1- عمدة الاقتصاد.
2- مجلس المنفذية.
"إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة".
المبدأ الإصلاحي الرابع – عام 1932
"الاقتصاد القومي: لعل أعظم نقاط ضعفنا فيما يختص بشؤوننا الاقتصادية إننا لا نزال بعيدين جداً عن مبادئ الاقتصاد القومي. إننا حتى الساعة لا نفقه جيداً أن قضيتنا الاقتصادية قضية قومية قبل كل شيء.... إن مسألتنا الاقتصادية يجب أن تكون مسألة شعب يريد هو أن يتولى أموره بنفسه..." أزمتنا الاقتصادية (المجلة عدد 3 مجلد 8 - 1933.5.1)
"إن أمماً كثيرة، قوية، كانت أمامنا أشواطاً ومراحل في التفكير الاجتماعي – الاقتصادي، كان ذلك في عهد مضى، أما الآن فإن نهضتنا القومية الاجتماعية قد جعلتنا في مقدمة الأمم الثقافية المتمدنة من هذا القبيل. فنحن لا نفتقر إلى قواعد اجتماعية – اقتصادية من الخارج. بل نحن نقدر أن نساعد غيرنا ونعطي من تفكيرنا. ولم تبق "الأمم الراقية" أمامنا إلا في المسائل الآلية، من صناعية وغيرها...
والحزب السوري القومي الاجتماعي، هو الوحيد، من بين جميع الأحزاب السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية، التي نشأت في العقود الأخيرة في أوروبا وأميركا، الذي أوجد عقيدته الاجتماعية منذ أول تأسيسه... فقد نظر الزعيم في مستقبل الأمة وما يجب أن تصل إليه من الارتقاء والبحبوحة والعدل الاجتماعي – الاقتصادي".
"العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمكراتيين عن عقيدة" سعادة 1942.6.15
"...لا بد للعالم من أن يجد نظاماً سياسياً اقتصادياً موحداً، يوزع العمل والإنتاج ويشرك الجميع في الرأسمال الطبيعي أو الثروة الطبيعية.
ولكن إيجاد هذا النظام يشكل قضية سياسية شديدة التعقد لكثرة المصالح المتضاربة الداخلة فيها. فإن هناك مجتمعات تتمكن اليوم من التمتع بمستوى عال جداً من المعيشة ومن اكتناز مقادير كبيرة من الثروة لا تجد مبرراً للتنازل عن الموارد التي تؤمن هذا المستوى العالي من المعيشة، واشتراكها في بحثٍ القصد منه إيجاد نظام عام إنساني لتوزيع العمل والإنتاج وموارد الثروة...". العمال (النهضة – عدد 25 - 1937.11.11)
ونُفاجأ عند قراءتنا الصفحات الأولى من دستور سعادة أنه دستور دولة بكل معنى الكلمة. فغاية الحزب واضحة لهذه الجهة، وهي خير دليل: "بعث نهضة... تعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها... وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها..."
والنهضة تعني النهوض بالمجتمع والدولة على كافة المستويات، وكلمات مثل الحيوية، القوة، ورفع مستوى الحياة. ولا تكون نهضة الأمة إلاّ بما تمتلكه من موارد اجتماعية واقتصادية في باطن الأرض القومية. وشعبنا – كما يقول سعاده في نشوء الأمم – خلال تاريخه كان يستولد إمكانات الأرض لتفيض خيراً على الأمة.
فعملية اكتشاف الموارد ونبشها، ومعرفة قيمتها الاقتصادية المعيشية، وإنشاء المصانع الكبرى لجعلها صالحة للاستعمال في الآلات الصناعية... ومن ثم تصدير ما أمكن منها، هي عملية خلاقة تُبعد عنا الهيمنة، وتفتح أمامنا أسواقاً وراء البحار كما كنا في غابر الزمان.
لذلك، تلمح في المادة الثالثة من المرسوم الدستوري الأول (مجلس العمد) وجود مصلحة عامة رئيسية هي عمدة الاقتصاد. هي مؤسسة من المؤسسات الضرورية لقيام الدولة وبناء المجتمع. فلا دولة بدون مؤسسات انتاجية من زراعية أو صناعية أو... وقصد سعادة من وجودها إعادة بناء مؤسسات اقتصادية.
