إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

محطّات... وخواطر

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2012-06-28

إقرأ ايضاً


قسنا الزمن أسابيع، قياساً بوقفتنا الأسبوعية هنا، فقد يمرّ أسبوع بأيّامه السبعة من دون حدث كبير طاغٍ، إنما لا بدّ من حوادث ومحطّات صغيرة لافتة، تُسجّل وتوحي تعقيباً أو خاطرة، في ظلّ القضايا الكبرى والمسارات والصراعات القائمة في بقاع شتّى من منطقتنا والعالم.

لفتني هذا الأسبوع، أولاً، الوضع البائس والمضحك للحكم التركي الحالي الممثّل بالمثير للشفقة، «السلطان» أردوغان، مستنجداً بـ«الناتو» إثر سقوط طائرته العسكرية (الاستطلاعية؟) بمضادات سورية ( لم يرَ بعد فعل الصواريخ أرض ـ جو الروسية) مثلما يستنجد طفل ضعيف بذويه، شاكياً باكياً، طالباً النصرة والدعم. هكذا بدا العثماني الخائب وقد شعر بنفسه متروكاً وحيداً في «المعركة» التي أقحم نفسه فيها بغباء ما بعده غباء ضدّ دولة كبرى جارة كانت تقيم معه أفضل العلاقات التجارية والسياحية، فضلاً عن حسن الجوار، رغم احتلاله لواء الاسكندرون السوري وضمّه بالقوّة إلى «حدوده» و«أراضيه»! تعملق القزم التركي، واقفاً على أمجاده العثمانية الغابرة، ظانّاً أن زمن «السلطنة» موصول ومستمرّ، لم يأفل ولم ينقطع، وأن «الباب العالي» يُصدر « فرماناته» وأوامره فتطيعه الأمّة كما في أزمنة الاحتلال والاستعمار والقمع والقتل والتجويع! لم ينتبه بعد «السلطان» المضحك ومعه شريكه في وهم «السلطنة» أوغلو أفندم، أن القوة التي يستشعرانها في دولتهما هي من الماضي ومن التاريخ الذي لا يتكرر ولا يعود، وأن «التعملق» وزعم القوة التي لا تقهر لم يبقيا مفيدين في الزمن السوري الراهن، المستعدّ لأيّ مواجهة وأيّ حرب تفرض عليه، ويتمتّع بقوته العسكرية الضخمة كدولة إقليمية كبرى لها تحالفاتها الإقليمية والدولية وقادرة على خوض التحدّي ضدّ أي جهة معتدية أو مهدِّدة أو متآمرة، ولعلّ العنجهية التركية الفارغة هزلت وانتكست بعد حادث الطائرة المّسقطة فاستيقظ بنو عثمان من أضغاث «السلطنة» ووعوا قليلاً أنهم محدودو القوة والفاعلية، وأن سورية قوة لا يستهان بها وليست لقمة سائغة في الفم التركي، وأن «الناتو» المستنجدة به لا يستطيع لها شيئاً سوى الخروج ببيان هزيل ينطوي بدوره على عجز وأيدٍ مكبّلة، لأن سورية ليست العراق وليست ليبيا، ولأن بحرها وجوّها وبرّها في حماية ذاتية وإقليمية ودولية تحالفية. العثمانيون الجدد خائبون وعاجزون إلى الأبد، إن شاء الله، والاستغاثة بـ«الناتو» والاستقواء به لن يمدّا «سلطنة» أردوغان وأوغلو بأي قوّة أو أمل، وليتّعظ الديكان العثمانيان المنفوشان من رديفتهم «إسرائيل» الأقوى منهم عسكرياً والمهزومة على أيدي أبطال المقاومة اللبنانية، فالأشاوس الأتراك أنفسهم بلعوا قضية «مرمرة» وعجزوا عن الردّ والثأر لجنودهم القتلى!

