- "إنشاء جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن" (المبدأ الإصلاحي الخامس)
- "... وهنا نرى أنه لا بد لنا من العودة إلى تكرار ما قلناه سابقاً عن الاعتماد على القوة المنظمة لا على الضعف المنظم. فكل أمة تريد أن تحافظ على كيانها المستقل يجب أن تعلم أن ذلك يتوقف على استعدادها هي لدفع كل اعتداء بكل ما لديها من الوسائل والممكنات. المحافظة على كيان أمة ما علم حربي من الطبقة الأولى، أنه علم سياسي من الطبقة الأولى، وبدون الاعتماد على هذين العلمين يكون كل تعب للمحافظة على الحرية والاستقلال أو لنيل الحرية والاستقلال باطلاً". (سورية تجاه بلفور – أول أيار 1925)
- "إن مبدأ الأمة المسلحة هو المبدأ الوحيد الذي يجب أن تتمسك به كل أمة لا تريد الاضمحلال، وتحويل الأمة كلها إلى جيش مجهز بالوسائل الحربية هو القاعدة الأولية التي يجب أن تتبع عند الأمم التي تريد أن تبقي لنفسها سيادتها وحريتها في تصادم المصالح والحاجات". (وجه أوروبة المتجهم – النهضة 2/11/1937)
- "إني لا أبيع الجيش السوري القومي بكل الصداقات في العالم". (موقف زعيم الحزب السوري القومي وموقف فرنسة – 24/6/1939)
- "القوة الحاصلة لأمة من الأمم هي الضمان الرئيسي لمستقبلها. وهذه النظرة قد أدخلها في تفكير الأمم العربية الحزب السوري القومي الاجتماعي بمبدئه الإصلاحي الخامس القائل بإيجاد الجيش لتحقيق إرادة الأمة وبالضلع الرابع من شعاره "القوة".
وهذا الفهم السياسي العميق في الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو الذي أكسبه هذه الخطورة وجعل الدول الطامعة تخشى نموّه الذي سيقضي في الأخير على مطامعها في سورية. ومسألة هذا الحزب العظيم كانت للدولتين "المنتدبتين" مسألة حرب مع عدو من طراز ممتاز". (تصريح المحور بشأن مصر – الزوبعة 15/7/1942)
- "ونحن من أجل هذه القضية القومية الاجتماعية نحارب بالفكر ونحارب بالعمل ونقاتل بكل وسيلة. ولذلك نحن جنود لهذه القضية القومية المقدسة، جنود بكل ما في لفظة الجندية من معنى سام جوهري حقيقي...
- نحن جنود نصون القضية ونحقق الغاية". (خطاب الزعيم في جل الديب 22/2/1948)
- "ويل للشعوب غير المسلحة"... دالا ديه – (فرنسي)
خرجت سورية بعد الحرب العالمية الأولى، منهكة على كل الصُعد، وفي وضع أسوأ مما كانت عليه زمن الإمبراطورية العثمانية المشؤوم، الذي شهد انهياراً تاماً في كافة المؤسسات: الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والعسكرية... إضافة إلى انعدام الآفاق الثقافية، و"سيادة" النزعة الفردية لدى الشعب، وفقدان كافة النظم الاجتماعية مدة طويلة من الزمن.
فقد فقدت سورية نظامها السياسي الفذ الذي عملت به في الحقب التاريخية القديمة – والذي هو من جملة إنتاجها الخاص – مما انعكس فقداناً لكافة نُظمها، لا سيما العسكرية منها الذي يحفظ أمنها وسيادتها.
وتمزقت سورية إلى حزبيات مذهبية وطائفية وإثنية على الصعيد الداخلي، الأمر الذي سهَّل سيطرة الإرادات الأجنبية من الخارج. فانسلخت سورية عن تاريخها المجيد.
ثم أتى الانتداب الإنكليزي – الفرنسي أوائل القرن الماضي ليزيد الطين بلة، فنشطت الإقطاعات الوراثية العائلية والعشائرية والدينية التي كانت خير معين لسياسات الانتداب المقيتة، مما ساعد في تمرير مشاريعه التقسيمية للقبض على خناق البلاد، فسلب موارد الأمة واستفاد من موقع سورية الاستراتيجي الهام لصالح أغراضه، ما ساهم في انعدام ظاهرة الوعي القومي.
