عرفته قديماً، وكان ناشطاً في منفذية المتن الشمالي متولياً نظارة الاذاعة، وله حضوره المستمر في المناسبات الحزبية.
ثم انقطعت عنه، الى ان التقيت الرفيق جورج كرم المهاجر في مونريال وكان في زيارة الى بلدته برمانا، ولقاء مع الرفيق شادي المنذر، وبفضلهما عرفت ان الرفيق انيس كنعان، وان بات في وضع صحي بفعل تقدمه في العمر، انما هو مستمر على ايمانه القومي الاجتماعي، على انتاجه الشعري، هو الشاعر المعروف وصاحب دواوين ثلاثة، هي التالية:
غداً كنا (ثلاثية شعرية) عام 1986.
عابر الالفين 1994
مرايا غزالة 2006
*
في ديوانه " مرايا غزالة" ينشر الرفيق الشاعر انيس كنعان مقتطفات من شهادات لشعراء وادباء قيلت في شعره، هذه منها:
الـدكتور ربيـعة ابـي فـاضـل
قال ذات يوم الشيخ عبد الله البستاني لتلميذه امين نخله: " عليكم بالشاعر الذي يحفر صدره بأصابعه، ويطرق منازل للفكر، وعوالم للخواطر، ومواجيد للنفس، لا علم لكم بوجودها، وهناك حثّوا الخطى، وادخلوا الآفاق المترامية. أمّا هؤلاء، جماعة الادب السهل، فإنّ تحت كلّ حجر واحداً منهم! ولا تغرّنّكم السهولة، بل يمّموا ناحية الادب العميق، ذي المسائل والاغراض البعيدة ".
خطرت ببالي هذه الفكرة عندما طالعت قصائد انيس كنعان وفيها طَرْقٌ لمنازل الفكر، وسفر في الرموز الدينيّة، واستحضار لماضٍ، واستشراف ومعاناة، بلغة تلبس الموسيقى، تطبعها الحدّة والحرارة، لم تغرها تجربة السهولة دائماً لأنّ بعض هاجسها نقلنا الى عالم نورانيّ، على انقاض عالمٍ شُوِّهَ الخلق فيه، والروح تناديه ليخلع انسانه العتيق ويلبس الجديد.
انت مع انيس كنعان تعبر ذاتك وذاته، فهو ليس من شعراء الضوء والبساطة! والزهر والغبطة الدائمة، بل هو من الشعراء المقضيّ عليهم بالقيود الدائمة على قمّة قوقازهم، تنهش النسور اكبادهم، ويؤلمهم انّهم يعانون ولم تفرح البشريّة بعد بنار سرقوها لها، كي تكون سعيدة، كي تتخطّى ذاتها.
فالرجل متمرّد بالكلمة، غضبه بنّاء ثائر كحرّاس الخير على ابواب الجنّة، يرغب في تحويل نار هذه الارض الى نور... في قصائد مكتنزة، موجزة، محرورة.
بصورة موحية قال كنعان ما يقوله المؤرّخون بألوف الكلمات!..
ونجد في ديوانه لفظات تذكّرنا بخليل حاوي ولغته الناريّة.
كيف لا وهما شاهدان معاً على اغتيال الانسان وهزيمة الحضارة، وتغرّب الامّة؟.
الامـين الشـهيد بشـير عبـيد
خلتُ ان قصائد انيس كنعان قُصَّت من قلبه وسَحَبَتْ منه شرايين ألغازه وأسالت لفائف اسراره كما يسيل الماء من الينبوع، وأطيب الطيّبات طرف المرارة اللاذع من كلّ غبّة حلاوة كأنها الخمرة المرّة المعتّقة لا تدري لذّتها في حلاوتها ام في مرارتها...
مَن هذا الذي جاء يذكّرنا بفؤاد سليمان وامثاله، بحكايات التمزّق واساطير الحب؟.
هو الاديب بلحمه ودمه حتّى اطراف اظافره... اديب ذو نفس كبيرة يضرب في بحار حياتنا بمجذاف من البراعة والصدق، وآخر من الكبر والمرارة، في شراع اسطوريّ من الحبّ والعبادة.
