إن وضع قواعد الحقوق المدنية للشعب السوري، وابتداء الدولة السورية القومية، كانا فجر تاريخ جديد في حياة أمتنا. ولكن العمل الباقي لتحقيق أهدافنا الأخيرة كان ولا يزال محفوفاً بالمشاق والمعاثر من الداخل والخارج. فمن الداخل نفسية عهد الانحطاط الفاقدة الثقة بمواهب شعبها ومصير أمتها، المستسلمة لعوامل التفسيخ والتفكيك والتفريق. ومن الخارج المكائد السياسية للحؤول دون نهضتنا وحصولنا على سيادتنا القومية.
(نداء الزعيم إلى الشعب السوري 1/6/1940)
---------------------------
"... الحزب القومي الاجتماعي هو دولة العضو ولا يجوز أن يكون له هوية غير هويته الحزبية القومية الاجتماعية... وليس هنالك شيء يتمكن فرد من فعله لأمته ووطنه إلاّ يجد في مؤسسات الحزب أفضل وسيلة لفعله".
(من رسالة الزعيم إلى الرفيق صلاح الدين الأيوبي 11/12/1937)
"إن العقل السوري العملي لم يكن يميل إلى تخيلات فاسدة من الوجهة العملية. ولذلك فهو قد اكتفى من التجربة الإغريقية للحكم الشعبي، بواسطة الشعب أجمع، بالمشاهدة، إنه لخيال بديع، في نظر غيري، وخيال سخيف في رأيي أن يكون كل فرد من أفراد المدينة المعترف بهم "شريكاً" فعلياً في إدارة الدولة.
إن المدينة السورية ظلت محافظة على الفرق بين السياسة والاجتماع واضحاً. وهذا الفرق هو ما مكّن الدولة من إطراد تقدمها.
... إن الإسلوب الذي جرت عليه الدولة في تقدمها وارتقائها كان الأسلوب السوري الذي ارتقى في قرطاجة إلى الديمقراطية ووضوح الحقوق المدنية والحقوق الشخصية، مع بقاء الدولة شيئاً متميزاً عن الشعب، مؤسسة لا يمكن أن تعرض لعبث الجمهور". (نشوء الأمم – الفصل السادس: نشوء الدولة وتطورها)
"... سورية القومية التي تضع أمام العالم اليوم فكرة "التعبير عن الإرادة العامة" بدلاً من فكرة "تمثيل الإرادة العامة" التي لم تعد تصلح للأعمال الأساسية لحياة جديدة.
... إن التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخة في العالم كله، والبشرية بأسرها تنتظر تفكيراً جديداً تنال به سعادتها وراحتها وحريتها...
إن الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس، فتحولت إلى نوع من الفوضى لدرجة أن الشعب ذاته أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها "تمثيل" الإرادة العامة، وصار ينتظر انقلاباً جديداً. وهذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على "التعبير عن الإرادة العامة" بدلاً من "تمثيل الإرادة العامة" الذي هو شكل ظاهري جامد.
فالتفكير السوري القومي الجديد هو إيجاد طريقة جديدة اسمها "التعبير عن إرادة الشعب"... فهذه الفكرة الجديدة، أي "التعبير عن إرادة الشعب" هي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد. وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائماً كما تريد الأمة". (خطاب الزعيم في سانتياغو 25/5/1940)
ويكتب إلى منفذ عام مينس (19/9/1940) مبرراً وضع المرسوم الرابع إنه "لضبط كل شؤون الفروع" بالنظر "لانشغال الإدارة العليا المركزية...".
وضع سعاده المرسوم الرابع: لجان المديريات ومجالس المنفذيات، لإكساب فروع الحزب "حيوية" كما يقول في رسالته إلى منفذ عام المكسيك عام 1941. وبالتالي، فإن عملها ينحصر كلياً في شؤون الاجتماع، كما يؤكد في كلمته إلى منفذ عام مينس أعلاه. هذا يعني أن همَّ سعاده من تشريعه المرسوم المذكور كان "وضع دعائم ثابتة للفروع" وليس لقيادة الحزب. وأن مجلس المنفذية كسلطة إدارية في المناطق منتخبة من أعضاء الحزب، هو مجلس تمثيلي استشاري يتألف من مندوبين منتخبين من لجان المديريات.
قيادة المناطق
كان سعاده قد شرّع هذا المرسوم بعد خروجه من سجنه الثاني – أواخر العام 1936 – بعدما وجد ضرورة وجود مجالس المنفذيات كسلطة دائمة على الفروع الحزبية نتيجة الضغوطات المستمرة عليه وعلى القيادة السياسية العليا من قبل الانتداب الفرنسي – آنذاك – والمتفرنسيين والإقطاع الديني المتحالف مع الإقطاع السياسي.
فهذا المرسوم الرابع، أوجده سعاده إذاً لقيادة المناطق، في الظروف الصعبة والسهلة على السواء لتتفرغ القيادة العليا للمواضيع القومية المصيرية. لذلك نراه يحث المنفذين العامين في الوطن والمغتربات على تطبيق هذا المرسوم بحذافيره لأنه يُكسب الحزب "حيوية" كبيرة.
حدد سعاده في المواد 11-12-13 من دستوره الأساسي "خريطة الطريق" للانتقال من عهد الزعامة إلى عهد ما بعد الزعامة. وهو كان قد طلب من بعض "الأمناء" بُعيد عودته إلى الوطن عام 1947، تسلمهم رئاسة الحزب ليتفرغ للكتابة في بعض المواضيع الأساسية التي تهمّ الأمة والوطن. وقد اعتذر هؤلاء!
نقول ذلك، فقط، لنعرض أن سعاده كان قد أوضح لهؤلاء كيفية قيادة الحزب من بعده. لاسيما أنه كان قد قام خلال هذه الفترة بعملية تطهير واسعة طالت القيادة الخائنة خلال فترة اغترابه القسرية. وإنه كان قد أعاد على مسامع الرفقاء والأصدقاء والأعداء، أن خطته ما زالت هي هي للنهوض القومي وإعادة سورية إلى ماضيها الأصيل. وهذا واضح من محاضراته في الندوة الثقافية التي باشرها في كانون الثاني 1948، وفي أعماله وجولاته على المناطق في لبنان والشام لإعادة الحزب إلى "مركزيته التامة"، وفقاً للمادة الخامسة من الدستور الأساسي. وإلغاء "كل المستحدثات الغريبة" التي أقامتها القيادة المنحرفة خلال فترة غيابه (1938-1947).
ذرائع واهية
لقد كان سعاده، في عام 1938 قد أعلن بوضوح تام عن سفره وخطته المبرمجة لزيارة المغتربات السورية. وسلَّف لهذه الغاية المجلس الأعلى صلاحيات تنفيذية خلال فترة غيابه في رسالة واضحة منه إلى رئيسه – آنذاك – فخري معلوف. ولما عاد عام 1947، حلَّ "المجلس الأعلى اللادستوري" لضمه في عضويته رفقاء لا يحملون رتبة الأمانة، ولأسباب أخرى.
ومن مطالعة أعمال كل "الأمناء" والكتّاب الذين ساهموا بوضع تاريخ الحزب. لم يكتب أي منهم على الإطلاق أنه سمع من سعاده بإمكانية استعمال هذا المرسوم لاستنبات قيادة عليا: مجلس أعلى ورئاسة حزب.
