بتاريخ 22/12/2009 نشرنا عن الرفيق الشاعر سعيد طعان صعب، واوردنا عن الديوان الذي اهتمت عقيلته الرفيقة مها صعب باصداره. شقيق الرفيق سعيد، الرفيق رضا صعب، كان بدوره شاعراً، وقومياً اجتماعياً تميّز بايمانه ونشاطه وتفانيه.
ديوانه " صلاة الخرطوش" أصدره بعد عودته الى الوطن عام 1979 وكتب مقدمته الأمين عبدالله قبرصي، وفيه اضاءة وافية عن الرفيق الراحل رضا، شاعريةً والتزاماً قومياً إجتماعياً.
رضا صعب الشاعر القومي العائد
عاد اخيراً الى الوطن بعد غياب عشرين عاماً ونيّف الشاعر القومي الاجتماعي رضا صعب (الشويفات)، فاحتضنه الوطن كما تحتضن الأم الرؤوم ابناءها العائدين من غيبة طويلة. لعل في هذا الاحتضان بعض الوفاء للشاعر الذي اغترب دون ان تغترب بلاده عن قلبه ولا عن خياله ولا عن شعره الرقيق.
لقد حرّضته يوم كنا كلانا مغتربين في فنزويلا المضيافة، وكنت قد سمعت قصائده، ان ينشرها بأي ثمن فهي عصارة أشواقه وإيمانه معاً. وها أن امنيتي تتحقق على خطين: تنشر المجموعة أولاً وأقدمها انا الى القراء ثانياً.
لقد سبق وكتبت مقدمة لمجموعة الشاعر المهجري بولس الدويهي وأسمها " شهر ورد" كما قدمت للشاعر الرفيق رفعت سليم ديوانه "بندقية شاعر". وهذه المقدمة الثالثة. صحيح أني لست مختصاً بالشعر الشعبي فقط ، فقد قدمت أيضاً لديوان أحد كبار شعراء النهضة كمال خير بك في باكورته " البركان " كما قدمت لديوان معلمي نعمان نصر، وقد توفي منذ ما يقارب النصف جيل تاركاً لنا " شقائق النعمان ".
إلا أن إيماني بالشعب حملني دائماً ان اطرب واصفق للشعر المكتوب بلغته، اقتناعاً مني أن للشعر فعل السحر في المشاعر والضمائر، وان الشاعر الشعبي مركز اشعاع اعلامي، وانه من اقوى المحرضين، متى آمن والتهب، على الثورة في سبيل التغيير والتقدم.
وكنت اتصور ان السنين التي احملها على منكبي أضعفت في نفسي الحماس الثوري وأن شجرتي أدركها الجفاف أو اليباس، فإذا بي وأيماني بالقضية القومية الاجتماعية يتصاعد بلا حدود، وبفعل هذا الايمان، اشعر وكأن شبابي ما رحل ولا استضعف، وأن كياني لا يزال يغلي. من هنا تجاوبي المطلق مع قصائد الشاعر رضا صعب، الذي ينطلق من عنوانين معبرين كل التعبير عن شعره القومي: الشاعر الناري وصلاة الخرطوش.
إن هذه القصائد هي بالفعل- في مجملها- نار ورصاص وصواريخ... يذوب فيها كما في قوله:
وهـيـكـي حـيـاة الـشـاعـر الـنـاري مـع كـل بـيت بـينـظـمـو بـيـذوب
ولـولا الـلـهـيـب مـا ذابـت الـشـمـعـة
وبعد فالطابع العام لكل هذا الكتاب هو الطابع القومي، حتى عندما يتغنى بالحب، والفدائيين والشام وفلسطين... ففي كل صفحة نبرة أو نبضة أو نفس قومي. ومن مثلنا العليا، من عقيدتنا، من نضالنا المستميت، يستلهم رضا صعب ابياته واناشيده.
