهُ من "عثرات" من قيادة الحزب – آنذاك – لإصلاح أوضاع الحزب الداخلية وإعادتها إلى الطريق القويم.
إعداد الموازنة:
إن عملية إعداد الموازنة وتنفيذها والمحاسبة والرقابة والتدقيق، تندرج في إطار تنفيذ السياسات المالية السليمة للإدارة المالية العامة في الدولة. وتبرز أهمية إعداد الموازنة كأداة أساسية، في التخطيط السياسي والاقتصادي والمالي. وهذا ما يستند إلى الأساس القانوني الذي يرعى المالية العامة، حيث يتولى المعنيون في الإدارة المختصة إعداد الموازنة في السلطة التنفيذية وكيفية درسها في السلطة التشريعية تمهيداً لإقرارها.
والحقيقة أن عملية صياغة ورسم السياسة المالية للحزب – الدولة تتناول عدة أهداف، إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار تكون كمن يضع موازنة لدكان سمانة على أبعد تقدير. فيجب الأخذ بالحسبان الجوانب الإستراتيجية الخاصة بتنفيذ الموازنة وعملية الإنفاق، وتطبيق القوانين المالية، وإدارة الاعتمادات، وأنظمة التنسيق والرقابة والتدقيق. وتبرز أهمية الرقابة والتدقيق كأداة اساسية في تقييم الأداء، وفي مراجعة السياسات الاقتصادية والمالية. كل ذلك يمهد للتحول إلى موازنة البرامج والأداء. مما يستتبع القول أن الموازنة العامة هي الأداة الأساسية في بناء الحزب – الدولة، لا بل هي الخزان العام لطاقة هذه الدولة. نقول ذلك مع علمنا التام بعدم وجود مؤسسات إنتاجية واقتصادية حزبية!
وهذا واضح في القانونين الماليين (5 و6) من دستور سعاده واللذين لم يُطبَّقا لتاريخه لدى "الأحزاب" القومية الاجتماعية.
قسَّم سعاده القانون الخامس إلى: نظام الخزينة، نظام الموازنة، الجباية ووظائف ناظر المالية في المنفذيات، صرف الأموال ومواد عامة.
ويحدد في القانون السادس: "قانون الضرائب المحلية"، إن الضرائب هي على نوعين: مركزية ويشرع قيمتها المجلس الأعلى، وتخضع لأحكام القانون الخامس، وهي خاصة بصندوق الدولة، وتعتبر من حق خزينة الحزب العامة، وهي أساس موازنة مجلس العمد، إضافة إلى المشاريع الاقتصادية والمالية الأخرى.
وتُصرف هذه الأموال على خطط ومشاريع العمدات وأنشطتها ووظيفة عمدة المالية العمل وفاقاً لهذين القانونين.
أما الضرائب المحلية، فيقررها مجلس المنفذية (المادتان 9 و11 من المرسوم الرابع)، وهذه من حق المنفذيات لتسد نفقاتها وتقوم بمشاريعها، إضافة إلى ما يردها بطرق أخرى (مادة 4).
أما بالنسبة للضريبة المركزية التي تُجمع من كل الفروع الحزبية – حالياً – فتوزع على العمدات والمكاتب المركزية وفقاً لخطة رئاسة الحزب، بناء لحاجات كل عمدة ومكتب، وبناءً لاستهدافات قيادة الحزب وأوضاع البلاد العامة.
وفي هذا المجال، يضع رئيس الحزب خطته الشاملة لكافة أنحاء الوطن السوري من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية و... وهو يقرر – استناداً لمتطلبات هذه النواحي – موازنة الدولة التي يحيلها إلى السلطة التشريعية (المجلس الأعلى)، كونها هي السلطة التي تقر الضرائب المركزية. وتطلع على قيمة الضرائب المحلية في المنفذيات لتجري التوازن في قيمة كل منها حتى لا تُرهق كاهل المكلف بتأديتها. وهي السلطة المنوط بها الموافقة على بنود الموازنة، والموافقة أيضاً على اقتراح قيمة الضرائب في حال رفعها أو خفضها من قبل رئاسة الحزب. وهذا – أيضاً – لم يحصل طوال تاريخ "الأحزاب" القومية.
