يكتب إبراهيم يموت في الصفحة 170 من كتابه "الحصاد المر" عن جهاز المخابرات ما يلي: "في أحد الأيام من صيف عام 1947... استدعاني سعاده وأخبرني إنه بحاجة إلى تنظيم مكتب حزبي لجمع المعلومات السياسية العامة والحزبية الإدارية في الوطن وإنه يقترح عليَّ إدارة هذا المكتب. قبلت الاقتراح. وقد كان اختار(سعاده) لهذا المكتب إسماً رمزياً هو (مام) اختصاراً "للمكتب الأعلى المختص". وكانت تلك التسمية لمكتب سابق أنشئ لهذا الغرض قبل اغتراب سعاده القسري.
مكتب مخابرات
وضعت أسس تنظيم عمل المكتب من جديد فبدأت بتعيين رؤساء شعب في الوطن، وأعطيت كل رئيس شعبة رقماً سرياً يُذيَّلُ كل رسالة من رسائله إليّ من دون ذكر المرسل إليه...
وفي فترة قصيرة أصبح لدي حوالي الخمسين من رؤساء الشُعب من القوميين الاجتماعيين المختارين الذين يعملون في شتى حقول الإدارات الحكومية والقوى المسلحة، والجمعيات في لبنان والشام والأردن وفلسطين.
مكتب (مام) يماط اللثام عن تنظيم عمله لأول مرة، فإنه رغم الاعتقالات والسجن لم يتسرب شيء عنه أو عن العاملين فيه إلى دوائر الحكومة رغم الملاحقات المتتالية...".
تماماً كما كان الأمر في الثلاثينات عندما كتب سعاده الى معلوف عن فروع جهاز المخابرات، ومنها مكتب استخبارات شرق الأردن (15 و 16 /1938/7).
ويكتب سعاده له في 13 سبتمبر 1947 رسالة يلومه فيها على تأخره في الاتصال بالزعيم قائلاً له: "منذ بضعة أشهر (مضت) على تكليفكم القيام بأعمال في مكتب الاستخبارات" ويورد له كيفية إيراد المعلومات وتهيئة الاتصالات... ويطلب منه الاتصال الدوري المنظم به وإنه لو كان يقوم بواجبه لكان أدى خدمة لمصلحة الحركة في الأعمال السياسية الجارية.
كان على يموت أن يعمل ما كلفه به الزعيم لإدارة المكتب، كما كان عليه أن يضع النظام الذي على أساسه يوزع الشُعب ومهامها، والأعمال التي كان يقوم بها أو نجح في القيام بها.
هذا من جهة، من جهة أخرى، إن العمل بالمكتب الذي سبق للزعيم إنشاؤه قبيل مغادرته أرض الوطن عام 1938 لم ندر سبباً لتوقفه هل هي الاعتقالات والملاحقات زمن الحرب العالمية الثانية؟ أو أي سبب آخر؟ في حين أن أعمال هكذا مكتب يجب أن تتكثف في الظروف الحرجة وأن تكون أكثر حرصاً في أعمالها. أو أن انحراف القيادة آنذاك هو السبب في تغييب أعمال هذا المكتب؟ إن التوقف عن أعمال هذا المكتب وغيره من المكاتب والدوائر الأمنية والعسكرية التابعة من الناحية الإدارية والعملية لعمدة الدفاع، دليل فاضح على تقصير هذه القيادة (المجلس الأعلى ومجلس العمد) في القيام بالمسؤوليات الجسام خلال غياب سعاده.
