إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سلفيّة تصعد إلى الحكم مشبوهة الأهداف والمشاريع

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2012-02-02

إقرأ ايضاً


عصبيّة دينية منغلقة، تكفيريّة، في أكثر من جلباب وخلف أقنعة مختلفة وتسميات شتّى. «تحبّ» الله وتكره البشر. لا تملك سوى الحقد إزاء «الآخر»، حتى لو كان مسلماً ومن أهل السنّة إنّما غير منتمٍ إلى «الجماعة» أو «التيّار» أو «الوهّابية»، أو نصرانياً، أو شيعياً، أو علويّاً. تكفّر كلّ من يخالف فهمها للقرآن الكريم والإسلام (دين التسامح والرحمة حوّلته غير متسامح وغير رحوم!) والتطبيق الحرفيّ للشريعة (بحسب فهمها الخاصّ لها وعقلها المتزمّت) وتمضي في تكفيرها للناس إلى أقصى حدّ، براحة «ضمير» لا تُحسد عليها، ومن غير أيّ شعور بالذنب وبانتهاك لحرّية الآخر ديناً ومعتقداً وفكراً، كأنّها هي المربّي والمرشد والديّان للبشرية جمعاء، «المطاوع» الذي يحمل السوط وينهال على «الكفرة» جلداً وعقاباً وتأديباً! بحق «إلهيّ» لم يُعطَ لسواه... بل أعطي لأشباهه في التعصُّب الأعمى والعنف المفرط والتعالي العنجهيّ، اليهود وصهاينتهم المقيتين، وهم مثل سلفيّي الإسلام يخالون أنهم «المختارون» و«الصفوة» و«النخبة» وكلّ من عداهم لا يستحقّ سوى النبذْ والجلد والقتل إذا اقتضت الحاجة والظرف والمقام، مثلما يحصل في العراق من مجازر يومية ضدّ الشيعة، أو مثلما حصل قبل أسابيع قليلة في مصر من مجزرة (عنصرية تعصّبية مقنّعة) ضدّ الأقباط، ومثلما يحصل في أكثر من مكان للعيش المشترك ضدّ المسيحيين في العراق ولبنان ـ وسورية حديثاً ـ وصولاً إلى القارة الأفريقية حيث النموذج النيجيريّ الماثل للعيان إلى الآن.

المفارقة الخطيرة والغريبة أن هذا التكفير السلفيّ المقيت يتحرّك في كلّ الاتجاهات التي ذكرنا (سنيّة متسامحة وعصرية منفتحة، مسيحية أو «نصرانية» بحسب تعبيرهم، شيعية، علوية ... إلخ) إلاّ في اتّجاه «إسرائيل» اليهودية الصهيونية! هنا يتوقّف الكره التكفيريّ و«الجهاديّ» (أستثني «حماس» المعنيّة مباشرة بالصراع) المندفع ضدّ مذاهب إسلامية أخرى أو مسيحية مكفَّرة جملةً وتفصيلاً، فلا نسمع كلاماً ولا نرى أفعالاً ضدّ اليهود أو ضدّ «إسرائيل» بل يقف «الجهاد» عند العتبة «الإسرائيلية»، مثلما فعلت «القاعدة» وتفعل حتى الساعة، إذ تخوض إرهاباً منظّماً (مشبوهاً بالتأكيد) في كل مكان إلاّ في «إسرائيل»، منذ سيئ الذكر والعميل الأميركي المغدور على أيدي أسياده أسامة بن لادن، إلى اليوم، لم تتبنّ «القاعدة» تفجيراً واحداً في «إسرائيل» أو عملية استشهادية أو «جهادية»، بل لا تضع تحرير فلسطين ومحاربة اليهود في صلب عقيدتها و«مشروعها» و«جهادها» وأولوياتها وخطابها المعلن! تفجِّر وترتكب المجازر في أكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ أو متعدِّد (كما حصل في دمشق منذ أسابيع) ولا تفعل ربع ذلك في الأراضي المحتلّة، من القدس إلى مستوطنات الضفّة فالجولان المحتلّ، وتلتقي أهدافها دوماً على نحو مثير وغريب ومريب مع الأهداف الأميركية والصهيونية في العالم كلّه وفي منطقتنا بشكل خاص!

تكفيريّة كهذه بوجوه وأقنعة مختلفة ترتقي إلى سدّة الحكم في أكثر من بلد عربيّ وأوسطيّ ومغاربيّ، من تونس وليبيا إلى مصر حيث غزا «الإخوان» وأقرانهم السلفيون البرلمان كأكثرية وازنة مؤثِّرة جداً، فبدأ الخوف يتصاعد على الحرّيات العامة والفردية، الدينية والاجتماعية، الأدبية والفنية والتعبيرية، وخاصة الوطنية والقوميّة استناداً إلى المواقف المعلنة حيال «إسرائيل» والحفاظ على اتفاقيات الذلّ والخيانة معها من نوع «كمب ديفيد»، والتنصُّل من القضية الفلسطينية، والتنازل الطوعي عن المسجد الأقصى، والانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية العدوّ الأول للأمّة السورية، ولسائر شعوب المنطقة العربية والإسلامية، بعد مغازلة طويلة مشبوهة من قبل أميركا لهذه التيارات الإسلامية المتطرِّفة التي يبدو أن محرّكها وملهمها وموجِّهها ومموِّلها واحد: السعودية الوهّابية، بما تمثِّل من تعصُّب فارغ وحاقد غير مدعَّم بالتديُّن الصحيح في ظل الفحش المنتشر (عيش باذخ، فاحش، فاجر، متناقض تماماً مع الدين وتعاليم القرآن ومبادئ الزهد والرحمة والتسامح والإحسان)، تقود قوى تكفيرية ظلاميّة، تدعمها وتشجِّعُها، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة حامية النفط وناهبته. ويبدو تبعاً لتطوّرات هذه السنة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وتحديداً في سورية، أن ثمّة اتفاقاً شيطانياً جهنمياً بين السعودية (مع أذنابها الصغار مثل قطر والبحرين والإمارات) والولايات المتحدة الأميركية على تسلّم القوى السنّية الأصولية والسلفية الحكم في المنطقة، تمهيداً لعقد «سلام» مع المسخ «إسرائيل» وتطبيع كامل وإنهاء للصراع العربي ـ «الإسرائيلي» على حساب الشعب الفلسطيني، واللبناني، والسوري، والتنازل عن الأرض والسيادة والكرامة في مقابل إنهاء الصراع وبناء «شرق أوسط جديد» رأسماله نفطيّ عربيّ واستثماره يهوديّ «إسرائيليّ»، والجميع تحت عباءة أميركا وسيطرتها واقترابها الأفعوانيّ من روسيا التي كشفت أخيراً، لحسن الحظ، النوايا الأميركية وقرّرت التصدّي للمشروع الخبيث والخطير الذي يبغي الاستئثار بحكم المنطقة وثرواتها وموقعها الاستراتيجي وتثبيت وجود «إسرائيل» والوقوف عند عتبة موسكو تمهيداً للانقضاض عليها في مرحلة لاحقة.

فلنراقب حركة تلك الأصوليات والسلفيات عن كثب، ولنتيقَّظ حيال المضمر أكثر من المعلن، فالمخفي أعظم، والمؤامرة كبيرة، والشيطان « متجلبب» برداء الدين والعصبيّة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024