فيجري لهذه الغاية عدة جلسات لمناقشة هذه البنود مع رئاسة الحزب وعميد المالية، تنتهي بإقرارها أو بالموافقة على اقتراحات الرئاسة أو...
والحقيقة، أنه طالما لا يوجد ضرائب محددة من قبل المجلس الأعلى، ولا اقتراح من قبل الرئاسة لتعديلها فلا مبرر لعرضها على المجلس الأعلى للموافقة. كما ويجب أن يطلع على هذه الموازنة، قبل وبعد إقرارها من قبل المجلس الأعلى، كل الأمناء الذين ساهموا في عملية انتخاب شخص الرئيس بناء لخطته.
ولا بأس من إطلاع القوميين على مضمونها عبر النشرة الرسمية، ليطلعوا على كيفية تأمين الموارد الموالية وكيفية صرفها وتوزيعها على بنود وفقرات... هكذا يطلع كل أعضاء الحزب على نموذج سير الدولة القومية وشفافية عملية الإيرادات والنفقات، وأسباب رفع قيمة الضريبة المركزية أو تخفيضها، ليشعر كل رفيق أنه معني بحاجات حزبه وبلاده.
فالشفافية ميزة يجب أن تتصف بها الموازنة العامة للدولة. لاسيما لجهة كيفية توزيعها على العمدات، والغاية التي رُصدت لأجلها أموال إضافية لعمدة الثقافة والفنون الجميلة، والغاية المتوخاة منها على سبيل المثال.
فالاطلاع على موازنة الدولة حق لكل مواطن في دولته. ودولة لبنان، رغم كل المساوئ والمفاسد التي تمارس فيها، تقدم حكومتها موازنة يطلع عليها كل شعب لبنان. كما يطلع على مناقشة بنودها عبر الإعلام المرئي والمسموع والصحافة. وكذا الأمر بالنسبة للدول العظمى الاستعمارية كالولايات المتحدة الأميركية، التي يضع رئيسها موازنتها. وبتاريخ 6/12/2012 ذكرت محطة L.B.C.I التلفزيونية في نشرة الساعة الثامنة مساءً، أن الرئيس الأميركاني يتواصل على تويتر مع المواطنين الأميركان حول الخطة المالية والموازنة التي وضعها.
ولتاريخه، لم يتسنَّ للقوميين الاطلاع سوى لمرة واحدة عام 1955 (وفقاً لمطالعاتي) على موازنة الحزب – الدولة. وكأن الأمر سر من الأسرار الخاصة بالمسؤولين أو بقسم ضئيل منهم. رغم أنه حق لكل القوميين الإطلاع على مضمونها وتفاصيلها من إيرادات ونفقات، وإلاّ كيف يمكن للرفيق أن يدلي برأيه وهذا حقه بموجب المادة 8 من الدستور الأساسي للزعيم في شأن خطير للغاية يختص بالدولة القومية ومصيرها ومنعتها، هو شأن الموازنة العامة، التي يمكن رصد حركة ونشاط الحزب – الدولة من خلال اعتماداتها، حيث يتمكن كل الرفقاء أعضاءً ومسؤولين من تأدية واجباتهم على الوجه الأكمل.
باختصار، يمكننا القول إن كلاً من قوة الدولة وضعفها يرتبط بموازنتها. ولا موازنة من دون قطع حساب، لأن عملية قطع الحساب تكشف المسارب والهدر و... ولأن أرقام الموازنة تؤكد على ما يُصرف لا على كيفية الصرف.
ان عملية قطع الحساب إضافة الى كونها بيان مالي.. هي أيضاً صك تشريعي وإدارة مراقبة وتقدير للسياسات العامة للدولة.
