قلَّد الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم 17/10/2007 الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما أرفع وسام مدني في الولايات المتحدة في احتفال كبير جرى في الكونجرس تكريماً له /كمدافع عن الحرية الدينية/، وقد أشاد بوش بالدلاي لاما ووصفه بأنه رمز عالمي للحرية الدينية، وكانت الصين قد حذرت الولايات المتحدة من استضافة الدلاي لاما وهددت بأن العلاقات الصينية – الأمريكية سوف تتضرر من جراء ذلك، بيد أن الولايات المتحدة لم تلتفت إلى التهديد الصيني ولم تعبأ بما قد تتخذه الصين من إجراءات عقابية ضدها، ويعتبر هذا التصرف الأمريكي تغيّراً ملحوظاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، هذه السياسة التي قامت على أساس المهادنة منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي نيكسون إلى بكين عام 1972، فقد حدث بعد هذه الزيارة تقارب بين الدولتين وخاصة بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بالصين، وسحبت اعترافها بتايوان عام 1978. لكن الولايات المتحدة ظلت تحتفظ بتايوان كورقة تلعب بها في وجه الصين فلم تسمح لهذه الأخيرة بضمها إليها كما لم تسمح لها بشن حرب عليها لإلحاقها بها بالقوة. كما ظلت الولايات المتحدة حذرة من الصين وظلت تراقبها وتتجسس عليها بوسائل مختلفة، وفي الوقت نفسه كانت الصين تتابع خططها النهضوية الشاملة وفق مبادئ الفكر الشيوعي، وعندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وانهارت معه الجبهة الشيوعية العالمية، تنبهت الصين إلى مخاطر التوجه الاشتراكي، فقررت حرف مسارها نحو الرأسمالية واقتصاد السوق المفتوح، وما إن تحرر القطاع الاقتصادي الصيني حتى حدثت نهضة اقتصادية هائلة في الصين، وأصبحت هذه الدولة اليوم ثالث قوة اقتصادية هائلة في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان، وبموازنة تبلغ نحو أربعة تريليونات دولار، وتخطت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وهذه الدول مصنفة كدول كبرى، وفي الجانب العسكري سعت الصين إلى حيازة أحدث أنواع الأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي وأصبحت تملك برنامجاً فضائياً وصورايخ ضد الأقمار الصناعية المعادية ولم يعد بوسع الولايات المتحدة أن ترسل طائراتها ولا أقمارها للتجسس على الصين، وقد أوجد ذلك حالة خوف ورعب لدى الولايات المتحدة من هذا العملاق القادم، وبدأت الإستراتيجية الأمريكية تميل إلى الاحتراس من الصين والتعامل معها كخصم استراتيجي، وفي هذا الإطار سعت الولايات المتحدة إلى إيجاد حلف من الدول المحيطة بالصين والمعادية لها في نفس الوقت، وفي هذا الحلف توجد كوريا الجنوبية واليابان واستراليا والفلبين وسنغافورة وتايلاند، وتسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد المزيد من الدول وخاصة من جهة الغرب لإحكام الطوق حول الصين، ويشكل إقليم التبت الواقع في غرب الصين، بؤرة مهمة لإثارة المتاعب للحكومة الصينية ولضعضعة استقرار الصين، فهذا الإقليم تبلغ مساحته نحو 472 ألف ميل مربع، وهو بالتالي ذو مساحة شاسعة، وأما عدد سكانه فهم 2.5 مليون نسمة، والأهم أن فيه حركة انفصال متجذِّرة يقودها زعيم المذهب البوذي اللامي الدلاي لاما، وحول أصل سكان التبت يروي المسعودي في كتابه /مروج الذهب/ أن أهل التبت هم عرب من حمير، ويسوق في هذا الصدد قصة تقول :" إن ملك اليمن تُبع كليكرب بن تُبع سار بقومه نحو الشرق من بلاد خراسان والتُبَّت والصين وسجستان، وفي أرض التبت ترك فرقة من جيشه، وهي تسمى بمن ثَبُتَ فيها ورُتِّب من رجال حمير فقيل ثُبَّتٌ لثبوتهم فيها، وقد كانوا في قديم الزمان يسمون ملوكهم تبعاً اتباعاً لاسم تُبع ملك اليمن، ثم أن الدهر ضرب ضرباته، فتغيرت لغتهم عن الحميرية، وحالت إلى لغة تلك البلاد ممن جاورهم من الأمم فسمّوا ملوكهم بخافان، وكانوا معظمين في سائر أجناس الترك المحيطة بهم". وكان التبت يعيش مستقلاً وفي القرن الثامن عشر بسطت الإمبراطورية الصينية سيطرتها عليه، واستمرت هذه السيطرة حتى عام 1911 حيث استقل التبت بسبب ضعف الصين ووقوعها تحت رحمة الاستعمار الغربي وظهرت في التبت دولة دينية يقودها الرهبان البوذيون اللاميون، لكن الصين أعادت سيطرتها عليه عام 1951، وقامت بتغيير الحكم البوذي اللامي، وقد اندلعت ثورة في التبت عام 1956 قادها الرهبان البوذيون، واستطاعت السلطات الصينية أن تخمد هذه الثورة عام 1959، وتمكن الدلاي لاما من الفرار إلى الهند المجاورة ومعه مئة ألف تبتي، ومنذ ذلك الوقت ظلت مشكلة التبت قائمة وظل هناك لاجئون تبتيون في الهند، ولا شك أن استضافة الولايات المتحدة للدلاي لاما إنما يهدف إلى إعادة بث الثورة في نفوس أهل التبت ودفعهم إلى التمرد على الصين تمهيداً لفصل التبت عن الصين وخلق دولة معادية لها فيه، وقطعاً لن ينجح هذا المخطط الأمريكي، لكن لا بأس بالمحاولة.
|