هو إذن، ليس دستور جمعية من جمعيات كيانات وطننا، هو دستور دولة. ويجب التعامل معه على هذا الأساس، وإلاّ نقع في خطيئة كبرى.
انكشف أمر الحزب... أواخر العام 1935. وضبطت سلطات الانتداب الفرنسي بعض أوراق الحزب، ومن ضمنها مرسوم غير موقع من قبل الزعيم يتضمن إنشاء "الشركة السورية التجارية".
أول ما يتبادر إلى الذهن من هذا المرسوم، أن سعاده أراد إنشاء مؤسسات على اختلافها، ومنها مؤسسة اقتصادية تؤمن استقلالية الحزب المالية لتتأمن استقلالية القرار القومي.
وكان يجب أن يكون تأسيس المؤسسات الاقتصادية في الحزب مثالاً يُحتذى منذ ذلك الحين.
تأسيس الدولة
لا نعرف الكثير عن هذا المرسوم، ولا ما تضمنه، ولا تفاصيله وبنوده وعدد صفحاته، ولا موقعه ضمن مؤسسات الحزب... ولكن يمكن أن نستشف أن سعاده أراد منذ البداية، أن يعيد تأسيس دولة (التي هي شأن سياسي وحقوقي) عصرية في بلاده المتخلفة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، والمفككة على الصعيدين الجغرافي والديموغرافي. وإن عملية التأسيس هذه، كما هو واضح من الدستور، تستلزم قيام مؤسسات جديدة على كل الصعد تعيد إلى الأمة "حيويتها وقوتها".
نقع في دستور سعاده على كلمة اقتصاد في:
- المادة الأولى: غاية الحزب، "بعث نهضة" ... النهضة بمدلولها الشامل، والتي تتضمن كل قضايا المجتمع والدولة، ومن ضمنها النهضة الاقتصادية. وهي أشمل معنىً من التنمية التي يغلب استعمالها اليوم.
- المادة السادسة: ينشئ الزعيم... هيئات اقتصادية لتعاونه في إدارة الحزب وخدمة القضية القومية... وهذه تعني مؤسسات متخصصة بالموارد الطبيعية القومية وكيفية استغلالها لرفع مستوى حياة الشعب. حيث تدرس هذه الهيئات الأوضاع الاقتصادية العامة للدولة ترفعها إلى السلطة التنفيذية ليجري الأخذ بمضمونها عند وضع الرئاسة الخطة العامة للحزب – الدولة.
- المادة الثامنة: لكل عضو حق إبداء الرأي... في خطط الحزب السياسية والاقتصادية للمراجع والهيئات المختصة رأساً. يعنى ذلك، أن خطط الحزب الاقتصادية ليست شأناً عاماً يتم تناوله من أي كان، إنما هو شأن اختصاصي يُلمّ به من تخصص في هذا الشأن القومي. فهو كالشأن السياسي الذي قال عنه سعاده إنه "فن لخدمة الأغراض القومية".
ولما كان الشأن الاقتصادي القومي شأناً يحتاج إلى أصحاب اختصاص، فهو لم يُسمح التداول به في الاجتماعات الحزبية (المديريات).
لذلك، يمكن للرفيق المختص تناول هذا الموضوع مع المؤسسات ذات الصلة ، ومباشرة دون اعتماد التسلسل الحزبي الإداري.
هذا الأمر، يؤكد أيضاً على أن للحزب خططاً اقتصادية: من مشاريع كبيرة لتأمين استقلالية القرار القومي، وبالتالي استقلالية الدولة القومية. وفي المراسيم الدستورية المبنية على الدستور الأساسي (المادتان الأولى والسادسة) نلمح في المادة الثالثة من المرسوم الدستوري الأول مصلحة عامة رئيسية هي عمدة الاقتصاد.
فكما أن الفرد يعتني برفع دخله الفردي ومستوى معيشته ، لرفع مستوى حياته، فإن عمدة الاقتصاد تعتني برفع مستوى الدولة ودخلها القومي ، لرفع مستوى حياة شعبها.