أما بعد استشهاد سعاده، فقد تعالت الأصوات "الديمقراطية" داخل الحزب. كما كان الأمر خلال فترة غيابه القسرية 1938-1947. حيث عملت القيادة الفاسدة على إلغاء الزعامة وإقامة اللامركزية الحزبية خلافاً لنظامنا المركزي. بعض هذه الأصوات، تذرع واهما، بمرسوم الطوارئ الصادر في 20 يوليو 1936، وبعضهم الآخر بالمرسوم الاشتراعي الذي أنشأ سعاده بموجبه "المجلس العام" في 15 أكتوبر 1936، وبعضهم بكلام لكريم عزقول عام 1945، وآخرين قالوا أنه "لتدريب القوميين" على العملية الانتخابية، في استهداف واضح للمرسوم الرابع، بأن هدف سعاده من وضعه هو لانتخاب قيادة عليا للحزب. وهذا افتراء مشين.
لذلك، اتخذوا قرارات أواخر الستينات "لدمقرطة" الحزب عبر "إعادة الحقوق" للسوريين القوميين الاجتماعيين! وعقدوا المؤتمرات الغير اختصاصية بعد خروجهم من السجن عام 1969. بدءاً من مؤتمر ملكارت – الكارثة في تاريخ الحزب – إلى برنتانيا وإلى دوفيل و... إلى المؤتمرات المسماة نوعية! إلى المؤتمرات الموسمية التي أدرجت في الدستور – المعدل خلافاً للفكر الدستوري القومي الاجتماعي – وأضحت "مؤسسة المجلس القومي" خلافاً لتوجهات سعاده العقدية والدستورية. حتى وصلنا اليوم، إلى ما يُطلق عليه "مؤسسة المجلس القومي" لدى فريق، ومؤسسة "المجلس الاستشاري" لدى فريق آخر أي إلى ظاهرة عبث كلي بفكر سعاده الدستوري.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أننا اضطررنا إلى دراسة هذين المجلسين: القومي والاستشاري، تحت باب "المؤسسات الاجتماعية" نظراً لانتخابهما بواسطة مجالس المنفذيات في المناطق.
وما كنا لنقوم بذلك لو كان الأمر خلاف ذلك، فهذان المجلسان هما وليدا الانتخابات التي تجريها مجالس المنفذيات لانتخاب أعضاء من هذه المجالس إلى المجلسين – البدعة – القومي والاستشاري. وبالتالي نكون قد استعملنا المرسوم الرابع لغير الغاية التي وضعه الزعيم من أجلها. إضافة إلى عدم تطبيقه لتاريخه.
لقد سلبت أفكار الديمقراطية الغربية، تفكير كل القيادات الحزبية منذ استشهاد سعاده، الذي ترك لنا إرثاً لا ينضب في "الديمقراطية الجديدة". ولم يعمدوا لدرس هذا الإرث، وبالتالي إلى تدريسه خلال فترة غيابه القسرية، كما يقول في محاضرته في الندوة الثقافية في 15/1/1948. وأعادوا الكرة، إلى التجربة السالفة بعد استشهاده، إلى اللامركزية، وإلى الديمقراطية التمثيلية التي هزئ منها سعاده، وطلب إلى السوريين القوميين الاجتماعيين استبدالها "بالديمقراطية الجديدة" والتي دعاها "بالاكتشاف السوري الجديد".
إنه لمن القصور الفاضح لدى الرفقاء والأمناء – المفترض أن يكونوا أمناء على فكر سعاده الدستوري – وبخاصة ذوي الثقافة الحقوقية والقانونية منهم، أن أول تعديل دستوري أقدم عليه أول مجلس أعلى في 16/11/1951، لم يستفزهم ولم يستفز غيرتهم رغم مخالفته الدستور الذي أقسم كل منهم على صون قوانينه وأنظمته. ولم يعمد هذا المجلس الأعلى إلى تعديل نص المادة العاشرة من الدستور الأساسي التي ورد فيها: صلاحيات المجلس الأعلى في زمن سعاده!! وأصدر تعديلاته بمرسوم لا بقانون!؟ إلى ما هنالك. وقد حصل هذا دون أن ينبس القوميون الاجتماعيون ببنت شفة! وما زال الأمر يسير على هذا المنوال حتى اليوم دون أن يجرؤ القوميون على رفض هذه المخالفات. ألا يعني اتخاذ مثل الخطوات العبثية بحق دستور الحزب بهذه الخفة في موضوع التعاقد وقسم العضوية، أننا أصبحنا في حزب آخر؟
لقد استشهد سعاده فجر 8 تموز 1949، تاركاً لنا إرثاً هائلاً من الفكر الدستوري يُستدل منه على عبقريته الفذة في هذا المجال. واستشهد، وهو يعرف المستوى الفكري لرفقائه، فأوضح لهم كل هذه الأمور، غير أن قادة الحزب الأوائل لم يعملوا بهذا الإرث، ولا شك أنهم كانوا يدركون ماذا يفعلون، فهل يُغفر لهم؟ أبرزهم كان أسد الأشقر، الذي جارى "الفلانج" في كتابه "من صميم لبنان" الصادر عام 1946. وكان عرض على سعاده في مصر فكرة "تعديل الدستور" لحصر السلطات العليا في الزعامة (من رسالة سعاده إلى رفيق الحلبي 22/6/1947). وقد استفاض سعاده في عرض آراء أعضاء المجلس الأعلى الغير دستوري – والذي كان أسد أحدهم – في رسالته في ذلك الحين. لقد اتخذ أيضاً مجلس العمد – آنذاك – موقفاً مناوئاً له للتخلص من زعامته والعمل بالديمقراطية التمثيلية بديلاً عن الديمقراطية "الجديدة": التعبيرية، فكانوا غلمان في السياسة، عاملين "بالسياسات الصغرى" كما سماهم سعاده.
إلغاء الرتب
نبدأ بالفريق الأول، الذي أطلق على نفسه لقب "الانتفاضة" منذ العام 1957. لن ندخل في أسباب التسمية، التي ربما يُستدل منها، إنه جرت انتفاضة على الفساد والمفسدين، والغير عاملين بدستور سعاده. والحقيقة غير ذلك تماماً، كما سبق الإشارة آنفاً إلى أول تعديل للدستور عام 1951. وقد تقزم فعلهم ودورهم خلال نصف قرن. و"استفاق" هذا الفريق على نفسه منذ فترة وجيزة. فأجرى تعديلات دستورية "جديدة"، بعيد كل البعد عن فكر سعاده الدستوري بتاريخ 21/3/2005، إمعاناً في الاستمرار بالنهج الانحرافي الدستوري السافر.
وكان – هذا الفريق – قد علّق العمل بمرسوم الزعيم السابق الخاص برتبة الأمانة، منذ العام 1957 وما زال! وبالتالي "علّق" أو "ألغى" أيضاً كل "الرتب" الواردة في المادة الخامسة من دستور سعاده. دون توضيح الأسباب "الموجبة" أو "الطارئة" التي استدعت استمرار هذا الأمر على ما هو عليه اليوم.
