الجمعية السياسية تسقط "الخطة النظامية المعاكسة".
مما لا شك فيه أنه لم يتسن لسعاده ان يشرح كل فكره، وان يكتب كل ما تمنى كتابته: نشوء الامة السورية و... ولكن مما لا مشاحة فيه، انه وضع كل ما يلزم الحزب للانطلاق نحو تحقيق غايته. فالمواضيع الاساسية من عقيدة ونظام وفلسفة ونظرة الى الحياة والكون والفن و فكره الاقتصادي والاجتماعي كلها واضحة في كتاباته وضوح الشمس.
وما ينقص هو اقدام الاعضاء الذين تعاقدوا مع الزعامة القومية على شرح ما وضعه المعلم. ومن خلال القاء نظرة عابرة على مجرى تاريخ الحزب نصل الى نتيجة انهم قصروا تقصيرا كبيرا في هذا المجال. وإن الادارات الحزبية قد انحرفت وحولت الحزب الى مجرد جمعية سياسية لا اكثر ولا اقل.
وهنا لا ننسى ذكرالابطال والشهداء الذين اقتدوا بالزعيم فكانت اعمالهم بمثابة الزيت الذي يوضع في السراج ليبقى مضاءا. بانتظار عودة "الرشد" للاعضاء ليضحى الحزب منارة الامة ولبقية شعوب الارض قاطبة.
ما من شك ان سعاده قد أطلع على انظمة الدول الحديثة في عصره، ودرس نظام الحركة الصهيونية بدقة، فأتى قوله عنها انه لا يمكن مواجهتها ولا الانتصارعليها الا بحركة لديها "خطة نظامية معاكسة". ويقول في مكان اخر ان نظامنا افضل من كل أنظمة اليهود.
وضع سعاده "الفكرة" , و"الحركة" التي يجب ان ترافق "الفكرة" من اجل الانتصارعلى كل اعداء الامة وتطهير ارض الوطن من كل الاحتلالات. واعتبر في خطابه في اول اذار 1938 "انشاء المؤسسات ووضع التشريع" اعظم اعماله بعد القضية. وأعلن في خطابه في برج البراجنة عام 1949 على ان الحزب سيقضي على" الدولة اليهودية" الناشئة على جزء من جنوبنا السوري . فهل كانت كتاباته واعماله أضغاث احلام..!؟ او ان الادارات الحزبية والاعضاء لم يكونوا على السوية المطلوبة.
من مطالعتنا لتاريخ الحزب بعد استشهاد سعاده يتبين ان الاعضاء خذلوا سعاده! لم يكونوا اوفياء للقسم وللعقد الذي ابرموه مع الزعيم. إذ سمحوا ان يتسلق الى ادارة الحزب "اعضاء" اوفياء لمصالحهم الفردية والانانية غير مبالين بحال الامة والوطن على الإطلاق. فهم جماعة "تقصد في الحياة لعبا " غير آبهة بالجهاد، مغلبة حقوقها على نصرة حقوق الأمة!
يتضح كل ذلك من سلسلة قرارات للمجالس العليا.. ومنها قرار حول إشتراكية الحزب ومحاولات لعربنته او لبننته و.. كما يتضح من سلسلة التعديلات من اول قانون رقم 8 عام 1951 حتى اخر تعديل. أنها نسفت كل الاسس التي قام عليها "النظام الجديد" الذي هو في غاية الحزب..! والذي هو وحيدا يؤمن مصالح الامة ويرفع مستوى حياتها. وبالتالي الغيت مصالح الامة وتحقيق رفاهيتها بعد اجراء هذه التعديلات المناقضة لفكر سعاده الدستوري. وبطل نظامنا افضل من "نظام اليهود". وقضي على "الديمقراطية التعبيرية" في مهدها لتسود الديمقراطية التمثيلية الفاسدة والمتوحشة في" الجمعية السياسية" كما في سائر انحاء العالم خلافا لرغبة سعاده من نشر التعبيرية لإنقاذ البشرية من مفاسد التمثيلية.
عملية تشويه "النظام الجديد" لم تقف عند حد، تأمينا لمصالح الادارة الحزبية ورجالاتها. ومن يطالع التعديلات منذ غياب سعاده يمكنه ان يقف على الحجم الفاضح لمجمل هذه التعديلات التي تعدت على غاية الحزب وأدت إلى تغييب فضائل " النظام الجديد".
أرسى سعاده نظاما اجتماعيا سياسيا جديدا قاصدا بناء حياة جديد لشعبنا السوري. ملغيا كل ما هو قائم من مؤسسات عتيقة فاسدة.. ومقيما كل جديد عبر المؤسسات الاجتماعية (المنفذية، المديرية ،مجلس المنفذية ،لجنة المديرية ومجلس المديرين) في المناطق. نجد انه لم يعمل لتاريخه بموجب كل المؤسسات الواردة آنفا. وإنما فقط المنفذية والمديرية، وبشكل جزئي، او شكلي اذا صح التعبير.
