نشرت صحيفة "معاريف" تقريراً أشار إلى أن نائب رئيس بلدية "أوريهودا" عوزي أهارون ، قام بجمع نسخ الإنجيل من السكان وحرقها وسط المدينة مع مئات من الطلاب الحريديم "المتدينين" الذين احتفلوا حول النار المشتعلة . واستند أهارون إلى الشريعة اليهودية التي تأمر بتدمير الكنائس والأغراض المقدسة للكنيسة المسيحية . والواقع أن العالم الغربي الذي أعلن الحرب المفتوحة ضد الإسلام والمسلمين بدعوى أن الديانة الإسلامية تولِّد العنف ، فهذا العالم يغمض عينيه عن أفعال إسرائيل بحق المسيحيين الفلسطينيين وبحق الآثار المسيحية في فلسطين المحتلة وحتى بحق كتاب الإنجيل الذي لم يسلم هو الآخر من تدنيس اليهود له . فهو يُحرق علناً وعلى رؤوس الأشهاد ومن قِبل مسؤول في دولة إسرائيل ، وكأن شيئاً لا يحصل . ولو أن عربياً أو مسلماً قام بحرق الإنجيل علناً ، فعند ذلك سيقوم الغرب ولن يقعد حتى يأخذ بثأره من هذا العربي أو المسلم . لكن إسرائيل لها مكانة خاصة في قلوب الشعوب الغربية التي لا تتأخر عن تقديم الغالي والنفيس في سبيل حياة هذه الدولة واستمرارها . وهذا الحب المجبول بالتصورات الذهنية الخاطئة والأفكار الموهومة عن "أرض الميعاد" و "الشعب المختار" هو الذي يجعل مسيحيي الغرب يصفحون عن أفعال اليهود ضد الديانة المسيحية . وكأن الزمن البشري توقّف عند بني إسرائيل وعند حروب المكابيين ، حتى أصبح الغرب ينظر فلا يرى إلاّ تلك الصورة البعيدة التي تتراءى له حلماً جميلاً يسعى للوصول إليه . ولا شك أن هذا الولع الغربي بالتراث اليهودي يعود لكون المسيحية ولدت من رحم اليهودية . فالمسيح هو يهودي النسب ، وهذا ما يؤكده قوله:"لم أُرسل إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" . وهو أيضاً كان يعشق أورشليم وفي نفس الوقت كان ينذرها بالعذاب والخراب لأنها خالفت تعاليم الرب ، حيث يقول:"يا أورشليم ، يا أورشليم ، يا قاتلة الأنبياء ، وقاتلة المرسلين ، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها" . وقد انبنت الديانة المسيحية على أساس أنها امتداد لديانة اليهود . فالتوراة هو الكتاب المفتوح الذي يقرأ المسيحيون فيه صدق الوعد الإلهي بظهور المسيح كما جاء في سفر إشعيا:"هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل". وكما جاء في نفس السفر أيضاً:"من مصرَ دعوتُ ابني" . وقد تعمّق الوعي الغربي بأساطير التوراة حتى أصبحت هذه الأساطير جزءاً أساسياً من موروثهم الثقافي . وعندما حدث الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر على يد المصلح الألماني مارتن لوثر ، انشقّت الكنيسة الكاثوليكية وظهرت فرقة مسيحية جديدة هي البروتستانتية . وهذه الفرقة ذهبت بعيداً في اعتناق عقائد اليهود حتى أنها اعتنقت فكرة "المسيح المنتظر" في اليهودية . هذا المسيح الذي سيأتي إلى الأرض ليقضي على الأشرار ويحكم الشعب اليهودي من أورشليم . لكن البروتستانتية تعتقد أن عودة المسيح مشروطة بعودة اليهود كلهم إلى فلسطين ، ومن ثم اعتناق هؤلاء للمسيحية البروتستانتية . وبعد أن أقيمت دولة إسرائيل المشؤومة في فلسطين عام 1948 أصبح واجب دعاة البروتستانتية في الغرب هو تنصير اليهود في إسرائيل للتعجيل بظهور المسيح . ومن هنا تتكثّف دعوات التبشير بالمسيحية بين المستوطنين الصهاينة في فلسطين .
|