الـشاعر محمّد علـي شمـس الـديـن
قصيدة انيس كنعان من " قصائد الفكرة" اي من الشعر الذي يبني عالمه وعلاقاته وهوّيته على " المعنى"... حيث ينسج الشاعر حول " نواة القصيدة" اللغة والصورة والايماءات، فضلاً عن الحكمة والمثل...
لا شكّ انّ انيس كنعان شاعر متمرّس بأصوليّة الشعر العربيّ، فضلاً عن تمرّسه بفقه اللغة العربيّة واصولها ايضاً... وهذه السمة هي سمة جيّدة لشاعر يرغب في التطوير والحداثة.... ومعرفة انيس كنعان بالاصول تظهر واضحة في حسن استعماله للنواة النغميّة للوزن (التفعيلة) وعدم خروجه عليها من جهة، ولضبط ثنائيّات القوافي ضبطاً جيّداً وغير مفتعل، ممّا يعطي قصيدته انسياباً ايقاعيّاً رائعاً للأذن، والعين ايضاً... وهذا الشرط في امتلاك الاصول لا غنى عنه، كما اشرنا، للتجديد والتغيير... والحقيقة انّ هذه المتانة الاصوليّة العروضيّة من جهة، واللغويّة والنحويّة من جهة ثانية، تمنح الشاعر عدّة حسنة لكتابة القصيدة.
قصيدة انيس كنعان حسنة الايقاع والصيغة والفكرة... وليت شعراء ذوي اسماء معروفة وطنّانة لديهم هذه الاصوليّة المتطوّرة.
**
مــن شـعـره:
مــا بيـن النهــريــن
دنـيا تـميـدُ وتنـطـوي آفــاقْ
وَيَـغـيمُ بيـرقُ مـجدكِ الـخـفّاقْ
مـنـارةَ التــاريـخ يـا عـراقْ
انشـودةَ النـهريـنِ والـخلـيجْ
مَنًّا وسـلـوى وغِـلالاً وأَريــجْ
بـاكـورةَ القـصـورِ والعـروشِ
والـحــدائـقِ الـمـعلَّـقَهْ
مَـهْــدَ الــحـضــاراتِ
ومــرآةَ الـسماءِ الـمشرقَـهْ
يــا عُــرْسَ ســامُـرَّاءْ
وَقُــدْسَ كــربــلاءْ
اعجـوبةُ العـجائـبِ السـبـعِ رَوَتْـها
سُـومَـرٌ وبـابـلٌ ونيـنـوى
عـواصـمُ الفـنـونِ والـعـلومِ والـهـوى
ألـعَـفْـوَ يــا بـغـدادْ
مــديـنـةَ الـسـلامْ
سَـلـيلَـةَ الاَمْـجـادْ
وقِـبْلَــةَ الاحــلامْ
يـا عُـمْـقَـنا العـريـقَ يـا عـراقْ
مَـحَـجَّـةَ الاشــواقْ
اليــومَ تَصْـطَـكُّ الـرُفـاتُ
لِـوَطْءِ اقـدامِ الغُــزاةِ الـمارِقـيـنْ
تغــتـالُ اأَْـواحَ الشـرائِـعِ
مِـنْ بَنـيكِ الـمبـدعـيـنْ
الـيـومَ تَـهْتِـكُ قُـوَّةٌ عَمْـيـا
هَـيَاكِـلَ إرْثِـكِ الـميـمـونْ
فـإذا العـراقُ صـحيـفةٌ دَمْـيـاءُ
تَنْـعَى لِلأَنـامِ مـآثـرَ الاجـيـالْ
عـنـوانـهـا شـريـعةُ الأَدْغـالْ
وَتُـنَـصِّـبُ الأصـنامَ نـاراً وحـديـدْ
لِجُـنـوحـها الآلـيِّ دونَ الــروحِ
فــي العـصر الـجـديـدْ
