فـي الشـأن الدسـتوري
أنشأ سعادة عدة مؤسسات وأجهزة ودوائر تهتم بالنواحي الأمنية والعسكرية والتدريبية، وقد أورد معلومات ضئيلة جداً عن أعمالها في رسائله إلى فخري معلوف.
وأنه لمن المؤسف أن الرفقاء الذين انتظموا في هذه الأعمال، لم يكتبوا مذكراتهم. لنقف على عطاء سعادة في هذا الشأن القومي الخطير. ونحن سنعمد لذكر ما ورد في رسائله:
أمن داخلي:
المكتب الأعلى المختص.
يتبع له الكمية المجهولة أو العدد المجهول.
- مستشارون.
- إدارة السلك (العسكري).
- رئيس الدائرة التنفيذية.
- مكتب المعلومات السري، المختص بشؤون الشيفرة.
دوائر:
- دائرة المراقبة.
- دائرة مكافحة الجاسوسية، ومهمتها مواجهة نشاط الاستخبارات الأجنبية في وطننا.
- المخبرين.
- رجال الاستخبارات السياسية.
- دائرة التحري: وردت أيضاً في مرسوم الطوارئ لعام 1936.
وقد أقام سعاده جهاز مخابرات في الخارج عندما كان في المغترب القسري (داخلي وخارجي).كما عيّن نظار تدريب ومدربين للمنفذيات والمديريات للقيام بالمهام الواردة في المرسومين 2 و 3.
التدريب:
- قيادة التدريب العام.
- رئاسة أركان التدريب العام.
- قائم بالأعمال في فرع الشام.
- قائد تدريب.
- تدريب الفرق في المنفذيات.
فرق:
- الفرقة السرية.
- فرق فدائية.
ميليشيا: القائمة في المناطق.
وتدليلاً على أنشطة هذه الأجهزة والدوائر الأمنية، ننقل بعض ما ورد في كتابات سعاده عنها:
-فهو في رسالته المؤرخة في 2/7/1938 يشير إلى رئيس الدائرة التنفيذية في المجلس الأعلى المختص الرفيق وليم سابا ببعض التفاصيل الهامة لمن يعمل في هذا الجهاز، يقول "... إني أفهم الأشخاص الذين يشتغلون في هذا السلك بقيمة ملاحظاتهم ومعلوماتهم أكثر مما أفهمهم بتنبههم وشكوكهم وآرائهم. فالمقياس عندي هو المعلومات الكاملة ونوع الملاحظات، لا مدى التخيلات وبُعد النظر وكثرة الافتراضات المعقولة".
ويطلب منه إنشاء عدة "فرق فدائية لها إدارة مركزية معروفة من المجلس الأعلى وأعضاء "العدد المجهول" ولا تعرف الواحدة منها بوجود الأخرى".
دوائر تدريبية
ويكتب سعاده إلى رئيس المجلس الأعلى في 2/7/1938 أيضاً، حول ضرورة استمرار عمليات التدريب ويطلب بإيلاء مهمة قيادة التدريب العام إلى الرفيق جمال باشا الغزي، وتعيين منير الملاذي رئيس أركانه للتدريب العام، "ويُلحق بهذه الدائرة صلاح شيشكلي. فيكون عليهم درس مناطق الحزب وتعيين برنامج التدريب والتشكيلات. ويجب أن يعلم بذلك "العدد المجهول" في المكتب المختص، ويكون على الذي يرأسه المكتب التنفيذي وليم سابا الاتصال بالقائم بالأعمال في الشام... وأن يبلغ جميع رجال هذا الفرع أن يكونوا مستعدين للعمل فالساعة قريبة... وليبلّغ رئيس الدائرة التنفيذية في المكتب المختص وجوب الاتصال بوديع الياس مجاعص في الشوير وإطلاعه على دقائق الفرع. وقد يكون وديع أكثر المؤهلين للتوفيق بين الفرع التدريبي والفرع المجهز. ويجب الاهتمام بإلحاق منفذ صيدا معروف سعد بهذه الدائرة وإيجاد خلف له ولعله يتمكن من مرافقة جمال".
ويطلب سعاده من رئيس المجلس الأعلى في ختام هذه الرسالة "اختراع مفتاح جفر جديد" بشأن رسائله السرية إليه، والتي لا نعرف عنها شيئاً لتاريخه.
دوائر استخباراتية
ويكتب سعاده عن استخبارات الحزب في مقالته جهاد الحزب السوري القومي الاجتماعي -1، الآنفة الذكر ما يلي: "وفي الحقيقة أن هذه الملاحقة الرابعة، التي أظهرت فشل الحكومة اللبنانية وتفوق مؤسسات الحزب السوري القومي عليها، كانت بناء على ما بلغ دائرة الاستخبارات الفرنسية من قيام الحزب السوري القومي بتوسيع دائرة التدريب التطوعي وتوزيع بعض الخبراء العسكريين على بعض المناطق الإستراتيجية وإعداد الزعيم برنامج رحلته إلى المهاجر. فأوعز "مكتب التحريات" الذي أنشئ خصيصاً في الحكومة اللبنانية لتعقب حركات الحزب السوري القومي، بملاحقة الحزب والقبض على زعيمه وأركانه. ويظهر أن دوائر استخبارات الحزب السوري القومي كانت أقوى وأسرع من دوائر استخبارات جيش الشرق "ومكتب التحريات" فقد بلغنا من مصدر موثوق جداً أن دوائر الحزب العليا أخذت علماً بالتدابير الجارية لإحباط مشاريع التدريب الجندي ورحلة الزعيم إلى المهجر وأخذت الحيطة لهذه التدابير جميعها.فأمرت بإحداث تنقلات بعض الموظفين والمدربين، بحيث يتعذر على اعداء الحزب تطبيق معلوماتهم وتعليماتهم..."