الضريبة المحلية
سبق القول إن للمنفذية موازنة خاصة بها تخضع لأحكام نظام الحزب في القانون المالي الخامس. مما يعني أن الدولة تسهر على الأموال المحلية وكيفية توزيعها وصرفها من قبل الإدارات المحلية ، وتحت رقابة مباشرة من قبل لجنة مالية في مجلس المنفذية تطبيقاً للامركزية المحلية للمشاريع الخاصة بكل منطقة حزبية. مع الإشارة إلى ما طال المرسوم الرابع (مجلس المنفذية) من تعديلات عديدة لغايات انتخابية داخلية (مجلس قومي لدى فريق، ومجلس استشاري لدى فريق آخر)، بعيدة كل البعد عن فكر سعاده الدستوري. وبالتالي لا مشاريع محلية لتاريخه.
والحقيقة، أن انتظام عملية الضرائب المركزية والمحلية على السواء، وتحديثها باستمرار انسجاماً مع المكننة المعاصرة، يُحسِّن الموارد ويعزز ثقة القوميين بحزبهم. كما أن تطوير الإدارة الضريبية يُعتبر أساس عملية نجاح المشاريع، وبالتالي اضطراد تقدم المؤسسات العاملة. فالحاجة ماسة وباستمرار لإجراء عمليات إصلاح للمؤسسات المالية العامة والخاصة، للتمكن من وضع خطط مستقلة ومترابطة في آنٍ معاً على مختلف الصعد الإذاعية والسياسية والاقتصادية والدفاعية و... على كافة مساحة الوطن، لتحقيق الإنماء المقصود للمناطق عبر ربط أبناء كل منطقة بهذه المشاريع الحيوية التي ترفع نسبة مدخولهم، فتعمل على ربطهم بمناطقهم وبالتالي ببلادهم.
سبقت الإشارة إلى أن مجلس المنفذية، الذي أورده سعادة في المرسوم الرابع، يُلزِم المنفذ العام بتنفيذ قرارات هذا المجلس. ففي الشأن المالي يتمتع هذا المجلس بصلاحية تشريع الضرائب المالية المحلية (المادة 9) وبدراسة موازنة المنفذية وإقرارها كما هي، أو بإحداث تخفيض في اعتماداتها (المادة 11). كما وتنبثق عن هذا المجلس "لجنة مالية" مؤلفة من المختصين بالشأن المالي، مهمتها الإطلاع على إدارة مالية المنفذية وحساباتها، لتنقل لهذا المجلس طبيعة الوضع المالي للمنفذية، إضافة إلى الإقتراحات الضرورية، ليستطيع هو بدوره اتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن.
لذلك فمن المؤسف، أنه في الحالة الراهنة لا وجود لمجلس المنفذية الذي يُفترض أن يهتم بتشريع الضرائب المحلية لدى التنظيمات الحزبية القائمة، وبالتالي لا وجود للجنة المالية الصادرة عنه، ولا لقرارات المجلس التي يجب على هيئة المنفذية تنفيذها.
لقد تمت مخالفة الدستور في هذا المجال – كما في بقية المجالات – حيث نرى أن صلاحية ناظر المالية وضع موازنة المنفذية، ويكاد عمله يُختصر منذ زمن بعيد بجمع "الإشتراكات" الشهرية من الرفقاء في غياب ظاهرة التشريع الضرائبي.
كما أننا نقف في المرسوم (2) على المادة (8) حيث يتوجب على ناظر المالية ضبط أعمال الجباية المركزية والفرعية، ووضع الموازنة المحلية، وإدارة حساباتها، وتصديق أوامر صرف النفقات المختصة بهذه الموازنة.
كما وتنسحب المخالفة ذاتها بشأن المادة (9) من المرسوم (3) على عمل محصل المديرية، الذي تناط به مبدئياً المهمتان: تحصيل جباية الضريبتين المركزية والفرعية المحلية، ووضع موازنة مديريته وضبط حساباتها. حيث يتم (إعفاؤه) في الحالة الراهنة من هاتين المهمتين، ليكتفي بجمع "الاشتراكات" الشهرية ورفعها إلى ناظر المالية!
