إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حكمة المفتي حسّون مُعْلياً الإنسان فوق الدين

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2013-12-05

إقرأ ايضاً


أسرني الكلام الرائع والعميق الذي سمعته من مفتي سورية أحمد بدر الدين حسّون في مناسبتين متقاربتين الأولى كلمة أمام النقابات المهنية السورية تابعتها عبر «الإخبارية السورية» والثانية مقابلته الخاصة بـ«البناء» تحت العنوان نفسه الثابت والدائم لدى رجل الدين المميّز الواسع المعرفة دينيّاً والمنفتح ثقافيّاً لكن خاصّةً العميق إنسانيّاً مُعلياً قدر الإنسان وقيمته في الحياة ولدى الخالق على كلّ ما عداه وتحديداً على العصبيّة الدينيّة العمياء التي لا تخدم الإنسان بل تخدم نفسها ودعواها المتهافتة. ولفتني كلام المفتي حول الفصل الجليّ الذي حصل منذ فجر الإسلام بين الدين والسياسة مؤكّداً بالبرهان التاريخيّ أن «الدولة الإسلاميّة» لم تقم يوماً ولا «دولة الخلافة» كذلك إذ كانت هناك على سبيل المثال «دولة أمويّة» و«دولة عبّاسية» إلخ وما كانت هناك قطّ «دولة خلافة إسلاميّة» تحمل مثل هذه التسمية أو الصفة. ليخلص المفتي إلى حتميّة فصل الدينيّ عن السياسيّ معتبراً أنّ ما يفعله الإسلام المتعصّب والمتطرّف والتكفيريّ اليوم يندرج في مشروع سياسيّ لا دينيّ أيّ أنه يجني من الدين مكاسب سياسيّة ومشروعه سياسيّ لا دينيّ ولا إيمانيّ ولا صلة له تالياً بالعقيدة أو الرسالة.

الأمر واضح تماماً بالنسبة إلى المفتي حسّون. ثمّة صراع دائر حالياً في سورية والمنطقة كلها وربما العالم بأكمله بين مشروعين:

الأوّل مشروع «إسلاميّ» يتقنّع بالدين ويلبس لبوسه بينما هو عمقاً مشروع سياسيّ بامتياز وأصحاب هذا المشروع الواحد ينضوون تحت تسميات مختلفة «إخوان» «قاعدة» «نصرة» «داعش»... ويخوضون حرباً تكفيريّة دمويّة ضدّ الجميع حتى ضدّ باقي المسلمين غير الملتحقين بتنظيماتهم أو المؤيّدين لأفكارهم وأهدافهم وبالتأكيد ضدّ الأديان والطوائف والمذاهب الأخرى كالمسيحيّة مع شكل من أشكال المهادنة المريبة جدّاً حيال اليهوديّة والصهيونيّة!

الثاني مشروع إسلاميّ مؤمن معتدل وأخلاقيّ إنسانيّ وقيميّ منفتح ومتقبّل للآخر المختلف ديناً أو عقيدة وإيماناً إنّما المساوي له إنسانيّاً. هذا الإسلام الذي يدين به مفتي سورية والعديد من المفتين وعلماء الدين والمشايخ الأجلاّء المحترمين هو دين الإنسان والعدل والرحمة والأخوّة والمحبّة والعطاء... أي القيم السامية كلّها التي تكاد تكون هي نفسها في مختلف الأديان القائمة على مبادئ مماثلة باستثناء الإله التلموديّ الذي يحرّض قومه على أفعال من النوع العنصريّ والدمويّ بيد أنّه استثناء نادر بين الأديان وشأن مغاير يستلزم بحثاً مستقلاًّ ليس هنا مجال الخوض فيه.

المفارقة المؤلمة أن أهل العصبيّة المذهبيّة السنّية في زعمها الباطل إذ لا علاقة لها بمفهوم السنّة والجماعة والقرآن الكريم وليست بالتأكيد على سنّة الله ورسوله يخوّنون المفتي حسّون وأقرانه من كبار علماء الإسلام مثل شيخ الأزهر والعديد من الأئمة والمشايخ الصالحين ويطلقون عليهم نعوتاً مقيتة ومنحطّة إذ ينعم هؤلاء المتعصّبون المتخلّفون المتستّرون بالإسلام والقرآن والسنّة بجهلهم الفظيع ولا يقرّون بجوهر الدين وقيمه الأخلاقيّة والإيمانيّة والإنسانيّة مكتفين برفع السيف والبندقية والدعوة إلى «الجهاد» و«التكفير» و«فرض أحكام الشريعة» على طريقتهم وتسيير حياة الأفراد بحدّ السيف وقطع الرؤوس ونشر الخوف والرعب وتعميم أجواء الظلام والردّة والرِجعة وإعادة المجتمع إلى عصور التخلّف والوحشية والتعصّب والانغلاق ورفض الآخر المختلف ديناً أو عرقاً أو انتماء!

هل ثمّة حاجة إلى إعادة التأكيد على أن الدين وُجد وأُرسل أنبياؤه إلى البشر لخلاصهم وتزويدهم القيم وتنظيم علاقات الأخوّة والمحبة والرحمة والعطاء في ما بينهم؟ّ! وهل ثمة ضرورة بعد إلى القول إنّ الدين هو رسالة انفتاح وقبول للآخر لا رسالة انغلاق ورفض وأنّه جوهر مضيء ومفرح للإنسان وليس ظلاماً وغمّاً وسيوفاً مصلتة فوق الأعناق تهدّد بقطعها... أو هي تقطعها فعلاً!

الدينُ فرحٌ وامتلاءٌ وراحةٌ نفسيةٌ وإيمانٌ عميقٌ وعبادةٌ صافيةٌ نقيةٌ وليس تعصّباً أعمى عدوانيّاً جاهلاً معتم الروح وحشيّ التطبيق والممارسة منفصلاً عن التطوّر والحضارة والثقافة والانفتاح والحداثة وروح العصر نحو جاهلية وعصور ظلاميّة بائدة! الدين الصالح النقيّ والمتسامح هو الذي نتلقّاه من فم المفتي حسّون وأمثاله دين الرفعة والسموّ المنزل للإنسان تأكيداً على قيمته العظيمة لدى الخالق.

الصراعُ إذن قائمٌ اليوم بوضوح تامّ لا يخفى على أيّ محلّل أو مراقب بين «إسلامين» إذا صحّ التعبير إسلام نيّر منفتح وطنيّ قوميّ واعٍ الخطر الصهيونيّ والغربيّ المستعمر... وإسلام تكفيريّ متعصّب منغلق وحشيّ متخلف مهادن لـ«إسرائيل» ومعادٍ للأمّة السوريّة الحضاريّة... والصراع يستدعي في النهاية نوعاً من الحسم.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024