اسمعه يتغزل بالحبيبة، فتتصور أنها احدى عرائسه من لحم ودم، فاذا هي سوريا:
محـبـوبـتي وبالكـون محبـوبـات متـشـابهـه ومتخـالـفه الهـيـآت
لـكـن بـشـكـلا يـنـوجـد هـيـهـات
محـبـوبتي أرقى مـن كـل محبـوبه لـكـنها غـرقى والحـق مسـلوبـه
وقلـبي انكنـو داب هـالـدوبـه عـالـســفـيـنـة قـد مـا دور
سـوريـة الغـرقى ببحـر مـواج سـفـينة خـلاصك شـقت الامواج
المآل اذن والمعاد والأمل والاصلاح والاشواق هي سورية. محور التصور ومدار الخيال ومنبع الوحي والالهام. لا حب فوق حبها ولا غرام أغلى من الغرام بها. وطريق خلاصها في الحزب السوري القومي الاجتماعي " السفينة التي شقت الامواج "...
إن الايمان بالحزب هو الصوت الهادر في أعماق كل منا، وأعماق كل شاعر من شعرائنا. وما سعاده، المؤسس والزعيم إلا التجسيد الحي للحزب، فكأنما هو الحزب من لحم ودم وفكر ومناقب.
لنسمع رضا صعب يغني "الخميرة " فإذا به ينطلق من سعاده ليعود اليه.
سـفـك دمـو فـدى الـغـايـه الـكـبـيـري
ســعـاده جــن فـي الـمــده الاخـيـري
قـلـت يــا نـاس هـذا الـقـول فـاســخ
حـاجـة تـجـادلـوا بـحـجـه قـصـيـري
مــا بـيـطـلـع خـبــز طـيـب ورافـخ
بـلا مـا تـذوب بـالـعـجـنـة الخـمـيـري
اذن القوت الدائم لرضا صعب وشعره هو القضية القومية ومؤسسها سعاده, ومن قُوته الدائم يبدع ديوانه فنأخذ من معجنه
" الخبز الطيب والرافخ ". ليس في هذه المجموعة، فوق السطور أو تحتها إلا الحزب فإذا لم يجدوه باسمه، يجدوا ثماره وتعاليمه ومبادءه وممارساته، أو يجدوه في الفدائيين أو حرب التحرير أو اللاجئين أو صلاة الخرطوشة (قصيدته للمطران الثائر البطل ايلاريون كبوجي، مطران القدس في المنفى).
لنقرأ، هكذا دون انتقاء ولا اختيار- فالمجموعة كرمة كل عنقود فيها طيب- لنقرأ موطن العز.
يـا مـوطـن الـعـز يـا فـردوســنـا المـعـبـود
مـيـن قـال مـيـن قـال انـك ضـايـع ومـفـقـود
بـالـدم بـالـروح بــالـنـيــران بـالـبــارود
مـنـسـتـرجـع الحـق، ومـنـحـفظ وطـن وحـدود
العز اذن بأن نسترجع الحق ونحمي الوطن، واسترجاع الحق وحماية الوطن لا تكون بالاستسلام، كما استسلم السادات في سبيل سلم الخيانة، بل بالدماء والأرواح. انه نداء النهضة، نداء القضية، نداء سعاده، نداء أحرار الأمة، وأحرار العرب واحرار العالم، يعبر عنه الشاعر ببساطة وصفاء. ليس بالكلام ولا بالاستسلام تسترد الحقوق وتحمى الحدود، بل ببذل المهج والأرواح، بالعطاء الاسمى، عطاء الدم بلا حساب. ما كان الحق حجراً ملقى على الطريق (كما قال سعاده في دده الكورة في 16 ايلول 1948) انه في فك الظالمين والغاصبين، أنه في قلب الحيتان والكواسر. لا يمكن انتزاعه إلا بالدم، بالقوة وحدها يسترد الحق وتحمى الحدود والسيادة.
لا تعني البساطة والصفاء في شعر رضا صعب، أنه لا يتصدى للمواضيع الصعبة، لنستمع اليه في الفدائيين واللاجئين ويا شام وشجرة النور وتحيات الى الرفقاء عبر البحار، ولنستمع اليه كيف يقارع الجهل والجهلة.