الفِرَق النظامية
أما الفريق الحزبي الثالث، الذي ولد من خضم الحرب الإرهابية على شام الأمة – والذي سبق أن كان جنيناً في السنوات العشر السالفة – فقد تقدم بترخيص للعمل بناء على قانون الأحزاب الجديد الصادر في الشام، الذي يلغي كل عمل عسكري للأحزاب على الأرض. وما أن تفاقمت أعمال التخريب والإجرام للجماعات الارهابية حتى تبين لأرباب هذا الكيان، الحاجة الماسة إلى بناء جيش شعبي للدفاع عن المناطق وحمايتها من المد الإرهابي والتكفيري، وترك الجيش النظامي للمهام الكبرى السيادية... ونتيجة هذا الوضع الداخلي الشاذ استيقظ قادة هذا الكيان على أهمية عمل المقاومة الشعبية الداخلية ودورها الوطني على كل الصعد الداخلية لمعرفتها بأوضاع مناطقها، وبنقاط الضعف التي يمكن أن تشكل عائقاً أمامها. فعاد هذا الكيان لتنظيم الفرق النظامية في المناطق للدفاع عنها في هذه الظروف الصعبة.
مما يؤخذ على هذا الفريق الحزبي الثالث، أنه تماشى مع قانون الأحزاب الجديد، بهدف الحيازة على رخصة للعمل ملغياً وظيفة نظارة التدريب والمدرب في المناطق (إضافة إلى تعديلات أخرى مخالفة)، خلافاً لما وقع بعد إقرار هذا القانون؟! فوقع هذا الفريق في شر البلية... وكأنما يجوز لأي مسؤول في "القيادة" أن يتجرأ على وقف العمل بقانون أو مرسوم للزعامة "متخلياً" عن قسم يمينه تجاه الزعامة؟! وما زال القوميون "بحكم النظام" يقبلون بهذا الواقع المرير الذي أدى إلى وقوع الحزب بسلسلة أزمات لا يزال يتخبط في مضاعفاتها.
وجدير بالذكر أن رفقاء هذا الفريق قاتلوا الهجمة التكفيرية التي تتعرض لها الشام، وقضى بعضهم شهيداً على درب الزعيم. ونشير في هذا المجال أنه أضحى للأحزاب الثلاثة شهداء على أرض الشام. ووحدة الدم تفرض وحدة رفقاء العقيدة الواحدة؟!
التدريب العسكري
إن الظروف القاسية التي واجهها سعاده – وبخاصة في سنواته الأخيرة – لم تكن لتسمح له بتنظيم صفوف الحزب وإعادة الروح الحربية والجهادية لدى الأعضاء بُعيد عودته في آذار 1947، وذلك لمواجهة المستجدات العاصفة في فلسطين. وما أن سنحت له الفرصة بعد إقرار هدنة مع الدولة اللبنانية، حتى باشر إعادة تنظيم عمدة الدفاع وعمليات التدريب. لكن الأمور لم تجرِ وفقاً لرغبته الكاملة. فهو يكتب إلى مفتش التدريب الرفيق وكتور أسعد (27أكتوبر 1948) "إن اللجنة المركزية لتنظيم التدريب في جميع فروع الحزب... لم تتمكن من تحقيق وجودها"، لكن العمل يستمر، ففي 12/1/1949 يضم في رسالة صادرة عن القيادة العامة (الزعامة) الرفيق وديع الأشقر إلى "صف الضباط".
ويكتب إبراهيم يموت في "الحصاد المر" (ص 171-172) : " تركّز الاهتمام في الحزب ابتداء من العام 1948 على التدريب العسكري والانتظام في صفوف تدريبية لمجموع القوميين. أما على مستوى القيادة فقد أنشأ سعاده دورات تدريبية لتخريج دفعات من صفوف الضباط من بين المسؤولين الحزبيين المؤهلين، عُهد بها إلى بعض القادة العسكريين اللبنانيين منهم العقيد زهران يمين والنقيب جوزف نبهان. الدروس العسكرية لصفوف الضباط شملت التمارين الرياضية الشاقة وأساليب حرب الشوارع والجبال مع كيفية استعمال الأسلحة اللازمة لذلك، والاطلاع على كيفية عمل المصفحات والدبابات والمدافع... وكان يُطلب من كل صف ضابط تدوين المحاضرات والأحاديث التي تُتلى ليقدم فحصاً خطياً وعملياً عنها في فترات معينة. وكانت الدرجات تُعطى بناء على نتيجة تلك الامتحانات. وكان سعاده يحضر بين وقت وآخر هذه الدروس ويشرف بنفسه على مدى التقدم الذي يحرزه كل مرشح ضابط وكأنه يستعجل الأمور. الدروس كانت مكثفة وتخرَّج بنتيجتها عشرات الضباط بدرجات متفاوتة".