ويجري تعيين كل من أعضاء هيئة المنفذية، والمديرية، بشكل إعتباطي غير مدروس في معظم الأحيان. ولا يتمتعون بالخبرة أو الاختصاص. فنجد انه يمكن - على سبيل المثال - تعيين أي رفيق ناظرا للمالية، أو محصلا للمديرية بسبب بساطة عمله: جمع "الاشتراكات"؟!. ومن مطالعة صلاحياتهما في المرسومين الثاني والثالث للزعيم (المرسوم السادس للزعيم: قانون الضرائب المحلية). نجد ان الامر خلاف ذلك. ففي الحزب - الدولة يوجد ضرائب. وفي الجمعية السياسية يوجد اشتراكات. وعلى كل من الناظر والمحصل وضع موازنة لمشاريع يجري العمل عليها او إنجازها. وعلى المذيع وناظر الاذاعة: " درس احوال المنطقه من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (المحلية). ووضع منهاج العمل الداخلي (للرفقاء) والخارجي (للمنطقة). (وتعني كلمه --درس قاموسيا: (درس: أحاط بما فيه من علوم ومعارف ليفهمها ويتعرفها. درس الموضوع: تقصاه وبحث فيه).
ولو عمل كل من المذيع والناظر بموجباته، لصار لدينا اليوم أكبر مكتبة اجتماعية عن المناطق السورية!
أما المدرب وناظر التدريب فتختصر مهامهما باعطاء الإيعاز في الجلسات والاجتماعات الحزبية. مع العلم، انهما يعينان من قبل عميد الدفاع، الذي هو قائد الميليشيا لكل الحزب. فمن صلاحيات الناظر الذي يجب ان تقترن استقالته بموافقة الزعيم سابقا، رئيس الحزب حاليا: " إدارة أعمال التشكيلات المحلية للمليشيات والتدريب النظامي... والسهر على تنمية فضائل الجندية ووحدة النظام في جميع رجال الفرق التابعة لمنطقته...."
لن أطيل في هذا الشأن، وهذا غيض من فيض. لأختصرواقول انه لم يجر طوال تاريخ الحزب ان عملت مديرية أو منفذية بموجب الصلاحيات الممنوحة لهما وفقا لدستور سعاده. فدور المديرية او المنفذية هو التخطيط لإحداث عملية تطور في الناحية الإقتصادية الإجتماعية التي تساهم في رفع المستوى الثقافي والحياتي للمنطقة: إنتاج زراعي، صناعي.. لذلك، ليس لدينا حزب قومي وإنما جمعية سياسية تعمل سياسة وفق مجريات الإمور في كل كيان لتأمين "كراسي" نيابية ووزارية لأعضاء الإداره الحزبية!
ولذلك لا نجد خطة لمنفذ عام، ولا لناظر مالية وإذاعة وتدريب. وكذا الأمر بالنسبة للمدير ومساعديه....
ولا مجلس مديرين "يدرس" الأعمال والأحوال الادارية... وتقوية الروابط بين المديريات في المنفذية... ولا مجلس منفذية "يدرس" مشاريع وتدابير سياسية (محلية) وإجتماعية و اقتصادية ومالية. وتقرير "الضرائب" المحلية "ودرس" موازنة المنفذية....
.... ويشرع المجلس للمشاريع المقترحة: مصانع، معامل، مدارس... وفقا لحاجات كل منطقة...!
ويجب ان يتابع أعمال هذه المؤسسات الإجتماعيه، مجلس عمد، بعدما يدرس عميد الإذاعة تقارير النظار والمذيعين. يمكنه إن يشارك بعض العمد ببعض التفاصيل. ويدرس مجلس العمد تقارير مجالس المنفذيات.
ويضمن رئيس الحزب خطته أوضاع المناطق الحزبية وعملية انتشار الحزب في بقية المناطق....
فهل تقوم المنفذيات والمديريات بالدور المنوط بها وفق دستور سعاده؟ و كان سعاده قد كتب الى منفذ عام المكسيك عساف ابو مراد عام 1941، عن ضرورة تطبيق المرسوم الرابع لانه "يكسب الحزب حيوية كبيرة" ولتاريخه، هذا المرسوم غير مطبق؟ وهل يشعر الأعضاء ان ما هو مطبق من الدستور موافق لكلمة سعاده في خطابه في اول اذار 1938: ان المؤسسات "هي أعظم أعماله"؟ وان مبادئ الحزب ونظامه هما الخطة النظامية المعاكسة للخطة اليهودية ؟؟
الحقيقة إن الدستور كما هو مطبق منذ غياب سعاده لا يرقى الى مستوى جمعية خيرية ومكاتب المنفذيات كمكتب أي جمعية اخرى... بخلاف ما خطط سعاده!