نواة صلبة
في ظل هذه الظروف الشديدة التعقيد، عاد سعاده إلى الوطن عام 1930 من مغتربه في أميركة الجنوبية. بعد إخفاقه في إنشاء حركة قومية في المغترب، بسبب تفشي المفاسد الاجتماعية هناك، وعلى رأس هذه المفاسد ظاهرة حب البروز.
باشر سعاده عمله التأسيسي عام 1932، فاختار نواة من الطلبة. ونتيجة أوضاع الأمة والوطن في ظل سلطة الانتداب، فقد فرض العمل الحزبي السري والكتمان الشديد، لحين إنشاء نواة صلبة، يكون باستطاعتها مواجهة كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية و... التي فرضها المستعمر، وبناء قوة تستطيع تقرير مصير الأمة، وبالتالي الحفاظ على سيادة واستقلال الوطن. وقد استلزمت عملية البناء هذه، الحذر الشديد، والانضباطية التامة على الأعضاء المختارين. مما أسهم في بناء عضو مؤمن، عضو "جندي" يتحلى بكافة مواصفات الرجولة والإقدام في ظل الظروف المتزايدة المصاعب.
انكشف أمر الحزب أواخر العام 1935. وقد لمس الانتداب الفرنسي خطورة هذا الحزب من خلال جملة الوثائق التي وضع يده عليها، ونتيجة درسها بعمق من قبل أصحاب الاختصاص الفرنسيين، فتأكد للانتداب تمايز هذا الحزب عن كل الأحزاب في أوروبة وعالم العروبة، وإنه أمام "نظام جديد" لا سابق له في مجاراته أو تجربته، فحاول ليَّ ذراعه، وبرز عجز الانتداب تجاهه. فزرع في البلاد أحزاباً طائفية ومذهبية، وتصاعدت أصوات رجال الدين ضد حزب سعاده. كما زرع الانتداب أبواقاً إعلامية تبث سمومها لإبقاء الشعب "قطعاناً بشرية". ووضع حواجز عديدة أمام الحزب لعرقلة أعماله بدءاًَ من نشر أفكاره، ومنع تجمعاته... وكانت مواجهات شديدة أكد فيها الحزب على صلابة عوده، رغم حداثة تأسيسه. وتأكد للانتداب أنه أمام "مقاتل عنيد"، وإنه من الصعوبة بمكان منازلته كغيره من الأحزاب أو الفئات... فحاول مفاوضته، فكان أصلب عوداً منه في المنازلات السابقة.
قوة الحزب
يشير سعاده في مقالته "أبطال وأبطال" المنشورة في سورية الجديد – العدد /71/ تاريخ 22/6/1940، إلى قوة الحزب وإلى "الخبرة" التي اكتسبتها "السلطة الأجنبية" من جراء المواجهات مع "الكتلة" في الشام وغيرها بقوله: "وكانت نتيجة هذا الاختبار أنه رسخ في روع السلطة أنه لا قوة في سورية يُحسب حسابها، لمتانة عقيدة رجالها ونسائها وشجاعتها وإقدامهم وازدرائهم الخطر وبُعد نظر قيادتها، غير قوة الحزب السوري القومي، وإن هذه القوة هي القوة الوحيدة التي تقدر على القيام بإجراءات يمكنها أن تغيّر الحالة في ظرف مناسب".
ويعرض سعاده لتدابير السلطة لإقرار السلام في المنطقة وإلى اعتمادها على "إخلاص" السوريين لفرنسة، وقد وردت هذه الإشارة في جريدة "Le temps" "الطان" الفرنسية. ومنها يستخلص سعاده مقدار قوة الحزب في ذلك الحين وإمكانية العمل باستقلالية لتقرير الموقف السوري من الحرب في منطقة الشرق الأدنى من خلال التدابير التي تتخذها السلطة المنتدبة تجاه الحزب.
هكذا كان الأمر، في زمن الاحتلال (الانتداب) الفرنسي (1935-1938) على الشام ولبنان ونتيجة هذه المواجهات المستمرة، وسجن سعاده ثلاث مرات متتالية خلال هذه الفترة. خطط سعاده لرحلته إلى أوروبة والمغتربات السورية. فانتقل إلى فلسطين، فقبرص التي مكث فيها حوالي الشهرين، ثم باشر رحلته إلى رومة فبرلين فأميركا اللاتينية، حيث يوجد جالية سورية كبيرة سبق له الاحتكاك بها.