ويكرر إنعام رعد في كتابه "الكلمات الأخيرة" (صفحة 50) ما أورده إبراهيم يموت، إذ أنه كان أحد الملتحقين بصف الضباط.
ويعلق يموت في كتابه المذكور آنفاً (الصفحة 244) أنه عند حصول "حوادث حزيران وتموز 1949 كان التدريب العسكري الفعلي لم يكتمل، وكان التدريب الرفيع المستوى منه على نطاق ضيق... والاعتقالات المفاجئة تناولت الكثير من الفاعليات العسكرية...".
وكان ما كان من أحداث معروفة عام 1949 أدت إلى استشهاد سعاده.
الاقتداء بسعاده
وقد اقتدى السوريون القوميون الاجتماعيون بزعيمهم، فتابعوا طريق الجهاد لمواجهة العدوان اليهودي في فلسطين وسواها من الكيانات السورية.
فقد كتب العديد من الرفقاء الذين شهدوا حدث قيام الدولة اليهودية على أرض جنوبنا السوري، عن أعمال القوميين الاجتماعيين في المعارك في فلسطين، والذين تجندوا من الشام ولبنان، وعن بطولات غسان جديد. فكتب سامي أيوب الخوري في "أمل لا يغيب" (صفحة 33) عن المناضل عبد الهادي حماد الذي قاتل أولاً مع أديب الشيشكلي في جيش الإنقاذ، ثم "قام بتشكيل فرقة للتدمير وفرقة للمقاومة... وحضر معهم معارك "اللوبية" و"الشجرة" وقام بنسف بنك "باركليس" في الناصرة..".
ويلقى كتاب "الكلمات الأخيرة" لإنعام رعد أضواء على تطوع القوميين الاجتماعيين للقتال في فلسطين من عبد اللطيف كنفاني إلى يوسف صايغ إلى مصطفى سليمان الذي قاد فرقة الزوبعة، والتي قاتلت بين اللد والرملة. وإلى الشهيد غسان جديد الذي كانت له ملاحم في محاصرة المستوطنات والمستعمرات الصهيونية"، وتنفيذه عمليات جريئة ضد المستعمرات: الزراعة، زرعين، النبي يعقوب، كما أقدم على تفجير معسكر لليهود قرب الطيرة المجاورة لمدينة حيفا.
في سياق سيرة البطل غسان جديد في مهماته الحربية، نذكره أيضاً في عضويته في لجنة الهدنة الشامية – اليهودية وما حققه في هذا المجال من إنجازات هامة، هذا بالإضافة إلى تسلمه فيما بعد مسؤولية عميد دفاع في الحزب فقام بأعمال جلى تبقى في ذاكرة القوميين عنواناً للفخار والاعتزاز.
كما نشير إلى الدور العسكري الهام الذي لعبه الرفيق نشأت مهدي (جندي في الجيش الشامي) في فلسطين بعد قيام الدولة اليهودية. وقد صدر له كتاب كبير يتضمن مختلف العمليات العسكرية التي قام بها ضد اليهود. والرفيق سليمان حمود الملحم من بلدة القريا (السويداء) والذي شارك في الثورة السورية الكبرى، والتحق بجيش الانقاذ برتبة ملازم أول (قائد سرية) فاشترك في عدة معارك منها الهوشة والكساير واستشهد في معركة المالكية عام 1948.