إن مجريات أوضاع الحزب اليوم، ترينا بأم العين اننا لم نكن عند ثقة سعاده بنا. وبرهنا اننا غير جديرين بالعقائد الكبرى. وبالتالي شعبنا غير مؤهل لحمل الرسالات الإجتماعية السياسية العظمى. لذلك إهملنا محاربة الفساد والفاسدين داخل الحزب وخارجه. وسكتنا على انحراف الإدارة الحزبية وفسادها لامتلاكها شرعية إنتخابية غير آخذين بعين الاعتبار قسما أديناه في موقف مهيب وشرعية عقد ابرمناه مع مؤسس النهضة، لا نلتزم بمضمونه! لعدم إلتزامنا العمل بكل المؤسسات التي شرعها الزعيم وليس ببعضها وفقا لمقتضيات مصلحة الإدارات الحزبية. لذلك وصلنا الى ان نكون مجرد تشكيل سياسي مثله مثل غيره من التشكيلات الموجودة في وطننا. غير آبهين ان حزبنا ليس حزبا سياسيا عاديا كغيره من الاحزاب.
ما نحتاجه في ظرفنا الراهن، وبعد كل مجريات الأوضاع الداخلية للحزب، الى إدارة حزبية ليست على شاكلة سابقاتها. وان تكون مستقلة بأعمالها وقراراتها. وكما كان سعاده يخاطب اوروبة الند بالند، عارضا اخطائها في سياساتها تجاه وطنا. وكما كتب عن امريكانية عام 1924 "سقوط الولايات المتحدة من عالم الإنسانية الأدبي" ان يكون لدينا إدارة تحاكي العالم كله الند بالند. لا إدارات غارقة في مستنقع السياسات الكيانية المحلية كما كنا في كل الفترات السابقة منذ غياب سعاده.
فلدى هذه الأمة مخزون هائل من الامكانيات وسعاده احد أمثلتها الحية، وضرورة العمل بكل المؤسسات التي وضعها لا ببعضها.
وينظرالأعضاء اليوم الى المؤتمر المزمع عقده في آب بعين"الرجاء" في ظل غياب واضح لمعظم مثقفي الحزب وقدراته العلمية صاحبة الاختصاص العالي فما المرتجى! غير استمرار الوضع على ما هو عليه: البقاء تشكيل سياسي..! ومجرد إلقاء نظرة فاحصه على قرار المحكمة الصادر في4. 6. 2021، يفضح "الحقوقيين" في الحزب، إن لجهة اللغة التي كتب فيها القرار، أو لجهة عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات عندما تطلب محكمة من سلطة تشريعية "دعوة المجلس القومي مباشرة بعد المؤتمر لإجراء انتخاب أعضاء مجلس اعلى وهيئة منح الأمانة"؟..!
وما المرتجى من لجنة دستورية في مؤتمر يخلو من اختصاصيين في القانون الدستوري. غير مزيد من التعديات على أرقى" نظام جديد"، يكتب عنه سعاده في خطابه في سانتياغو( 25 .5 . 1940):... " الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه في ما بعد. وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائما كما تريد الامة. " فلنعد الى دستور سورية بالعودة الى دستور سعاده الأساسي ، وانتقاء إدارة موقتة من اختصاصيين ومناضلين لفترة موقتة لإعادة بناء الحزب القومي كما أراد سعاده ولبناء النموذج المرتجى لكل منطقة في سورية عبر المنفذية والمديرية وكل المؤسسات الإجتماعية الاخرى.
ادارة تعرف كيف تخطط لإعادة صياغة حياة جديدة للمتحدات بعد ما أصابها من نزوح وتهجيرلأهلها نتيجة الحروب الداخلية التي خيضت ضد مجتمعنا من قبل القوى الاستعمارية المتوحشة. ادارة تحسب حساب شعبنا في لبنان الذي يواجه ازمه معيشية صعبة، و تأخذ بالحسبان ايضا اوضاع شعبنا في فلسطين الذي يواجه ازمة مصيرية تهدد وجوده على أرضه ، وادارة لا تأخذ بالحسبان صفقة المؤتمر والانتخابات في آب القادم وما يعتريهما من أفخاخ منصوبة للاعضاء باستمرار تخديرهم "بشرعية" انتخابية بعيدة عن الديمقراطية التعبيرية التي هي" هبة سورية" للعالم. لتكون لسورية الحياة الجديدة المرتجاة لبناء الدولة السورية النقيض للدولة اليهودية التي قامت في جنوبنا السوري. والرد الطبيعي على الخطر الوجودي الذي يهدد سورية بالزوال في حال عدم أخذها بكامل خطة سعاده الواردة في غاية الحزب.
في هذه الظروف المصيرية الخانقة التي تبقي أمتنا في "قبرالتاريخ" نحن بأمس الحاجة الى ادارة تملك معارف وخبرات سياسية واستراتيجية عالية لا إدارة على شاكلة ما شاهدناه بالأمس القريب. ادارة لها القدرة على وضع خطط استراتيجية تحاكي بها الظروف المحيطة بكل تشعباتها وأخطارها و تتوجه إلى رؤساء انظمة الكيانات السورية واوروبة، وتضع الاصبع على الجرح في مسألة مصالح الأمة. ادارة تستشرف مجريات الاحداث على بلادنا و العالم وتضع الخطط الكفيلة لتخفيف الاضرار قدر الامكان على شعبنا. وغير ذلك سيبقي الحزب في مستنقع الجمعية السياسية التي لا حول لها و لا قوة... و يجرد الحزب من مهمة تغيير وجه التاريخ..!
|