* * *

استوقفتني الأسبوع الفائت، في ثاني المحطات والمواضيع، نتائج الانتخابات المصرية التي أثارت وتثير سجالات ومناظرات وتكهّنات وملاحظات، في مفارقة عبثية فرضتها ثنائية المنافسة المحدودة بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، فإن فرحنا لهزيمة الأول كونه امتداداً لنظام حسني مبارك الخائن والمطبّع والأميركي وحليف المتموّلين والأثرياء وعدو الطبقتين الوسطى والفقيرة اللتين تمثلان غالبية الشعب المصري الساحقة، لا يسعنا في المقابل أن نهلّل كثيراً (أو قليلاً) لوصول مرسي إلى سدّة الرئاسة في أكبر دولة «عربية» خرجت على «عروبتها» وعلى القضية الأم فلسطين، منذ «كامب ديفيد» الذلّ والاستسلام، فهو في خلفيته السياسية والدينية «الإخوانية» غير مطمئن البتة وغير مريح كواجهة طائفية متزمّتة ورجعية وأصولية لمصر، ولا يعد حتماً بإنجازات أو أعمال إيجابية للمجتمع المصري، فكيف إذا كان الدستور الجديد الذي فصّله «المجلس العسكري» المؤتمر بأوامر الأميركيين على قياس سلطته يحرم هذا «الرئيس» من سلطته وفاعليته في الحكم، بغضّ النظر عن انتمائه الدينيّ أو الفكريّ، المدنيّ أو العسكريّ. لذا بدت لي نتائج الانتخابات في مصر، ولكثر مثلي، عديمة القيمة والأهمية طالما أنها لم تأتِ بالتغيير الموعود والمنشود، ولا تنطبق على أيٍّ من أهداف «الثورة» المصرية التي هدفت أقلّيتها الواعية والمدنية والليبرالية وغير الطائفية إلى إحداث تغيير جوهري في تاريخ مصر الحديث، من القضاء على الاستبداد والفساد، إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، إلى إلغاء اتفاقيات الذلّ والاستسلام مع «إسرائيل» وبيعها الغاز بأبخس الأثمان، فتحديث وجه مصر لتغدو دولة معاصرة، منفتحة، متطوّرة، تشعّ ثقافة وحضارة وفنّاً وازدهاراً إنسانياً واجتماعياً على كل الصعد... وها مصر، ويا للأسف، تعود إلى ما دون نقطة الصفر، إلى انسداد أفق الأمل في التغيير، الى الثورة المعلّقة الأهداف والأحلام حتى إشعار آخر ولحظة تاريخية مقبلة.

* * *

أثارت حنقي واشمئزازي، في ثالث المحطّات هذا الأسبوع، إطلالة «الأسير» التلفزيونية، في تحدّيات طائفية من العيار الثقيل، وإن تكن تنتمي إلى «الظاهرة الصوتية» أكثر منها إلى الفعل والتأثير، فهذا «الشيخ» الطائفيّ المتعصّب، عدوّ الإسلام والنبيّ والقرآن (ثالوث الرحمة والتسامح والخير والفضيلة والعدالة والحق) لا يملك في الحقيقة وزناً أو فاعلية، حتى في محيطه الأصوليّ التكفيريّ الضيّق وأتباعه القلّة، مناطحاً بأسلوب «التعملق» الأردوغاني المشار إليه أعلاه، قامات دينية وشعبية ووطنية كبرى، كالمقاومة وسيّدها على سبيل المثال، وهو أضعف من أن ينال من قيمتها وقامتها ودورها وفعلها وتاريخها المجيد. وبقدر ما بدا المشهد التلفزيونيّ الاستعراضيّ لـ«الأسير» مثيراً للحنق والاشمئزاز من شدّة طائفيته العمياء وتعصّبه المقيت، كان بالقدر ذاته وأكثر مثيراً للسخرية والهزء من «متعملق» يدعي قوّةً وتأثيراً ليسا متوافرين لديه، وإن كان ثمة تأثير وحيد لكلامه فهو في إطار التحريض المذهبي البغيض فحسب، ولا شيء أكثر يخيف في ظاهرة «الأسير» الصوتية، كظاهرة عربان الخليج، الصوتية أيضاً، وهم يدافعون عن المسجد الأقصى ويحرّرون أرض المقدّسات... بالكلام المنافق!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025