إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

اقتراعٌ للوطن أوّلاً

جورج كعدي - البناء

نسخة للطباعة 2014-06-12

إقرأ ايضاً


يُفرحُ الرئيسَ الأسد، بلا ريب، أن يكون الشعبُ السوريُّ اقترع للوطن من خلاله، فالرئيس والدولة باتا يرمزان منذ اندلاع الأزمة إلى الوطن أكثر منه إلى النظام أو السلطة أو الحزب الحاكم، ولم تبق المسألة بقاء رئيس ونظام بقدر ما تحوّلت إلى بقاء وطن أو زواله. لذلك اقترع السوريّون بالتأكيد لبقاء وطنهم أوّلاً… وبعد ذلك تأتي باقي التفاصيل.

قُلتُ في مقالة سابقة، في هذه الزاوية تحديداً، إنّ سورية تعمّدت طوال هذه المحنة المأساة بالدم والشهادة، وإنّ من «الإيجابيّات» التي تنطوي عليها هذه المأساة وعي الناس قيمة الوطن وكم هو ثمين وغالٍ، وأن لا شيء في الدنيا يعوّض الإنسان عن وطنه لو فقده، وأنّ الوطن وحده يمنح الأمان والدفء والاستقرار والطمأنينة والحماية. الوطن هو الجذور والانتماء والحضن الدافئ، ولو ربح المرء الدنيا كلّها يا جماعة «الائتلاف» و«معارضة الخارج» ومن لفّ لفّكما من زمر الحقد الأعمى والخيانة العظمى وخسر وطنه فهو خاسرٌ نفسه ووجوده وكرامته وهويّته وكل شيء في الدنيا والآخرة.

تألّم الشعب السوريّ إلى حدّ لا يحتمل ولا يطاق طوال سنيّ هذه المحنة المأساة. ذاق طعم النزوح وفقدان السقفين الغاليين اللذين يحميان الإنسان، سقف البيت وسقف الوطن. خسرهما المواطن السوريّ، موالياً أو معارضاً، كليهما. واختبر كثر تجربة الموت أو الإعاقة أو المرض أو الجوع، أو ذاك كلّه معاً، فوعى فداحة الحرب ومأسويّتها، مهما تكن الحرب هذه في نظر البعض «مشروعة» أو «مقدّسة» في المعنى «الجهادي» المتخلّف والشعور المذهبيّ المريض والبغيض أو «حتميّة» و«ثوريّة» و«تاريخيّة»، إلى آخر الشعارات الهزيلة التي رفعت، فيما الحقيقة الوحيدة الساطعة أنّ ما شهدته سورية هو مشروع إسقاط للوطن بكامل مقوّماته، لهدم آخر القلاع الواقفة في وجه استتباب الوضع على نحو تامّ وناجز للمشروع «الإسرائيليّ» في المنطقة، برعاية ودعم وتشجيع وحماية وتأييد من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيّين وبعض أعراب الممالك الصحراويّة الكرتونيّة.

ما من عاقل عادل ومعتدل وذي بصيرة، أيّاً يكن اتجاهه السياسيّ أو موقفه من الدولة والنظام وأشخاصهما، ومهما بلغ شأن معارضته ورفضه الوضع القائم في بلده، يسعه أن ينفي جانب المؤامرة الغربيّة ـ «الإسرائيليّة» ـ العربيّة ـ التركيّة المعدّة منذ سنين لسورية كوطن لا كنظام، وككيان قويّ ومتماسك لا كسلطة وأفراد، بغية إخضاعها وجرّها إلى محور الاستسلام والتطبيع وتصفية القضيّة الفلسطينيّة والعربيّة عامّة، مكرهة وبالقوّة، بعدما يئس الغرب وبعض العرب من إقناع سورية ترغيباً أو ترهيباً بالخروج من محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران اليوم في المنطقة في ظلّ الخيانة العربيّة الخليجيّة، السعوديّة والقطريّة المطبّعة مع «إسرائيل» بشكل خاص، أو تلقى المصير الذي تلقاه من ثلاث سنين ونيّف تدميراً للبشر والحجر في آن واحد ومحاولة الإجهاز على سورية كوطن وكيان وتفكيك الجيش وتشليع المجتمع وتمزيقه طوائف وأعراقاً وأقلّيات، وتسليمه إلى سلطة «إسلامويّة» جاهزة فوراً للتطبيع والسلام الاستسلام مع «إسرائيل» بعد تسلّمها الحكم، وإن فوق أطلال حجر وجثث بشر!