ولأن الاقتصاد شأن خاص بالدولة، فهو اختصاص عالٍ كما السياسة. لذلك يجب أن يقوم على رأس عمدة الاقتصاد "مجاز" في الشأن الاقتصادي العام للدولة القومية، وليس مجازاً في الناحية الأكاديمية بمادة الاقتصاد من جامعات أجنبية (المادة 2 في مرسوم 1). أي صاحب اختصاص بالموارد الطبيعية في الأرض القومية: الوطن السوري. وبالنظر لأهمية الشأن الاقتصادي، يأتي سعاده على ذكره في المادة السادسة لجهة إنشاء "هيئات اقتصادية" مهمتها اكتشاف الموارد الموجودة في باطن الأرض، وإنشاء المؤسسات اللازمة لاستغلالها لمصلحة أبناء الأمة ورغد عيشهم وهنائهم.
فرادة الحزب
والحقيقة، إن حزب سعاده، بخلاف كل الأحزاب في سورية وعالم العروبة، قد برز منذ نشأته حزب دولة. وهذا ما يميّزه عن كافة الأحزاب في أوروبة العريقة بالمؤسسات السياسية. الأمر الذي يُكسبه فرادة وتمايزاً على كل هذه الأحزاب.
فهو على هذا الصعيد يلفت النظر الى أن دول "الحلفاء" خلال الحرب الثانية . كانت تفتش عن عقيدة اجتماعية لشحذ الهمم ، وقد جَهِدَ سياسيوها واقتصاديوها لإستنباط أفكار جديدة حول هذا الشأن ، لجذب شعوبها وتوحيدها مقابل دول العدو (المحور).
فقد كان لسعادة كسب السبق في هذا الميدان ، حيث وضع العقيدة الاجتماعية (الاقتصادية) منذ تأسيسه الحزب التي حددت وأوضحت الشأن الاقتصادي ، بمبدأ واضح (المبدأ الاصلاحي الرابع). داعياً فيه الى الشراكة المجتمعية لا الجَماعية، منطلقاً من وحدة المجتمع: الأمة السورية مجتمع واحد (المبدأ الأساسي السادس). فالمجتمع هو الوجود الانساني الكامل. والحقيقة الانسانية الكلية.
لقد تحدثنا في مقالات سابقة عن غياب المؤسسات السياسية والاجتماعية ، ونضيف اليها غياب المؤسسات الاقتصادية . فخيرات بلادنا كانت في عهدة الاقطاع المحلي الذي أوكله بالسطو عليها سيدة الاقطاع الاجنبي. وهذا يعني ان الاقتصاد القومي كان منعدماً نتيجة انعدام وجود الكيان الاجتماعي العام ، فجُلّ ما كان موجوداً هو الاقتصاد الفردي والعائلي والعشائري نتيجة انتشار الهويات الفئوية الفردية والعائلية والعشائرية السائدة في كافة أنحاء البلاد.
هكذا نبّه سعادة الشعب الى ثرواته القومية التي تعود بالخير على كافة مكوناته ، فكانت ضرورة عمدة الاقتصاد كمصلحة عامة رئيسية لبناء الاقتصاد القومي.
لذلك، أراد سعاده إعادة تأسيس الدولة في سورية، بمؤسسات جديدة على كل المستويات. فكانت المؤسسات "أعظم أعماله" بعد تأسيس القضية. وكان حَرياً بحزبه قيادة وأعضاء ، منذ استشهاده ، أن ينحو هذا المنحى، وهذا ما لم يحدث، ويا للأسف . فسعاده أنشأ عمدة للاقتصاد، وأنشأ شركة تجارية في بداية الأمر لتأسيس الحزب القادر، وبالتالي الدولة القومية القادرة على الصعيد الاقتصادي. ولينزهها عن أن تكون مُلحقة بإحدى الدول كما كان الحال قبل تأسيس النهضة السورية القومية الاجتماعية. لذلك فإن حدث التأسيس يعتبر حداً فاصلاً بين عهد، وعهد آخر.
نهضة اقتصادية
صلاحية العمدة تقضي الاسهام بوضع الخطط النظرية والعملية للدولة والمجتمع القوميين. والإشراف على كافة المشاريع الاقتصادية التي يقترح "مجلس المنفذية" إقامتها في المناطق، ودراسة جدواها الاقتصادية وضرورتها الحيوية لإنعاش المنطقة. فسعادة يبغي إقامة نهضة اقتصادية تؤمن العيش اللائق للمواطنين في كل المناطق. وهذا ما نلمحه في المرسوم الرابع (مجلس المنفذية). فنجد في المادة 11 من صلاحية هذا المجلس: "درس مشاريع وتدابير سياسية ومالية واجتماعية واقتصادية محلية". هذه الصلاحية تسمح بإقامة مشاريع حيوية للمنطقة ، مما يساهم بربط المواطن بمتحده : فيستحيل عليه مغادرته تحت كل الظروف ، فيبقى فيه لينعشه بإمكاناته وأعماله . فيتمركز في قلب مجتمعه.