هذا الفريق، الذي ابتعد عن ساحات النضال الفعلية منذ "انتفاضته" المشبوهة، لم نسمع عنه إنه واجه عمليات التقسيم لبعض أجزاء الوطن السوري لاسيما لبنان منذ العام 1975. كما لم يجنّد أعضاءه لمواجهة العدو السرطاني اليهودي في جنوبنا السوري المغتصب. أو خلال فترات غزوه للبنان لاسيما في أعوام 1978، 1982، 1996 و2006 ما قبلها وما تلاها. متجاهلاً الواجب الصراعي مع أعداء الوطن مما يخالف نهج الفكر القومي الاجتماعي المعهود. بخلاف ما حدث لدى الفريق الآخر الذي رغم المفاسد التي تتخبط فيها قياداته، فإنه وُلد في رحمه قيادات للمقاومة القومية ضد العدو المغتصب لجنوبنا السوري، أمثال: فؤاد الشمالي، فؤاد عوض، كمال خير بك وأحمد عبد الغفور ومنظمة الزوبعة الذين قاموا بأعمال أذهلت العالم.
اليوم، يحاول هذا الفريق الإطلالة بشكل "جديد"، فنجح في استقطاب بعض السوريين القوميين الاجتماعيين "القاعدين" عن العمل الحزبي "النظامي"، كما نجح في استقطاب غيرهم بشكل محدود نتيجة السمعة السيئة للفريق الآخر.
أوردنا هذه اللمحة الموجزة، لنؤكد على الغياب التام لهذا الفريق عن حقيقة الحزب العقدية والنظامية وخطة الصراعي، ما يعني إهماله العمل بدستور سعاده.
بدايةً، تمّ إطلاق تسمية "مرسوم تشريعي 1/73" على قانون أصدره المجلس الأعلى، صاحب السلطة التشريعية في الحزب.
حددت المادة السادسة منه، شروط عضوية المجلس الاستشاري. ومنها:
1- أن يكون قد مرّ على اعتناقه العقيدة وانتظامه في الحزب مدة خمس سنوات.
2- أن يكون قائماً بواجباته الدستورية.
3- أن يكون قد أظهر فهماً صحيحاً للعقيدة السورية القومية الاجتماعية...
4- أن يكون قد تحمّل مسؤولية إدارية...
أولاً: كما هو ملاحظ، إنها شروط عادية جداً، تسمح لصاحبها أن يتبوأ مسؤولية إدارية عادية جداً. ولا تسمح له بتحمل أعباء مسؤولية انتخاب أو عضوية مجلس أعلى يُشرّع لأمة ذات تاريخ مجيد، منكوبة الحظ اليوم بسلسلة "أمراض" اجتماعية وسياسية، وتُحدِّق بها الأخطار من كل حدب وصوب.
ثانياً: من يحدد نسبة الفهم العقدي الصحيح ومستواه؟ و"للنظام البديع" أيضاً. هنا لم يتم تحديد الجهة الرسمية المخولة إصدار شهادة بذلك، فلا قانون دستورياً يوضح هذا الأمر.
ثالثاً: قيام العضو بأعباء وظيفته إدارية حزبية ما قد يعني أنها ليست وظيفة مركزية في السلطة التنفيذية.
وقد ورد في المادة الثامنة من "المرسوم" ما هو موضع تساؤل لجهة دعوة مجلس المنفذية من قبل المنفذ العام لعقد جلسة برئاسته، وناموسية رئيس المجلس لانتخاب أعضاء المجلس الاستشاري. فمجلس المنفذية هو السلطة العليا في المنطقة، فلا صلاحية للمنفذ العام بدعوته للانعقاد وفقاً للدستور لاسيما المرسوم الرابع من دستور سعاده، والمادة الثالثة من المرسوم الثاني التي تتناول صلاحية المنفذ العام. وكان الأحرى القول بأن مجلس المنفذية يعقد جلسة لانتخاب العدد المحدد لعضوية المجلس الاستشاري.
كما ورد في المادة الأولى من المرسوم عدد 8 المعدل في آذار 2005، عن "انتقاء" المجلس الأعلى للهيئة الانتخابية للمجلس الأعلى، دون وضع قانون دستوري يوضح مواصفات هذه الهيئة وكيفية إجراء هذه العملية؟! وورد في المادة الثالثة من "المرسوم التشريعي رقم 1/73" أن مجالس المنفذيات تنتخب لمدة سنة واحدة أعضاء المجلس الاستشاري من الرفقاء السوريين القوميين الاجتماعيين دون تحديد مواصفات خاصة لهؤلاء الرفقاء أيضاً. والمجلس الأخير، ينتخب أعضاء المجلس الأعلى. و"يتمرس" أعضاؤه بإشراف المجلس الأعلى على تحمل المسؤوليات التشريعية... هذا مع العلم أن سعاده يشدد في مقالاته ورسائله إلى المسؤولين على ضرورة تسليم المسؤوليات، لاسيما العليا منها، إلى أصحاب الاختصاص والخبرة والكفاءة. وأن يكونوا من حملة "الإجازات" في العقيدة والنظام، ومن حملة "الرتب" التي تسمح لهم بالعمل في الحقل السياسي القومي. لاسيما بالنسبة لأعضاء يمثلون الهيئة الناخبة للمجلس الأعلى. ومن بين هؤلاء "رفقاء ينتقيهم المجلس الأعلى... على أن لا يزيد عددهم عن نصف عدد الأعضاء المنتخبين..." على أن "يتمرس" هؤلاء مع غيرهم من المنتخبين بإشراف المجلس الأعلى على تحمل المسؤوليات التشريعية (المادة 2 من المرسوم التشريعي 1/73).
مع العلم أيضاً، أنه لا تحديد لمواصفات هؤلاء الرفقاء ولا لرتبهم، ولا وجود لقانون دستوري يوضح عملية الانتقاء التي تدخل في حيز الديمقراطية الجديدة (التعبيرية). وفي هذا المجال يورد سعاده في محاضرته بتاريخ 15/1/1948: "إن نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية... (إنما) قواعد حيوية تأخذ الأفراد إلى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو حسب مؤهلاتهم ومواهبهم". واضح من قول سعاده هذا أنه من الضروري جداً العودة إلى نص المادة الخامسة من الدستور: "نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف.." فأين الرتب الملغاة أيضاً؟! فإذا كان قد جرى تعليق الرتبة العليا (الأمانة) في المرسوم السابع، فهل جرى أيضاً تعليق العمل بكل الرتب الأدنى من رتبة الأمانة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين أضحى "النظام الجديد" الذي أتى سعاده على ذكره في غاية الحزب؟
مخالفة دستورية
بالعودة إلى ما سبق، نتوقف فقط عند مسألة مشاركة أعضاء مجالس المنفذيات بانتخاب أعضاء مجلس (استشاري) له صلاحية انتخاب أعضاء مجلس أعلى يتولى السلطة التشريعية في الحزب.