ومن مقالته وفاة خائن جاسوس المنشورة في الزوبعة – العدد 54 تاريخ 15/10/ 1942يورد سعاده أنه أوائل عام 1935 بدأ عدد من القوميين يمارسون الاستخبارات. وقد دخل المدعو عزيز الهاشم في الحزب، وكان عاملاً في "استخبارات المفوضية الفرنسية واستخبارات المكتب الثاني" في أركان حرب "جيش اللونت" الفرنسي. وهذا كاد يكون مؤكداً في مكتب استخبارات الحزب القومي الاجتماعي فلم يكن الهاشم مجهول الصفة حين دخوله في هذا الحزب". ويضيف سعاده أن استخبارات الحزب كانت تراقب بعض الأشخاص وترسل التقارير إلى مراجعها الإدارية. هذا ما كان عام 1935.
ويكتب في مقالته "دعاوات وجاسوسية أجنبية" المنشور في النشرة الرسمية العدد 7 تاريخ 30/3/1948، عن نشاط الاستخبارات الأجنبية التي تضاعف وجودها: "تصل إلى دائرة مكافحة الجاسوسية في الحزب القومي الاجتماعي معلومات كثيرة، ومنها ما هو طريف، عن نشاط الاستخبارات الأجنبية ومحاولاتها في صفوف القوميين الاجتماعيين، وحيثما تنبه لها القوميون الاجتماعيون ضُبطت ".
ويتابع شرح محاولة بعض الأجهزة الأجنبية التسلل إلى داخل الحزب لاستعمال العدد الممكن من أعضائه "لمحاربة الشيوعية أو محاربة الرأسمالية".
تنظيم الميليشيا
وحول الميليشيا الحزبية يكتب سعاده في مقالته "القبض على بعض الأركان القوميين" المنشور في سورية الجديدة، العدد 61 تاريخ 13/4/1940 ما يلي: "كثرت الاعتقالات ولكنها لم تعطِ النتيجة المطلوبة ولم يتمكن رجال التحري من الوصول إلى التشكيلات العسكرية التي نظّمها الحزب تنظيماً متيناً"... هذه التشكيلات التي سبق لسعادة قبل مباشرته رحلته عام 1938 أن أشرف على تنظيمها وتدريبها و... وكيف تبخّرت لدى عودته إلى الوطن عام 1947!؟ وفُقد النظام العسكري وبناء "الروح الحربية" لدى أعضاء حزبه؟
ويكتب في مقالته"أيام مي الأخيرة" المنشور في الزوبعة، العدد 34، تاريخ 15/12/1941، عن الحملة القومية المنظمة لإنقاذ الأديبة السورية مي زيادة من الحُجر عليها بحجة إنها مصابة بالجنون. وقد نجح الزعيم في الإفراج عنها وإخراجها من المستشفى إلى منزلها. ويقول سعاده أنه استدعى "المنفذ العام لمنطقة بيروت وقائد فرق المتطوعين فيها وكلفت كلاً منهما باتخاذ التدابير اللازمة لحماية منزل الآنسة ماري زيادة في رأس بيروت تحت إشراف الأول منهما. وفي ذاك اليوم عينه وُضعت مفرزة صغيرة من الميليشيا الحزبية بقرب منزل "مي" وأخذ أفرادها يتناوبون الحراسة عليه".
الجيش القومي
وحول الجيش القومي، يقول سعادة في ندائه إلى الشعب السوري (1/6/1940): "... كنت موقناً أن أوروبة متجهة نحو حرب جديدة، وأن سورية ستكون ميداناً من ميادينها. وكانت هذه الفكرة ترافقني في جميع مشاريعي وخططي فوجهت قسماً كبيراً من اهتمامي، منذ أسست الحزب السوري القومي، إلى إنشاء الجيش السوري القومي، الذي أردته أن يكون عِدة الأمة السورية وقت الشدائد، وبذلت كل ما في وسعي لأجعله قوة حقيقية ذات شأن خطير في جعل إرادتنا محترمة، وحقوقنا في إعادة تنظيم الشرق الأدنى محفوظة.
رأيت الخطر الجديد مقبلاً ولكني رأيت فرصة الانتصار القومي والإنقاذ مقبلة معه، فلم يكن قصدي من إنشاء الميليشيا القومية دفع الخطر فقط، بل تحقيق سيادتنا القومية واسترجاع حقوقنا المهضومة وجعل إرادتنا القومية في شؤون شرق المتوسط نافذة. إني قصدت تجهيز الأمة السورية ليومٍ عظيم نغيِّر فيه وجه التاريخ".