كانت غايته من هذه الرحلة، تحضير المغتربين للمشاركة في شد عضد الأمة لمواجهة العواصف العاتية قبل وقوع الحرب العالمية الثانية. ولجعل الأمة أكثر استعداداًَ للحصول على استثقلالها، ولتحتل الموقع اللائق لها تحت شمس الحرية، وتأمين موارد مالية ثابتة وإنشاء قوة اغترابية سورية فاعلة في السياسة الدولية.
قوة نظامية
حاول سعاده خلال فترة اغترابه عقد عدة مؤتمرات في أوروبة وأميركة اللاتينية لتأمين سماع صوت سورية فلم تسعفه الظروف. وهو كان قد مهَّد لهذه المهمة، في خطابه المنهاجي في حزيران 1935. وهو أول خطاب رسمي في جموع المسؤولين الإداريين في الحزب الذي أعلن فيه بكل جلاء ووضوح: مبدأ "الإرادة" السورية، و"القوة" السورية الممثلة في الحزب، و"إن هذه القوة النظامية ستغيِّر وجه التاريخ في الشرق الأدنى". و"التحرر" من الإرادات الخارجية، وعلى "حق" سورية في الحياة الحرة.
هذا الخطاب كان فاتحة مقالات سعاده العلنية أمام المسؤولين واضعاً لهم منهاج العمل القومي الاجتماعي، داعياً إياهم للصراع والجهاد لتحرير كامل التراب القومي في ظل ظروف داخلية وخارجية هي في غاية الصعوبة.
أراد سعاده من هذا الخطاب أن يضع القوميين أمام مسؤولياتهم التاريخية: فكان هذا الخطاب فاتحة العمل القومي المسؤول. فقد التقى القوميون بعضهم ببعض في فترة العمل السري، بعدما أيقن سعاده أن الحزب أضحى قوة لا يُستهان بها، وإنه بات رقماً صعباً يُحسب له ألف حساب. لذلك كان إعلانه إرادة أمة حية جديرة بالحياة الحرة الكريمة. وإنه أضحى بالإمكان منازلة الأعداء بعدما تأكد من منعة الحزب وصلابة عود أعضائه. وان بإمكانه فتح صفحة علاقات جديدة مع من يمد يده لسورية القومية، وإن تاريخياً جديداً سيخطه السوريون بدمائهم الذكية. وهكذا كان، فقد تتالت المواجهات وتقديمات القرابين على مذبح الأمة، ولم يبخل القوميون طوال تاريخهم بتقديم أمثلة حية عن بطولات عزّ مثيلها في التاريخ القديم والمعاصر. وتاريخنا الحديث زاخر بسجل صفحات العزّ القومي على طريق قدوة سعاده.
وفي خطابه يعلن بشكل لا لُبس فيه أن الحزب هو "الدولة المستقلة" للعضو. مما لا يترك مجالاً للشك أن على أعضاء الحزب أن يعملوا على تأسيس الدولة العتيدة. وإنه في زمن تنازع الأمم البقاء، يجب أن يكون للدولة جيش للذود عن حياضها في الملمات، وليكن عقبة كأداء أمام الأعداء: وإن مهمة الحزب تغيير وجه التاريخ في الشرق الأدنى، "... ولقد شاهد أجدادنا الفاتحين السابقين ومشوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حداً للفتوحات". (من خطابه المنهاجي).
هذا كلام واضح بخطورته، يظهر منه أن أُولى مهامنا، أن نكون تلك القوة النظامية التي يُعتدُّ بها، والتي لها وزن فاعل في العلاقات الانترناسيونية. وأن تلك القوة النظامية سيكون الجيش القومي عمادها الأساس.
لذلك كان المبدأ الإصلاحي الخامس، الذي يؤكد على إنشاء الجيش القومي للدولة السورية العتيدة. هذا الجيش الذي سيغيِّر جميع المعادلات في الشرق الأدنى والعالم.
القيادة القومية
فليست مهمة هذا الحزب إنشاء ميليشيا محدودة الأهداف العسكرية والأعمال المسلحة كردة فعل على اغتصاب فلسطين أو غيرها من المناطق السورية. لذلك كان خطاب الزعيم في برج البراجنة عام 1949 رداً مباشراً على بن غوريون، رئيس الوزراء اليهودي، إذ قال: "إن الدولة اليهودية تُخرّج اليوم ضباطاً عسكريين، وإن الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تخرّج هي أيضاً بدورها ضباطاً عسكريين... الجواب الأخير سيكون في ساحة الحرب متى قررت القيادة القومية إعلان الحرب".