أولى سعاده مجلس المنفذية صلاحيات محددة بموجب المرسوم الرابع. وعبثاً نجد له صلاحية المشاركة بانتخاب المجلس الأعلى. ولا أدري كيف يُسمح لمجلس حصر سعاده صلاحياته في حيز الاجتماع، أن يشارك بانتخاب مجلس يتولى السلطة التشريعية: المجلس الأعلى، أي مؤسسة في الحيز العام للدولة السورية القومية الاجتماعية. وأُعطي هذا المجلس الاستشاري صلاحية:
أ - الاستماع مجتمعاً في جلسة رسمية إلى التقارير والأبحاث والدراسات التي يعرضها عليه المجلس الأعلى أو رئيس الحزب بواسطة المجلس الأعلى(؟!) للاطلاع والمناقشة أو لإبداء الرأي.
ب- رفع الرأي بما يتعلق بشؤون الحزب الإدارية والسياسية والمالية إلى المجلس الأعلى.
مع العلم، أنه وفقاً للمادة الثامنة من الدستور الأساسي لسعاده، يمكن لأي رفيق أن يكتب في كل الشؤون العليا والدنيا للحزب – الدولة.
ج- رفع اقتراح معلل بإقالة أو قبول استقالة أحد أعضائه إلى المجلس الأعلى.
لن ندخل أكثر في تفاصيل هذه الصلاحيات للمجلس الاستشاري. يكفي الإشارة إلى المخالفة الدستورية في مشاركة أعضاء يعملون في المؤسسات الاجتماعية بانتخاب أعضاء مجلس يعمل في السلطة العليا السياسية للدولة القومية. ودون أن يكون هؤلاء قد حصلوا على رتب وفقاً للمادة الخامسة من الدستور الأساسي لسعاده: "الرتب والوظائف"، إضافة إلى مخالفته المادة السادسة أيضاً من الدستور التي تجيز إنشاء إدارات ومجالس... لخدمة القضية القومية الاجتماعية..." والقضية تتضمن الإيمان بالديمقراطية الجديدة (التعبيرية). ومخالفة كل كلام سعاده الوارد في بداية المقالة، لاسيما منه ما ورد في كتابه العلمي "نشوء الأمم". إضافة على أمور أخرى سيرد ذكرها في السياق.
مخالفات بالجملة
أما بالنسبة للفريق الآخر. فقد كان المجلس الأعلى قد اتخذ قراراً مخالفاً للدستور الأساسي، بالموافقة على انتخاب المجالس العليا السياسية عبر مجالس المنفذيات المنتخبة من قبل كل السوريين القوميين الاجتماعيين. لكن المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 1961، أجّلت هذه العملية لحين انعقاد أول مؤتمر قومي عام بعد الخروج من السجن في كانون الأول 1969، حيث أُتخذت توصية بهذا الشأن.
ومن الاطلاع على التعديلات التي جرت على المرسوم الرابع للزعيم لغاية تاريخه، نستدل على المأزق الواقع به هذا الفريق أيضاً. فنراه يراوح تارة في اتجاه، ثم في اتجاه معاكس. فمرة يُسمح لأعضاء هيئة المديرية بالترشح لعضوية لجنة المديرية التي تنتخب مندوباً عنها في مجلس المنفذية. ومرة أخرى يعود لإلغاء هذا الترشيح وما إلى ذلك! فمن العام 1969 تاريخ صدور أول قرار لتعديل المرسوم الرابع حتى اليوم، أُجريت على هذا المرسوم تسعة تعديلات، دون أن يُحظى بالتطبيق لمرة واحدة وفقاً لمشيئة سعاده! إلى أن صدر "قانون انتخاب المجلس القومي" بموجب القانون رقم 11 لعام 2001. وفيه تعتبر المنفذية "وحدة انتخابية"، وبالتالي أُلغي انتخاب لجان المديريات الاستشارية، دون شرح الأسباب الموجبة لهذا التعديل، لا حول تمثيل المديريات، ولا حول المواصفات التي يجب أن يتحلى بها المرشح لعضوية المجلس القومي. وهنا أيضاً أُلغي مجلس المنفذية الذي هو السلطة الفعلية العليا في المنطقة. وأُعطي الحق بالسماح للمسؤولين المركزيين بالترشح والانتخاب أيضاً. كما سُمح بالجمع بين عضوية المجلس القومي وأية مسؤولية حزبية أخرى.
ما يجب أن يبقى واضحاً، أن المرسوم الرابع للزعيم، يبقى ضمن نطاق الاجتماع (المؤسسات الاجتماعية) وبالتالي لم يؤخذ بما أورده في عبارته من نشوء الأمم، وفيها تأكيد على ضرورة "إبقاء الفرق واضحاً بين السياسة والاجتماع"، وعدم تعريض مؤسسة الدولة القومية "لعبث الجمهور".
لقد نظّم سعاده مجمل شؤون الدولة القومية. وكان يجدر بالقيادات المتعاقبة بعد استشهاده العمل بمضمون كل دستوره. لأن أي انحراف عما شرّعه فيه، يعتبر مخالفة للتعاقد معه. وقد نبه سعاده في محاضرته في الندوة الثقافية بتاريخ 18/1/1948 إلى "القواعد الارتكازية المختصرة..."، في خطابه المنهاجي لعام 1935، فيقول: "إننا ارتبطنا لنسير على سياسة واحدة في نظام له منا كل ولائنا في الحزب القائم على يقين كلي وإيمان مطلق لا سبيل، معه، إلى الشكوك".
لا بد من الإشارة، إلى أن سعاده، كان قد حاول جاهداً تطبيق المرسوم الرابع: لجان المديريات، مجالس المنفذيات، لأنه يُكسب الحزب "حيوية"، كما يقول في رسالته إلى منفذ عام المكسيك عام 1941. ولم يفلح في مسعاه في حياته الحزبية القصيرة – كما ورد في الحلقة الخامسة – وقد قصّر المسؤولون بعده في تطبيقه. فكان هناك محاولات بائسة ويائسة من قبلهم لتطبيقه، بخلاف مبتغاه. كما أعلنوا بوقاحة خلال غيابه (1938-1947) في إحدى جلسات المجلس الأعلى "اللادستوري" إلغاء سلطة الزعامة والاتجاه بالحزب نحو الديمقراطية التمثيلية.
وكما سبق وعملوا قبيل عودته عام 1947، "خائنين" القسم الذي أدوه تجاه الزعامة. فكان موقفه من هذه "الشعوذات" الدستورية بُعيد عودته، بأن حلّ هذا المجلس الأعلى وطرد الخائنين، وأعاد الحزب إلى مسيرته الصحيحة والقويمة، إلى "المثالية الأولى"، أي إلى الخطة التي اتبعها منذ السنوات الأولى لتأسيسه حركته النهضوية.
بعد استشهاده عام 1949، عادوا إلى سيرتهم الأولى. إلى مخالفة خطته التي كان عاد وذكّر بها بُعيد عودته من مغتربه القسري. أي إلى مرابع الديمقراطية التمثيلية. فأقام فريق "الانتفاضة" ما أُطلق عليه "المجلس الاستشاري". وأقام الفريق الآخر بعد مؤتمر - الخيانة العقدية والنظامية – ملكارت عام 1969، ما أُطلق عليه "المجلس القومي". والمجلسان المذكوران ينتخبان عبر المرسوم الرابع بخلاف ما أشار عليه سعادة، أي بمشاركة رفقاء يحملون رتبة الأمانة (لدى فريق) مع رفقاء منتخبين عبر المرسوم الرابع (مؤسسة اجتماعية) ورفقاء منتخبين لدى الفريق الآخر مع رفقاء يجري اختيارهم من قبل المجلس الأعلى دون رتب، بخلاف ما يشير إليه سعاده في كلمته في نشوء الأمم. لأن العمل في الحقل السياسي يستوجب "اجتياز امتحان" والحصول على رتبة وفقاً لإيمانه وجهاده. وبالتالي، لم يعمل الفريقان بهذا المرسوم الصادر عام 1937 لتاريخه.
