إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

قضيّة «زيارة القدس» الفاتيكان المُعترِف والمطبِّع هو الأساس

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2014-05-22

إقرأ ايضاً


تعود بداية الاعتراف الفاتيكانيّ بدولة «إسرائيل» إلى الفترة التي اعتلى فيها البابا بولس السادس 1963 ـ 1978 السُدّة البابويّة، ففي عهده حصلت تطوّرات تدلّ بوضوح على اعتراف الفاتيكان بـ«إسرائيل»، فزيارة البابا للأراضي المقدسة ولقاؤه الرئيس «الإسرائيليّ» زلمن شازار، وإشادته بالسلطات «الإسرائيليّة»، ومن ثمّ استقباله العديد من الشخصيّات والقيادات «الإسرائيليّة» في الفاتيكان، وفي مقدّمهم رئيسة الوزراء عهدذاك غولدا مائير، وسوى ذلك من الوقائع والمحطّات التاريخيّة التي ترمز بلا أدنى شكّ إلى الاعتراف الضمنيّ، غير المعلن، بدولة «إسرائيل». بل مضى البابا بولس السادس إلى الكلام عن «دولة يهوديّة سيّدة»، وعن بحث الشعب اليهوديّ عن «حماية آمنة في دولة ذات سيادة ومستقلّة خاصة به»، ما دفع البعض إلى القول «إنّها المرّة يعترف فيها أحد البابوات بالحقوق والطموحات المشروعة لليهود في دولة ذات سيادة ومستقلّة خاصة بهم»، بحسب وليم تيلر ومايكل براير في مقدذمة كتابهما «المسيحيّون في الأراضي المقدّسة».

رغم أن الاعتراف الرسميّ بدولة «إسرائيل» واجه عقبات على المستويين الدينيّ والسياسيّ، إلاّ أنّه مع مجيء البابا يوحنا بولس الثاني عام 1978 ذُلّل الكثير من المعوّقات المانعة من تحقيق هذا الاعتراف، علماً أنّ الظروف الدوليّة وإصرار «إسرائيل» على مواقفها من القدس والأماكن المقدّسة بخاصّة أخّرا الجهود المبذولة على هذا الصعيد. في حين أن موقف البابا يوحنا بولس الثاني كان صريحاً لجهة الاعتراف بدولة «إسرائيل» إذ قال في رسالة بابويّة منشورة ضمن «القدس في الوثائق الفاتيكانيّة» ويعود تاريخها إلى 20/4/1984: «لأجل الشعب اليهوديّ الذي يعيش في «إسرائيل» ويحتفظ في هذه المنطقة بعلامات غالية جداً من تاريخه وإيمانه، أطلب في صلاتي الأمن والطمأنينة العادلة التي ينشدها ويسعى إليها كلّ بلد»، كما يقول في تصريح آخر: «الشعب اليهوديّ الذي يعيش في دولة «إسرائيل» يحقّ له كأيّ شعب أن يتمتّع بالأمان المرغوب والاستقرار العادل».

ظلّ موضوع الاعتراف الفاتيكانيّ بـ«إسرائيل» على حاله حتّى انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 إذ جاء هذا المؤتمر بمتغيّرات وظروف دوليّة جديدة، فلم تمضِ سنة عليه حتى بدأت المباحثات بين الجانبين الفاتيكانيّ و«الإسرائيليّ» وتُوّجت باتفاق عام 1993 اعترف الفاتيكان بموجبه بدولة «إسرائيل» وتبادل معها وثائق الاعتراف وأقام معها عام 1994 علاقات دبلوماسيّة طبيعيّة. وفي موقف لافت يعبّر عن مشاعر الفاتيكان في تلك الفترة حيال «إسرائيل» قال سفير الفاتيكان لديها: «أعتقد أن البابا والفاتيكان أدركا أن الوقت قد حان للتحدّث مع دولة «إسرائيل»، والتحدّث مع اليهود من خلال دولة «إسرائيل»، وهذا متأخّر قليلاً، لكن أن يكون متأخّراً خير من ألاّ يكون».

رغم أن العلاقات بين الطرفين تتّسم أحياناً بالتوتّر، إلاّ أنّ موقف الفاتيكان ثابت لناحية الاعتراف بدولة «إسرائيل» واستمرار العلاقات، وإن شابها في بعض الأحيان استفزاز من جانب «إسرائيل» كمثل ما حصل لدى اقتحام القوات «الإسرائيليّة» كنيسة المهد عام 2002.