وبمعنى آخر ، يجب أن تحوز كل منطقة على المؤسسات السياسية والمالية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي وظيفتها رفع مستوى الشعب وتقوية علاقاته فيما بينه فتتشابك مصالحه "في عروة وثقى" لا تنفصم عراها.
فالمجلس يدرس طبيعة المنطقة، وإمكانية إنشاء مشاريع اقتصادية فيها: مصانع، معامل، أسواق، تعاونيات زراعية وصناعية و... يدرس أعضاء المجلس، أو يُكلف بعض الخبراء دراسة الجدوى الاقتصادية من المشروع. وتُرسل الدراسة كاملة إلى العمدة. فتدرس العمدة المشروع المقترح وترفقه برأيها، وترفعه إلى مجلس العمد لاتخاذ الاقتراح المناسب بشأنه، فالرئاسة – إذا لزم الأمر – ثم يُعاد إلى مجلس المنفدية لإحالته إلى هيئة منفذية المنطقة للتنفيذ.
يقوم ناظر المالية في المنطقة بتحديد المبالغ المطلوبة لتنفيذ المشروع في موازنة المنفذية، وإذا احتاج التنفيذ لعدة سنوات، فيحدد المبالغ المطلوبة سنوياً وفقاً لضخامة المشروع وأهميته للمنطقة لجهة رفع مستوى حياة أفرادها، وبالتالي ازدهار المنطقة كلها. هكذا نُحيي كل المناطق بدون استثناء، إذ أن لكل منطقة مجلس منفذية مسؤول عن شؤونها كافة ومن ضمنها الشأن الاقتصادي الذي ينعش المنطقة، فتزدهر الأوضاع المعيشية الحياتية بمؤسسات محلية إنتاجية تؤمن العيش الرغيد لكل أبناء المنطقة . الأمر الذي يُكسب المواطن "منعة" عن الهجرة أو الانتقال من الريف إلى المدينة بحثاً عن عمل فلا تصبح الأرض بوراً.
لذلك أيضاً تنشأ داخل العمدة – تبعاً لتطور المجتمع والدولة – مؤسسات خاصة ودوائر ذات صلة بنشاط العمدة.
كما ترد كلمة اقتصاد في صلاحية ناظر الإذاعة (مرسوم 2 – مادة 10) وصلاحية المذيع (مرسوم 3 – مادة 11) اللذان يقومان بدرس أحوال المنطقة ومن ضمنها الناحية الاقتصادية ليضعا منهاجاً موافقاً للمنطقة للعمل فيها من الناحية الإذاعية.
وهذا الأمر ليس له علاقة مباشرة بالشأن الاقتصادي البحت لأبناء المنطقة. فمؤسسة مجلس المنفذية هي ذات العلاقة المباشرة بهذا الشأن. ويمكن أن تستفيد عمدة الاذاعة من هذه المعلومات عبر الإطلاع على الوضع الاقتصادي للمنطقة خلال مناقشة مشروع اقتصادي ما في مجلس العمد. كما تستفيد هيئة المنفذية (المادة 13 مرسوم 4) من هذا الدرس للفت نظر مجلس المنفذية الى بعض النقاط الهامة في أي مشروع أو تدبير يزمع الاخير اتخاذه.
اهتمام سعادة
والحقيقة، إن سعاده قد أولى الشأن الاقتصادي اهتماماً عالياً، سواء بالنسبة لبلاده أو بالنسبة لأبنائها المغتربين. فهو يكتب في سن الثامنة عشرة (العدد 80 تاريخ 1922.6.10) في جريدة الجريدة الصادرة في البرازيل لوالده الدكتور خليل سعادة، مقالته الأولى حول الاقتصاد، عنوانها: "السوريون في عالم الاقتصاد" يقول فيها:
"... وأنا وإن أكن لم أطرق هذا الموضوع قبل الآن، أشعر أن الإغضاء عنه بعد أن رأيت المشتغلين بالاقتصاد... لا يفوهون بشيء من هذا القبيل ولا ينبسون ببنت شفة أمر يسُم مجموعنا بطابع العجز ويحط من قدر جوالينا في البلدان التي ينزلونها..."