الأجهزة الرقابية
كان سعاده قد أصدر مرسوماً اشتراعياً بتاريخ 15 أكتوبر 1936، انشأ بموجبه ما أُطلق عليه "المجلس العام" لمؤازرة مجلس العمد في بعض المهام التي يطلب الأخير من الأول درسها ورفع الاقتراحات بشأنها إليه. ويذكر سعاده، في حيثيات وضع المرسوم ما يلي: "ولما كان نمو الحزب وضبط أعماله يقتضيان اشتراكاً أوسع في الأعمال والمسؤوليات".
ويُنتخب هذا "المجلس العام" عبر مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات، ولمدة سنة واحدة. ويتألف هذا "المجلس العام" من "ممثلي المنفذيات المنتخبين من مجالسها" وإن صلاحيته النظر في موازنة الحزب وإقرارها أو تخفيضها وإقرار الضرائب العامة أو إنقاصها. والإطلاع على إدارة الخزينة وحسابات المالية... وصلاحية بحث المسائل التي يعرضها عليه مجلس العمد لإبداء الرأي وإعطاء تقرير استشاري فيها...".
وضع سعاده هذا المرسوم الاشتراعي خلال فترة سجنه الثاني (26/6 – 12/11/1936) بعدما كان قد وضع شرح المبادئ. والواقع أن الحزب كان خلال هذه الفترة في معارك سياسية عنيفة مع الانتداب الفرنسي. لذلك وضع مرسوم الطوارئ في 20 يوليو 1936. كما استكمل وضع عدة لجان ومؤسسات حرصاً منه على استمرار الأعمال، نتيجة اعتقال بعض القيادات، وهذا ما يكتبه إلى سلمى صائغ في رسالته إليها خلال هذه الفترة من عام 1936: "وقد أنجزت... أهم شغل في بناء الحزب منذ إنشائه، أي تكوين "جذعه" الذي هو عدة هيئات ومجالس دنيا وعليا. فقبل هذا الإنشاء الجديد كنت أتصور الحزب رأساً وأعضاء بدون صدر وأكتاف، أما الآن فهو هيكل حي تام قابل للنمو".
مما لا شك فيه، أن سعاده قد وضع دستور الحزب بالتتابع، مستشرفاً عملية الإنقاذ الدستورية لبلاده وشعبه. ومما لا شك فيه أيضاً، أنه أخذ في الحسبان أيضاً أوضاع البلاد التي تشهد عواصف سياسية وحربية عاتية داخلياً وخارجياً. لذلك وضع مرسوم الطوارئ عام 1936. ثم وضع مرسوم "المجلس العام" – الذي عاد وعدّله بعد خروجه من سجنه الثاني. والذي كان قد وضعه لمراقبة الأجهزة العاملة في الحزب، التي كانت موضع شك من قبله، بالنظر لقلة تجربتها، وللمواقف "الشاذة" لبعض قادتها أمثال صلاح لبكي الذي عيّنه خلال هذه الفترة نائباً للزعيم ولفترة وجيزة جداً ولمرة واحدة فقط. وكانت كل هذه الأعمال مجرد ترتيب مؤقت في ظروف طارئة.
كتابات مخالفة
بعدما وضع هذا المرسوم الاشتراعي، عاد وعدل عن رأيه بعد تصنيفه للدستور في كانون الثاني 1937، وتخلى عن كل الاستثناءات بعد هذا التاريخ ومنها مرسوم الطوارئ الذي كان لحالة ظرفية طارئة وزال بزوالها، والحالة نفسها بالنسبة للمرسوم الاشتراعي "المجلس العام" الذي كان صاغه لمراقبة أعمال مجلس العمد خلال فترة غيابه في السجن. لذلك لا يصح على الإطلاق اعتماده كصيغة مستقبلية لانتخابات من "القاعدة" كما هو حال المجلسين الاستشاري والقومي.
وجرياً على هذه الحالة، كتب بعض المسؤولين في الحزب، بضرورة الأخذ بهذه الحالة دون تمحيص وذكر الأسباب الدستورية الموافقة.
فكتب الدكتور منير خوري في كتابه "سفينة حياتي" الصادر عام 2003، في الصحفة 171 ما يلي: "خامساً: تطبيق المرسوم الرقم 4 من المواضيع الأساسية التي نصّ عليها الدستور ولم يطبق جدياً في أية مرحلة من المراحل. حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، المرسوم الدستوري الرقم 4 الذي ينص على ضرورة تأمين التسلسل الهرمي من هيئات المديريات، إلى لجان المديريات، إلى مجالس المنفذيات، وصولاً إلى المجالس العليا. وللتذكير هنا هذا الموضوع الهام المتعلق بكيفية تأمين التسلسل الهرمي، كما جاء في المرسوم الرقم 4، كان قد بُحث وأقره المجلس الأعلى عام 1961، ولم يتحقق بسبب انشغال السلطة الحزبية يومها بالتحضير للانقلاب..." ويتابع أن مجلس المنفذية يمكنه المساعدة باختيار الأمناء والمرشحين للنيابة.
كما كتب الدكتور سامي الخوري في الصفحة 26 من كتابه "أمل لا يغيب: الإنسان والحزب والوطن الصادر عام 2007: "نظم دستور الحزب العلاقة القائمة بين السلطة التنفيذية المعينة هبوطاً من الزعيم إلى مدير المديرية وبين السلطة التشريعية الصاعدة من لجان المديريات ومجالس المنفذيات.
في عهد سعادة لم يطبق هذا التيار الانتخابي لأن عملية الانتخاب كما يراها الحزب عملية يجب أن تكون صافية مجردة عن كل نزعة فردية أو عائلية إقليمية أو طائفية، ولا تعتمد إلاّ على مؤهلات العضو المنتخب وإمكانياته الحزبية. وخوفاً من أن تعود المفاسد الاجتماعية التي قام الحزب لمحاربتها والقضاء عليها فتدخل جسم الحزب من خلال عمليات الانتخاب فإن سعادة تريث في تطبيق هذا الجزء من الدستور حتى يصبح واثقاً من أن الانتخابات سوف تتم على قواعد المناقبية القومية الاجتماعية والأسس الحزبية الصحيحة. رغم أنه كان قد تحدث عن إمكانية إجراء مثل هذه التجربة في مناطق حزبية مختارة إذ يبدو أنه كان واثقاً من أنه بوجوده على رأس الحزب قادر على ضبط هذه التجربة ضمن قواعد الحزب وسلوكيته".
