إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"مثقّفو اليسار" المتأمرك شركاء في حصار سورية

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2011-08-12

إقرأ ايضاً


خالعو العباءة الماركسية أو اللينينية أو التروتسكية أو الستالينية أو الماوية أو الغيفارية أو غيرها من عباءات الفكر الأحمر القديم، ومرتدو العباءة الأميركية الليبرالية و"المحاضرون" في الرواية والتاريخ والأدب في جامعاتها، كأنّهم أهل صحوة جدد على "الديمقراطية" بعد طول حماسة وتصفيف وتهليل لليد السوفياتية القديمة الضاربة هنا وهناك وكانوا عهدذاك يؤيدون بطشها للتثبيت والثبات في وجه الإمبريالية الأميركية وقوى الاستعمار... هؤلاء المتلوّنون بألف لون ووجه وقناع، ومبدّلو العباءة والشعار، وناقلو البندقية من كتف إلى كتف، والمعجبون تارة بالنموذج السوفياتي العظيم وطوراً بالنموذج الأميركي الأعظم، "الحرّ والديمقراطي"، إلى حدّ التسابق على زيارة جامعاته لإلقاء المحاضرات وتلبية الدعوات والإشادة بـ"العظمة الأميركية" التي حجبها "السوفيات الملاعين" ماضياً عن بصيرتهم فاستيقظوا فجأة على "قيم رائعة" مثل "الحرية" و"الديمقراطية" الأميركية وفق ما طبقتها الولايات المتحدة الأميركية خلال الحملة الماكرثية المسعورة ضدّ الشيوعيين أو حتى ضدّ المشتبه بأنهم ذوو ميول شيوعية (شابلن العبقري أسطع مثال ونُفي عقوداً طويلة من أميركا علماً أنه من روّاد هوليوود ومؤسسي سينماها واستوديواتها الكبرى)، أو مثلما طبقت "ديمقراطيتها" و"حضاريتها" و"حريتها" و"قيمها العليا" في فيتنام وكوريا وكوبا وتشيلي (مؤامرة قتل أليندي الديمقراطي الحقيقي) وحديثاً في العراق ومئات ألوف القتلى وأفغانستان ولبنان (تموز كانت حرب إبادة أميركية بامتياز لا "إسرائيلية"، فأميركا حاربت و"إسرائيل" هزمت... ومن ورائها أميركا الشر المطلق).

هؤلاء الدجّالون، المنافقون، المهرّجون فكرياً في أسوأ معاني التهريج وأشكاله، الانتهازيون، الوصوليون، الكذابون، الهزيلون فكرياً وغير الثابتين على فكر أو عقيدة (إن امتلكوا يوماً شيئاً منهما)، المرتزقة حيث تتوافر المنفعة، المأجورون حيثما يتوافر الأجر، التابعون حيث يلوح طيف القويّ (في ظنّهم وأوهامهم فحسب لأن سيّدهم الجديد الأميركي إلى سقوط قريب حتمي)، الأكاديميون "الشارلاتنيون" الذين يهذون فكرياً وأدبياً ويكتبون الفراغ وينشرونه أو يحاضرون به في جامعات أميركا! هؤلاء لم يعرفوا يوماً ماذا يريدون، لأنهم فارغون من الداخل ومضطربون ومتعيّشون من فتات موائد العقيدة والفكر، يلتصقون هنا أو هناك تبعاً للبوصلة الانتهازية التي توجههم نحو الارتزاق وركوب الموجات، فإن كان الزمن سوفياتياً كانوا شيوعيين، وإن صار أميركياً قالوا "كنّا شيوعيين"، وهكذا إلى أقصى درجات التلوّن والتقنّع والتعهّر والانتهازية.

هؤلاء الكذبة الدجّالون أنفسهم (من يجالسهم يعي للتوّ حجم الكذب والتدجيل في أعماقهم وخلف أقنعتهم الهزيلة) ابتكر "مهرّجون عريقون" بينهم "يساراً ديمقراطياً" عجيباً هجيناً، معتقدين أنفسهم لينين جديداً أو تروتسكي حديثاً أو إنغلز معاصراً أو ماركس متقمصاً ومولوداً من جديد، ولم يتجاوز "المانيفستو" التعيس الذي خرجوا به مستوى "فرض الإنشاء" و"الطوباويات الولاّدية" التي يكتبها تلامذة المدارس في الصف الثاني تكميلي!

