إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ألوان الصراع في بورما

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-10-21

إقرأ ايضاً


قفزت بورما / ميانمار إلى واجهة الأحداث في العالم بعد المظاهرات الكبيرة التي شهدتها مدنها في الآونة الأخيرة، والتي كان يقودها الرهبان البوذيون وكانت تطالب برحيل النظام الحاكم وبنشر الديمقراطية في البلاد، لكن الحكومة لم تمهل تلك المظاهرات حتى تتحول إلى أحداث شغب عامة، بل قامت بالوقوف في وجه المتظاهرين وفرقتهم بالقوة واعتقلت العشرات منهم، لكنها أطلقت سراحهم في وقت لاحق، وعلى الفور تحركت دول الغرب وطالبت ما يسمى المجتمع الدولي بفرض عقوبات دولية صارمة على الحكومة البورمية بدعوى أنها لا تحترم حق المواطنين في التظاهر وأنها تمارس أعمال قمع واسعة ضد شعبها وينسى الغربيون أنهم يمارسون أيضاً القمع ضد المتظاهرين مثل القمع الذي مارسته الحكومة الأمريكية ضد المتظاهرين في العديد من المظاهرات ضد الحرب في العراق، حيث كانت تستخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات وكانت تعتقل المئات من المتظاهرين لكن من يستطيع أن يحاسب الولايات المتحدة على أفعالها ضد مواطنيها وضد الشعوب المقهورة في الأرض؟ قعطاً لا أحد في العالم يستطيع أن يفعل ذلك، غير أنه إذا كان الأمر يتعلق بدولة فقيرة وكانت هذه الدولة عدوة للولايات المتحدة مثل بورما فإن كل العالم يقف ضدها ويطالبها بالخضوع لما يسمى القوانين والأعراف الدولية بخصوص احترام حقوق الإنسان والحرية، لكن لماذا اندلعت تلك المظاهرات العنيفة في بورما؟ الواقع هناك جملة من التراكمات السياسية جعلت هذه الدولة عرضة للاهتزاز في كل وقت، فهي معروفة بكثرة التنوع في الأعراف والأديان وإن كانت القومية البورمية هي الغالبة لكن هناك قوميات أخرى مثل /الشان، والكارين، والراخين/ وسوى ذلك، وهي كبيرة في المساحة التي تبلغ نحو 600 ألف كيلو متر مربع وبعدد السكان الذين يبلغون 48 مليون نسمة، كما أنها مجاورة للصين وهنا تكمن مشكلتها الكبرى لأن الولايات المتحدة تريد السيطرة عليها من أجل إحكام الطوق الأمني حول الصين لمنعها من الوصول إلى قمة العالم. وكانت بورما قد وقعت تحت الاستعمار البريطاني عام 1886، وظلت كذلك حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية حيث قامت اليابان باحتلالها عام 1942، وعندما انهزمت اليابان في تلك الحرب عام 1945، أعادت بريطانيا سيطرتها عليها، لكنها اضطرت إلى إعطائها الاستقلال عام 1948، وكان الشيوعيون في الصين قد انتصروا عام 1949 وقاموا بنشر الشيوعية في الدول المجاورة وخاصة في شبه جزيرة الهند الصينية، وسرعان ما ظهرت المجاميع الشيوعية في فيتنام ولاوس وكمبوديا وبورما، وكذلك في اندونيسيا، واستطاع الشيوعيون البورميون بقيادة /تي ون/ أن يقوموا بانقلاب عام 1962 وأن يسيطروا على الدولة البورمية وبدأوا في تطبيق الشيوعية فقاموا بعمليات تأميم واسعة وضيقوا على الأديان، وكان لانتصار الشيوعيين في بورما أثر كبير في نفس الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين كانوا يقودون آنذاك المعسكر الرأسمالي ضد ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي الممثل بالاتحاد السوفيتي السابق والصين، ولذلك عمل هؤلاء على عزل بورما وفرض عقوبات عليها، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا باستغلال تايلاند المجاورة للتغلغل في بورما وتشجيع الأقليات ورجال الدين على الثورة والعصيان ضد النظام الشيوعي الحاكم، فتكونت في عام 1975 ما سميت بالجبهة الوطنية الديمقراطية المعارضة والمكونة من جماعات الأقليات المتمركزة في الأقاليم وخاصة في الجنوب الشرقي المحاذي لتايلاند، وقامت بشن حرب عصابات ضد الحكومة وبسبب الحصار الغربي المفروض على بورما، ولأنها دولة كانت تنتقل من النهج الرأسمالي إلى النهج الاشتراكي وفي عمليات التحول تحدث أزمات اقتصادية، فقد حدثت في عام 1987 مظاهرات طلابية في العاصمة رانجون احتجاجاً على نقص المواد الغذائية، وشجع الغربيون هذه المظاهرات مما دفع بالحكومة إلى إعلان الأحكام العرفية عام 1989، ومن ثم قامت باعتقال الآلاف وكان من بينهم دعاة الديمقراطية، غير أن الحكومة خضعت للنداءات الغربية وقررت إجراء انتخابات حرة عام 1990، لكنها فوجئت بأن حزب الجامعة الوطنية الديمقراطية قد فاز بالانتخابات، وهذا الحزب يضم معارضين من اتجاهات مختلفة / رأسماليون، ودينيون، وإقطاعيون، ورجال مال، وقوميون/ وأصبحت سوكين زعيمة هذا الحزب، وقد قررت الحكومة إلغاء نتائج الانتخابات ولاحقت رموز المعارضة ولا سيما سوكين التي تم وضعها في السجن ومن ثم في الإقامة الجبرية، وقد تحمس الغربيون لها ومنحوها جائزة نوبل للسلام عام 1991، ومن أجل امتصاص النقمة الشعبية بعد إلغاء نتائج الانتخابات، قام النظام الحاكم في بورما بتشكيل مجلس دولة لاستعادة القانون والنظام عام 1991. وهذا المجلس حكومة عسكرية يتكون من الرئيس وعشرين عضواً وهو يحكم إلى الآن، وبعد اندلاع المظاهرات الأخيرة في بورما، راحت الولايات المتحدة حلفاؤها الغربيون يطالبون بحل هذا المجلس العسكري وإجراء انتخابات ديمقراطية كما أنهم يسعون إلى تشديد العقوبات على النظام البورمي وزيادة عزلته الدولية أملاً منهم في إسقاطه ومن ثم وضع اليد على بورما، وربما لن يتحقق هذا الحلم الغربي، لأن الصين لن تسمح بذلك، وإذا ما سقط النظام في بورما، فإن الصين ستشعل حرباً أهلية فيها لمنع الغرب من تحقيق مشروعه في السيطرة عليها.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025