وكان كريم عزقول قد سبقهما إلى سلك هذا المنحى في كلمة له عام 1945. لقد أوردت عدة عبارات لسعادة في المقالة السابقة حول مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات، يؤكد فيها على طلبه الشديد بضرورة تطبيق هذا المرسوم حتى على فروع عبر الحدود، مما يؤكد على عدم "تريث" سعادة في عملية تطبيقه إطلاقاً منذ الكشف عن الحزب. ووضع سعادة المرسوم التشريعي "للمجلس العام" عام 1936 لرقابة مجلس العمد خلال فترة غيابه في السجن، يؤكد أيضاً على هذا الاتجاه. ولو أن الأمر غير ذلك، لكان سعادة بعد تصنيفه للدستور عام 1937 قد عاد إلى هذا المرسوم لانتخاب قيادة جديدة للحزب... وهذا ما لم يفعله لأنه يناقض الأساس الذي أقام عليه بناءه الدستوري بشكل عام.
تعدي وانحراف
وهنا لا بد من العودة للتوقف ملياً، عند مؤتمر ملكارت الذي شكّل نقطة سوداء في تاريخ الحزب، ولانطلاق "الشرارة" الأولى للطعن بسعادة عقيدة ونظاماً، "لتجرؤ" الأعضاء المشاركين فيه وإقدامهم على ارتكاب أمرين خطيرين: أولهما إلغاء المرسوم السابع: الرتبة العليا – الأمانة، مجاراة لما كان أقدم عليه الفريق الذي أطلق على نفسه اسم "الانتفاضة" عام 1957، وسجل في هذا الأمر سبقاً على الفريق الآخر في انحرافه عن جادة الصواب للفكر الدستوري لسعادة، وثانيهما إجراء تعديل في عقيدة الحزب طاولت الشأن الاجتماعي فيه: بإعلان اشتراكية الحزب. وقد جارى بعض القوميين هذه الانحرافات، فكتب عن "اشتراكية قومية اجتماعية" وما شابه!
انقل من كتاب "الكلمات الأخيرة" لإنعام رعد الصادر عام 2002 في الصفحة 157 ما يلي حول مؤتمر ملكارت:
"هناك سؤال ربما طُرح، هل كانت مقالات السجن هي المؤشر إلى مؤتمر ملكارت، أم أن الحزب حدّد يساريته وحدّد اتجاهاته في 1960 – 1961؟. أنا أريد أن أكون صريحاً، مؤتمر ملكارت شكّل مفصلاً كبيراً في تاريخ الحزب، صنعه وبناه الحزب. وإذا كان لا بد من تقدير دور الأفراد إلا أن دور هؤلاء كان دوراً في البناء، ولم يكن هو البناء".
أنا أعتز بدوري في ملكارت، وفي التمهيد لملكارت. وأسند ذلك إلى وثائق. ولكنني لا أقول إنني جئت بملكارت. لقد جاء بملكارت القوميون الاجتماعيون. والذي دعا إلى مؤتمر ملكارت هو رئيس الحزب الدكتور عبد الله سعاده، والذي أقره هو ذلك المجلس الأعلى المهم جداً، الذي استن قاعدة لا يجوز أن نمر بها أو نغفلها من دون التوقف ملياً أمامها، فملكارت عُقِد وليس هناك قانون دستوري للمؤتمرات، وليس له صلاحيات، سوى مجرد مؤتمر تشاور، ولكن المجلس الأعلى احترم الإرادة العامة التي عبّر عنها ملكارت، وجعل توصياته بمثابة نهج في الدستور، ونهج في الفكر والسياسة. احترام الإرادة العامة هو أساس الدساتير، وهذه قاعدة مهمة كرّسها المجلس الأعلى الذي كان برئاسة الأمين الدكتور منير خوري، وكان لي شرف عضويته.
إذاً ملكارت هو وليد المؤسسات والقوانين الاجتماعية، ولكن من دون قانون دستوري. لذلك هناك من قال إن التأسيس لملكارت كان في العام 1960. أنا مع القول أنه في العام 1960 كانت هناك إرهاصات عامة حول يسارية الحزب، ولكن من الواضح أن هذه الإرهاصات لم يكن لها مضامين. والمستند على ذلك بيان رئيس الحزب الدكتور عبد الله سعاده بتاريخ الأول من حزيران العام 1969، أي عند الدعوة إلى ملكارت، والموجه إلى القوميين الاجتماعيين حول المؤتمر العام، يقترح فيه برنامجاً للمؤتمر، ويرد في البند السابع فيه بالنص: "توضيح يسارية النهضة القومية الاجتماعية وشمول مفهومها الاجتماعي على اشتراكية خاصة في النظام الاقتصادي وتوضيح هذا النظام، ومدى تلاقي النهضة مع حركات الأنظمة اليسارية في أمتنا والعالم العربي".
إلى أن يقول في الصفحة 166: "حقق مؤتمر ملكارت انجازاً أو انعطافاً وخطوة نوعية للحزب في ولوجه معترك الأحداث..."
وحول التوصيات الدستورية" الصادرة عن هذا المؤتمر التي شكلت طعنة نجلاء إلى دستور سعادة، جاء ما يلي:
توصيات اللجنة الدستورية
"نشأت الحركة القومية الاجتماعية على أساس ديمقراطي تعبيري فقامت على تعاقد حر بين الأعضاء والمؤسس. وبعد استشهاد مؤسس النهضة القومية الاجتماعية شرعت المؤسسات استناداً إلى سابقات حزبية مرسوماً يقضي بانبثاق السلطة الحزبية من الأمناء الذي يعتبرون النخبة المختارة في الحزب المعبِّرة عن إرادة القوميين الاجتماعيين. فكان لهذا التدبير الدستوري مبرراته، ولكنه كان يتسم دائماً بطابع التدبير المؤقت، لأن دستور الحركة القومية الاجتماعية الأساسي الصادر عام 1937، في المرسوم الدستوري الرابع، نص على قيام لجان المديريات المنتخبة ومن بعدها قيام مجالس المنفذيات المنتخبة أيضاً، لتدريب القوميين الاجتماعيين على ممارسة حقهم الانتخابي وتحمل مسؤولياتهم المباشرة.
إلا أن الجسر الجامع بين مجالس المنفذيات المنتخبة لم يتم وصله بالمجلس الأعلى الذي هو السلطة التشريعية والتقريرية العليا في الحركة القومية الاجتماعية. وذلك بسبب التعرض الدائم للاضطهادات العنيفة.
وقد رأت الحركة القومية الاجتماعية ضرورة إقامة هذا الجسر لكي يأتي المجلس الأعلى منبثقاً من القاعدة الحزبية عامة بالانتخاب. وبالفعل فقد قام المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1961 بتعدل الدستور لجهة تأمين هذه القاعدة، إلا أن حدث الانقلاب وما تبعه من حل للحزب السوري القومي الاجتماعي، وتعذر قيام السلطة الدستورية حال دون إعلان هذا التعديل والعمل بموجبه.
واليوم إذ عاد القوميون الاجتماعيون إلى دراسة حركتهم وتقييمها تقييماً حراً ومسؤولاً، فقد أجمع أعضاء المؤتمر الثلاثمائة على وجوب انبثاق السلطة الحزبية في حال قيامها من القاعدة انبثاقاً ديمقراطياً بالانتخاب الشامل، مع امتناع ستة أعضاء فقط عن تبني هذه التوصية.