وفي هذا المجال، لا بد لنا أن نذكر أديبنا الكبير الراحل سعيد تقي الدين الذي أنشأ أوائل العام 1954 "لجنة كل مواطن خفير" وكان يذاع برنامج دوري باسم هذه اللجنة من إذاعة لبنان، وهدفها مقاومة التجسس اليهودي وعمليات التهريب من وإلى الدولة اليهودية، وإيقاظ الشعور القومي تجاه مخططات هذه الدولة الخبيثة. وقد قامت اللجنة المذكورة بسلسلة أعمال في هذا المجال كان لها أثر كبير في فتح الأذهان على ظروف جريمة اغتصاب فلسطين وإقامة دولة العدو عليها، وكشف الأساليب التي تُعتمد لتسهيل مقومات حياة هذه الدولة.
والجدير ذكره، أن القوميين الاجتماعيين، قد قاموا بالواجب الملقى عليهم كل في مكانه، لاسيما بالنسبة لرفقاء فلسطين، حيث دخلت فرق قومية أخرى، من لبنان والشام للقتال في فلسطين بفضل ما استطاعت الحصول عليه من سلاح.
ويذكر الضابط في الجيش الشامي فضل الله أبو منصور، الذي أعدم حسني الزعيم ومحسن البرازي، وتسلّم مسؤولية عميد دفاع خلال فترة عام 1958، في كتابه "أعاصير" الصادر عام 1959، أعماله القتالية هو وفرقته في فلسطين رغم "قلة العدد والنقص في العتاد" (صفحة42) وخوضه غمار قتال شرس مع اليهود في منطقة "كعوش" وإنه رغم "تفوق المدفعية اليهودية" فقد استطاع وفرقته الهجوم على "أحد الاستحكامات المصنوعة من الباطون المسلح... وقُتل في المزرعة ستون يهودياً وأُسر إثنان".
الجهاد في فلسطين
وتذكر النشرة الرسمية عام 1948، عن الجهود التي قامت بها الإدارة المركزية، وما قام به عميد التدريب أديب قدورة مع "مكتب فلسطين الدائم" حيث عرض العميد فكرة تشكيل جحفل يتولى الأعمال الحربية في جبهة يتم الاتفاق عليها مع المكتب المذكور. ولم تصل مساعيه إلى نتيجة إيجابية.
وفي حديث أدلى به منير أبو فاضل إلى مجلة صباح الخير (عدد 446 – تاريخ 2/9/1984)، وكان يشغل منصب قائد قوات "الجهاد المقدس" في القدس يقول: "إنه اجتمع مع الزعيم في بيروت الذي أبلغه أنه على استعداد لإرسال 2400 مقاتل للمشاركة في حرب فلسطين، لكن يلزمهم السلاح. واتصل أبو فاضل ببعض الدول العربية لكن التجاوب لم يكن حسب الطلب. كما يذكر أبو فاضل أنه كان بين المقاتلين في فلسطين عدد كبير من القوميين الاجتماعيين وعلى رأسهم يوسف صايغ.
وتناولت النشرات الرسمية الصادرة في ذلك الحين العديد من أخبار القوميين وأعمالهم. فوردت أخبار رفقاء منفذية عكا الذين صمدوا لفترة في وجه العصابات اليهودية ثم قاتلوا على الجبهة الشامية.
وأخبار التحاق رفقاء من الكيان اللبناني من مديرية شبعا الحدودية مع فلسطين الذين شاركوا في معارك مشمار عيميك وكفر كرم كما ساهموا في "معركة باب الواد الضارية المشهورة" وترد أيضاً أسماء رفقاء من نيحا – الشوف ومديرية رأس المتن وطرابلس، إضافة إلى رفيق من مديرية المنصف – البترون، الذي شارك في معارك صفد والمالكية وقدس، "وقد أبلى فيها بلاءً كبيراً".
وورد خبر سقوط شهيد من منفذية دمشق هو الملازم الثاني في سلاح الطيران الشامي الرفيق فيصل ناصيف، الذي قضى شهيداً أثناء قيامه بغارة جوية فوق جنوب سورية على تجمعات العصابات اليهودية.
