الآن وبعد ان انكشفت الأسرار وأزيلت الستائر وخرج ما كان مخفياً في السرائر والضمائر، وانْ كان معروفاً ومكشوفاً لدى الأحرار والأبرار من أبناء هذه الأمة، فلا بدّ أن نستعرض السجل العام لموقف ودور الأعراب في القضية الفلسطينية والمساهمة في تحقيق أحلام اليهود في الاستيطان وإقامة دولة.. منذ نشأت تلك الفكرة الى اليوم..
في البداية عرضت فكرة البرنامج الصهيوني المتضمّن سكن اليهود في فلسطين من مختلف أنحاء العالم على شريف مكة الأمير حسين فوافق عليها مشترطاً عدم تكوين دولة وكتب الى ابنه الأمير فيصل يبلغه فيها بأنه وافق على طلب اليهود السكن في فلسطين بعد ان تلقى تأكيداً بريطانياً بأنّ وجود اليهود في فلسطين لن يتعارض مع استقلال العرب؟!
وتبعاً لذلك التقى الأمير فيصل ابن الحسين بوايزمن في 4 تموز 1918 في منطقة العقبة بحضور الكولونيل جويس وهو ضابط بريطاني كان يرافق وايزمن… وبنتيجة هذا اللقاء وافق الأمير على تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي حدّده وايزمن والقاضي بإسكان اليهود في فلسطين دون توطينهم وإقامة دولة لهم؟!
ونتيجة هذا اللقاء رأى الأمير إمكان تنفيذ البرنامج الصهيوني إذا كان كما حدّده وايزمن لا يؤدّي الى توطين اليهود في فلسطين، وكذلك كان ردّ فعل والده الشريف حسين الذي استجاب لفكرة إقامة اليهود في فلسطين مع اعتراضه على تكوين دولة يهودية فيها.
منذ البداية لم نكن نؤمن بقضية بقدر ما كنا نرسم لمصالح فردية آنية فنهب الأرض والأوطان كما نهب «نعجة» او جملاً ونذبح شاة لضيف قادم! هكذا كان يفعل أهل الحلِّ والربط فينا، هكذا بكلّ بساطة وسذاجة وتواطؤ وغباء ودون ايّ تفكير بمصير أهل فلسطين وتغلب اليهود العددي على السكان باتساع نطاق الهجرة، كما حدث فعلاً في ما بعد. وإذا عدنا الى العام 1914. وتابعنا حركة التزايد السكاني لتكوّنت لدينا صورة واضحة شاملة عما أحدثه هذا القرار وهذا السخاء، ففي حين لم يتجاوز عدد اليهود في فلسطين كلها عام 1914 60 ألف شخص، نرى انّ عددهم بلغ716699 شخص في أيار 1948 يقابلهم 156000 فلسطيني في المنطقة اليهودية حسب قرار التقسيم.
ويقول الكاتب الأميركي ديفيد ديوك عضو الكونغرس الأميركي الأسبق في كتابه «الصحوة»، صفحة 301 ما يلي:
دققت الأرقام التي أشار إليها الإحصاء البريطاني عام 1922 كان اليهود في ذلك الوقت يشكلون 10 من السكان، وفي آخر إحصاء مماثل أجري في العام الذي سبق إنشاء دولة «إسرائيل»، كان اليهود قد بلغوا حوالي 50 من سكان المنطقة التي أصبحت في ما بعد إسرائيل . وكان الفلسطينيون حينذاك يملكون 93.5 من الأرض. كانت الحقائق دامغة، لقد شقّ المهاجرون الصهاينة طريقهم بالقوة عبر فلسطين دون إرادة السكان، ومن ثم قاموا بطرد السكان من بيوتهم بقوة السلاح، وسرقوا أرضهم وممتلكاتهم.
لم يخف اليهود نواياهم وأعلنوها صراحة وبوضوح منذ القرن التاسع عشر بإقامة دولة يهودية واعتبار فلسطين قاعدتها والتي حدودها من الغرب شمالاً الى النيل جنوباً زاعمين انها «موطن إسرائيل التاريخي الأول»، والتي رأوا انها الوسيلة الوحيدة التي تؤدّي إلى انتظام اليهود في سلك الأمم الأخرى، ومن أهدافها أيضاً قطع الصلة العربية بين فلسطين وامتدادها المجاور.
وبرز الدور العربي الثاني في أسرة شريف مكة من الملك عبدالله ابن الحسين شقيق فيصل.