واضح مما تقدم، أن سعاده صاحب رؤية مستقبلية، من استشرافه لبوادر الحرب العالمية الثانية، ونظرته الثاقبة إلى القيمة الجيوسياسية لجغرافية الوطن السوري، ومحاولته إعداد الأمة لتأمين حقوقها بواسطة الجيش القومي، متطلعاً لإنشاء الدولة السورية التي تحفظ حقوق كل أبناء الوطن. لأنه بدون الدولة لا يمكن أن تقوم قائمة للأمة السورية. وإن أهم مؤسسة تحمي هذه الدولة هي الجيش الذي يحافظ على السيادة القومية وموارد الأمة.
أما الفرق النظامية فهي للحفاظ على تماسك أبناء الشعب، كلٌّ في منطقته، وعلى مؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية و... ليبقى الشعب في أرضه لا ينزح عنها وقت الشدائد أو يترك ثغرة للعدو للنفاذ منها إلى قلب الوطن.
قواعد التدريب
وبالنظر لاهتمام سعاده الكبير بالتدريب العسكري النظامي وأعمال الميليشيا في المناطق. يأتي الزعيم على ذكر إثنين من الرفقاء اللذين باشرا بوضع القواعد لذلك. يرد ذلك في رسالته إلى غسان تويني (4/8/1946) وهو يتحدث عن بيت آل معلوف الذي كان يزوره كثيراً في الثلاثينات: "... في بيتهم جرى الشروع بوضع قواعد التدريب الجندي بمعاونة الجنديين جمال باشا الغزي الذي كان أول من أخذ يعلِّم الرفقاء معنى الزعامة وقدَّر شخصية الزعيم ومنزلته في الحركة والنظام، ومنير الملاذي، وفي بيتهم تألفت لجان وضع قواعد التربية القومية للنظام العام والنظام الجندي وابتدأ العمل باشتراك جميع هذه القوى تحت إشراف الزعيم وإدارته وتوجيهاته وأخذ في تحديد المعاني والقيم الأساسية الآتية: ما هو الوطن، ما هي الأمة، ما هو الزعيم ومن هو، ما هو العّلم، ما هو النظام، ما هي الجندية، ما الجيش، الخ...".
ويُعرِّف الزعيم في مقالته "بلاد العرب" (1/9/1943)، بإمكانيات الرفيق الغزي وأعماله في هذا المجال: "إن الرفيق جمال باشا الغزي هو أحد القواد العسكريين الذين أنجبتهم سورية. تخرَّج من المكتب العسكري السلطاني في اسطنبول وتعهدته بعنايتها البعثة العسكرية الألمانية التي كانت تشرف على كمال تخرُّج الضباط الأتراك في الفنون والعلوم الحربية... كان للرفيق جمال باشا الغزي باعٌ طولى في إدارة وضع التعليم القومي لتدريب أفراد الميليشيا القومية، وفي إعطاء هذه الميليشيا المتطوعة اتجاهاً عسكرياً متيناً...".
وقد وضع هذا الرفيق بمعاونة الرفيق الملاذي وإشراف الزعيم كتاب "التدريب القومي الاجتماعي" وجاء في مقدمته: "نص المبدأ الخامس والأخير من مبادئ الحزب الإصلاحية على "إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن".
أما والحزب القومي الاجتماعي نواة الأمة كما يريدها الزعيم فإنه، أيضاً نواة جيشها، وكل القوميين الاجتماعيين هم جنود يجب تدريبهم وإعدادهم للقيام بما قد يطلب منهم في مجال الدفاع عن الحزب ومصالحه وحياته القومية الاجتماعية العظمى التي يقوم بها، فيجب أن يكون التدريب عاماً شاملاً جميع القوميين الاجتماعيين فيصبح كل منهم جندياً في جيش الحزب...".
وقد أعيدت طباعة الكتيب في أوائل الخمسينات، ومنذ ذلك الحين، هو المصدر الوحيد لعمليات التدريب. ولم ينل حظ الإضافة إليه بعد طول هذه السنين رغم ما أصاب العلم أو الفن العسكري من تطورات... تعلقاً بالمثل القائل: "إلاّ قديمك ما بفيدك".
هذا الإهمال لهذا الشأن الخطير – والأمة تجتاز اليوم أعظم المحن في حياتها – يؤكد على المنزلق الذي انحدرت إليه قيادات الحزب بعد غياب سعاده عام 1949.
أما المخيمات التدريبية التي تقام في صيف كل عام في بعض المناطق – بخلاف المخيمات التي أقيمت أوائل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي - فليست أكثر من مخيمات رياضية ترفيهية يضاف إليها بعض الثقافة الحزبية... فهي لا تؤدي مطلقاً إلى النتيجة المتوخاة من قبل الزعامة لإعداد الجيش القومي لإنقاذ الأمة من كل الأخطار والأعداء.
يتبــع ...
|