لـكـن اذا الجـاهـل عـلـى غـيـو ظـل، شـو هـم الـقـمـر عـيـو
الـبـدر بـدر ومــا خـلـق زيــو وان طـل يمـا غـاب بلـيل او بنهـار
مشـعشـع ولـهَّاب وسـاطـع الانـوار بالـقـلـب بـالـروح بـالافـكـار
يـتـابـع حـيـاة وسـنـة الـتـكـويـن
أجل في هذا البيت عمق. ان القمر هنا رمز الحقيقة. فاذا انكرها الناس أو اعترفوا بها تظل هي هي لأنها نابعة من منطق الوجود، بل من منطق المعرفة. اقرارها أو انكارها سيان طالما هي كائنة. القادرون على كشفها والمصارعون من اجلها هم الرابحون، انهم رأوا القمر، فما همّهم أن غاب. انه يظل مشرقاً في عقولهم ونضالهم. بالعقل المصارع تغير وجه التاريخ، لا بالانكار المجاني أو الاقرار المجاني، بالعقل المصارع المنتصر في صميم الشعب، انتصر الحق...
والحب والغزل والحلوات، اليس لها اثر في ديوان صلاة الخرطوش؟ بلى. لأن لا شاعر بلا حب ولا حب بلا شاعر. كل حب فيه شعر، وكل حبيب وحبيبة قصيدة. الشاعر وحده يضفي على الحب وعرائسه الوانه وانغامه، فاذا هن الساحرات الخالدات. صحيح أن الحلوات يملأن الارض، ولكن الشعر وحده يرفعهن من السفوح الى القمم، فمن حصى براقة على الدروب، يصبحن لالئ في أعناق الجبال والجمال.
لنقرأ رضا صعب يتغزل بحبيبته:
وسـاعـه بـعـصـر قـلـبي خمـور وعـا عـونـك بـعـمـل جـولـه
وبـسـكـب شـعر وبسـقي شـعور وبـيـحـي الـشـارب والسـاقـي
والعاطفة المتأججة البالغة حدود الهيام بهذه النهضة العظيمة، تعود فتثور وتتألق وتشتعل عند استقبال الأمينة الاولى زوجة سعاده، بعد خروجها من السجن، وقد مرت في فنزويلا شرقاً وغرباً، وكان لي شرف مرافقتها، فأقيمت لها حفلة في مركيبو- عاصمة فنزويلا الثانية، فاذا برضا صعب يخاطبها باسم القوميين، فيما كانت توزع بركتها وحنوها عليهم وذلك في شهر ايلول 1967:
يـا أخـلـص مـؤمـنة وأول أمـيـنه وإحـدى جـواهـر سـعـادي الـثـمينـة
تـسـع سـنـين ضـليتك سـجـينه وتـسـع مـعـارك بـاسـمـك ربـحـنا
سـعـاده بـالـقـلـوب وبـالمـآقي وبـالافـكـار لـيـل نـهــار بـاقــي
سـعـاده بـزوجـتـو جـينا نـلاقي وجـايـي زوجـتو تـشـوفـو بـنـحنـا
وليس أفضل من أن نختم هذه المقدمة بآية من آيات رضا صعب وهي آية قومية اجتماعية صاخبة اذ يقول:
سـاعـة مـا قـلـب الـوطن بـيـصـيـر كـلـو جـراح
أفـضـل صـلا بـيـنـسـمـع مـن تـم خـرطـوشــه
(من قصيدة في لقاء المطران كبوجي)
لو ان رضا صعب يطل الآن شاعراً لكنت ادعو بأن تدق له البشائر ولكنه من زمان ينظم وينشر، فاذا لم ندق له البشائر عند ميلاده، فلندقها بولادة هذا الديوان... ولنقرأه في هذا الزمن الرديء لنتحول الى نار وخرطوش، لأن لغة الحرب وحدها تفضي الى اقامة مملكة السلم والسلام. سلام الاقوياء هو السلام. سلام الضعفاء هو الاستسلام.
