يدمي القلب حدث العبّارة التي غرقت قبالة شواطئ أندونيسيا فابتلع البحر ثمانية وعشرين لبنانياً العدد مرشّح للازدياد بينهم ثمانية أطفال من عائلة واحدة مع أمّهم وشبّان ورجال ونساء خاضوا المغامرة القاسية والخطيرة أملاً في بلوغ شاطئ الحلم والهجرة الأستراليّ وهرباً من واقع الفقر والحرمان في قراهم الشمالية العكّارية تحديداً وقرية عبقيت المفجوعة على وجه التخصيص. وهم ضحية مافيا محلّية وعالمية متعدّدة الطرف والجنسية سلبت منهم مالهم وأرزاقهم لقاء حلم هجرة بطعم الموت والمأساة.
مفجع كذلك ويدمي القلب ما تكشّفت عنه أحوال القرى التي غادرها هؤلاء «المهاجرون» المساكين الذين لم يحظوا حتى بصفة المهاجرين بل بتعريف ضحايا أو ناجين. فقرية عبقيت على ما فضحته صور التقارير الإخباريّة التلفزيونيّة تعاني حرماناً لا يوصف في بناها التحتية البديهية من طرقات وكهرباء وماء وتشبه كل شيء إلاّ القرية المأهولة التي يعيش فيها بشر ذوو حقوق وكرامة إنسانية. الإهمال هنا في ذروة تجلّياته والإنماء المتوازن واللامتوازن لم يسمع باسم هذه القرية ولا بالعديد من القرى المجاورة بل بعكّار كلّها وكذلك بأحياء كبيرة وكثيفة السكان في طرابلس نفسها الفيحاء الجميلة عاصمة الشمال. والإهمال وغياب الإنماء تشكو منهما هذه المنطقة الشمالية العزيزة منذ عقود وما من مصغٍ أو مُقدِم أو مجيب كأنّما ليست جزءاً من الوطن والدولة ومشاريعها وموازناتها وكأنّما الإهمال والحرمان عقاب مقصود لها على ذنب لم تقترفه سوى أنها «بعيدة» عن مركز الاهتمام وتنفيذ بعض المشاريع في بيروت وبعض ضواحيها. أمّا باقي المحافظات والأطراف البعيدة قليلاً و«النائية» فلتقبع إلى الأبد في فقرها وحرمانها وانعدام مقوّمات الحياة الأساسيّة فيها وليهاجر مَنْ يهاجر وليمت مَنْ يمت فطالما الـ«داون تاون» و«الزيتونة باي» بخير فإن الدنيا بألف خير و«البلد ماشي» ولو «حافي»!
أعاجزة حقّاً دولتنا العليّة عن تخصيص هذه المناطق الشمالية المنكوبة ومثلها في باقي المحافظات جنوباً وبقاعاً وجبلاً بمشاريع إنمائيّة بسيطة وأساسيّة هي الحد الأدنى من مقوّمات العيش؟ وهل ثمّة استحالة فعليّاً في وضع مشاريع إنمائيّة زراعية وصناعيّة وسياحية لمناطق شمالية مثل طرابلس وعكار غنيّة بمرافئها ومرافقها وتجارتها وأسواقها كما هي حال الفيحاء أو بسهولها الخصبة وجمالها الطبيعي وطبيعتها الآسرة كما هي منطقة عكار سهولاً مترامية وجبالاً شامخة وقرى وبلدات غنيّة بأهلها المزارعين الكادحين أو الرافدين جيش الوطن بخيرة الشبان والرجال . ليست بالتأكيد دولة عاجزة عن التخصيص بل هي دولة مهملة قاصرة عن الرؤيا والرؤية والتنفيذ غير ممتلكة الإرادة وحسّ المسؤولية... دولة فاسدة ومتخلّفة في ملخّص العبارة...