أما المادة (9) من القانون (6) فقد نصت على وجود جباة لتنظيم الجبايتين المركزية والمحلية، الأمر الذي يعني وجود عدد كبير من المؤسسات الحزبية في المناطق، يخضع للضريبتين المركزية والمحلية، حيث يقوم هؤلاء الجباة بمهمتهم من هذه المؤسسات. فأين هي هذه المؤسسات الحزبية في مناطقها؟
هذا يعني أن كل ما يجري مخالف للأصول. فلا ضرائب مركزية، لأن المجلس الأعلى لا يقرها. ولا ضرائب محلية لأن لا وجود لمجلس منفذية يشرع لهذه الضرائب المحلية. وبالتالي فنحن خارج حزب سعادة في هذا المجال.
لقد وضع المؤسس عدة مراسيم وقوانين، مازال يُهمل تنفيذها منذ استشهاده. لذلك يمكننا القول إن دستور سعادة يُطبق اليوم في التنظيمات الحزبية القائمة، تطبيقاً جزئياً ومشوهاً، إمعاناً بمخالفة النص والمضمون منذ 8 تموز 1949.
تعديلات على القانونين
أما القانونان الخامس والسادس من الدستور، فلم يُطبقا كما وردا في دستور سعاده المصنّف عام 1937 . اعتباراً من أول تعديل عام 1951 حيث يقر مجلس العمد الموازنة، دون تصديقها من الرئاسة التي تحيلها إلى المجلس الأعلى. إضافة إلى تعديلات طفيفة طاولتهما، مخالفة لنص الدستور. مثال على ذلك، التعديل الذي أجري عام 1980 (المادتان 15 و 11 من القانون الخامس) الذي أعطى حق تعديل مواد مشروع الموازنة لمجلس العمد، حيث يقرها الرئيس في هذا المجلس. وهذا ما يخالف نص المادة 12 من الدستور الأساسي: "تكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط".
وفي نسخة الدستور الصادرة عام 1984، وُضعت الصيغة السالفة الذكر دون الإشارة إليها في الحيثيات: "أن زعيم الحزب... بناء على المواد..." فلم يُضف إليها: بناء على التعديلات التي أجريت عام 1980 على عدة مواد. مما يدل على المحدودية القانونية، وضعف الثقافة الدستورية، والقصور العقائدي. فتم استسهال خرق الدستور والانحراف نحو هاوية العدم. وقد أشيرَ إلى التعديلات الطفيفة السابقة في حيثيات القانون الخامس في نسخة الدستور الصادرة عام 2001 . حيث أصبح مجلس العمد، هو من يقر مشروع الموازنة وليس الرئيس في مجلس العمد كما في التعديلين السابقين عامي 1980 و 1984. وهذا ما يؤكد مخالفته لنص المادة 12 الآنفة الذكر من الدستور.
وقد أصاب المادة الأولى من القانون السادس تعديل (عام 2001) يتناول تحديد المجلس الأعلى للاشتراكات المركزية (وليس للضرائب المركزية). وهذا ما لم يحصل منذ ذلك الحين ولتاريخه.
وهنا يصح السؤال: لماذا نجري تعديلاً دون الأخذ به؟
هل التعديل لمجرد التعديل، أم لأسباب أخرى، للدلالة مثلاً على إمكانية إجراء تعديل على مرسوم للزعامة. وفي هذا المنحى، يمكن التحدث عن كل التعديلات التي أُجريت على دستور سعاده دون التقيد التام بالأصول والقواعد القانونية لهذا الدستور.
إن نظرة مركزة في القانونين (5 و 6) من دستور سعادة تبين لنا:
أ- أن الغاية من وضع القانون (5) كانت تنظيم مالية الدولة القومية الاجتماعية بخلاف كل الأحزاب الأوروبية والأميركية التي كانت تُجبي الأموال لاستعماله في الدعاية وللفوز في الانتخابات على مختلف المستويات البلدية والنيابية والرئاسية. وكانت ترد التبرعات لهذه الأحزاب من أصحاب الرساميل واشتراكات الأعضاء والمساعدات.
