طلبت الإكوادور من الولايات رسمياً إخلاء قاعدة "مانتا" العسكرية المطلّة على المحيط الهادئ في عام 2009 ، موضحة أنها لن تجدد الاتفاق الذي تم توقيعه بين البلدين عام 1999 والذي يتيح للقوات الأمريكية استخدام هذه القاعدة في عمليات مكافحة تهريب المخدرات . ويعكس قرار الإكوادور هذا تنامي حجم المعارضة اللاتينية للولايات المتحدة ، وهي معارضة كانت محصورة سابقاً في كوبا .
أما اليوم فهناك فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا والإكوادور والأرجنتين ، وحتى البرازيل التي تتصرف على نحو لا يرضي الولايات المتحدة .
ولعل السبب الأساس لظهور هذه المعارضة اللاتينية يعود إلى انشغال الولايات المتحدة بما يسمى "الحرب على الإرهاب" ودخولها في حرب مباشرة في أفغانستان والعراق واهتمامها بإسرائيل على حساب الحق الفلسطيني ، حتى أن موازنة الحروب الأمريكية الدولية أصبحت تُصرف في المنطقة العربية والإسلامية دون سواها من مناطق العالم .
وهذا الأمر جعل الولايات المتحدة تنشغل عن جوارها الجغرافي في أمريكا اللاتينية . وهي لم تكن على هذه الشاكلة في السابق ، بل إنها اتبعت منذ الحرب العالمية الثانية سياسة في النصف الغربي للكرة الأرضية تقوم على السيطرة الكليّة على جيوش دول أمريكا اللاتينية لإبقاء هذه الدول تحت نفوذها ، وكانت تتدخّل لقتل الزعماء ولتدمير الأنظمة المعادية لها هناك .
ففي البرازيل أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس "خواوغولارت" عام 1963 لأنه كان ميّالاً إلى طبقة العمّال والفلاحين واتهمته المخابرات المركزية الأمريكية "بأنه شيوعي صريح" .
وفي غواتيمالا الفقيرة ، أوعزت الولايات المتحدة للجيش الغواتيمالي بإلانقلاب على الرئيس الديمقراطي "خوان خوسيه أريغالو" عام 1963 بسبب خوفها من نهجه القريب من الاشتراكية .
وفي كوستاريكا ، أثارت الولايات المتحدة مشاكل أمام الرئيس "أوسكار أرياس" عام 1991 ، لأنه صادر أرضاً في بلاده كانت تستخدمها المخابرات المركزية الأمريكية كمطار لنقل الدعم لعملائها الذين كانت ترعاهم الولايات المتحدة في نيكاراغوا ، وانتهى الأمر بإطاحة الرئيس الكوستاريكي . وفي شيلي ، جرت انتخابات عام 1970 فاز فيها الماركسي سلفادور أليندي وأصبح رئيساً للجمهورية ، لكنه قُتل في عام 1973 بواسطة انقلاب عسكري قام به قائد الجيش الشيلي أوغستو بينوشيه بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية .
كما تعرّضت كوبا للحصار والمضايقة من قِبل الولايات المتحدة منذ انتصار الثورة الشيوعية فيها عام 1959 . ونفّذت المخابرات المركزية الأمريكية أكثر من (600) محاولة اغتيال ضد قائد الثورة فيدل كاسترو ، وما يزال الحصار الأمريكي ضد هذا البلد مستمراً حتى الآن .
وكانت آخر محاولة انقلاب أمريكية في أمريكا اللاتينية هي تلك التي حدثت في فنزويلا ضد الرئيس هوغو شافيز عام 2002 .
وقد انتهت هذه المحاولة إلى الفشل بسبب وقوف الشعب الفنزويلي مع رئيسه وتحدّيه للإرادة الأمريكية . لكن منذ تلك المحاولة الفاشلة ، توقّف مسلسل الرعب الأمريكي في أمريكا اللاتينية لانشغال الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت بالعرب والمسلمين .
وها هي الإكوادور قد تحوّلت إلى دولة معادية للولايات المتحدة منذ وصول الرئيس "رافائيل كوريا" إلى الحكم فيها عام 2007 . فهذا الرئيس معروف بتوجهه اليساري وميّال إلى التحالف مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز .
وإذا كانـت الولايات المتحدة قد أسقطت الرئيس الكوستاريكي أوسكار أرياس عام 1991 ، لأنه صادر أرضاً كانت تستخدمها المخابرات الأمريكية كمطار ، فإنها الآن تقف صامتة أمام طلب الإكوادور منها إخلاء قاعدة "مانتا" العسكرية .
ولا يمكن تفسير هذا الصمت إلاّ بالعجز عن فعل أي شيء ، إذ لو كان بإمكانها أن تفعل شيئاً ، لكانت أزاحت الرئيس الفنزويلي المعروف بعدائه الصريح لها ولكانت أدّبت به جميع دول أمريكا اللاتينية .
لكن لا شك أن الأمور خرجت من يدها في تلك القارة . فقد ولّت عهود القهر والحرمان ، وأصبحت الشعوب الأمريكية اللاتينية واعية بمصيرها ، وأصبحت مدركة لعدوِّها الحقيقي ، وهو الاستعمار الأوروبي وامتداده في الولايات المتحدة ، الذي أذلّها ودمّر أوطانها وقتل الملايين من أبنائها منذ استعمار أمريكا عام 1500 للميلاد .
|