يسوق الباحث صادق النابلسي عدّة ملاحظات قيّمة، قانونيّة وجوهريّة، حول مضمون اتفاق 1993 بين الفاتيكان و«إسرائيل» على النحو الآتي:

الملاحظة الأولى: كون المعاهدة بين دولتين، الفاتيكان من جهة ودولة «إسرائيل» من جهة أخرى، فإنّ معظم بنود الاتفاق تقريباً نصّت على عبارة «إنّ الفاتيكان ودولة إسرائيل»، ما يشير إلى أنّ الوجود «الإسرائيليّ» في فلسطين المحتلّة وتحديداً في القدس وأراضي العام 1967 هو وجود «دولتيّ» Etatique، بمعنى السيادة «الإسرائيليّة» على هذه الأراضي، وهذا مناقض لموقف الفاتيكان الرسميّ والمعلن بعدم الاعتراف بشرعية الاحتلال.

الملاحظة الثانية: يحاول الاتفاق جعل الكيان «الإسرائيليّ» مرجعاً روحيّاً لليهود، إذ اعتبر الطرفان أنّ الاتفاق تمّ ضمن «عملية المصالحة التاريخيّة، وبحسب التفاهم والصداقة المتبادلة والمتزايدة بين الكاثوليك واليهود». علماً أن تكريس «إسرائيل» مرجعاً روحيّاً أمر مخالف لقرار الأمم المتحدة التي اعتبرتها كياناً عنصريّاً. وبحسب إنعام رعد فإنّ الكيان الذي يملك فكراً توسّعياً عدوانيّاً كيف له أن يكون مرجعاً روحيّاً مناقشة نقديّة للوثيقة الفاتيكانيّة، «النهار» في 14/1/1994 .

الملاحظة الثالثة: جرت عادة الفاتيكان على أنه لا يقيم علاقات دبلوماسيّة مع دولة معينة، إلاّ إذا كانت هذه الدولة تملك حدوداً واضحة، معترفاً بها دوليّاً، وفي حالة سلم. وذاك ما كان أكّد عليه البابا بولس السادس عام 1991 في رسالة إلى الرئيس «الإسرائيليّ» قائلاً له: «إنّ الفاتيكان لا يستطيع أن يلتزم بأيّ اتفاق مع أي دولة لا يعترف بها. وأنّه، أي الفاتيكان، لا يمكن أن يعترف بـ«إسرائيل» طالما أنها في حالة حرب مع دول الشرق الأوسط».

الملاحظة الرابعة: تكريس مفهوم «الشعب اليهوديّ»، وهو من أدبيّات الصهيونيّة ومؤسّس حركتها ثيودور هرتزل الذي أطلقه في كتابه «الدولة اليهوديّة» وقد علّق إنعام رعد على هذا الجانب قائلاً: «هذا مفهوم صهيونيّ وليس مفهوماً لاهوتيّاً مسيحيّاً، ولا مفهوماً علميّاً معاصراً، لأنّ اليهود لا يشكّلون شعباً بقدر ما أن المسيحيّين لا يشكلون شعباً أو أمّة، وبقدر ما لا يشكل المسلمون شعباً واحداً بل شعوباً عديدة… فأن يتحوّل معتنقو ديانة معيّنة إلى شعب، رغم فواصل القارات والحضارات والجنسيّات، فهذا أمر مخالف لعلم الاجتماع، ولقوانين الدول وحقوق الإنسان التي تدعو إلى عدم التمييز على أساس الدين أو العرق».

الملاحظة الخامسة: تعهّد الفاتيكان بالعمل على «إيجاد حلّ سلميّ ينهي النزاعات بين الدول والشعوب بغير العنف والإرهاب»، ما يعني أن الفاتيكان سيعمل على مساعدة «إسرائيل» من خلال الطلب إلى الفلسطينيين وقف عمليات المقاومة وأشكال الثورة ضدّ الاحتلال «الإسرائيليّ» إذ يصنّفها الاتفاق «عنفاً وإرهاباً»! ومن ناحية أخرى، سيحضّ الفاتيكان أطرافاً عربية أخرى مثل سورية والأردن ولبنان على إنهاء النزاع مع «إسرائيل» على أساس «الحلول السلميّة».

إذن، أعطى هذا الاتفاق الفاتيكانيّ ـ «الإسرائيليّ» دولة الاحتلال «بعداً شرعيّاً» لطالما كانت تعوّل عليه في علاقاتها مع الدول المسيحيّة التي تشكّل خمس مجموع سكّان العالم، فيما لم يُعط الفاتيكان أيّ مكاسب تذكر!

سؤال أخير: ما مصلحة كنيستنا المارونيّة الأنطاكيّة المشرقيّة في الانسياق والانقياد وراء الفاتيكان وسياسته الخاصة اعترافاً وتطبيعاً، حيال عدوّ أمّتنا المغتصب والمحتلّ والعنصريّ ومرتكب المجازر ومنتهك المقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة على السواء؟!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024