كما رفعت اللجنة الدستورية اقتراحاتها في كيفية تأمين هذا الشأن، وتركت للاختصاصيين صياغة دستورية سليمة، لأن هذا التعديل سيشمل بالضرورة جميع المواد الدستورية المتلازمة.
إن هذا التعديل المقترح لا يخلو من بعض المضاعفات في حزب تعوّد على المركزية الدقيقة والنظامية الكلية. ولكن القوميين الاجتماعيين قد برهنوا خلال فترات الشدة والرخاء على جدارتهم بتحمل هذه المسؤولية. وعلى قدرة فذة في الصمود والصلابة، بحيث لم يعد جائزاً أن تحصر السلطات في النخبة المختارة أي الأمناء. لأن المسؤولية وحدها تدرب المناضلين وتمرسهم لكي يصبحوا جميعهم نخبة مختارة.
ومما تجدر ملاحظته أن جميع الأمناء الذين حضروا المؤتمر كانوا من هذا الرأي".
ويختم عبد الله سعادة البيان الصحفي (28/12/1969) لهذا المؤتمر بالتالي:
"لقد أجمع المؤتمرون على أن فقدان الارتباط الكافي بين قمة الحركة وقاعدتها كان من أسباب التعرض للأخطاء والنكسات، لذلك أجمع المؤتمر – كما ورد في التوصيات الدستورية – على وجوب انبثاق السلطة من القاعدة".
واضح من هذه التوصيات مخالفتها للفكر الدستوري لسعادة. إذ لم يوضح الكاتب، على سبيل المثال طابع النظام الذي يتّسم بطابع "التدبير المؤقت" والمقصود به "انبثاق السلطة الحزبية من الأمناء".
وكأنما سعادة "أورثنا" نظاماً مؤقتاً في حياته. لنعود نحن ونقيم نظاماً آخر يتسم بطابع "التدبير الدائم" بعد استشهاده. مع العلم أنه وضع لنا كل ما نحتاجه في حياته وبعد استشهاده. فقد وضع لنا النظام الأساسي بقواعده القانونية، كما وضع الملامح الأساسية للنظام المرتقب بعد استشهاده. لكننا غضّينا الطرف عنها، وأقمنا تعديلات هي نقيض دستوره الأساسي (المواد أل 14 الأول). وفعلنا ذلك قصداً، كما كان سبق للقيادة الفاسدة أعوام (1938 – 1947) أن أقدمت عليه خلال فترة اغتراب سعادة القسرية، عندما أدخلت إلى عضوية المجلس الأعلى – آنذاك، أعضاء غير أمناء. واعتبره سعادة "لا دستورياً" لذلك حلّه رأساً بعد مجيئه في نيسان 1947. إضافة إلى أسباب أخرى منها: "الواقع اللبناني" و"اللامركزية" و....
غاية الحزب
من جهة أخرى، لا حقَّ لثلاثمائة أو أكثر من الأعضاء أو الأمناء أن يقوموا بتعديل نص قانوني أساسي من دستور سعادة. ومن جهة ثالثة، أيضاً، أن نظامنا وفقاً للمادة الخامسة منه "مركزي" ولا حاجة للحديث عن "مضاعفات" في هذا المجال. كما يجب حصر السلطات العليا على المستوى السياسي بالنخبة العلمية وأصحاب المؤهلات والكفاءات العليا، خلافاً لرأي رعد وغيره من الأمناء أو الرفقاء. هذا هو نظامنا "البديع" عطية سورية للإنسانية جمعاء. لقد آمنا بسعادة، الذي هو طرف أول في التعاقد (مقدمة الدستور). ونحن كلنا من أول عضو أنتمى إلى هذه النهضة العجيبة حتى اليوم، ومهما كان عددنا نبقى طرفاً ثانياً. فالعدد لا يقرر شأناً نوعياً آخر. وسعادة وحيداً مؤسس القضية ولا أحد شاركه فيها على الإطلاق. مما يعني أنه لا يمكننا أن نُعدّل أية مادة من دستوره الأساسي أي "النظام الجديد الذي هو في "غاية الحزب".
لقد واجهت ثلة من السوريين القوميين الاجتماعيين هذه الانحرافات عن جادة صواب الفكر الدستوري القومي الاجتماعي، فكان الطرد نصيبها. وأصدر بعضهم بيانات وتصريحات ترفض مقررات المؤتمر لاسيما: إلغاء التعاقد، رتبة الأمانة واشتراكية الحزب... حدثت خلال هذه الفترة سلسلة أحداث حزبية داخلية، إلى أن عقد "مؤتمر دوفيل" (5-8 نيسان 1975) وصدر على أثره توصيات قضت بإعادة العمل برتبة الأمانة وبأن يتألف المجلس الأعلى من الأمناء.
وتعليقاً على هذا المؤتمر يقول رعد في الصفحة 82 من كتابه: "هذا المؤتمر، الذي عُرف بمؤتمر دوفيل، عُقد خلال الشهر الأول تقريباً من انتخابي لرئاسة الحزب ودُعي إليه جميع المسؤولين والأمناء منذ العام 1958 طرح المجلس الأعلى خلاله سؤالين حول موضوع انبثاق السلطة: هل يتم من المجلس الأعلى أو من الأمناء؟
ويتابع: "وبنتيجة النقاش، كما ورد في النص المدرج في النشرة الرسمية، "إن المؤتمرين لم يُجمعوا على خيار، بل الخياران بقيا أمام المجلس". هنا شكّل المجلس الأعلى لجنة، وأعتقد أنه أخذ اتجاهاً نتيجة مداولات أجراها. أنا كنت أرى بأن تجربة المجلس القومي شابتها أخطاء ولكن من الظلم أن يُحكم عليها من مرة واحدة، فيما أن تجربة الأمناء قد مضى عليها زمن طويل.
كنت أرى أن الحل هو في إيجاد مجلس قومي يضم الأمناء وممثلي مجالس المنفذيات، فتقدمت، كرئيس للحزب، بهذا الاقتراح خطياً، ويشير المجلس الأعلى عند سنّه القانون الدستوري، بأنه تلقى رسالة من رئيس الحزب من دون أن يذكر مضمونها.
المجلس الأعلى أخذ خياراً هو "دمقرطة" الأمانة، أي جعلها تمر في المصافي الحزبية، أي أنه أعطى الأعضاء حق الطعن بالمرشح لنيل رتبة الأمانة، بعد تعميم أسماء المرشحين، بحيث لا تبقى عملية المنح في دائرة مغلقة بين رئيس الحزب والمجلس الأعلى، كما كان يجري قبل إلغاء الرتبة. لقد ترك نافذة صغيرة لاحتمال إعطاء مجالس المنفذيات، عندما ينتظم أمر الحزب ويعاد تنظيم هذه المجالس، حق انتقاء ممثلين عنها إلى المجلس القومي، فالمجلس لمّح إلى هذا الاحتمال من دون أن يقوله صراحة. هذا الموضوع المتعلق بانبثاق السلطة في الحزب انتهى على النحو الذي ذكرنا وألغي المجلس القومي، وأصبح هناك مصاف حزبية لاختيار الأمناء، وهذه تجربة تستحق أن نتوقف عندها.