وورد في النشرة الرسمية (حزيران 1948) أن قوميي قطنة التابعة لمنفذية دمشق أبلغوا عن كشف جواسيس يعملون لصالح عصابات الهاغاناه، وقد ضُبطت معهم أوراق تثبت تورطهم بعيد اعتقالهم والتحقيق معهم.
كما نشرت النشرات الرسمية آنذاك، العديد من أخبار القوميين واهتمامهم باللاجئين والعناية بشؤونهم. كما صدرت عدة بيانات عن عمدة الإذاعة. وكتب سعاده أيضاً سلسلة مقالات حول هذا الموضوع، لاسيما حول عدم إعطاء سلاح للسوريين القوميين الاجتماعيين للقيام بالمهمات القتالية في فلسطين.
لا سلاح للقوميين
ونقتطع من رد اللجنة الإذاعية للحزب الصادر في 5/2/1949، المقتطفات التالية حول عدم إعطاء القوميين سلاحاً للمشاركة في معارك فلسطين :
«... وكان قصد القيادة القومية الاجتماعية العليا تشكيل ما لا يقل عن كتيبة كاملة لتبتدئ العمل بمهمات تكلف بها لمساندة القوات الأخرى على أن تشكل كتائب أخرى تتبعها إذا حصل نجاح في تسليح الكتيبة الأولى. ولكن ذهبت جميع المحاولات التي قامت بها عمدة التدريب، وعلى رأسها الأمين أديب قدورة، أدراج الرياح. فقد اتصل العميد مراراً "بمكتب فلسطين الدائم" وسأل عمته السيدة ابتهاج قدورة مساعدته للوصول إلى بغيته. وحصلت اتصالات مداورة مع بعض أشخاص الحكومات. والجواب دائماً: لا سلاح للقوميين الاجتماعيين". وقد حدث في وقت من أوقات المعارك أن قيادة جبهة القدس عرضت على منفذية القدس العامة تسليح فرقة قومية اجتماعية تتخذ موقعها في القدس. فأتى رسول مستعجل من المنفذية وخابر المركز فقبلت القيادة القومية الاجتماعية العليا العرض فوراً وعاد الرسول بالقبول المبدئي وطلب التفاهم على التفاصيل. فلم تمضِ أيام معدودة حتى جاء رسول ثانٍ هو ناموس منفذية القدس العامة، الرفيق عبد اللطيف كنفاني، يقول أن قيادة القدس عدلت عن التسليح بحجة أن لا سلاح لديها!".
ونشير إلى صدور قانون الاستشهاد الذي نُشر في النشرة الرسمية في 5/2/1955، وعدم ضمه إلى كتاب الدستور في كافة التنظيمات الحزبية لتاريخه.
بطولات القوميين
كما نشير إلى بطولات القوميين في معارك ضهور الشوير والمتين عامي 1975/1976 والمثال الرائع الذي أداه القوميون في بلدة مشيخا. ونؤكد على المنحى المقاوم الذي بثه سعاده في نفوس القوميين، الذين تميزوا بأعمال بطولية كان لها تأثير واضح على مسار الأحداث في المنطقة: كعملية البطل "الأمين" على ممارسة فكر سعاده عملاً مجاهداً مكافحاً لنصرة الأمة حبيب الشرتوني. والبطل المقاوم خالد علوان في عمليته الشهيرة التي لا يزال يتردد صداها في الإعلام خلال فترة الغزو اليهودي لبيروت. إضافة إلى آخرين على درب النضال والكفاح اقتداء بالزعيم الخالد.
إن تاريخ الحزب – وتاريخ هذه الأمة – مليء بالعطاءات السخية، لاسيما الدماء الزكية التي يقدمها الشهداء على مذبح الأمة، كل ذلك على طريق قدوة سعاده.
وستذكر الأمة الذين عبَّدوا لها طريق الحرية، كما وأنها ستذكر "عبيد" المال والسلطة والجاه داخل الحزب وخارجه وتنعتهم بأشنع وأقبح الصفات.
