إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إعادة تأكيد المؤكّد: سورية مستهدفة نهجاً

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2014-02-27

إقرأ ايضاً


لا يني مستقيمو الرأي قوميّاً ووطنيّاً يؤكّدون صبحاً وظهراً ومساء ويفسّرون لمحدودي الإدراك والوعي والحسّ الوطنيّ القوميّ، أنّ ما حصل في سورية ويحصل حتى الساعة هو تدمير للموقع الصلب الأخير أمام استتباب الوضع للولايات المتحدة الأميركيّة وربيبتها الحبيبة «إسرائيل»، وإحكام السيطرة التامّة على المنطقة بأسرها التي انفرط عقدها حبّة حبّة، ولم تبقَ إلاّ سورية، ولبنان في شقّه المقاوم، كي يتحقّق مشروع «الشرق الأوسط الجديد» بقيادة «إسرائيليّة» وحماية أميركيّة، أما الشعوب والأنظمة فبين تابع وخانع ومستسلم، والويل لمن يخرج على عصا الحاكم الأميركيّ ـ الصهيونيّ.

غريب كيف أنّ هذه الحقيقة الساطعة كالشمس لا يراها عميان البصر والبصيرة والوعي الوطنيّ، وكيف لا يفقهون المجريات وينفون وجود أهداف مماثلة ومؤامرات معدّة ومنفذّة بإحكام لبلوغها! غريب أكثر كيف يدافعون عن أميركا ويصدّقون شعاراتها المعلنة الكاذبة وينزّهونها عن الشرّ والانحياز والتآمر والمصالح الخاصة والاستهداف، والأفدح غرابة كيف يمضي البعض إلى حدّ إخراج «إسرائيل» من دائرة التآمر كأنّها حَمَل وديع مظلوم متّهم باطلاً! ومع علمنا أن مثل هؤلاء مصابون بالعمى الوطنيّ والقوميّ، إن لم نقل بالجهل والغباء المطلقين، أو بالتبعيّة العمياء التي قد تبلغ درجة العمالة في بعض الحالات، لا نزال نلقى صعوبة في استيعاب التكوين النفسيّ والأخلاقيّ والعقليّ لدى هؤلاء المصرّين على تغليب الهوى الأميركيّ ـ الغربيّ ـ الصهيونيّ في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم، على أيّ شعور وطنيّ مفترض لدى أيّ إنسان ينتمي إلى أرض وهويّة، إذ يحتّم المنطق الإنسانيّ البديهيّ أن يكون انتماؤه أوّلاً إلى جذوره، أي إلى جوهر ذاته وحضوره!

هؤلاء الآنف ذكرهم، يستبدّ بهم مثلاً حقد على الرئيس بشّار الأسد، ويزيدهم حقدهم هذا عمى عن الحقيقة الساطعة التي يُفترض بهم رؤيتها لو كانوا يبصرون ولو لم يكن هذا الحقد يعمي أبصارهم وعقولهم وقلوبهم، إذ لا يملكون من الوعي السياسيّ شيئاً إلاّ الحقد، ولا يملكون من الشعور الوطنيّ إلاّ الحقد، ولا يريدون الإصغاء إلى أيّ منطق أو تحليل إلاّ الحقد. هم حاقدون على الرئيس الأسد «ونقطة على السطر» على ما نطق أحدهم بليغاً، لا فضّ فوه! هؤلاء لا قضيّة لديهم يلهجون بها من الصبح إلى المساء، وفي مناماتهم وكوابيسهم الليليّة، وحتى في أحلام اليقظة، إلاّ رؤية سقوط الرئيس الأسد، حتى لو كلّف الأمر زوال سورية كلّها عن الخريطة الجغرافيّة والسياسيّة ومركز القرار، ولا مشكلة إن حكمت «داعش» أو «القاعدة» أو «النصرة» أو السعودية أو أميركا أو «إسرائيل»... المهمّ، المهمّ، المهمّ، أن يسقط الرئيس الأسد، وأن يُحاكم، أو يُرحّل... المهمّ أن يتخلصوا من «كابوس» مستمرّ يلاحقهم، هو شخص الرئيس حتى لو احترق العالم كلّه لا سورية وحدها!

بمَ يمكن مخاطبة هؤلاء المعميّين بالحقد ولم يوحّدوا «ثورتهم» المجيدة ولا «جيشهم الحرّ» الشرس ولا «جبهتم السياسيّة» الصلبة، ولم يتقدّموا ببرنامج حكم أو تغيير أو إصلاح أو تطوير أو حداثة لسورية كي يناقشهم العالم كلّه فيه!