وهذا الخطاب لا يخرج إطلاقاً عن الاتجاه العام الذي سبق لسعاده أن أرساه في خطابه المنهاجي السالف الذكر، وفي سلسلة مقالات أو محاضرات يدعو فيها إلى "تجييش" القوميين و"تجنيدهم" للعمل القومي الجهادي لإنقاذ الشعب السوري من المصائب والمصاعب والاحتلالات الاستيطانية على اختلاف المحتلين. فالقوميون هم بمثابة "جيش" بكل معنى الكلمة كما جاء في قول سعاده:
"جنود عقيدة ونظام وإيمان بالنصر، جنود في كل عمل وكل اختصاص، جنود في الإدارة وجنود في الإذاعة وجنود في الثقافة وجنود في السياسة.
إن الحزب القومي الاجتماعي هو حزب بطولة وصراع وانتصار". (المثالية الأولى – النشرة الرسمية عدد 10– 1/6/1948)
وفي خطابه يوم العودة إلى الوطن (2/3/1947) أعاد التأكيد في جموع القوميين على: "العودة إلى ساحة الجهاد" التي افتقدها القوميون خلال غيابه القسري، حيث كانت القيادة الحزبية قد انحرفت عن مسار الحزب الطبيعي، فلم تتابع العمل الذي بدأه سعاده لتوليد القوة القومية (المبدأ الإصلاحي 5) وكان في عدادها جورج عبد المسيح عميداً للتدريب.
رأى سعاده بثاقب نظره أهمية وجود الجيش القومي. فكان المبدأ الإصلاحي الخامس، إدراكاً منه لأهمية حفظ الوطن والأمة في الظروف المصيرية. وإن الجيوش الكيانية هي لحماية أركان النظام وقياداته، وليست لحماية أرض الوطن السوري والحفاظ على سيادته. وموضحاً أهمية وجود هذا الجيش القومي في الظروف الصعبة.
ففي خطابه إلى المدرسين (تموز 1948)، يأتي سعاده على ذكر بعض الدول التي قامت نهضاتها على وجود مؤسسة الجيش. فيذكر ألمانية زمن هتلر التي كان لها "مؤسسة الجيش العظيمة ذات التقاليد الحربية العالمية". والنهضة الإيطالية واعتمادها على "مؤسسة الجيش"، وبولونيا بقيادة فلودسكي التي كان لها مؤسساتها الحربية أيضاً. وتركيا التي اعتمدت على "أهم مؤسسة" وهي مؤسسة الجيش التي بواسطتها حقق أتاتورك انتصاراته.
بعكس ما كان عليه الأمر في سورية، حيث كان يسود نظام الإمارات والإقطاعات التي لم تسمح ببناء جيش قومي، لا سيما خلال فترة الاحتلال العثماني البغيض على مدى أربعة قرون.
رؤية قومية
ما من شك، أن كل الأحزاب التي نشأت في أوروبة أو عالم العروبة – زمن تأسيس الحزب أو بعده – لم تكن تمتلك رؤية قومية عامة. كما لم تضع في صلب برنامجها تأسيس جيش للحفاظ على كيانها القومي. ويشير سعاده في هذا المجال إلى جيش الإنكشارية العثماني الذي استعمله أتاتورك للحفاظ على هيبة دولته التركية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وليضع يده على بعض المناطق السورية التي ما زالت تركيا تحتفظ بها منذ ثلاثينات القرن الماضي. معتمدة عملية تتريكها، مرهقة كاهل الشعب السوري الذي لم يوفر جهداً في العصيان والمقاومة.
وعندما وضع أتاتورك يده على سنجق الإسكندرون، كتب سعاده إلى المفوض السامي الفرنسي رسالة (8/1/1937) يعلن فيها استعداد الحزب للدفاع عن المصالح القومية. فيضع تحت تصرف "جيش الدفاع (الفرنسي) العدد اللازم من المتطوعين من أعضاء حزبنا للمساعدة على الاحتفاظ بالسنجق السوري".
هذا هو زعيم – الدولة القومية، يخاطب الدولة الفرنسية بشخص المفوض السامي، للعمل على تحرير الأرض التي اغتصبتها تركيا... بموافقة فرنسية!
