الاستقلال لا يُمنح ولا يوهب ولا يُعطى، الاستقلال يُنتزع من مستبدّ ويُبنى بسواعد ودماء أبناء الأمة، والاستقلال ليس يوماً محدّداً، إنه عمر وطن وتاريخ أمة، واليوم المحدّد هو تاريخ ميلاد ووقفة العزّ، هذه الوقفة التي وقفها القوميون الاجتماعيون اسوة بكلّ الوقفات المماثلة بتاريخ الأمة، وقفة في وجه مستعمر مغتصب.
في ذكرى الاستقلال ويوم الاحتفالات نستعيد الوقفة البطولية التي وقفها الشهيد سعيد فخر الدين واستشهد خلالها وكان أوّل شهيد يسقط من أجل مقاومة الاستعمار.
سعيد فخر الدين هو القومي الاجتماعي من بلدة عين عنوب قضاء عاليه ولد في عام 1908 وانتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1941.
ارتقى شهيداً في 17 تشرين الثاني من العام 1943 على مفرق بشامون ـ عين عنوب.
حاول الافرنسيون احتلال مقرّ الحكومة في بشامون بعد أن اعتقلت سلطات الاستعمار رئيسي الجمهورية والوزارة وعدد من المسؤولين ونقلتهم الى قلعة راشيا الوادي… فأنشأ من بقي غير معتقل من الوزراء وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان مقراً مؤقتاً للحكومة في بشامون.
وتمركز عدد من أبناء المنطقة للدفاع عن حكومة بشامون كما سمّيت من هؤلاء كان عدد من القوميين يتقدّمون الصفوف منهم: الرفقاء أديب البعيني وسعيد فخر الدين وعادل قائدبيه.
ونسرد هنا بعض ما رواه الرفيق أديب البعيني كتابة عن معركة بشامون قال:
اثنان كانا معه يرفعان الحجارة اندفع أحد المجاهدين سعيد فخر الدين وتأهّب ليلقي قنبلة يدوية على إحدى الدبابات، تعرّض بعمله هذا لرصاص المتراليوز الذي كان وراء السنسال فأصيب من العدو وخرّ شهيداً والقنبلة في يده. ومن شدّة المقاومة تمكن العدو من الهرب تحت حماية الرصاص الذي كان يضرب من أوّل عين عنوب الى أن كشفه متراليوز الحرس وقتل ثلاثة من رجاله فولى هارباً.
وجاء في كتاب ولادة الاستقلال تأليف منير تقي الدين مدير عام وزارة الدفاع ما يلي:
فلما اعترضت الصخور طريق المصفحة الأولى ترجّل منها جنديان راحا يحاولان رفع الحجارة من الطريق بينما أخذت المصفحة تطلق النار ذات اليمين وذات اليسار لتحمي نزول الجنديين فقابلها الحرس بالمثل فصرع الجنديان حالاً وأخذ الرصاص يتساقط على المصفّحة المتقدّمة والمصفحتين المتأخرتين. عند ذلك خرج من وراء المتاريس شاب قفز الى الطريق وقذف المصفّحة بقنبلة يدوية فانهال عليه رشاش من الرصاص مزّقه تمزيقاً. انه سعيد فخر الدين من عين عنوب، وقد رأيته بأمّ العين يخاطر بنفسه ويقوم بأعمال يعجز اللسان عن وصفها رحمه الله».
اما الرفيق عادل قائدبيه فروى ما جرى حيث قال:
«في الواقع انّ الشهيد سعيد كان منبطحاً وراء تلة الزيتونة، كان شجاعاً. إلا انه لم يكن مدرّباً كفاية. وعندما وقف ليقذف القنبلة اليدوية المجهّزة نحو المصفحة ونظره موجّه الى الساحة في الاتجاه الغربي، عاجله ضابط افرنسي من الخلف برشق من رشاشه أصابه على طول ظهره. وسقط يسقي بدمه تلك الزيتونة الخالدة لمدة ساعة وأكثر.
بعد انسحاب المصفّحات هرع رفقاؤه ولفوه بلحاف ثم حملوه على باب خشبي عتيق واتجهوا به نزولاً في هذا الدرج المجاور للسنديانة. إلا انه كان قد نزف كثيراً من دمه. فلفظ أنفاسه وهو في الطريق قرب الشويفات فعادوا به ودفنوه في مأتم متواضع جداً. انّ ذلك المشهد المهيب لا يمكن أن أنساه أبداً».
وانه لمن المؤسف والمحزن انّ السلطة اللبنانية بحكوماتها المتعاقبة قد تعمّدت تجاهل ذكرى استشهاد بطل الاستقلال الوحيد سعيد فخر الدين. فلم تقم له نصباً ولم تجر له احتفالاً في حين أسبغت على رموز الطبقة الحاكمة أدواراً مختلقة في الاستقلال لا يستحقونها وبالغت في تكريمهم وتخليدهم وجرى تناسي ابن الشعب الذي جاد بدمه في سبيل الاستقلال.
بعد الانتهاء من المعركة صدر عن الحكومة بلاغ رقم 1 جاء فيه:
هاجمت قوات افرنسية مسلحة مركز الحكومة الشرعية في بشامون مساء الاثنين في 15 تشرين الثاني 1943 فردّتها وحدات الحرس الوطني دون خسائر في النفوس. وفي صباح اليوم الثاني شنّت القوات المصفّحة الفرنسية هجوماً عنيفاً على المركز المذكور فردّت على أعقابها أربع مرات متوالية حتى الساعة الثالثة بعد الظهر وسقط بعض القتلى والجرحى من الجنود السنغاليين وفقدنا شهيداً واحداً يُدعى سعيد فخر الدين من عين عنوب.
وجرت مناقشات في مجلس النواب وكثر المدّعون للبطولة والعنجهيات في عام 1969 في ذكرى الاستقلال فوقف كمال جنبلاط وقال: «لمَ التحاجج لقد سقط شهيد واحد في معركة استقلال لبنان عام 1943 اسمه سعيد فخر الدين وهو سوري قومي اجتماعي».
وبعد ثلاث سنوات صدر المرسوم الجمهوري رقم 9377 بمنح ميدالية الجهاد الوطني.
انّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها.
|