أما سعادة، فقد أراد تنظيم الدولة بكل مؤسساتها بسبب غيابها الطويل عن مسرح الحياة في الأمة. لاسيما المؤسسات المالية التي تنظم عملية الصرف على المؤسسات الأخرى في الدولة للقيام بما أُلقي عليها من مهام خطيرة، سيما في الظروف المصيرية الخطيرة التي تمر بها الأمة اليوم.
فلو كان المجلس الأعلى، خلال فترة غياب سعاده القسرية (1938 – 1947) قد شرع للضريبة المركزية، لما كان سعاده قد احتاج لطلب السلاح من أحد للمشاركة في حرب فلسطين بعد صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة عام 1947. وللدفاع عن القوميين الاجتماعيين عام 1949 في مواجهة تعديات النظام اللبناني عليهم.
ب- إن الغاية من وضع القانون (6) كانت تنظيم مالية المجتمع، حيث يؤدي المواطن الضرائب المحلية مقابل الخدمات التي تُؤدى له على صعيد الدولة والمتحد المحلي. لذلك يحدد سعاده أن أموال المنفذية المحلية تُصرف على المشاريع الحيوية للمنطقة التي يقرها مجلس المنفذية، وتصرف الأموال من موازنة المنفذية تحت رقابة مجلسها.
هكذا يساهم المواطن عبر الضريبة المركزية في بناء دولته واستقلالها واستقرارها. وتؤمن له الضريبة المحلية كل الخدمات الضرورية لاستقرار أحوال معيشته وبقائه في أرضه وعدم هجرانها تحت كل الظروف.
نعم إن لدى الأحزاب في العالم مسؤولاً مالياً. أما حزب سعاده فلديه مؤسسة مالية هي مصلحة عامة رئيسية، وهذا ما نختلف به عن كل الأحزاب السياسية في العالم.
النشرات الرسمية
ومن مطالعة النشرات الرسمية في زمن سعاده، بعد عودته من المغترب القسري، نقف على بعض التعاميم الصادرة عن عمدة المالية، فهي تحث الرفقاء على دفع "الاشتراكات". وعلى التبرعات التي ورد بعضها لتشييد دار للزعامة وتأثيثها، والتبرع لإنقاذ سورية الجنوبية من براثن اليهود. ومشاريع اليانصيب، والاتفاق مع شركة طيران لتسهيل معاملات القوميين المسافرين. وعقد مؤتمر مالي لتوزيع اللوائح النظامية للنظام المالي الجديد.
في العدد الأول من النشرة الرسمية للسنة الثانية، تاريخ 15 شباط 1955 . وقعت على القانون الناظم "لاشتراكات" الأمناء. وكان يجب في نظري عدم إصدار هكذا قانون، وإنما إلزام الأمناء بدفع الضرائب المتوجبة على كل منهم في وحدته الحزبية.
في العدد أيضاً المرسوم عدد 39 المتضمن الموازنة العامة، و"إجمال الموازنة للستة الأشهر الأولى من عام 1955 والصادر بناء على قرار مجلس العمد (كان من المفترض صدوره عن الرئاسة فقط) وموافقة المجلس الأعلى. والموازنة مفصلة تفصيلاً واضحاً من المداخيل والمصارفات والصرف المقدر للدوائر والمؤسسات الحزبية: المجلس الأعلى، مجلس العمد، وبقية العمدات، والمال الاحتياط اللازم توفره في أية موازنة في حال حصول أي طارئ.
لماذا لا نعود اليوم إلى هذا المنحى، وننشر تفاصيل الموازنة على القوميين وهو من جملة حقوقهم وليس منّة من أحد ليقفوا على أحوال الحزب المالية...