وهو يلفت النظر في هذه المقالة إلى أن "الصهاينة" عرفوا "مفاعيل الاقتصاد" وأنهم على استعداد ليدفعوا لنا ثمن بلادنا ليأخذوها لهم. ويختم قائلاً "... أما في الوطن فالحالة الاقتصادية هناك، خصوصاً الآن، تعسة للغاية".
ونقع في الجزء الأول من الأعمال الكاملة لسعادة (1921 – 1934) على أكثر من 20 مقالة حول الشأن الاقتصادي. مما يشكل دليلاً ناصعاً على اهتمام سعادة منذ يقظته القومية بهذا الشأن الخطير في حياة الأمم، لاسيما التي هي في طور التحرر والنهوض القومي.
وتؤكد هذه المقالات على طول باع سعادة في هذا الشأن. ودليلنا على ذلك إيراده فيها معلومات وأرقام وإحصاءات، ومتابعته المركَّزة لأدق شؤون العالم الاقتصادي، لاسيما الدول الاستعمارية، والدول المتخلفة المستعمَرة التي وقعت تحت السيطرة الأجنبية بسبب كثرة الموارد الطبيعية التي تختزنها أراضيها .
كما خص سعادة الشأن الاقتصادي بجملة مقالات، حملت عنوان: "المقالات الاقتصادية". وهناك عدة مقالات له في مواضيع مختلفة يُورد فيها الشأن الاقتصادي كشأن قومي عام، فكتب عن المواد الخام والزراعة في سورية مما يؤكد على إيلائه الاهتمام الأول. فهو على سبيل المثال في مقالته: "الصحافة السورية" في العدد الأول من مجلة المجلة (1933.3.1) يقول فيها: "... الاجتماع والاقتصاد أساس صحة الأمم".
نظرة سعادة
ولطالما أوضح سعادة، أن الحزب، هو "حركة تجديدية... في النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية" (1944.8.12)، بعدما أطلع على مختلف النظريات والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية، وأعلن بشكل جلي لا لُبس فيه أن مختلف النظريات الرأسمالية، الشيوعية، الفاشية والنازية لا تحمل حلولاً جذرية للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في العالم، بل تزيد الأمور تعقيداً. من "نظام الطبقات الرأسمالي" إلى "نظام الطبقات الأممية والنظام الطبقي الانترناسيوني". وإن حل مشاكل المجتمع السوري والإنسانية يكمن في نظرة سعادة إلى الاجتماع والاقتصاد. وحبذا، لو يقوم السوريون القوميون الاجتماعيون من أصحاب الاختصاص بالغوص في هذا الموضوع، ويلقون عليه الأضواء القوية لاستخراج "كنوزه" للمشاركة في حل مشاكل سورية والعالم. وليؤكدوا على عطاء "المجتمع السوري" الذي لا ينضب في كل الحقول الإنسانية.
لذلك أيضاً، كان في صلب المبادئ الإصلاحية المبدأ الرابع، وهو بمثابة "العقيدة الاجتماعية"، ومما جاء في شرحه: "كل سوري يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق" لزيادة الإنتاج وتوزيع الغنى على الشعب. كل ذلك يؤكد على نظرة سعادة الجديدة للناحية الاقتصادية في وطنه القومي ، رافضاً أية نظرة مخالفة ومواجهاً حالة الاقطاع المحلية المرتبطة بالأجنبي والمرتهنة له لتنفيذ مآربه " فالأمن الاقتصادي" يعني أيضاً "الأمن القومي" بكل أبعاده : السياسة والعسكرية و...
هذا بعض ما قصده سعاده من هذا المبدأ. منذ تأسيس الحزب عام 1932 بعدما لمس سعاده حالة الأمة البائسة، وكيف تستولي الدول الاستعمارية على مواردها الطبيعية. هذا قبل اغترابه القسري عام 1938.