19/04/1979
عبد الله قبرصي
***
من قصائده
الاهدَاء
سـألـنـي لـيـش هالـمسـلـك سـلـكـتـو؟
وفـكـر الـقـارئ مـشـوشـر تـركـتـو؟
جـمـعـت كـتـاب يـا أصـدق صـحــابـي
ومـا هـديـتـو تـا تـتـبـحـبح بـركتـو
ابـتـسـمـت وقـلـت لا تـغـالي بـعـتـابـي
ولا تـسـبّـق عـلـى شـعـري ومـلـكتـو
تـأنـى وخــود عــالــرايــق جــوابــي
انـا هـالـدهـر عـاركـنـي وعـركـتــو
وبـحـب الــواجــب مــذوّب شــبـابـي
وبـفـكـري كـل وجـدانـي شــبـكـتـو
وبــلادي لأجــلـهــا حــامـل عـذابـي
وروحـي بـحـبـهـا جـوهـر ســبـكـتـو
ولأرقـى مـؤسـسـه بـفـضـل انـتـسـابـي
غــزوت الـشـمـس والـبـدر امـتـلـكـتو
ومـشـيّــت الـكـواكــب عــاجـنـابـي
وظــلام الـلـيـل بـمـغـارة حـشـكـتـو
وعـمـمـت الـرســالـي بــاغـتــرابـي
ودم الـتـهـويـد والـعـزلـي ســفـتـكـو
وصـــار الـمـنـبـر يـعـن بـغـيـابــي
اذا جـمـعـه عــلى جـمـعــه تـركـتـو
وبـكــرا عـنــد مـا اطـبـع كـتـابــي
قـبـل مـا جـلـدو بـيـكــرج لـحـالـو
مـشـرّع بـاط لـســعـادي وحـركـتـو
02/02/1979
***
زعـيـمـي
زعـيـمــي مـنـقــذ بــلادي ورجـاهـا
وامـلـهــا فـي مـلـمـتـهـا وشــقـاهـا
أمـلهـا بكـل نكـبـي وكل ضيـقة ضـيـقـة
وحـارســـهـا ورافــع مـســـتـواهــا
أمـلـهـا بـكـل نـكـبـي وكـل ضـيـقـة
وحـارســـهـا عــلـى مـر الـلــيـالـي
هـدم فـيـهـا الابـاطـيـل الـعـتـيـقــة
وابــنـي صـروح عـا بـراج الـمـعــالــي
وعـلـيـهـا أشـرق بـنـور الـحـقـيـقـه
وبــرز فــي جـوهـا بــروز الـغــزالــي
ونـشـلـهـا بـعـد مـا كـانـت غـريـقـه
تتـخـبــط بـلـجـــه مــن دمــاهــا
زعـيـمـي مـطـلـع الـفـجـر ومـطـلـو
ومــبـعـث كـل نــور وكــل هــلــي
عـمـر بـلادنـا الـمـاضـي اســتـهـلـو
بـعـمـر جـديــد خـالـي كــل عـلــي
وجــعلـنـا مـثـل مـا الغـيـر اسـتـقـلوا
بــالافـكـــار امــي مـســتـقـلــي
وبـاسـتـعـداد حـتــى اللـي اسـتـحـلـوا
دمـاهــا نـزتـهـم خــارج حـمــاهــا
زعـيـمـي زهـرة الـعــمـر الـرطـيـبــي
وروح التضـحـيي وقـلــب الـحـمـيــي
ظـهـر فـي بـلاد حـالـتـهـا عـصـيـبــي
الاشــعـة مـن ربــاهـا مـنـطـفـيـــي
ورآهـا بـحـالـة الـثـكـلـى الـكـئـيـبـي
وبـاحـلاك الـديــاجــي مـخـتـفــيـي
سـحــب أنـوار مــن روح الـشــبـيـبـي
وشـكشكـهـا كـواكـب فـي ســمـاهــا
زعـيـمـي كـتـلــة نـبــوغ ومـواهــب
اول مــرســـل ســيــاســي أتـانــا
ولا بـمــذهـب مـذاهــب يــوم ذاهــب
حـتــى نــقـول خـاتــم انـبـيـانــا
نـبـي الــديــن بــالاحــقــاد لاهــب
قـلـب بــلادنــا حــتــى كــوانــا
ونـبـيـنـا بـالـدنـي مــوحـد مـذاهــب
بـمـذهـب ســوريــه لـكـل ســـوري
وفـداه بـدمـنـا نـضـحـي وفـداهـا
|