في 19 كانون الثاني 2010 يقام حفل تكريمي في بلدة قلحات للشاعر الراحل نعمان نصر، الذي قال فيه العلامة الشيخ ابراهيم المنذر مقدماً الطبعة الاولى من ديوان تلميذه الشاعر نعمان، فقيد النبوغ، "شقائق النعمان":
انـعمان اضرمت الاسى في قلوبنــا وغـادرت ربـع الشـعر بعدك مجدبا
نشــأتَ بلبنــانٍ اديباً مدربــاً كأنـك طفت الارض شـرقاً ومغـربا
رأيت بني الدنيا يهيمون في الشـقـا وذا الكون فـي عين الحقيقـة كـالهبا
فآثرت تقصير الحيـاة ولـم تشــأ بقـاءَك في الدنيـا اسـيـراً معـذبا
الى روحك يُهدى ديوانك
ولدت فقيراً، ونشأت أديباً مهذباً، وعانيت شظف العيش فتياً، وقضيت، في أول سن الشباب، دون ان تبلغ من دنياك مناك، فكان الخطب بك جسيماً واللوعة شديدة.
ذلك شأن الأديب، عقل كبير وعمر قصير، كأن الالم حليف القلم، في كل زمان ومكان.
رحم اله الذكاء والادب وبرّد بطيب العفو ثراك، يا نعمان!
*
وكتب مقدمة الديوان الأمين عبدالله قبرصي في كلمة رائعة سننشرها لاحقاً.
*
تعريفاً عن الشاعر نصر، نورد ما نشرته مجلة "المرأة الجديدة" غداة وفاته الباكر.
المـوت نـقـاد عــلـى كـفــه جـواهـر يـختـار مـنـهـا الجـيـاد
مات نعمان نصر – ذوى غصن الأدب الزاهر.
فوجئنا بنعي الشاب الأديب الناهض والشاعر الرقيق نعمان نصر صاحب قصيدة "الأمومة" التي نالت جائزة هذه المجلة في عامها الأول وغيرها من لطيف الشعر الذين زيّنا به صفحاتها، فكان لذلك النعي في النفوس حزن شديد وألم مبرح.
زارنا الفقيد قبل وفاته ببضعة أيام، وهو ممتلىء نشاطاً وهمة وأخبرنا عن مدرسته الوطنية الجديدة التي أسسها في "قلحات-الكورة" وترك بين أيدينا قصيدة جديدة من نظمه عن "اليتيم" فكأنه جاء مودعاً اذ لم يكد يفارقنا حتى انقض علينا خبر وفاته انقضاض الصاعقة فأذهلنا وأدهشنا وآلمنا كثيراً.
يا لهول النكبة ويا لعظم المصاب!
كان الفقيد، وهو لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، شعلة من الذكاء ولم يقتصر نبوغه على الشعر والخيال والادبيات، بل قرن العلم بالعمل، فأقدم، مع حداثة سنه، على تأسيس مدرسة وطنية جرت في سبيل النجاح شوطاً بعيداً في عهد قصير.
كان رحمه الله من أشد انصار المرأة الجديدة وله على صفحاتها أبيات خالدة وقد أعلنا اسمه بين الأدباء الذين يساعدوننا في انشائها وكان أهله واصدقاؤه وجميع عارفيه يعلقون عليه كبير الآمال ويقدرون لهذا الغصن النضير ان يجيء بأطيب الثمار، فجاء الموت وقصفه وقضى على كل هذه الآمال.
ولد الفقيد في "قلحات-الكورة" في شهر ايلول سنة 1902 وتوفي والده وهو صغير ثم فقد والدته من عهد غير بعيد، فانفرد في معاركة الدهر وهو لا يزال غض الاهاب لين العود فكان بجده ونشاطه يتغلب على جسام المصاعب ويخلد اسماً مذكوراً لو لم تعاجله المنية.
درس اللغة العربية على يد الأستاذ الكبير الشيخ ابراهيم المنذر في مدرسة البستان الداخلية في بكفيا قبل الحرب واللغة الافرنسية في مدرسة الفرير في طرابلس بعد الحرب ثم أنشأ مدرسة الصفا في قريته هذا العام وكان يعلل نفسه بدرس الهندسة او الحقوق حالما يجتمع لديه المال المقتضى لذلك فبطشت به يد القدر وقضت على مطامع نفسه الكبيرة.
واذا كـانـت الـنـفـوس كـبـاراً تـعبـت فـي مـرادهـا الاجـسـام
نظم الفقيد الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره ونال جوائز كثيرة ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر بدأت اشعاره وقصائده تظهر خارج جدران المدارس وعلى صفحات الصحف والمجلات فأحرزت اسماً كبيراً وكان للمرأة الجديدة النصيب الاوفر منها حتى أصبحت قصائده آيات بينات.
توفي الفقيد بسكتة قلبية عصر يوم الجمعة في 17 كانون الثاني سنة 1924 وهو يلقي الدروس على طلبته، فكان لمنعاه رنة حزن وأسف في جميع الأنحاء وأقيم له مأتم حافل استنزف الدموع. احتفلت به مدرسة المساواة في أنفة، وأبّنه سيادة مطران طرابلس والارشمندريت ايصائيا عبود وفريق من الأدباء ودفن مبكياً عليه بدموع نثرتها القلوب قبل العيون.
اما المرأة الجديدة التي تربطها بالفقيد صلة أدبية تفوق كل صلة فحزنها عليه أشد وأسفها على فقده أعظم ونكبتها بموته لا تحد
|