منذ البداية كانت النوايا غير صادقة لدى الملك عبدالله ابن الحسين. والده وافق على ان يتوطن اليهود في فلسطين وكذلك أخاه فيصل، وكان قد وُعد من قبل هيئة الأمم واليهود بأن تضمّ اليه القسم العربي الذي يبقى من فلسطين بعد تقسيمها بين العرب واليهود ويولونه ملكاً عليها. بنى الملك عبدالله مواقفه كلها على هذا الأساس وكما مرّ معنا.
ويقول عبدالله التل الجنرال الأردني في كتابه كارثة فلسطين :
اجتمع الملك عبدالله ووزير خارجية اسرائيل «شرتوك» في نيسان 1948 بعد قرار الزحف الرسمي العربي وتوافق معه على قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه. وانّ غولدا مائير التي تولت وزارة الخارجية في ما بعد زارت الملك عبدالله ليلة 11/12/1948 وتحدثت معه في ما اعتزمت عليه الدول العربية من الزحف على فلسطين وذكّرته بما بينه وبين شرتوك، من اتفاق وعرضت عليه استعداد «إسرائيل» للاعتراف بضمّ القسم العربي الى تاجه مقابل عدم اشتراك جيشه الذي كان أقوى الجيوش التي زحفت وأكثرها عدداً في الزحف، وانّ الملك اعتذر عن عدم الزحف لأنّ في ذلك خروج على الإجماع العربي ولكنه تعهّد بأن لا يحارب الجيشان العراقي والأردني اليهود! وأن يقفا عند الحدود التي رسمها التقسيم .
ولم يكن هذا موقفاً شخصياً ناشئاً عن مطامع شخصية للملك عبدالله تغلّبت على المصلحة القومية العليا، وإنما هو موقف وسياسة لقادة وسياسيي ذلك الظرف في الأردن وعرب الخليج، واذا كنا كرّرنا هذه المواقف فلأنّ الشيء بالشيء يُذكر.
صرفت الأموال دون حساب وبسخاء في مختلف أنحاء العالم.. ولكن المخيمات واللاجئين من الفلسطينيين في الشتات ما نالهم حتى الرذاذ، كان العربان اسخياء مع العالم كله إلا مع الفلسطينيين أو أبناء البلاد العربية عندما يحتاجون.. يهدم الأقصى وتوضع الخطط للاستيلاء عليه وعلى قبة الصخرة وحائط البراق فلا تسمع لهم صوتاً ولا اعتراضاً..
وأبسط الأمثلة على السخاء والكرم اليعربي الذي لم يتوقف ما وهبته السعودية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة للرياض في شهر أيار الماضي، أكثر من 480 مليار دولار، وعندما حدثت كارثة كاترينا في أميركا في 5 أيلول 2015 انهمرت تبرّعات دول الخليج، وكتبت وقتها مقالاً قلت فيه «أميركا الموت منك ومن كاترينا يكفينا…»
وحدثت كارثة التسونامي في «نيو أورليانز» بأميركا فتهافتت الدول الخليجية الى فتح صناديقها للتبرّع والدعم ومساعدة منكوبي تسونامي، فدفعت الكويت مليار دولار وقطر مليارين والسعودية خمسة مليارات وكذلك سارع رجال المال والأعمال وتبرّعوا وزايدوا بسخاء.. وكتبتُ مقالاً وقتها قلت فيه «زايدوا لفلسطين كما زايدتم لتسونامي». والبارز في هذا كله انّ تسونامي حدثت في وقت اتخذت فيه أميركا والغرب موقفاً سلبياً من حكومة عباس حيث رفضوا التعامل معها وحاصروها وحرموها من الأموال والمساعدات، واستجارت حكومة حماس بالعرب كلهم ولكن لا حياة لمن تنادي، فقط إيران تبرّعت بمئة مليون دولار، والعرب كلهم «على الوعد يا كمون».
حسمت السعودية مبكراً موقفها من حرب تموز، فاختارت حزب الله لموقع الجلاد، موجِّهة سهام الانتقادات له، بعد عملية أسر الجنديين الإسرائيليين.
ولم يكد يمضي يومان على اندلاع الحرب، وتحديداً في الرابع عشر من تموز، حتى خرج مصدر سعودي مسؤول في بيان لينتقد المغامرة غير المحسوبة، ويحمّل الحزب مسؤولية التسبّب بالحرب، واضعاً للمقاومة جملة من الشروط حتى تحوز صفة الشرعية، وتنال الدعم العربي.