مع عودة سعادة إلى الوطن عام 1947، نلاحظ اهتمامه البارز بالشأن الاقتصادي على صعيد الحزب الداخلي. فشرح في الندوة الثقافية التي أعاد العمل بها في أوائل العام 1948 المبدأ الاصلاحي الرابع. كما تحدث في مقالته "النظام الجديد" (1/3/1948) عن إقامة نظام جديد حياة جديدة موجهاً انتقادات لاذعة الى الرأسمالية والماركسية والاشتراكية القومية لجلبها الهلاك الى العالم. ووجه نداءاً الى "منتجي ثروة الأمة وبنائي مجدها" في أول أيار 1949 . وكتب فريد مبارك "دراسة اقتصادية" في العدد الثاني من المجلد الأول من النشرة الرسمية في ديسمبر 1947. كما ورد في مجموعة الأعمال الرسمية لعام 1949، أن سعادة أصدر بتاريخ 5 يناير 1949 مرسوماً قضى بتعيين كميل جدع عميداً للاقتصاد، وأميل رعد ناموساً، وإنشاء مكتب العمل وأتبعه بعمدة الاقتصاد وعيّن اميل رعد رئيساً له.
وقد ورد تعميم صادر عن المكتب المذكور (رقم 3/71 تاريخ 3 فبراير 1949) يطلب من المنفذيات تعبئة لوائح لإحصاء الرفقاء العاطلين عن العمل وتفاصيل أخرى في هذا الخصوص.
كما ورد تعميم آخر صادر عن العمدة، تُعلن فيه رغبتها إصدار دليل لأصحاب الصناعات والأعمال والمتاجر للقوميين، وأنواع منتوجاتهم أو حِرفهم أو الأعمال التي يتعاطونها. وتعميم ثالث حول المشاريع الاقتصادية التي تدرسها العمدة، تطلب فيه من القوميين الذين يودون تشغيل رساميلهم الاتصال بالعمدة لبحث الإمكانيات والاستعداد للعمل.
مما ورد آنفاً، يبرز اهتمام سعادة بالشأن الاقتصادي، والدور الذي يجب أن يضطلع به عميد الاقتصاد، وأهمية إنشاء المشاريع الاقتصادية التي تتوقف بفضلها هجرة الشباب الجامعي، فترتقي البلاد صعداً في الاستفادة من طاقات أبنائها ومواردها الدفينة في أرضها المعطاء.
كل ذلك يؤكد على أن سعادة بُعيد عودته إلى الوطن ، عمد إلى تفعيل عمدة الاقتصاد بتعيين هيئة للعمدة تهتم بالشأن الاقتصادي العام للحزب – الدولة، كما اهتم بإحياء العمل بالمرسوم الرابع (مجالس المنفذيات) (النشرة الرسمية عدد آب 1948، ورد فيه أن عمدة الداخلية قررت تنفيذ مضمون المرسوم الرابع) لإنشاء مشاريع حيوية في المنطقة، وبالتالي ربط حياة أبناء المنطقة بعضهم ببعض من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لنكون فعلاً "حركة الشعب العامة" كما أراد سعاده لحركته أن تكون.
كما أننا في العودة الى النشرة الرسمية، نقع على مرسوم لرئاسة الحزب بتاريخ الأول من تشرين الثاني عام 1954 يقضي بتعيين جورج عبد المسيح عميداً للاقتصاد (كان رئيساً للحزب آنذاك) وكميل جدع وكيلاً وغسان عظم ناموساً.
الأهمال المتعمد
لقد تخلفت قيادات الحزب عن الاهتمام بالشأن الاقتصادي، كما تخلفت عن دراسة هذا الشأن رغم الاهتمام الشديد لسعاده به. فلم يصدر طوال تاريخ الحزب بعد استشهاده سعادة سوى عدد من الكتب في الموضوع الاقتصادي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. مما يدل على عدم اكتراث وإهمال شديدين من "القيمين" على هذا الحزب. وفي هذا المجال ننوة بكتاب الدكتور قبلان سليم كيروز "مبادىء اقتصادية" الذي أتى على شرح مكثف لفكر سعادة الاقتصادي والاجتماعي. وكتاب"النظام الاقتصادي في سورية"لمؤلفه الدكتور سعيد حمادة (الجامعة الاميركية) الصادر عام 1936 بمشاركة الرفيقين جورج حكيم وألبرت بدر. والذي تمت الاستعانة به كمصدر رئيسي لمذكرة الحزب الى عصبة الامم عام 1936.
