كان فوز باراك أوباما بالرئاسة الأمريكية متوقعاً منذ أن بدأت رحلة الانتخابات في الولايات المتحدة في بداية العام الجاري . فقد جيء بهذا الرجل من غياهب المجهول وتم إبرازه على أنه المخلّص الذي سيعيد البهجة إلى وجود الأمريكيين المنكوبين باقتصادهم المنهار . فهو ابن لمهاجر كيني حديث العهد في الولايات المتحدة ، وليس من نسل أولئك الأرقّاء الذين جلبهم المستعمرون البريطانيون والفرنسيون من قارة إفريقيا في القرون اللاحقة على اكتشاف أمريكا ليعملوا في حقول القطن وقصب السكر ، وفي مناجم الذهب والفضة والأعمال الشاقة المختلفة الأخرى . ورحلة حياة باراك أوباما يكتنفها الكثير من الغموض ، لكن لا شك أن الذين رعوا حملته الانتخابية منذ البداية ، وقدموا له المال والتسهيلات ، إنما قصدوا أن يصل إلى سُدّة الرئاسة . والآن وبعد أن أصبح أوباما رئيساً ، فما هي التغيرات التي ستطرأ على الولايات المتحدة سواء في الداخل أو الخارج ، وهل سوف تصحّ توقعات البعض بأن العهد الأمريكي الجديد سيشهد تحولات كبرى في سياسات الولايات المتحدة وفي علاقاتها مع دول العالم ؟. الواقع أن عهد الرئيس الجديد لن يكون سهلاً لأنه يأتي في أعقاب تركة سياسية واقتصادية ثقيلة جداً خلَّفها الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش وحلفاؤه من المحافظين الجدد . والتركة السياسية تتمثل في تلك الحرب المفتوحة على ما يسمى "الإرهاب" والوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق ، والعلاقات المتوترة مع روسيا وإيران وسوريا وفنزويلا ، وبعض الدول الأخرى في العالم . وأما التركة الاقتصادية فتتمثل في هذا الانهيار المالي الذي تعاني منه الولايات المتحدة والذي سيتفاقم أكثر في السنوات المقبلة وقد يؤدي في النهاية إلى دمار الاقتصاد الأمريكي بالكامل . وقطعاً لا يمكن الزعم بأن الرئيس الجديد لديه مفاتيح الحل السحري لمشاكل الولايات المتحدة الداخلية والخارجية ، ودوائر صنع القرار في الولايات المتحدة والتي تكاد تنحصر بالبنتاغون التي تقدم له القرارات للتوقيع ، غير معنية مطلقاً بإحداث تغيير في السياسات الاقتصادية . فمثلاً لا يمكن أن نتوقع تغييراً كبيراً في علاقة الولايات المتحدة مع إيران أو سوريا ، كما لا يمكن أن نتوقع أن تتغير النظرة الأمريكية إلى روسيا ، بحيث يتم النظر إليها كدولة كبرى ذات حضور على الساحة الدولية على قدم سواء مع الولايات المتحدة . وأيضاً ، لا يمكن أن نتوقع أن تنكفئ الولايات المتحدة على نفسها لمعالجة أزمتها الاقتصادية من خلال إصلاح الخلل البنيوي في الاقتصاد الأمريكي . والواقع أن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة تنطلق في صياغة السياسات الأمريكية الاقتصادية والسياسية من منطلق أن الولايات المتحدة هي التي كسبت الحرب العالمية الثانية وهي التي صنعت النظام العالمي الراهن بكل ما فيه من هيئات ومؤسسات دولية ، ولا يمكنها أن تفرّط بهذه المكاسب التي حصلت عليها بقوة السلاح . وإذا كانت الآن تعاني من انهيار اقتصادي ، فإن قوتها العسكرية قادرة على إخفاء العيوب التي يمتلئ بها جسمها . ولعل السياسة الأمريكية المقبلة ستتجه نحو التصعيد وخاصة مع الدول المعادية ، وسوف تزداد المشاكل العالمية السياسية والاقتصادية إلى أن تحين ساعة الصفر للحرب المدمّرة الكبرى التي يرسم لها صانعو السياسة الأمريكية باعتبار أنها الأمل الوحيد لديمومة الهيمنة الأمريكية على العالم .
|