إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل يقتدي سادة الاستعمار بإيطاليا ؟

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-10-07

إقرأ ايضاً


قال الأمين العام للمنظمة الوطنية الجزائرية للمجاهدين السعيد عبادو ، إن اعتذار إيطاليا على فترة استعمارها لليبيا هي الخطوة الصحيحة المنتظرة من فرنسا تجاه الجزائر. وكان رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو بيرلسكوني قد قدّم للحكومة الليبية اعتذاراً باسم الأمة الإيطالية للشعب الليبي عن فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا في النصف الأول من القرن العشرين . وقدّم خمسة مليارات دولار كتعويض تدفعه إيطاليا على شكل استثمارات في ليبيا على مدى 25 سنة .

ولا شك أن من حق الشعب الجزائري أن يحصل على اعتذار وتعويض عادل من فرنسا التي استعمرت الجزائر مدة 130 عاماً ، وشطبت الهوية الجزائرية واعتبرت أرض الجزائر إقليماً تابعاً لها .

لكن إقدام إيطاليا على تقديم اعتذار لليبيا لا يعني أن القوى الاستعمارية العالمية قد صحت ضمائرها وقررت إنصاف الشعوب المسحوقة في الأرض ، لأن إيطاليا لم تكن إلاّ قزماً صغيراً في ميدان الاستعمار ، فهي لم تكن تستعمر إلاّ أربع دول أو مناطق في العالم وهي ألبانيا ، والحبشة ، وليبيا ، والجزء الجنوبي من أرض الصومال ، وهو ما كان يُعرف بالصومال الإيطالي .

أما باقي العالم فكان مستعمراً من قِبل بريطانيا وفرنسا مناصفة . فكانت الصين واستراليا والهند في يد بريطانيا ، وكانت دول الهند الصينية ودول العالم العربي والإسلامي ومعظم دول قارة آسيا وإفريقيا موزّعة بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي بالإضافة إلى مئات الجزر في بحار ومحيطات العالم المختلفة . وكانت الغلبة دائماً لبريطانيا التي يمكن وصفها بالعدو الأول للشعوب المستضعفة ، لأن فرنسا كانت تابعة وخاضعة للتاج البريطاني ، لكنها حصلت على ما يكفيها ويزيد عنها من المستعمرات .

لكن علوّ بريطانيا وفرنسا في الأرض وطمعهما الذي لم يكن يعرف حدوداً ، جلب عليهما أسوأ حرب عرفتها البشرية وهي الحرب العالمية الثانية التي دمّرت إمبراطوريتيهما وأتت على قوتيهما ، واضطرتهما إلى إعطاء الشعوب المستعمرة من قِبلهما استقلالها .

وهكذا ظهرت الدول المستقلة في آسيا وإفريقيا ، لكن سادة الاستعمار لم ينتهوا بالكامل ، لأن الحليف الأمريكي منحهم بعضاً من حق الوجود وجعلهم شركاءه في مجلس الأمن الدولي ، وذلك في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق . ومنذ أن ظهر مجلس الأمن بعد إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 ، كانت فرنسا وبريطانيا تفعلان وفق ما تطلب منهما الولايات المتحدة من دون أي نقاش . وبفضل هذا الخضوع المنقطع النظير ، فقد عاشت هاتان الدولتان من دون خوف من شعوب المستعمرات السابقة، لأن هذه الشعوب كانت ضعيفة ولا تملك أسباب القوة .

وهي اليوم بدأت تطالب المستعمرين بالاعتذار والتعويض . وقطعاً ، أن بريطانيا وفرنسا بالتحديد ، لن تقبلا بتقديم أي اعتذار لأية دولة ، لأنهما إن فتحتا عليهما هذا الباب ، فإنهما لن تستطيعا تحمّل ما قد سيترتّب على ذلك من نتائج . وأيضاً ، لماذا تعتذران وهما ما تزالان سيدتين في العالم بحكم تبعيتهما للسيد الأمريكي المُطلق .

فمن هي الدولة التي تستطيع أن تجبرهما على الاعتذار ، وإذا كانت إيطاليا قد قدّمت اعتذاراً لليبيا وقررت أن تدفع لها تعويضاً ، فهذا لأن حصة إيطاليا كانت وما تزال صغيرة في العالم ، واعتذارها لليبيا سيفتح أمامها أبواباً جديدة للاستثمار والتجارة في الأرض الليبية ، وقد تحقق أرباحاً مضاعفة عن ما ستدفعه من تعويض ، وأيضاً ، فإن هذا العويض سيكون على شكل استثمار إيطالي في ليبيا ولصالح الشعب الليبي وليس على شكل مبالغ نقدية .

وهذا أيضاً خطوة ذكية من الحكومة الإيطالية لكي تربط ليبيا بها إلى أجل غير محدد في المستقبل .

لكن في كل الأحوال ، فإن إيطاليا تبقى مشكورة على الاعتذار وهي تستحق كل الاحترام والتقدير . أما بريطانيا وفرنسا فإن لهما حتى اليوم وجوداً في مختلف مناطق العالم وهما غير محتاجتين إلى تقديم الاعتذار لهذه الدولة أو تلك لتفوزا بالاستثمار والتجارة . ومن هنا ، فإن الشعب الجزائري الذي تضرر كثيراً من الاستعمار الفرنسي ، لن يستطيع الحصول على أي اعتذار أو تعويض من فرنسا .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025