لا بل إن هؤلاء "القيمين" تجرؤا على تعديل عام 1991 يطال المادة السادسة من الدستور الأساسي، فاستبدلوا عبارة "هيئات اقتصادية" بـ "هيئات اختصاصية" ضاربين عرض الحائط قصد سعاده من هذه العبارة. ورغم هذا التعديل المشين، لم يجرِ العمل بتعيين هيئات اختصاصية لأي شأن من الشؤون القومية. ومنها يُستدل على الإهمال المتعمد للشأن الاقتصادي، فلا تخطيط للمشاريع الاقتصادية الحيوية لإنعاش المناطق التي أتى المرسوم الرابع على ذكرها . ولم يُحظ الحزب بتعيين عميد للاقتصاد إلاّ لفترات وجيزة ، ودون القيام بأي نشاط ملحوظ على هذا الصعيد. لذلك لا أرشيف وثائقي لأنشطة العمدة وكأنها لم تكن!؟
وانه لمن المؤسف في هذا المجال ، الاشارة الى أنني منذ حوالي عشر سنوات تقريباً، قدمت إلى مركز الحزب، فوجدت بمحاذاة المدخل مراطبين كبيس معروضة للبيع ، ولدى سؤالي عن الأمر، قيل لي إنها بضاعة لعمدة الاقتصاد... هكذا فهموا الشأن الاقتصادي!!
ولم يجرِ بحث هذا الشأن الخطير في حياة الأمم والشعوب في "المؤتمر الحزبي" الأخير المنعقد في حزيران 2012، رغم ما جاء في الورقة التحضيرية للمؤتمر عن أهميته ودوره، وقد جرى القفز فوق كل الورقة التحضيرية التي تضمنت بنوداً حول الشأن الاقتصادي، وأُهملت بالكلية في ظل الظروف القومية القاسية التي نحياها على صعيدي الحزب والامة. حتى أنه لم يجرِ تعيين عميد للاقتصاد في مجلس العمد الأخير. مما يدل دلالة واضحة على المنحى الخطير الذي ننحدر إليه.
لقد وضع سعاده في دستوره: المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تضطلع بدورها الريادي لتوفير الرخاء والهناء لكافة أبناء المجتمع ، وبدءاً من انماء الحي والمنطقة في كل مجالات الحياة ، (مجلس المنفذية – المرسوم الرابع)، كما على صعيد الدولة القومية (عمدة الاقتصاد مصلحة عامة رئيسية – المرسوم الأول)، للارتقاء بها إلى مستويات عالية تحفظ حقوقها في مواردها، كما تحافظ على استقلالها الاقتصادي الذي هو ركيزة أساسية للاستقلال السياسي.
ان تغييب عمدة الاقتصاد اليوم عن ادارة الحزب ، يعني غياب المشاريع لتأمين مصادر مالية لبقية العمدات . وبالتالي لقيام الحزب بالمهام الملقاة على عاتقه. وعدم العمل بالمرسوم الرابع لتاريخه ، رغم تنبيه سعاده وإصراره مراراً على المسؤولين لتطبيقه، يعني عدم وجود مشاريع حيوية للحزب في المناطق وبالتالي للشعب، وهذا يفسر إرتكاز القيادات الحزبية على "الاستعطاء" الدائم من قبل بعض الكيانات أو الأحزاب المذهبية، وبالتالي جعل الحزب "رهينة" بأيديهم. مما يبقي هذا الحزب مقطوراً بمشاريع غيره، وعاجزاً كلياً عن إحراز التقدم نحو غايته التي هي نهضة الأمة.
"ان هذه النهضة القومية الاجتماعية تأتيكم برسالة هذا معناها. إن خير هذه البلاد هو لكم لتنتجوه بسواعدكم وتقتسموه اقتسام الاخوة القومية الاجتماعية ". (خطاب الزعيم في البقاع الأوسط 1/3/1948)
لهذا الشأن العظيم القيمة ، كانت عمدة الاقتصاد كمصلحة عامة رئيسية لإحياء الاقتصاد القومي. ومجلس المنفذية في المتحدات لإحياء كل مناطق الوطن وتحويلها الى ورشة انتاج لصالح كل أبناء الأمة.
|