اعتراف بالانحراف: إن الأموال الطائلة كانت قد تدفقت على "الأحزاب" القومية، وكُتب بعض المسؤولين السابقين تشير إلى ذلك بكل وضوح منها: "أوراق قومية" للأمين الدكتور عبد الله سعاده و"سفينة حياتي" للأمين الدكتور منير خوري على سبيل المثال لا الحصر. فلو أُستعمل هذا المال الذي "قدمته" بعض الأحزاب الطائفية والكيانية والعربية... ومن فتح (أبو عمار) في الوجهة الصحيحة لبناء مؤسسات قومية اجتماعية واقتصادية وانتاجية، لكان الحزب اليوم يستغني عن "الاستجداء" من أية جهة، ولكان اتخذ قراره المستقل والتزم به، ولكان تقدم خطوات وأشواطاً نحو الانتصار.
تقصير القيادات
فمن المؤسف أن حزباً عمره ثمانون عاماً، لم ينشئ مدرسة ولا إذاعة ولا تلفازاً، ولا مزرعة ولا مصنعاً ولا متجراً ولا دار نشر، ولا حتى تعاونية إقتصادية أو زراعية. فأعضاء هذا الحزب ومسؤولوه لم "يتوحدوا" لإنجاح أي مشروع إنتاجي واحد. وما سبب ذلك إلاّ غلبة النزعة الأنانية الفردية لدى معظم القيادات، على النزعة القومية الاجتماعية (على حد اعتراف أحد الأمناء المسؤولين العاملين في مركز الحزب!).
فكيف يا ترى يكون هؤلاء (القوميون الاجتماعيون) مؤهلين للعمل على توحيد (أحزابهم) وبالتالي توحيد الكيانات السياسية لأمتهم؟
إنه لمن العار الكبير علينا، لا بل لخيانة عظمى أن نضيع دماء سعاده هدراً ودماء كافة الشهداء هباءً منثوراً، بعد أن تسلمناها طوع إرادتنا أمانة في أعناقنا. فها هي عائلات الشهداء تضطر للعمل فيما تيسره الظروف لها لتدبير الأمور، وبعضه لا يليق بشرفها وتضحيتها ووفائها، وما هذه النتيجة المزرية إلا بسبب تقصير قيادات الحزب دون تطبيق ما ورد في المرسوم الرابع (لجان المديريات ومجالس المنفذيات) الذي يوضح سعاده أن تطبيقه يُكسب الحزب الحيوية.
فنحن لم نبنِ المؤسسات الحزبية الإدارية ولا الاقتصادية المنتجة في كافة المناطق التي يدعي الحزب أنه موجود فيها.
كل ما يجري اليوم، إقامة حفلات عشاء فخمة باسم "الشهداء" الأبطال، لجمع بعض المال ليوزع فيما بعد على عائلاتهم...
وكلنا يذكر، فترة الستينات، وقيادة الحزب في السجن، كيف عاشت بعض العائلات القومية. وقد قام بعض الرفقاء ببادرة جمع أموال في ذلك الحين لتوزيعها على بعض هذه العائلات...
وكلنا يرى بأم العين كيف أُثرِيَت بعض القيادات الحزبية القومية شأنها شأن قيادات بقية الأحزاب الأخرى.
يبدو أن (قوميين اجتماعيين) كثيرين قد فهموا أن الحزب جمعية أو شركة مساهمة، وتعاملوا فيما بينهم على هذا الاعتبار جاهلين أو متناسين قول سعاده "أننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً هو إنشاء دولتنا وليكون كل واحد منا عضو دولته المستقلة". (من الخطاب المنهاجي للزعيم، أول حزيران 1935)
لذلك نخلص إلى القول: أنه لمن الشطط والوهم، الاعتقاد أن مالية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي جباية اشتراكات لجمعية، أو دفع مرتبات لشركة مساهمة، وقبض مستحقات منها، لا جباية ضرائب دولة إنتمينا إليها بكل فخر، وتعاقدنا مع المؤسس لبنائها وإنجاحها وانتصارها.
|