هؤلاء أنفسهم انتظروا "ساعة الصفر" الأميركية، تحديداً، وليست بالتوقيت الوطني الملائم للمنطقة بأسرها، لينصّبوا أنفسهم (أو يوكلوا إليهم بصفتهم أبواقاً صغيرة تافهة مساعدة، مأجورة ومرتزقة) شركاء في الهجمة الأميركية والأوروبية و"الإسرائيلية" والتركية المسعورة على سورية. تماماً في اللحظة التاريخية الحرجة، المصيرية، الواضحة المرامي والغايات ("إسرائيل" ومجدها وثباتها وتسيّدها على الأمة). ينقضّ هؤلاء في اللحظة الحاسمة والخطيرة على سورية ونظامها تحت شعاراتهم البالية، الكاذبة، المنافقة والمتهافتة من "حرية" و"ديمقراطية" كأن مثالهما السابق كان قدوة على هذا الصعيد أو لعلّ مثالهما الحالي، أميركا السفاحة المجرمة، منارته المشعة!

انتظروا "ساعة الصفر" الأميركية ليفجّروا "نزعتهم الإنسانية" و"تتفطّر" قلوبهم على الضحايا في سورية ولا يرون بينهم شهداء أبرياء من الجيش والمواطنين يسقطون ببنادق مرتزقة مجرمين تموّلهم الاستخبارات الأميركية وبعض الاستخبارات العربية العميلة والطائفية النتنة!

تدمي قلوبهم الرقيقة حالات "القمع" (واسمها الحقيقي تثبيت الأمن ونشره في المدن والأرياف لصدّ المؤامرة الرهيبة على الوطن والأمة) ولا يبصرون الإجرام الرهيب والمجازر التي يرتكبها قتلة مأجورون، مدرّبون ومدفوعون ومسلّحون! ولا ملامة عليهم فبينهم مثقف أحْوَل مشهور في الوسط الثقافي (اليساري والمناصر لفلسطين ماضياً والناشئ على التولّه بالنموذج السوفياتي أيام العزّ والرزّ... قبل أيام البرغل) لا يمكنه أن يرى الحقيقة بتوازن بصري، فعين واحدة تريه جزءاً من المشهد والحقيقة!

تقول لهم: المؤامرة جليّة، أكيدة، حاضرة، تنفّذ على الأرض... يجيبونك: لا مؤامرة، بل ثورة ضد النظام ولأجل الحريات!

تقول لهم: اللحظة التاريخية والمصيرية غير ملائمة للخوض في ثورات ومطالب قد لا تكون محقة بالمطلق وقد يكون بعضها محقاً... يجيبونك: بل لا لحظة أنسب من هذه للانقضاض على النظام واقتلاعه من جذوره!

تقول لهم: لكن إذا تحقق لكم ما تريدون إلى مَنْ تتوقعون أن تؤول السلطة البديلة؟ أإلى الإسلاميين المتطرفين والمتخلّفين والجاهزين للسير في ركاب حركات أصولية ووهّابية تبيح الاعتراف بـ"إسرائيل" والتطبيع معها والاستسلام لسيّدها الأميركي (كما يفعل أسيادها حكّام الأردن والسعودية والخليج العربي) فنخسر القضية كلها ونخسر فلسطين والأراضي المحتلة ونخسر "السيادة والحرية والاستقلال" وكل شيء؟ يجيبونك: ليس المهمّ من يأتي إلى السلطة والحكم وإدارة مستقبل البلاد والأمة، بل المهمّ الآن أن يذهب النظام!

لا، هذا ليس منطقاً ولا سياسة ولا مطلب حرية... هذا استبداد وحقد وفاشية متأصّلة وموروثة وتصفية حساب... إن لم نقل عمالة واندراج في مشروع غربي طويل عريض مهيّأ العدة والأدوات، وهم أي جماعة "اليسار" المتأمرك و"مثقّفيه"، جزء أساسي منه. ولا تفسير آخر. فليعذرنا مهرّجو هذا "اليسار" الذي ما أدخل أنفه في مصير أمّة إلا أفسده.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024