إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً وخطة تفتيت روسيا والصين

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-08-17

إقرأ ايضاً


اندلعت مواجهات عنيفة بين جورجيا وروسيا في منطقة أوسيتيا الجنوبية في أعقاب الهجوم العسكري الذي شنّته مؤخراً جورجيا لاستعادة السيطرة على عاصمة أوسيتيا الجنوبية الطامحة إلى الاستقلال عنها . واستغلّت جورجيا انشغال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتن بحضور افتتاح الألعاب الأولمبية لشنّ هذا الهجوم . غير أن الردّ الروسي جاء سريعاً ، ولم تكتف روسيا بمدّ يد العون للأوسيتيين ، وإنما أرسلت كذلك تعزيزات كبيرة للمنطقة ، وحرّكت سفناً حربية إلى جمهورية أبخازيا الانفصالية ، وأنزلت آلاف الجنود على ساحل البحر الأسود ما بينها وبين جورجيا لفتح جبهة ثانية فيها تتوجّس منها جورجيا خيفة ، حتى طالبت انفصاليي أبخازيا بعدم التدخّل في الصراع الدائر مع أوسيتيا ، وهو ما لم يستجيبوا له لأنهم بدأوا بالفعل هجوماً على مدينة كودوري الواقعة تحت السيطرة الجورجية . ويكتسي هذا الصراع بُعداً دولياً خطيراً وستكون له مضاعفات على المخططات الغربية في منطقة القوقاز خاصة وأن روسيا التي تتهم جورجيا بأنها رأس الحربة في ذلك المخطط ، ستستغلّ تفوّقها العسكري لتحقيق مكاسب على الأرض ، ستكون غالية الثمن بالنسبة لخصومها . ولعل في عملية الإنزال الروسي في أبخازيا وقول بوتن إنه من غير المحتمل إعادة أوسيتيا الجنوبية إلى سيادة جورجيا في أعقاب الأعمال العسكرية الراهنة ، إشارات ذات دلالة بالنسبة لحلفاء جورجيا الغربيين الذين سبق وأن حذّروا موسكو من الاعتراف باستقلال تينك الجمهوريتين الانفصاليتين . فقد سبق لدانييل فريد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ، أن حذّر روسيا من الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الإقليمين الجورجيين اللذين يسعيان إلى الانفصال . وقال ، إن هذا الاعتراف سيكون خطأ بالغاً ، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من المشاكل . وكان البرلمان الروسي قد صوّت بالإجماع في 21/3/2008 لصالح قرار بالاعتراف باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في حال انضمت جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" . وتسعى حكومة الرئيس ميخائيل سكاشفيلي المؤيدة للغرب في جورجيا إلى الانضمام إلى هذا الحلف في مسعى منها لإخراج جورجيا بالكامل من الفلك الروسي من خلال تأمين حماية الحلف الغربي لها . كما أن الحلف نفسه يريد التمدد إلى أواسط آسيا لتطويق روسيا والصين اللتين تشكلان بقوتهما العسكرية والاقتصادية رأس الحربة في مقاومة الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم . وتشكّل جورجيا بموقعها المميز على الساحل الشرقي للبحر الأسود وفي جنوب غرب روسيا ، هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة التي ركّزت جهودها منذ استقلال هذه الدولة عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 ، على أن يكون لها فيها موطئ قدم . وفي عهد الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفاردنادزه الذي حكم فيها عام 1992 ، توطّدت العلاقات بين جورجيا والولايات المتحدة ، لكنها لم تتحول إلى تحالف استراتيجي ، لأن الشيوعي السابق نادزه ظل هواه مع روسيا التي وقّع معها اتفاقية تعاون عسكري عام 1994 ، واستعان بجيشها لقمع الانفصاليين في أبخازيا . وقد نجح الجيش الروسي في القضاء على حركة الانفصال ، وظلت قوات من هذا الجيش ترابض في أبخازيا إلى اليوم . وفي عام 2004 ، وفي إطار الثورات الديمقراطية الأمريكية المتنقلة في الحديقة الخلفية لروسيا ، وقعت احتجاجات عنيفة ضد الرئيس شيفاردنادزه في جورجيا انتهت بإجباره على الاستقالة . وتولى الحكم من بعده الرئيس سكاشفيلي الذي تخرَّج من مدارس الديمقراطية في الولايات المتحدة . ومنذ وصول هذا الرئيس إلى الحكم ساءت العلاقات بين جورجيا وروسيا . وكانت هذه الأخيرة تراقب بحذر التغلغل الأمريكي في الدول التي كانت منضوية معها تحت ظل الاتحاد السوفيتي . وقد وجدت أن هذا التحرك الأمريكي يستهدف ، في الدرجة الأولى ، وجودها كدولة اتحادية كبيرة . ولذلك قررت الدفاع عن نفسها من خلال تثبيت نفوذها في دول الكومنولث ومنها جورجيا التي ظهرت فيها حركة معارضة قوية لحكم الرئيس سكاشفيلي وحدثت صدامات في شوارع العاصمة تبليسي مؤخراً ، بين المعارضين وقوات الجيش ، ولم تزل هذه المعارضة مستمرة . وقد أدركت الولايات المتحدة أن روسيا مصممة على القضاء على الحكم المؤيد لها في جورجيا، ولهذا دفعت الحكومة الجورجية إلى طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لكي يتوفر الغطاء العسكري لهذه الحكومة ويتأبد بالتالي ، الحكم الموالي للغرب في جورجيا . وعملت الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى على محور آخر في صراعها مع روسيا والصين وهو سياسة الاعتراف بدول خاصة بالأقليات . وبرز ذلك من خلال الاعتراف باستقلال إقليم كوسوفو عن صربيا رغم معارضة صربيا وروسيا والصين لهذا الاستقلال . وفي إطار هذه السياسة تم دفع الحركة اللامية في التيبت إلى الشغب والعصيان من قِبل زعيم هذه الحركة الدالاي لاما الذي زار الولايات المتحدة . واتفقت معه الإدارة الأمريكية على خطة للاعتراف باستقلال التيبت بشرط أن تحصل مواجهات بين التيبتيين والجيش الصيني لكي تتحول التيبت إلى قضية تحتاج إلى حلّ . وقد سارعت الصين إلى قمع المعارضين بقوة ، وأظهرت أن من قام بالشغب هم مجموعة خارجة على القانون . بيد أن هذا التصرف الصيني لن يوقف المؤامرة الأمريكية المستمرة لفصل التيبت عن الصين . وإذا نجح هذا المشروع قد يتم فصل مقاطعات صينية أخرى من أجل الوصول إلى تفتيت الصين أو تبديد قوتها المتعاظمة . وأما بخصوص روسيا ، فإن الولايات المتحدة ودول الغرب وضعت خطة لتجزئة الاتحاد الروسي إلى دول متصارعة ، والمدخل إلى هذه الخطة هو انضمام جورجيا إلى حلف الأطلسي ، حيث سيكون بإمكان هذا الحلف التدخل في شمال القوقاز الملتهب ، وخاصة في الشيشان وداغستان وأنغوشيا لمدّ الانفصاليين في هذه الجمهوريات الروسية بالمال والسلاح والدعم المختلف والمستمر تمهيداً للاعتراف باستقلال هذه الجمهوريات عن روسيا . ولعل تلويح مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية دانييل فريد بأن اعتراف روسيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سيؤدي إلى مزيد من المشاكل ، هو تصريح غير مباشر بحقيقة السياسة الأمريكية تجاه روسيا .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025