حين وعى الشعب السوريّ، وخاصة جزء كبير منه كان محسوباً على «المعارضة»، أبعاد المؤامرة المجرمة التي تعرّض لها وطنهم ولا يزال، استدار نحو الدولة القائمة الحامية، المدنيّة، اللاطائفيّة، واقترع لأجلها في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، إذ «عرف قيمتها» على ما يقال في التعبير العامّي، وتيقّن من أنها تظلّ البديل الأصلح والأفضل بما لا يقاس من «إسلامويّة» جهاديّة متخلّفة مجرمة حاقدة وحشيّة بلهاء، دمّرت وقتلت وكفّرت وبقرت البطون وفقأت العيون وفرضت «شريعتها» من أزمنة الردّة والرجعة والظلام… فأسقط الشعب المصدوم والمفجوع ملايين اللاءات لها في صناديق الاقتراع، لمصلحة الرئيس الأسد الذي لطالما عمل قدر المتاح وحده من لا يعمل لا يخطئ، ولأنّ الرئيس الأسد عمل في عهديه السابقين فهو أخطأ حكماً، وجُلّ مَن لا يخطئ لإبقاء سورية في صدارة الدول العربيّة انفتاحاً ومدنيّةً وحسن وفادة واستقبال واحتضان لسائر الأشقّاء والمواطنين العرب، وفي مقدّمهم السعوديّون والقطريّون، الذين انقلب بعضهم من الحكام بالتأكيد لا من الشعب العاديّ على طريقة الغدر والطعن في الظهر التي عُرفت عن بعض عربان الصحراء تاريخيّاً، فتآمروا ضدّ سورية التي احتضنتهم بحبّ واستقبلتهم دوماً كأشقّاء أعزّاء من أهل البيت… لكن ما العمل وقد أسهب الكبير ابن خلدون في شرح خصال أولئك البدو الصحراويّين وبخاصة مكرهم وغدرهم وطعنهم في الظهر وحقدهم على البنيان والحضارة!

الصور وتصريحات المواطنين من جميع الانتماءات كانت الأبلغ تعبيراً عن لهفة السوريين إلى استعادة وطنهم الحبيب، العزيز، المفدّى، الحامي، من قبضة الإرهاب والتعصّب والحقد الأجنبيّ والمحلّي الأعمى، وإعادته إلى سابق عهده وطن التاريخ والحضارة والجمال والسياحة والخيرات والعيش الهنيء، رغم بعض المشاكل والنواقص والعيوب التي لا يخلو منها بلد في العالم. السوريّون متشوّقون إلى اللحظة التي يشرعون فيها مع قيادتهم ومسؤوليهم في إعادة بناء ما تهدّم، على نحو أجمل وأحدث عمراناً وتنظيماً، وفي طوي صفحة سنوات الموت والدمار والألم، وفي تعميم المصالحات على كامل أرجاء الوطن السوريّ، وفي استقاء الدروس والعبر ممّا حدث للتأسيس لوطن أكثر مناعةً ومساواةً وعدالةً وحرّية وتنوّعاً، خالياً من الفساد وطبقة الفاسدين والمفسدين والمنتفعين والمحتكرين، ينعم الجميع بخيراته الجمّة ونِعَمه الوفيرة.

سورية عائدة، بملايين الأصوات التي اقترعت للوطن وقائده، قلب المنطقة والعالم الجديد المتشكّل حولها وبفضلها ونتيجة صمودها البطوليّ الإعجازيّ. سورية عائدة وطناً أجمل وأبهى في مختلف النواحي والميادين. بعض شعبها سقط في الوهم والتجربة لكنّه استدرك الموقف وصحّح النهج والمسار وآب إلى جادة الحقّ والصواب فساهم في إنقاذ الوطن من الهلاك. وتكفي الفرحة التي عبّر عنها يوم الاقتراع، فقد أثلجت صدورنا جميعاً وأكّدت لنا عودة الوطن السوريّ سالماً معافى، تشعّ ضياؤه في الأفق غير البعيد.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024