رسم سعاده صورة الدولة القومية في المبادئ الإصلاحية الخمسة. ووضع على عاتق القوميين تحقيق هذا الإنجاز القومي. والمبدأ الإصلاحي الخامس أي إنشاء الجيش، يؤكد على اتجاه سعاده إقامة الدولة والحفاظ عليها وعلى شعبها وحدودها الطبيعية: الجيش القومي الذي يمتلك عقيدة قومية تحفظ تاريخ الوطن وتراثه وحدوده ويؤمن الأمن والاستقرار للشعب، ويرسِّخ السيادة القومية، بعد أن يوقف كل الاعتداءات بحقه ويسترد كافة الأراضي المحتلة.
ما أجمل صدارة خريطة سورية الطبيعية بحدودها الكاملة (بمناطقها المحتلة): الإسكندرون، كيليكيا، فلسطين، الأحواز، سيناء، قبرص والجولان ومزارع شبعا، كل بيوت القوميين الاجتماعيين، مثلما تتصدر قلوبهم ووجدانهم وعقولهم.
إننا نستشف من خلال صياغته هذا المبدأ الإصلاحي كما غيره من المبادئ، إخلاص سعاده الكبير لبلاده وتاريخها التليد الذي يختزن أعمالاً خالدة. وإن البشرية بحاجة ماسة لعودة سورية الفاعلة على الساحة الدولية.
البناء القومي
فالجيش القومي كان في رأس اهتمامات سعاده لحماية سياج الوطن وبنيه وموارده بخلاف ما هو قائم اليوم، فالجيوش، كما هو واقعها في عالم العروبة كما في العالم كله، لها وظيفة محددة، حيث تعمل قيادة الدولة، أو قيادة الحزب الحاكم رغم ما يحمله أحياناً من مبادئ براقة في الحرية والديمقراطية و... إلى السيطرة على الشعب كله عبر عملية اختراق الجيش والقبض على خناقه – إذا جاز التعبير – لاحتكار السلطة بواسطته، والبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة خلافاً لقواعد الحكم الديموقراطي القومي.
وعندما أُعتقل سعاده بعد انكشاف أمر الحزب من قبل الانتداب الفرنسي، عام 1935، لم يكن ضمن غاية الحزب عبارة "النظام الجديد". التي أضافها لاحقاً، كي لا يعطي الانتداب ذريعة في هذا الشأن.
لكن سعاده في الدستور الذي صاغه، كان قد ألمح إلى "النظام الجديد" بكل تفاصيله. ويهمنا في هذا المجال الإشارة إلى إيراده مصلحة عامة رئيسية هي عمدة الدفاع في المرسوم الأول. تأكيداً منه على حق الدفاع عن الأمة التي فقدت سيادتها واستقلالها بعامل الإهمال والاعتماد على الأجنبي.
فلم يكن في بلادنا مؤسسة عسكرية، كما لم يكن هناك أية مؤسسة أخرى يمكن الارتكاز عليها في عملية البناء القومي. فقد فقدت بلادنا كافة نظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية فترة طويلة من الزمن.
كانت الإمبراطورية العثمانية بواسطة ولاتها في المناطق، تهتم بجباية الضرائب الأميرية من أمراء المقاطعات (العائلات ذات النفوذ). وكانت تكلف جنودها بجلب الضرائب للدولة "العليّة"....
إن وجود عمدة دفاع، يؤكد على اتجاه سعادة لبناء دولة قومية. فأية دولة بدون جيش هي عرضة لإخطار عديدة، كما هو واقعنا اليوم: فكل كيان من كيانات الأمة له جيشه الخاص الكياني النظرة والهدف و"المعتقد". فلا وجود لجيش موحد ذي قيادة مركزية واحدة، ونظرة قومية واضحة. هكذا فعلنا بعد إعلان تقسيم فلسطين عام 1947. دخلنا جيوشاً كيانية دون قيادة موحدة. لذلك نجح اليهود باقتناص الفرصة وإعلان الدولة اليهودية على أرض فلسطين. فكان موقف سعاده في هذا الشأن – كعادته – مميزاً في هذا الشأن القومي الخطير.
ولطالما "نصح" رجال الانتداب وأذنابه بعدم ضرورة وجود جيش، وإن لبنان يمكن أن يكون سويسرة الشرق. ولقد نبّه سعاده مراراً إلى خطورة هذا المنطق، وإلى أنه لا يمكن لأي كيان من كيانات بلادنا أن يتشبه بسويسرة، فهذه لها أسبابها الداخلية والإقليمية والدولية التي أملت واقع أن تكون سويسرة بدون جيش.
أما نحن، فموقع بلادنا الاستراتيجي، وغناها بالمواد الخام، يستحيل معه تحويل أي كيان من كيانات بلادنا إلى ما يشبه سويسرة.
