شهدت بلدة بزبدين حضور الحزب فيها منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وفيها تميز رفقاء في النضال القومي الاجتماعي، منهم أمين سري الدين، المحامي أديب معضاد، الشاعر كميل طنوس خوري، جميل أبو علي معضاد وزوجته الرفيقة ياقوت، المحامي نايف معضاد، ويستمر في الثبات القومي الاجتماعي الرفقاء فارس سري الدين، فايز سري الدين وشفيق معضاد.
تلك "بزبدين" تستحق ان يُكتب عنها، عن زيارات سعاده إليها، عن مناضليها، عن المأتم الحاشد الذي أقيم للرفيق أديب معضاد والذي قلما شهدت البلدة مأتماً بحجمه.
إحدى محطات تاريخنا الحزبي في بزبدين ما نشرته "صدى النهضة" في عددها 45، تاريخ الخميس 11 نيسان 1946، بعنوان "مثل صالح في حقل البناء القومي". ننشره بالنص الحرفي، للتاريخ، وللتعريف على كيف ينبض القوميون الاجتماعيون بالقدوة في متحداتهم.
أشرنا في عدد مضى إلى رسالة وردت للنادي القومي في بزبدين من هيئة البلدية فيها، تقدر فيها جهود النادي في حل بعض القضايا المحلية المستعصية في تلك البلدة.
ولا نود أن نترك هذا الحادث بدون تعليق، فان فيه رمزاً لنشاط الشبان المخلصين في حقل الاصلاح الداخلي. واننا اذا ما عرضنا له اليوم، فإنما نفعل ذلك لنتخذ منه مثلاً للأعمال الاصلاحية الصامتة التي تقوم بها الفئات المخلصة في البلاد، دون جلبة ولا ضوضاء، دون مصلحة شخصية أو منفعة خاصة، في سبيل جمع الصفوف وتناسي الاحقاد والتغلب على اسباب التفرقة.
كانت بزبدين منذ مدة مسرحاً لتناحر محلي عائلي كبير، اتخذ، كما اتخذ تناحر العائلات في القرى الاخرى، صبغة سياسية محلية، وليس اخير الخلاف حول البلدية والناطور والمختار، وسائر القضايا الصغيرة المماثلة، التي تغرق فيها قرانا، وتنصب عليها جهود القرويين وتتركز حولها عصبياتهم ومناوشاتهم.
وكان ان استفحل امر هذا الخلاف اخيراً عندما عيّن رئيس البلدية ناطوراً في القرية، فانتدبت العائلات المناوئة ناطوراً آخر – وضاعت مصالح القرية بين ناطورين، ينتمي كل منهما إلى "جبهة" من جبهات القرية، ولا يحرس إلا أملاكها، ويتهاون بمصالح الجبهة الاخرى. إزاء هذا الوضع شعر الشبان القوميون بخطورة الموقف، ودعوا وجهاء الجبهتين إلى النادي القومي (وهو النادي التابع لمديرية الحزب القومي في البلدة)، وهناك تجلت روح التجرد القومية والتغلب على العصبيات العائلية لدى القوميين، فتأثر وجهاء البلدة الاكارم بهذا المظهر البديع، واسفر الاجتماع عن تسوية الخلاف وايجاد صلح بين عائلات القرية المتنافرة.
وقد فوّض وجهاء البلدة هيئة النادي القومي بتعيين الناطور الملائم للبلدة، حسماً لإثارة خلاف جديد. فانتدبت الهيئة ناطوراً جديداً هو خير من يعهد إليه بهذا العمل. ووافقت البلدة بكاملها على هذا التعيين.
وتقديراً لهذه الاعمال، دعت البلدية النادي إلى اجتماع، وقدمت لإدارته رسالة الشكر التالية:
حضرة مدير واعضاء النادي القومي في بزبدين المحترمين:
بعد الاحترام: بمناسبة ما ظهر من هيئة ناديكم الكريمة من المساعي الحسنة في سبيل إزالة سوء التفاهم الذي حصل في البلدة من جراء قضية الناطور، لذلك رأت البلدية بأن تشكر لحضرتكم هذه المساعي الطيبة، داعية لناديكم الكريم باطراد الازدهار لخير البلدة و الوطن – وتفضلوا بقبول الاحترام.
بزبدين 31 آذار 1946.
رئيس البلدية: عباس سري الدين.
اعضاء: شفيع دحدوح. نعيم بعقليني. سليمان بو علي معضاد. الياس طوبيا الخوري. جرجس عبيد الجرماني.
وقد علم سعادة المحافظ بهذا التدبير فاغتبط له، وهنأ سكرتيره هيئة النادي على هذا العمل.
اننا بدورنا نهنئ هيئة النادي بنجاحها وبثقة البلدية فيها، ونرى في هذا التغلب على التنافر المحلي والتجرد عن العنعنات العائلية خير رمز لعهد جديد من الحياة القومية الصحيحة التي تسودها الثقة والتعاون والشعور بالمسؤولية.
صدى النهضة العدد 45، الخميس 11 نيسان 1946.
|