نفّذ الألبان في إقليم كوسوفو وعدهم وأعلن برلمانهم يوم 17/2/2008 استقلال الإقليم عن صربيا ، وعلى الفور رحبت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بهذا الاستقلال ، فيما رفضت صربيا الاعتراف به مطلقاً . من جهتها دعت روسيا مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع عاجل مطالبة بإعلان بطلان إعلان استقلال الإقليم . ويشكّل إعلان استقلال كوسوفو مشكلة عويصة لأوروبا ، فلأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية يتخذ قرار من جانب واحد بإعلان استقلال دولة ، بل إن الدول الحديثة التي أنشئت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو عام 1991 ، كانت تحصل على إجماع الأطراف ذات العلاقة ، مثال على ذلك تحطيم جمهورية تشيكوسلوفاكيا وإنشاء دولتين مكانها ، واحدة للتشيك ، وأخرى للسلوفاك . فقد وافقت المجموعتان العرقيتان على الانفصال وأن يكون لكل منهما دولة مستقلة ، واعترفت دول الاتحاد الأوروبي والعالم بهذا الواقع . وأيضاً ، برغم الحرب التي اندلعت في يوغسلافيا السابقة بين القوميات التي كانت تتكوّن منها . لكن صربيا التي كانت الأساس في الاتحاد اليوغسلافي ، وافقت على استقلال كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا عام 1992 . كما اعترفت وفق اتفاقية دايتون عام 1995 ، باستقلال البوسنة والهرسك . ومن ثم اعترفت باستقلال جمهورية الجبل الأسود ـ مونتجرو ، عنها عام 2007 . أما الآن ، فإن الوضع مختلفة ، لأن صربيا ترفض الاعتراف بما أسمتها "دولة زائفة" مما قد ينذر باندلاع الحرب من جديد في كوسوفو ، ويقع إقليم كوسوفو جنوب صربيا ومساحته 4203 ميلاً مربعاً ، ويسكنه نحو مليوني نسمة حوالي 90 في المئة منهم من المسلمين والباقي من الصرب . وفي عام 1997 بدأ ألبان كوسوفو يطالبون بالاستقلال وأنشأوا جيشاً لتحرير إقليمهم ، وراح هذا الجيش يشنّ هجمات ضد القوات الحكومية ، فردّت السلطات الصربية بهجوم مضاد لسحق هذا التمرّد واشتعلت الحرب في الإقليم . ورغبة من حلف شمال الأطلسي في وضع حدّ لمشاكل البلقان ، قام هذا الحلف بشنّ هجمات جوية ضد صربيا ابتداءً من مارس عام 1999 وحتى يونيو من نفس العام . وأجبر الحكومة الصربية على سحب جيشها من كوسوفو ، ودخلت قوات متعددة الجنسية إلى الإقليم من أجل ضبط الأمن ومساعدة السكان فيه . وكانت روسيا قد اعترضت على ضربات الحلف الأطلسي ضد صربيا ، لكنها كانت آنذاك ضعيفة ولم تكن قادرة على فعل شيء ، إلاّ أنها الآن أصبحت قوية وهي تعلن عن نفسها بشكل مستمر كقطب عالمي موازٍ للقطب الأمريكي . وبالتالي فإنها لن تسمح بمرور أية قضية في العالم لا تعطي موافقتها عليها . وفي شأن استقلال كوسوفو ، أعلنت بكل وضوح أنها ضد هذا الاستقلال ، أي أنها ستمنع أية خطوة تتم في هذا السبيل . فهي ، ولا شك ، ستدفع حليفتها صربيا إلى الثبات على موقفها الرافض للاعتراف باستقلال الإقليم، كما أنها ستدفع حليفتها في مجلس الأمن ، الصين إلى معارضة هذا الاستقلال . وبالتالي ، لن يتحقق الإجماع الدولي المطلوب لاستقلال كوسوفو . إذ لا يكفي إعلان استقلال من قِبل دولة ما حتى يصبح لهذه الدولة وجود على الخريطة الدولية ، بل لا بدّ من الحصول على موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، ومن ثم يعرض الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصدر قرارها بقبول هذه الدولة عضواً جديداً فيها، ويشترط أن تتم موافقتها بأغلبية الثلثين . وهكذا ، فإن إعلان استقلال كوسوفو لن يؤدي إلى خروج هذا الإعلان من حيز القوة إلى حيز الفعل طالما أن روسيا تعارضه ، ولن تفلح دول حلف شمال الأطلسي في ثني روسيا عن موقفها هذا . لأن روسيا تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية لها في كوسوفو لمواجهة القواعد الأمريكية في بولندا وتشيكيا . وبالتالي ، فإن الصراع في البلقان تحوّل إلى صراع دولي لن يكون من السهل تهدئته . ففي مقابل التشدد الغربي للاعتراف باستقلال كوسوفو ، سيزداد التشدد الروسي لمنع وقوع هذا الاستقلال ، مما سيدفع إلى تأزيم الأوضاع بين الغرب وروسيا . وكما كان الصراع على البلقان بين روسيا وإمبراطورية النمسا السابقة ، سبباً مباشراً لاندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، فإن هذا الصراع الحالي على البلقان بين روسيا والولايات المتحدة سيؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة .
|