إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الاستعمار الألماني في فلسطين

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-02-26

إقرأ ايضاً


بالتوازي مع ظهور المشروع الصهيوني وحلم الدولة اليهودية في فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ظهر مشروع استيطاني آخر في فلسطين . وهذا المشروع كان أصحابه هذه المرة من الألمان ، ذلك أن فكرة ما يسمى "الأرض المقدسة ـ أرض الميعاد" فلسطين ، وعودة المسيح المنتظر التي سيطرت على العقل البروتستانتي ، دفعت شخصاً يدعى هوفمان من بلدة ورتمبرغ بألمانيا عام 1860 إلى إحداث حركة دينية بين الشعب البروتستانتي في تلك الأنحاء مدعياً أن الأفكار النصرانية في ذلك الحين ، لا يمكن تأليفها مع مبادئ الكنيسة ، وأخذ يطالب بالإصلاح . فتأسست جمعية دينية باسم "تامبل" أو "جمعية القدس الشريف" لتسعى وراء تأسيس إمبراطورية متناسبة مع عظمة الحق تعالى ورحمته على وجه الأرض . والغاية من المسعى المباشرة بتأسيس إمبراطورية إلهية تدريجاً مبتدأة من أرض الميعاد إلى أن تشمل سائر الأنحاء وتجديد معتقدات الكنيسة والخلق وإصلاح عاداتهم . وقبل أن تبدأ الجمعية بالعمل ، أرسلت من قِبلها إلى استانبول "هوفمان" مع رجل آخر يدعى "هاردوك" وذلك عام 1868 وطلبا من السلطان العثماني عبد العزيز /1861 ـ 1876/ إذناً بتأسيس مستعمرة ألمانية في الأرض المقدسة . فبادر السلطان إلى إعطائهما الإذن دون أن يفكر بعواقب هذا الأمر لأنه كان يريد المال فقط . ومن ثم قام هوفمان وهاردوك بزيارة سوريا وحيفا وقفلا عائدين إلى ألمانيا من أجل إرسال المهاجرين إلى فلسطين . وفي عام 1869 وطأت أول قافلة من مهاجري ورتمبرغ أرض حيفا ، وبعد سنة جاءت عشر أسر ألمانية أمريكية إلى حيفا فانضمت إلى أبناء وطنها . ولما أعلنت الحرب الروسية العثمانية عام 1878 ، أمرت الحكومة الروسية بتجنيد المهاجرين الألمانيين المقيمين في روسيا ، فتركت عدّة أسر من أولئك الألمان الأرض الروسية وجاءت إلى فلسطين . وقام هوفمان بشراء أراضٍ في يافا والقدس وأسكن فيها المهاجرين الألمان . وأسس المهاجرون قرية "صارونة" القريبة من يافا ، كما أنهم أسسوا قرية أخرى تدعى "ويلهلمه ـ حميدية" وذلك في عام 1900 . وعلاوة على ذلك ، فإن المستعمرين اشتروا من عائلتي سرسق والتويني المسيحيتين البيروتيتين قريتي بيت لحم وأم العمد في جوار الناصرة . وفي حيفا استملك المستعمرون الألمان الأقسام المهمة من جبل الكرمل فزرعوا أشجار الصنوبر وأشجار الفستق الحلبي والكروم ، كما أصبح لهم حيّ كامل في المدينة . وهكذا بدأ المشروع الاستيطاني الألماني في فلسطين الذي كان يلقى دعماً وافراً من الإمبراطورية الألمانية آنذاك التي كانت ترى فيه موطئ قدم لها في الشرق . وكانت الحرب العالمية الأولى قد اندلعت عام 1914 ، فوقفت النمسا وألمانيا والدولة العثمانية في حلف واحد يسمى "دول الوسط" ، ووقفت بريطانيا وفرنسا وروسيا في حلف آخر يسمى "الحلفاء" ، وانتهت تلك الحرب عام 1918 بهزيمة دول الوسط مما أدى إلى تقهقر مشروع الاستيطان الألماني في فلسطين . وفي نفس الوقت ، كان مشروع الاستيطان اليهودي يلقى دعماً كبيراً من بريطانيا وفرنسا لوقوف أثرياء اليهود في أوروبا ، ولاسيما عائلة روتشلد إلى جانبهما في الحرب . ولا شك أنه لو انتصرت دول الوسط ، لكنّا الآن نشهد دولة ألمانية في فلسطين وليس دولة صهيونية . ولا نعلم ماذا حدث للألمان ، لكن على الأرجح أنهم عادوا إلى بلادهم بعد أن أصبح المستعمر الصهيوني وحليفه المستعمر البريطاني أعداء لهم . وفي الحالتين فإن الخاسر الأكبر مما جرى في فلسطين هم العرب الذين كانوا مغيبين عن مسرح الأحداث في ذلك الوقت بسبب وجود الدولة العثمانية . وللأسف ، فإنهم ما يزالوا مغيّبين بسبب وجود الولايات المتحدة التي تكتم على أنفاسهم . بيد أن الأمل الكبير معقود على سواعد المجاهدين لإعادة الشرف العربي المثلوم ، ولانتزاع الحق العربي من المغتصب الصهيوني لفلسطين .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025