استمر سعينا ضمن المؤسسات، حتى جاء العام 1980، وفي لجنة دستورية عينها المجلس الأعلى، إلى توافق على اقتراح بإنشاء "مؤسسة المؤتمر القومي الاجتماعي العام" أولاً، وعلى اقتراح أن تختار المنفذيات ممثلين لها إلى المجلس القومي ثانياً، وهذا تطور مهم، وهو حصل ضمن الحزب الموحد، وبإجماع الرأي، وكان مفروضاً، أن يكون هذا هو الأمر النهائي والحاسم في شأن انبثاق السلطة، عكس ما وجدنا في الآتي من السنين، لأن هذا هو الاختيار الحقيقي للحزب بعد كل التجارب التي مرت".
اخترت هذه اللمحات والاقتراحات والتوصيات من بعض المؤتمرات لأدلل على مدى الهوة السحيقة التي هوى إليها "قادة الفكر" و"القانون" في الحزب. ولأدل على نية الابتعاد الكلي لهؤلاء عن فكر سعادة الدستوري والعقدي. ولأؤكد على أن الحزب الذي لا تنتظم مؤسساته، كما شرّعها الزعيم، بشكل سليم وكما أراد هو منذ البداية محكوم بالفشل في كل أعماله على الإطلاق. وتلك كانت حصيلة كل هذه التعديلات التي شكلت تعديات على سعادة وفكره ونظامه.
وما زالت هذه التعديلات – التعديات مستمرة لمزيد من الانحراف والتهاوي والسقوط، وآخرها لدى فريق في أيلول من العام المنصرم. وطالت التعديلات، مراسيم لسعادة لم يُعمل بها إطلاقاً وفقاً لمشيئته: مجلس العمد، لجان المديريات ومجالس المنفذيات، قانون الضرائب المحلية، رتبة الأمانة و... وغاب عن الأبصار عدة مراسيم – أيضاً لسعادة لم تُضم لكتاب الدستور الجديد الصادر عام 2010 مثل: مرسوم لجنة النقد العقائدي (26 نوفمبر 1947)، مرسوم الشُعب السياسية (26 أبريل 1948) وغيرهما...
وبالعودة إلى المرسوم الرابع، نرى أن هذا المرسوم لم يُطبق كما شاء المشرِّع. فقد استُعمل لابتداع "مجلس استشاري" و"مجلس قومي" يناقض كلمة سعادة الواردة في كتابه العلمي "نشوء الأمم" – الواردة في بداية المقالة – "بقاء الدولة شيئاً متميزاً عن الشعب، مؤسسة لا يمكن أن تعرض لعبث الجمهور؟؟؟
فنحن ملزمون بدستور سعادة كما شرّعه هو ولسنا ملزمين على الإطلاق بما يُشرعه ما يُسمى "مؤسسة المجلس الأعلى" خاصة إذا كان مخالفاً لدستوره الأساسي. فواجب المجلس الأعلى التشريع بشكل يوافق النصوص الدستورية ووفقاً لصلاحياته المحددة كسلطة تشريعية في حدود النص القانوني، كمؤسسة من مؤسسات الحزب – الدولة. هذا هو معنى تعاقدنا معه في حياته وبعد استشهاده. وهذا ما يلمح إليه سعادة في مقدمة دستوره: "تأسس الحزب بموجب تعاقد بين الشارع (المشترع) صاحب الدعوة وبين المقبلين على الدعوة..."
فنظامنا في الحزب – الدولة، يعلن مواصفات محددة، لمن هم جديرون لتسلم مسؤوليات في القيادة العليا السياسية للدولة: مجلس أعلى، رئاسة حزب، محكمة مركزية، مجلس عمد، مكتب أساسي... ومنها أن يكونوا أصحاب إدراك عالي، لاسيما في ظروف أمتنا الحاضرة والظروف الدولية المحيطة بها حيث تتزاحم المشاكل والأخطار من كل حدب وصوب. لذلك أناط سعادة أصحاب الإدراك العالي العمل في الحقول العليا للدولة، وحصر عملية انتخاب هؤلاء بأصحاب الإدراك العالي والمؤهلات والخبرات لذلك تحدث عن "الانتقاء" وليس الانتخاب.
ففي حين يطلب منا سعادة تطبيق كل المرسوم السابع "الأمانة" بحذافيره، ووفقاً للمواصفات المحددة فيه، نرى أن القيادات اللاحقة عملت على "تعليق" هذا المرسوم وعطلته بمفاسدها وعللها السقيمة. والقوميون الاجتماعيون "بحكم النظام" يسكتون!! هل تعاقدنا مع سعادة أم مع تلك وهذه القيادات"؟
المجلسان الاستشاري والقومي مخالفان لفكر سعادة الدستوري انطلاقاً من ضم الأول رفقاء منتخبين من مجالس المنفذيات أو "منتقين" من قبل المجلس الأعلى، والثاني لضمه رفقاء منتخبين من مجالس المنفذيات إضافة إلى الأمناء. هؤلاء يشاركون في انتخابات أعضاء المجلس الأعلى في كلا التنظيمين. هذا المجلس الذي يُنتقى وفقاً لسعادة من أصحاب المؤهلات والإدراك العالي و... من حاملي رتبة الأمانة (المادتان 12 و13 من الدستور الأساسي) واستناداً إلى كلمته المثبتة في بداية المقالة من كتابه العلمي "نشوء الأمم" وخطابه في سانتياغو عام 1940.
يبقى، وحده "الرفيق" فخري معلوف، وحيداً، الذي اعتبره سعادة "عماد" النهضة القومية الاجتماعية، هو من وعى خطورة تفكير سعادة الجديد، وفهم نظرة سعادة إلى الدولة القومية الاجتماعية، فكتب في آب 1940 مقالتين في جريدة السمير النيويوركية: الأولى "الديمقراطية الجديد" والثانية "رسالة سورية الجديدة إلى العالم". والتي جاء في مقدمتها: "استعرضت في عدد سابق من "السمير" النظم الأوروبية المتطاحنة على ضوء فلسفة الديمقراطية وأبنت أن جميع هذه الأنظمة تمثل بعض نواحي الديمقراطية وأن ليس فيها نظام يمكن أن يدعي احتكارها إذ هي ما تزال مثالاً أعلى تتجه الإنسانية إليه ولم يتحقق بعد. وأشرت أو بالأحرى لمحّت إلى أن سورية تستطيع أن تكون مطلع النور الجديد للعالم مرة أخرى بإنشائها النظام المثلى (المثالي) للحكم الذي يصبح أنموذجاً للأمم تنسج على منواله وتبني على مثاله".
لقد كان سعادة، في خطابه المنهاجي عام 1935 قد رفض النظام البرلماني الذي لا قدرة له على التكييف"، كما كتب عدة مقالات يرفض فيها هذا النظام داعياً للأخذ بالنظام الجديد. لأنه وجد أن تقرير مصير الأمم في عالم النزاعات التي كان شاهداً عليها، لا يقرره تصويت كل أبناء الشعب المغشوشين بأصحاب الرساميل وتجار السياسة، لاسيما شعبنا في سورية، الذي رزح تحت نير الذل والاستعباد والاستعمار العثماني (لمد
|