في شهر ديسمبر من عام 1938 وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية ، استطاع الدكتور اوتو هان فلق الذرة . وكان الدكتور هان قد لاحظ أنه قد نشأ عن قذف ذرات اليورانيوم بالنيوترون عناصر مشعّة ، وتقارب كتلة ذرة الأورانيوم ، الأمر الذي يعني أن النيوترون قد فلق ذرة الأورانيوم إلى شطرين متساويين . أما العلاّمة ليوسيز لارد (1898) المجري الأصل ، الذي يعتبر بحق القوة الفعلية وراء صنع القنبلة الذرية ، فقد طلب من العالِم ألبرت أينشتاين الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية أن يعرقل كل مسعى يقوم به هتلر للحصول على اليورانيوم الذي قد يُمِكِّن ألمانيا من صنع القنبلة الذرية ، وأن تبادر أمريكا في عهد الرئيس روزفلت بصنع هذه القنبلة . وفيما بين 1939 ـ 1941 ، توصّل مشروع مانهاتن الأمريكي إلى إنتاج القنبلة الذرية . وبالأمس ، كشفت وثائق نزعت عنها السرية ونشرت في 30/4/2008 ، أن سلاح الجو الأمريكي أعدّ لهجمات نووية ضد الصين خلال مواجهة مع تايوان عام 1958 . وأوضحت هذه الوثائق أن الرئيس الأمريكي في حينه ، دوايت إيزنهاور أمر ، لدى إطلاعه على هذه الخطط ، سلاح الجو باستخدام قنابل تقليدية وليس قنابل ذرية ضد القوات المسلحة الصينية في حال تفاقمت الأزمة التايوانية . وتعطي هذه الوثائق انطباعاً عن تلك النزعة الإنسانية المزعومة عند الولايات المتحدة التي لا تستخدم السلاح الذري ضد أعدائها رغم اقتدارها ورغم امتلاكها هذا السلاح . ورغم ما تدعيه من الولايات المتحدة وتقارير استخباراتها المليئة بالأضاليل ، فإن الحقيقة غير ذلك تماماً . فالولايات المتحدة هي أول دولة في العالم تصنع القنبلة الذرية ، وتستخدمها ضد اليابان التي كانت عدوة لها في الحرب العالمية الثانية . ولم تكن الولايات المتحدة ـ كما يجمع الخبراء ـ مضطرة لاستخدام هذا السلاح ، لأن الحرب كانت قد انتهت في أوروبا في 8 مايو 1945 . وكانت اليابان قد بدأت مفاوضات مباشرة مع الاتحاد السوفيتي السابق للوصول إلى هدنة مع "الحلفاء" لإنهاء الحرب . لكن الولايات المتحدة ، أصرّت على استسلام اليابان دون قيد أو شرط ، وهذا الموقف اتخذه الأمريكيون ليقطعوا الطريق أمام السوفييت في التفاوض مع اليابان وكي تبقى لهم وحدهم هذه المهمة . وفي 6 أغسطس عام 1945 ، قامت إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإصدار الأمر بإلقاء قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية فحدث دمار كبير في هذه المدينة . وعندما شاهد الاتحاد السوفيتي ذلك ، أدرك أن حليفته ـ أثناء الحرب ـ الولايات المتحدة تريد أن تبسط سيطرتها لوحدها على اليابان . ولذلك قرر إعلان الحرب على اليابان في 8 أغسطس حتى يمنع الولايات المتحدة من الانفراد بالسيطرة على هذا البلد . لكن الإدارة الأمريكية عادت وأعطت الأوامر بإلقاء قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي اليابانية في 9 أغسطس . وكانت هذه القنبلة رسالة إلى السوفييت بأن يتوقفوا عن الهجوم ، وإلاّ فإنهم سيلقون نصيبهم . وأيضاً ، كانت هناك أهداف أخرى تتمثل في ضرورة أن يقتنع السوفييت بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة ، وأنه عليهم أن يسلّموا بهذا الأمر . غير أن السوفييت كانوا قد حصلوا على أسرار صناعة القنبلة الذرية من خلال بعض العلماء اليهود الذين شاركوا في صناعة القنبلة الأمريكية . وفي عام 1949 ، فجّر الاتحاد السوفيتي أول قنبلة له وأصبح يمتلك هذا السلاح الخطير ووقف على سوية واحدة مع الولايات المتحدة . وفي تلك الأثناء ، كان الشيوعيون الصينيون قد سيطروا ، بمعاونة السوفييت ، على كامل البرّ الصيني عام 1949 ، وأعلنوا عن قيام جمهورية الصين الشعبية . وفي عام 1950 ، اندلعت الحرب في شبه الجزيرة الكورية بعد أن قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بالهجوم من كوريا الجنوبية باتجاه كوريا الشمالية بهدف إخضاعها . وقد تدخّل الاتحاد السوفيتي إلى جانب الشيوعيين الشماليين ، وكانت خطوط الإمداد السوفيتية تمرّ عبر الصين بسبب عدم وجود حدود برية مباشرة بين الاتحاد السوفيتي وبين كوريا الشمالية . وفي عام 1951 ، رأى قائد الحملة الأمريكية الجنرال ماك آرثر أنه لا أمل في إحراز أي نصر في الحرب إلاّ بضرب الاتحاد السوفيتي أو قواعد إمداده في الصين بالقنابل الذرية . وكما تزعم الرواية ، فإن الرئيس ترومان لم يوافق على هذا الرأي ، وحدث بينهما خلاف أدّى إلى طرد ماك آرثر من قيادة الحملة . والواقع أنه لو كان بإمكان الولايات المتحدة آنذاك تخويف الاتحاد السوفيتي بالسلاح الذري ، لكانت فعلت . لكنها كانت تدرك أن عدوها يملك نفس السلاح ، وأن أية ضربة ذرية من جانبها ستقابل بضربة ذرية مماثلة . ولهذا اضطرت إلى الخضوع لقواعد الحرب التقليدية ، وانتهت الحرب الكورية عام 1953 على مبدأ :"لا غالب ولا مغلوب" . وهكذا ، فإن امتلاك الاتحاد السوفيتي السابق للسلاح الذري أدى إلى لجم النزعة العدوانية الأمريكية ، وفي نفس الوقت ، أدى إلى استعار الحرب الباردة وسباق التسلّح . وفي خضمّ تلك الحرب ، كانت الصين تبني قوتها ، وقد ساعدها الاتحاد السوفيتي كثيراً ، ويكفي أنه حماها حتى امتلكت السلاح الذري عام 1965 . ولولا الدعم السوفيتي ، لكانت الصين اليوم ربما بوجه آخر غير هذا الوجه الذي نعرفه .
|