الجيش القومي
عرّف سعاده الأمة، وحدَّد حدود الوطن القومي ومصلحته العليا في المبادئ الأساسية الثمانية. وحدَّد في المبادئ الإصلاحية الدواء الناجع لصيانة الأمة والوطن، والحفاظ عليهما من الانقسام المذهبي والطائفي والاقطاعي ومن التدخل الأجنبي، معتمداً في ذلك على قوة منيعة تحفظ الأمة وتصون الوطن بواسطة جيش "يكون ذا قيمة فعلية" في تقرير المصير القومي. فلا دولة بلا جيش يحميها ويذود عن حياضها ويحفظ شرفها وكرامتها في ظل تنازع الأمم البقاء، إضافة إلى حماية الموارد الطبيعية للأمة.
لذلك كان جواب سعاده حازماً للانتداب الفرنسي، عندما طلب منه إلغاء المبدأ الإصلاحي الخامس، لأن الانتداب استشعر بوجود خطر داخلي على وجوده في سورية من هذا المبدأ، وذلك على أثر لقاء وفد الحزب (مراد – قبرصي) وكان سعاده آنذاك في السجن.
وقد أقر الانتداب للوفد أن الجيش الفرنسي الموجود في الشرق الأدنى هو للدفاع عن كل الشرق! وطالب الانتداب لمتابعة التفاوض إلغاء هذا المبدأ. فأعلن سعاده أنه لا يبيع الجيش السوري القومي "بكل الصداقات في العالم".
ولما تأكد لرجال الانتداب، أنهم تجاه حزب غير عادي، بعد رفض سعاده مقايضة المبدأ بأي شأن من الشؤون. أيقنوا خطورة هذا الحزب، بعدما كانوا قد قرروا مفاوضته التي لم تأتِ من فراغ. كلف الانتداب أصحاب الاختصاص بدرس فكر الحزب الدستوري. ليخلص إلى نتيجة مؤداها، أنه تجاه شأن جديد كل الجدة، وأنه "إبداع" سوري. لذلك كان الرد عليه سريعاً، بإنشاء أحزاب طائفية ليُبقي له السيطرة على سورية، وإلهاء الحزب القومي بالأوضاع الداخلية للكيانات وأحزابها الإقطاعية والطائفية، فيتسنى للانتداب متابعة سياساته التقسيمية و...
ومن مطالعة شروحات سعاده للمبدأ الإصلاحي الخامس، وجملة مقالاته في هذا الشأن الحيوي والخطير، إضافة إلى مقالاته عن الحرب العالمية الثانية وموقف الحلفاء ودول المحور ومصدر قوة كل منهم، يدل دلالة واضحة على ثقافة سعاده الواسعة في هذا الشأن القومي العالي الأهمية، وفي قدرته على التحليل العسكري والاستراتيجي العالي... لذلك، قال عنه شوقي خيرالله بعد لقائه به وببعض القادة العسكريين من الشام ولبنان عام 1948: إنه خبير عسكري من الطراز الأول، بعدما كان سبق لخيرالله أن قال لبعض الضباط وما شأن سعاده بالعمل العسكري، هو مفكر سياسي وليس إلاَّ...
الدولة القومية
لقد قام سعاده بعمل جليل جداً، هو إنشاء المؤسسات، الذي هو "أعظم أعماله" بعد تأسيس القضية القومية، بغية إعادة إحياء الدولة السورية القومية، ومنها مؤسسة الجيش. وكان قد أورد في سلسلة مقالات وعدة رسائل له أن الحزب هو دولة الأمة مصغرة. وإنه كان يعتبر باستمرار في كافة الشؤون السورية على أن الحزب هو دولة الأمة. وأن الرفيق العضو في الحزب يجب أن يمتلك الشعور بأنه انتمى إلى دولة وليس إلى جمعية. وإنه – أي العضو – كل كيانه، ووجوده في دولته الجديدة التي يتصاعد نموها في وجدانه وعقله وقلبه: "ومن الآن فصاعداً تدير إرادتنا نحن دفة الأمور. كل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي يشعر أنه آخذ في التحرر من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية المخضعة، لأنه يشعر أن الحزب هو بمثابة دولته المستقلة التي لا تستمد قوتها من انتداب ولا تستند إلى نفوذ خارجي".
(من محاضرة سعاده في الندوة الثقافية – 18/1/1948)
|