بمَ يمكن محاججة هؤلاء الذين لا يرفعون سوى شعار تعيس لا ينمّ إلاّ عن ضغائن شخصية و«فشّات خلق» يائسة: «إسقاط النظام ورحيل الأسد»! يا لها من «ثورة» بلا إيديولوجيا، بلا فكر موحّد، بلا برنامج حكم أو إصلاح، بلا أفق، بلا تنظيم، بلا وحدة قضيّة أو نضال، تختلف على كل شيء بين بقايا شيوعيين هزيلين من أمثال كيلو وصبرا... و«إخوانجيّة» ووهابيّين متطرّفين دينيّاً وعصبيّاً لا أحد يعرف كيف يمكن أن يتفاهموا مع قوى «يسار» و«علمانيّة» مستقبلاً من دون أن يسيل الدم غزيراً! إلاّ على هدفهم «العظيم»: إسقاط الرئيس والنظام! فإن كان من نموذج حسّي يُعطى للأنارشيّة المطلقة و«الثورة» الفاشلة المجنونة التي تخبط خبط عشواء، فإنّما «الثورة» السوريّة الراهنة هي النموذج الأسطع، خير برهان.

كيف يقتنع هؤلاء وآخرون، في لبنان والأردن وفلسطين، وفي مملكة الظلام والقهر السعوديّة، أن المستهدف في سورية هو النهج، النهج غير المستسلم للأميركيّين ولبني صهيون من بعدهم أو من خلالهم، النهج غير السائر في خطّ التطبيع، إن المعلن أو السرّي، النهج الرافض تصفية القضيّة الفلسطينية ومشاريع التهويد والاستيطان، النهج غير المتنازل عن الجولان أرضاً وثروةً مائية يفيد منها العدو منذ الاحتلال، النهج غير المتردّد في دعم المقاومتين الفلسطينية واللبنانية رغم عروض الترغيب وإشارات الترهيب، النهج غير المُقدم على «كمب ديفيد» آخر رغم قدرته التامّة عليه لو رغب وشاء، النهج غير المستعطف أميركا لنيل رضاها وحمايتها مثل أنظمة عربية كثيرة، من مصر العهود السابقة إلى الخليج المنبطح عند قدمي السيد الأميركيّ والمستظلّ حمايته، النهج الذي لم يغدر بحليفه الروسيّ التاريخيّ ولم ينقلب إلى جهة الإغراء الأميركيّ، بل ركب المركب الخشن وسبح عكس التيار الأميركو ـ صهيونيّ الجارف في المنطقة، فرسمت له هذه المؤامرة الدمويّة المجرمة لتدمير سورية عن آخر بشر وحجر، عقاباً لها ولقيادتها على مواقف وطنيّة وقوميّة صلبة، عنيدة غير خاضعة لا لترغيب ولا لترهيب.

النهج والنظام صنوان يا أهل العمى الوطنيّ والقوميّ. ليس الشخص مستهدفاً ولا النظام، إنّما النهج الرافض هو المستهدف. لا يريدون لسورية وشعبها الأبيّ الراسخ الانتماء والالتزام أن يبقيا الحصن المنيع والقلعة الأخيرة للذود عن فلسطين وقضايا الأمّة المحقّة. هم غير آبهين للأشخاص والحكّام والأنظمة. يرومون أمراً واحداً: استتباب الوضع لـ«إسرائيل» مرّة واحدة وأخيرة وإلى الأبد، إذا أمكن، ولو استطاعوا ذلك. وإلاّ كيف يفسّر هذا التوازن بين تدمير الحصن السوريّ وتسريع المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» لإنهاء الصراع مع إنهاك سورية وتصفية ما بقي من القضيّة، لإحلال «السلام الاستسلام» وتسيير التطبيع وإحكام السيطرة الأميركو ـ صهيونية على المنطقة؟! ثمّة استماتة في الاتجاهين المتوازيين: تسريع إنهاء الصراع في فلسطين، وتسريع إسقاط النظام ورئيسه في سورية. مساران تآمريّان متزامنان لهدف نهائي واحد.

أودّ أن أسأل المشكّكين في ما أسلفت حول النهج السوريّ:

لو قرّر الرئيس بشار الأسد منذ سنوات ويمكن إرجاع الاحتمال إلى زمن الرئيس حافظ الأسد السير على طريق أنور السادات والهبوط بطائرة سوريّة في الأرض المحتلّة وعقد معاهدة سلام مع «إسرائيل»، أما كان في وسعه أن يفعل ويضمن بقاءه إلى الأبد؟!

ولو شاء الرئيس الأسد كسب رضى الأميركيّين بأي ثمن ليجلس مرتاحاً في الحكم، أما كان قادراً أن يفعل؟ ولو فعل وأقدم أما كان ليحوز فعلاً رضى الأميركيّين وحمايتهم ودعمهم الكامل؟!

إنّ نهج الممانعة الذي يسخر منه بعض ضعاف النفوس وضعاف الانتماء والوطنيّة هو نهج حقيقيّ، فعليّ، ثابت وليس زعماً أو ادعاء مثلما يحاول أن يروّج هؤلاء، هازئين ساخرين. وإلاّ، ما حاجة سورية، رئيساً وحكماً وجيشاً وشعباً، إلى ركوب مركب الوطنيّة والقوميّة والممانعة الخشن؟!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024