الدولة اللبنانية القاصرة تدفع بمواطنيها اليائسين فاقدي الأمل والرجاء إمّا إلى عبّارات الموت أو إلى أحضان الأصوليّة والسلفيّة الإرهابيّة ولا خيار ثالثاً في وطن المغانم والمفاسد والمحاصصة الطائفيّة والمذهبيّة بين الهجرة وآلامها... وحمل سلاح القتل والتعصّب الأعمى للارتزاق!
لو يعمل خالد الضاهر ومعين المرعبي لفقراء عكّار وقراها المنكوبة ويحضّون سيّدهم سعد الحريري على الإنماء بدلاً من الحضّ على المذهبية المقيتة وحمل لواء «المعارضة» السورية و«مجاهديها الأجلاّء»!
مسكين أحمد الجربا سرقوا منه «ثورته» عنوة و... «يا غافل لك الله»! نام على «ثورة مدهشة رائعة متماسكة جداً ما شاء الله موحّدة القيادة والقرار ـ ليمت الحاسدون ـ ذات ثقل وحضور عالميين لا تنعم بهما ثورة أخرى في العالم مهيّأة لتسلّم السلطة»... لو لم تظهر هذه المنظّمة الإسلاموية «القاعديّة» اللعينة «داعش» فتسلب الجربا حلمه وتبدّده وتحرمه «النصر المبين» الذي كان قاب قوسين أو أدنى... دخلت اللعينة «داعش» على خط «الثورة المجيدة» التي تجمع من المجتمعات والشعوب حثالاتها ومجرميها وظلاميّيها المتخلّفين الوحوش أكلة القلوب والأكباد والمكفّرين فتيةً وكباراً وشيوخاً ونساءً وقاطعي الأعناق بحدّ السيف أو المصفّين ميدانيّاً برصاصات في الرأس أو في الفم. هؤلاء إلى الأمس كانوا جيش «ثورة الجربا» العظيم الغارق في وحشيّته وانحرافاته وعنفه وصراعاته وما كان «القائد الملهم» أحمد الجربا يرى فيه ما يثير الاستهجان حتّى دخلت جماعة «داعش» الفاتحة على حسابها وسلبته السلطة والقرار اللذين كان المسكين يخال أنه يملكهما فيما يعي القاصي والداني أن هذا الجربا الذي وضعه السعوديّون والقطريّون والأميركيّون والأتراك في الواجهة الصوريّة للمشروع التآمريّ ضدّ سورية ما هو سوى دمية تافهة تحرّك خيطانها الأيدي الممسكة بالقرار.
صدّق نفسه هذا الجربا أنه «ثائر» و«قائد» و«رئيس ائتلاف» وسوى ذلك من الصفات الوهمية التي يظنّها في حاله بينما لا يتحلّى في الحقيقة البيّنة بأيّ من سمات القيادة وصفاتها فلا «كاريزما» ولا شخصية قوية تفرض نفسها ولا براعة كلام أو خطاب ولا فكر ولا عمق ولا ثقافة كأنّه أُخرج من «مستودع» أجهزة الاستخبارات لأداء مهمّة ودور يُشغّلان عن بعد بالريموت كونترول علماً أنّه ذكر الكثير من المعلومات الأكيدة عن كونه مهرّباً قديماً وسجيناً سابقاً ويُراد للمسكين أن يقف بهزاله الفكريّ والوطنيّ والقياديّ نداً للرئيس السوريّ بشار الأسد بما يملك الرئيس من صفات معاكسة للجربا من كاريزما وروح قيادة وبراعة حضور إلى المنابر وعبر الشاشات وطول باع ومراس في الحكم وإدارة شؤون البلاد ورؤيا وطنيّة واستراتيجيّة إقليميّة وعالميّة إلخ.
يتعملق الجربا أمام «ندّه» الكبير الحضور والقامة إلاّ أنه يظلّ قزماً مثيراً للشفقة والسخرية خاصة وهو يبكي على «ثورته» المسلوبة وينوح على مصيرها ومصيره التعيسين والمحزنين في المنطلق والأساس!
|