إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حوار الأديان والمثُل العليا لكمال الإنسان

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-12-09

إقرأ ايضاً


وسط حشد عالمي وبمشاركة قادة دول ورؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين وشخصيات دينية ، انعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم 12 نوفمبر 2008، مؤتمر حوار أتباع الديانات والثقافات والحضارات . وقد أكد البيان الختامي لهذا المؤتمر على أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

وأشار إلى تعهد جميع الدول بموجب الميثاق نشر وتشجيع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بما في ذلك حرية الدين والتعبير دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو الجنس .

وكان لافتاً في هذا المؤتمر حضور رئيس إسرائيل شمعون بيريز الذي استغل المناسبة للحديث عن التطرف الموجود في منطقة الشرق الأوسط والذي يهدد ما أسماها الدول العربية المعتدلة "وليس إسرائيل"!! .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل توجد مشكلة بين أتباع الديانات المختلفة في العالم ؟. الواقع أن ليس ثمة مشكلة بين الأديان السماوية وغير السماوية ، لأن الأديان على اختلاف أنواعها ، تدعو إلى المحبة والسلام والتسامح مع الآخر وتُعلي من قيم الفضيلة وتحارب الرذيلة. وكما قال الفيلسوف اشفيتسر إن النظرة العقلية إلى العالم نظرة متفائلة أخلاقية ، وتفاؤلها هو القول بأن العالم تحكمه غاية عامة موجّهة إلى إنجاز الكمال .

ومن هذه الغاية تستمد مجهودات الأفراد والإنسانية عامة ، من أجل تأمين التقدم المادي والروحي ، وأن يكرس الإنسان نفسه لكل المُثل . وإذا تزعزعت هذه النزعة الواقعية ، فإن ذلك هو التشاؤم لأنه لم يعد يؤمن بالتقدم الروحي والأخلاقي للناس وللإنسانية ، مع أن هذا التقدم الروحي والأخلاقي هو العنصر الجوهري في الحضارة .

لكن المشكلة هي في الفكر الذي يتسم باليأس والتفكير المتشائم ويتلبّس لبوس الدين ويدعو إلى معاداة كل الشعوب والأمم الأخرى والذي يتجسّد في تعاليم الدين اليهودي .

فقد صاغ اليهود من واقع عذاباتهم المتلاحقة على أيدي الآشوريين والبابليين ومن ثم الرومانيين ، فكراً مملوءاً بمشاعر الكراهية من خلال كتاب التلمود الذي هو دستور دولة إسرائيل بالإضافة إلى كتاب التوراة .

وقد استلهم باباوات روما في القرون الوسطى هذه الإيدولوجية وطبّقوها في كل أوروبا الغربية ، وألهبوا باسمها حرباً صليبية مريرة ضد الشرق العربي الإسلامي دامت 195 سنة ، وأدّت إلى حدوث نكبات هائلة بالشعوب العربية والإسلامية في سوريا ومصر .

ومع يقظة أوروبا في القرن السادس عشر ، بدأت الدول القومية الأوروبية تتبع نفس النهج الذي اتبعته الكنيسة الرومانية خلال ألف سنة في أوروبا ، فقامت هذه الدول (إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا) بحملات لا ترحم ضد الشعوب المستضعفة في أمريكا وإفريقيا وآسيا ، وتم قتل ملايين البشر ، ولاسيما في قارة أمريكا ، وخضع العالم أجمع للاستعمار الأوروبي . وكان حظ العرب والمسلمين شديد السوء ، لأن الأوروبيين لم ينسوا الحروب الصليبية . ولذلك ، وبسبب فساد قواعد الأخلاق والميل إلى المسلك الزائف ، قاموا بتقديم فلسطين هدية لليهود مما نتج عنه أكبر كارثة إنسانية في تاريخ البشرية منذ آلاف السنين . فقد تم قتل مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وتم تشريد ملايين آخرين في أقطار الدنيا ، وأقيمت على أنقاض هذا الشعب المظلوم وعلى أنقاض قراه ومدنه وأرضه وبحره وسمائه ، دولة إسرائيل .

وهذه الدولة التي تسير حسب وصفها بأوامر إلهية ، ما انفكت تثير العدوان ضد الشعوب العربية . وعندما نهض بعض العرب للدفاع عن حقوقهم المهضومة وعن كرامة هذه الأمة المهدورة ، تم وصف هؤلاء من قِبل الغرب ومن قِبل ربيبته إسرائيل بأنهم "إرهابيون" مع أن ما تفعله المقاومة في فلسطين وفي سواها من الأقطار العربية ، هو حق طبيعي تقرره الأديان التي ينعقد هذا المؤتمر في نيويورك باسمها ، وتقرره الشرائع الدولية التي وضعها الغربيون أنفسهم .

ولكن من يحمل الفكر الخاطئ والقائم على مبدأ الشر في أساسه لا يمكنه أن يقبل بوجود الآخر ، وهذا هو ما يفعله الغرب وإسرائيل .

ومن هنا ، فإن المشكلة في العالم ليست مشكلة أديان ، بل هي مشكلة بين من يحملون الفكر العدواني ضد الأمم والشعوب ويستعمرون العالم ويغتصبون فلسطين ويقتلون الأبرياء في العراق ، وبين شعوب تناضل للوصول إلى حقوقها . فمثلاً روسيا دولة مسيحية ورغم ذلك ، فهي تُحَاصَر بشكل مستمر والهدف هو إخضاعها . ما دام الأمر كذلك ، فإن أي مؤتمر يعقد للحوار بين الأديان يبقى فارغاً ومصيدة الإخفاق .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025