وسينشد القوميون الاجتماعيون، المؤمنون السائرون إلى الانتصار: "... عينيك يا سعاده تجي وتشوف جيش الزوبعة" عملاً بخطاب سعاده: "سيأتي يوم وهو قريب يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثاً خطيراً. رجالاً متمنطقين بمناطق سوداء على لباس رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة، يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء يحملها جبابرة من الجيش. فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام. فتكون إرادة للأمة السورية لا تُرد. لأن هذا هو القضاء والقدر". فمتى تتحقق "نبوءة" سعاده؟!
(من الخطاب المنهاجي – حزيران 1935)
جاء في الفقرة الثانية من غاية الحزب : " .. وتنظيم حركة تؤدي الى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها .. " ان أحد معاني هذه الفقرة أن تكون هذه القوة الجبارة الزاحفة بإيمان التعاليم التي نعتنق لتحرير الوطن من كل الرجاسة التي يتخبط فيها الشعب السوري.
رسم سعاده في المبادئ الإصلاحية الخمسة صورة الدولة السورية القومية الاجتماعية، التي على أعضاء الحزب تشييد بنيانها.
والمبدأ الإصلاحي الخامس هو دعوة واضحة لإنشاء (الجيش القومي) الذي يحفظ السيادة ويؤمن الأمن والاستقرار والسلام. وأوضحت المادة الرابعة من الدستور إلى أن الزعيم هو قائد الجيش القومي، وبعده الرئيس. وعمدة الدفاع هي مصلحة عامة رئيسية يجب أن يتولاها صاحب رتبة عسكرية عليا في الحزب، لقيادة الجيش المنظم والجيش الشعبي في المناطق. إضافة إلى ضرورة صياغة الرتب العسكرية للجيش المنظم وللجيش الشعبي.
هذا ما جاء في دستور سعاده حول هذا الشأن القومي الهام. فلنقتدِ به، ولنسر على هدي كلامه وعمله لتنهض سورية من قبر التاريخ إلى المكان اللائق لها تحت شمس الحياة الحرة والكريمة.
كان همّ سعاده باستمرار الاهتمام بالأمن القومي. فهو عبر انطلاقه من تحديد فكرة الأمة قد صاغ نظرية جديدة في الأمن القومي المرتبطة على الصعيد الجيوسياسي بوحدة الوطن.
فالمبادىء الأساسية هي المعبرة عن الانتماء القومي ووحدة الوطن وثقافته النابعة من تاريخه الطويل ( الأمن الثقافي ).
أما المبادىء الاصلاحية الثلاث الأولى فهي لتأمين وحدة النسيج الاجتماعي (الأمن الاجتماعي). والمبدأ الاصلاحي الرابع الذي يحدد النهج االاقتصاد القومي وتأمين الحياة الكريمة للشعب والحفاظ على الموارد الطبيعية لرفاة الشعب (أمن اقتصادي). والمبدأ الاصلاحي الخامس القائل بالجيش القومي لتأمين السيادة القومية (أمن عسكري).
هذا الربط المحكم بين المبادىء الأساسية والاصلاحية اللذين يشكلان القضية السورية يمثل الأمن القومي العام للوطن السوري.
خلاصة :
في هذا الزمن العصيب، والأمة تخوض غمار مخاض عسير، ينتصب أبناء العقيدة الواحدة هاتفين : لبيك زعيمي، للوقوف صفوفاً بديعة النظام، ويغرب عن بالهم "انتظامهم" في ثلاثة أحزاب – تلبية لنداء الأمة وهي تمر في محنة عظيمة. فيكون موقفهم هو موقف الأمة.
هذا هو المعنى الحقيقي لقسمنا وايماننا بالعقيدة المحيية وذلك إقتداء بالزعيم الخالد .. خارج ذلك نحن لسنا سوى " خونة " للقسم والعقيدة والزعيم.
سـورية مسـؤوليتناّ !
|