والبيان الذي تضمّن هجوماً عنيفاً على حزب الله، معتبراً انّ «الوقت قد حان حتى تتحمّل هذه العناصر المسؤولية الكاملة وحدها عن أفعالها غير المسؤولة، وانّ هذه العناصر وحدها مسؤولة عن إنهاء الأزمة التي خلقتها»، علقت السفارة الاميركية عليه بالقول انه يشكل «تحذيراً واضحاً الى حزب الله، وحماس، وداعميهم الإيرانيين، انهم هم من بدأوا الأزمة الأخيرة، وانّ افعالهم لا تؤثر فقط على اللبنانيين والفلسطينيين، بل على بقية العالم العربي أيضاً، وانهم لا يمكنهم توقع تعاطف ولو بسيط او دعم اذا لم ينهوا ما بدأوه».
ملك البحرين أيضاً: نشر موقع ويكيليكس وثائق جديدة، قامت بنشرها ايضاً صحيفة «الغارديان» البريطانية. وتضمّنت هذه الوثائق معلومات حول العلاقات الوطيدة التي تربط ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مع الموساد الاسرائيلي.
هذا المكوّن من مشاعر ومواقف الأعراب تجاه قضية فلسطين.. جاء اليوم وقت تحويلها الى أفعال.. فمسيلمة الكذاب ألف الآيات وادّعى النبوة ولكنه في النهاية سار على درب الكفر المكشوف.. اليوم كشف كامل للأوراق والملفات وأصبحت التحية اليومية «شالوم»..
أشعلوا الحروب في الشام والعراق وضدّ المقاومة في لبنان. مخيّمات ومشرّدون.. إعانات وإعاشات بالبطاقة توزع عليهم فتات المأكولات وأموال وخيرات الله لا حصة لهم فيها، فالأعراب يهبونها للأسياد..
انّ التاريخ يعيد نفسه مع أمراء وملوك ورؤساء هذا الزمن الرديء… الذين أصبحوا بمجموعهم الحرس الخاص لدول الاستعمار.
لم يكن العدو لينجح في الماضي والحاضر لولا الخيانات والعمالة التي قدّمنا نماذج عنها وليس بكاملها، وما كان لنا ان نبقى صامدين لولا انّ فئة مؤمنة نذرت نفسها من أجل صون كرامة أمتها وأمن شعبها… وكانت الأمل المستقبلي المشرق. «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، ولولا إيمان هذه النخبة من صفوة أبناء الأمة بصحة مسارها ووضوح رؤيتها لما مهّدت طريق الحياة لأجيال مقبلة… انها مؤمنة، بأنّ طريقنا طويلة وشاقة وهي طريق الحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الاموات فيسقطون على جوانب الطريق…
يتهاوى الخونة ويرتفع الأبطال والشهداء الذين هم طليعة الانتصارات، وأكرم من في الدنيا والآخرة… كلّ مناضل في هذه الأمة مؤمن بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها… وليكن كلّ واحد منا مؤمناً بأنّ من تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أضرّ في سير الجهاد وحياتنا مع وجود هذا العدو جهاد مستمرّ يجعل كلّ مواطن منا خفيراً ساهراً واعياً يقظاً في المدرسة والمتراس، في البيع والشراء في اليقظة والمنام، لأنّ آلاماً عظيمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ تنتظر كلّ مؤمن فينا..
ما نراه اليوم هو عناوين مستقبلية… تشير إلى بدء العمل في الجزء الثاني من مشروع «إسرائيل»، «أرضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل». أليس انسياق دول العروبة وراء الانظمة الغربية الداعمة لـ»إسرائيل» الطامعة بثروتنا المحطمة لمن يمانع ويقاوم، هي عنوان مذلة؟ ومن عناوين المؤامرة ما صرّح به نتنياهو بالأمس إذ قال: يجب إلغاء منظمة الإغاثة اونروا .. وهذا يعني انه لم يعد هناك فلسطينيون لاجئون لأنه سيجري توطينهم حيث هم.. ولا يحتاجون للاونروا .
لماذا نخدع أنفسنا دائماً بترداد الأشعار الحماسية والحديث عن الأمجاد ونغمض العيون عن العيوب، والخيانات، «إذا لم تحدّد المرض عبثاً تطلب الشفاء».
ونختم بالآية الكريمة: «والاعراب أشدّ كفراً ونفاقاً».
|