واذا سَـلَـكْـتِ الـيومَ يـا بغــدادُ
دَرْبَ الـجُـلْـجُلَهْ
فَغَـداً لِنـاظــرهِ قــريـبْ
والمِـحْـنَةُ الظـلـماءُ يـجلو عَـتْـمَـها
الـحَقُّ السَـلـيـبْ
وستـشرقـيـن وانـتِ انـتِ
هـلالُ مـوطِـنِنَـا الـخـصـيـبْ
**
أرجـوانـيّ الـمـرايـا
عــرس قــانـا
صفـحـة اخــرى لـعـرسٍ آخـرٍ
فـــي ارض قـانـا
حـضــريٌّ عـرسُــنا اليــومَ
علـى انـقـاضِ قـانــا
صـحـنه اشـلاءُ اطـفـالٍ
وكــأس الـخـمرِ شــريانُ دمـانـا
وَحَـمامُ العـصرِ نـفّـاثٌ جـحـيمـيٌّ
تـهادى فـي سـمــانـا
أبـيــضُ الأعـراسِ وَلَّـى
أرجـوانـيُّ الـمرايـا عـرسُ قـانـا
مـذبــحٌ قـربــانُـهُ الاعـمـارُ
شـيـباً رُضَّـعاً إِنْسـاً وَجــانـا
أيّـها الـتاريـخ سجّـل آيـةً اخــرى
لِمَـا فـاتَ الـعــوادي مـن رُؤانــا
عـرسُ قـانـا بِـدْعـةُ الاجــيـالِ
أُولـى الـمعـجــزاتْ
حيــث عــذراءُ تـباهـتْ
بـوقـــار الامّـهـاتْ
" لتـكـن خـمـرٌ" وكــانــت
وانـثـنى الـحـفلُ يـوالـي
مهـرجـانَ الـحبِّ مـن روح الـدوالــي
ايُّ ذكـرى ايُّ غِـبْـطَــهْ
عـرس قـانـا للتـواريـخ مـحـطَّـهْ
ومـزارُ الـمـؤمـنـينْ
ومـلاذُ العـاشـقـينْ
كيــف دالــتْ دولــةُ الافــراحِ
فـي العـصـرِ الْــعَـجَـبْ
وغـدا دُرُّ الثـريّاتِ الــنديّـاتِ
عـنـاقـيدَ غَـضَـبْ
لعـنةُ التــاريـخ قـومٌ شُـرَّدٌ
شُـذّاذُ آفــاقٍ
ولا ارضٌ ولا بـيـتٌ ولا قــبرٌ
ولا ظِــلٌّ نـخـيلَـهْ
وتـنادَوْا دولـةً مِسْــخاً
عـلـى رُكـنِ جـمـاجـمْ
وظُـلامـاتِ مـغـانـمْ
هـو شـمـشـمونُ تغـاوى بضـفيـراتِ دلـيلَهْ
وتــهاوى شِـلْـوَ غـيلَــهْ
هـو يـومٌ فــي انقـلابـاتِ الــزمـانْ
وهـــو شَـرْعُ اللــه
لا بُـدَّ لـنارٍ تـأكــل الـنارَ
ومـا خَـلَّ الــرهـانْ
**
الـرفـيق انيـس جـرجـي كنـعان:
- والدته: ايفون سماحة
- مواليد: 1933- الخنشارة
- الدروس الابتدائية في اليسوعية
- التكميلية في المدرسة البطريركية – بيروت.
- شهادة معهد الصحافة في القاهرة بالمراسلة 1961.
- مدرّس في " المعهد اللبناني" – بيت شباب 1954 وفي " المدرسة البطريركية" – بيروت 1955.
- محررّ في الصحافة من العام 1961 حتى 1975 ما بين مجلّة " الاسبوع العربي" وجريدة " النهار" وجريدة "الجريدة" وله مقالات موزّعة في الصحف البيروتيّة.
- رئيس تحرير " وكالة انباء بيروت" 1974 – 1975.
- صاحب وكالة سياحة وعلاقات عامّة منذ العام 1977 في برمّانا.
|